اغتيال “نصر الله”:دلالات “ذروة” التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله

وصلت حلقات الاستهداف الإسرائيلي لحزب الله اللبناني إلى ذروتها، وذلك مع الاستهداف العنيف الذي حدث أمس الأول، الجمعة 28 سبتمبر 2024، للضاحية الجنوبية لبيروت، ليُعلن على وقع هذه العملية عن اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وعدد من قادة الحزب، وقد ارتبطت أهمية هذه العملية بمجموعة من العوامل الرئيسية التي ترتبط من جانب بطبيعة المُستهدف والخسائر التي ترتبت عليها، إذ أنها استهدفت رأس الهرم التنظيمي لحزب الله وقائده المركزي والتاريخي، ومن جانب آخر فإنها تزامنت مع سياقات عبرت في مجملها عن توجه إسرائيلي نحو المزيد من التصعيد على الجبهة اللبنانية، بما في ذلك احتمالية الإقدام على تنفيذ عملية برية في الجنوب اللبناني.

ماهية عملية الضاحية الجنوبية

شن سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، وقد كان الملاحظ أن هذه الغارات كانت الأعنف في مسار التصعيد بين الحزب وإسرائيل منذ اندلاع المواجهات بينهما في 8 أكتوبر 2023، فضلاً عن طبيعة الهدف من هذه الغارات، والذي حددته الدوائر الرسمية في إسرائيل بأنه اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، ويمكن بيان خطورة وخصوصية عمليات إسرائيل تجاه حزب الله في 28 سبتمبر 2024 في ضوء الاعتبارات التالية:

1- الغارات الأعنف ضد الضاحية الجنوبية لبيروت: مثلت الغارات التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي الغارات المستمرة حتى اللحظة، الحلقة الأخطر في مسار التصعيد بين الجانبين، حيث كانت هذه الغارات هي الأعنف منذ بدء استهداف إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت، الجدير بالذكر أن إسرائيل بدأت في الخروج عن قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بينها وبين حزب الله اللبناني عبر استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت لأول مرة في يناير الماضي، عندما اغتالت نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري، لكن وتيرة استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت كانت قد اتخذت منحى مختلف منذ مطلع سبتمبر الجاري، إذ أن استهداف الضاحية والتي تعد المعقل الرئيسي لحزب الله في لبنان، بات أمراً متكرراً، وصولاً إلى ذروته في العملية الأخيرة.

وفي إطار هذه العملية، تُشير المعطيات والحيثيات التي نشرها الجانب الإسرائيلي وكذا الجانب اللبناني بما في ذلك حزب الله، إلى أن الاستهداف العنيف الذي حدث تم ضد المقر المركزي لحزب الله اللبناني وبالقرب من مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، وتم عبر مجموعة متتالية من الغارات، مما أدى إلى تسوية هذه المباني التي تقع في قلب الضاحية بالأرض، وقد تمت العملية بالتزامن لـ “نصر الله” مع عدد من قيادات حزب الله، كذلك فقد شكل الاحتلال الإسرائيلي حزاماً نارياً على المنطقة الواقعة بين طريق المطار وحارة حريك، ما يعكس أن إسرائيل انتقلت إلى مرحلة أكثر تصعيداً تجمع بين القصف العنيف والغير مسبوق، والاعتماد على الاختراق الاستخباراتي، وتمثلت الأهداف الرئيسية للعملية في التالي: استهداف المقار المركزية لحزب الله، واستمرار سياسة الاغتيالات وتوسعها لتصل إلى سلم الهرم التنظيمي للحزب باغتيال حسن نصر الله، وزيادة معدلات النزوح الداخلي من الضاحية، وتأكيد فكرة “اليد الطولى” وأن جغرافيا الاستهداف الإسرائيلي سوف تطال كافة الأهداف والمواقع المهمة للحزب.

2- إعلان إسرائيل رفض مقترحات التهدئة: كان اللافت في هذا التصعيد الذي تبنته إسرائيل، أنه جاء بالتزامن مع قيادة الولايات المتحدة وفرنسا لما قيل أنه مبادرة جديدة تم طرحها في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجنب مزيد من التصعيد في لبنان، والتوصل إلى “هدنة مؤقتة”، واستئناف جهود وقف إطلاق النار في غزة، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في اجتماع لمجلس الأمن بشأن لبنان، إن باريس تعمل مع واشنطن على وقف مؤقت لإطلاق النار في لبنان، لمدة 21 يوماً للسماح بالمفاوضات. وذكر أن الخطة الأمريكية الفرنسية لوقف إطلاق النار المؤقت في لبنان “ستعلن قريباً جداً”، ودعا وزير الخارجية الفرنسي الطرفين لقبول وقف إطلاق النار المؤقت “دون تأخير”. وقال: “لبنان الذي أصبح ضعيفاً بالفعل لن يتمكن من التعافي إذا اندلعت حرب بين إسرائيل وحزب الله”.

وعملياً يحمل هذا التصعيد الإسرائيلي وتزامنه مع هذه التحركات الدبلوماسية الأمريكية الفرنسية مجموعة من الدلالات المهمة، أولها أن اليمين المتطرف في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو يقول -عملياً- أنه غير معني بأي مبادرات للتهدئة، وثانيها أن هذا التحرك هو جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية الرامية إلى تفخيخ أي جهود لوقف إطلاق النار، وقد تجسد ذلك واقعيا في أكثر من مناسبة كان أبرزها التصعيد الأخير في الضاحية، ومن قبل اغتيال إسماعيل هنية في ذروة كثافة المباحثات التي تقودها الولايات المتحدة ومصر وقطر لوقف إطلاق النار في غزة، وثالثها أن إسرائيل تبعث برسائل مفادها الرهان على الحل العسكري لتسوية ملف الجبهة الشمالية للأراضي المحتلة.

3- رسائل “نتنياهو” في الأمم المتحدة: أحد الملاحظات الرئيسية على مشهد التصعيد الأخير في الضاحية الجنوبية لبيروت، أنه تزامن مع الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان من المشاهد اللافتة أن “نتنياهو” نشر صورة عبرت عن تركه اجتماعات الأمم المتحدة من أجل إعطاء أوامر تنفيذ الضربات التي تمت على ضاحية بيروت الجنوبية، وكان الملاحظ في هذا السياق أن خطاب “نتنياهو” روج للعديد من المغالطات والأكاذيب، ومنها أولاً الترويج لسردية أن “إسرائيل منفتحة على السلام”، رغم أن حكومة “نتنياهو” وهي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، تُغلق الباب عملياً أمام أي مسارات للسلام من خلال التصعيد الجاري في غزة والضفة ولبنان، وتتبنى إجراءات تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وثانيها الترويج لسردية أن “عملية السابع من أكتوبر أعاقت مسألة التطبيع السعودي الإسرائيلي”، رغم أن السعودية أعلنت عبر مسؤوليها في أكثر من مناسبة أن الطريق إلى تحقيق التطبيع يبدأ من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وثالثها الترويج لمزاعم بخصوص الجبهة اللبنانية ومنها أن “حزب الله يستخدم المدنيين كدروع بشرية، وأنه يستخدم المستشفيات كمقار للأسلحة ومنصات لإطلاق الصواريخ، وأن حرب إسرائيل ليست مع الشعب اللبناني”، رغم أن الواقع العملي يُثبت أن هذه الادعاءات كانت مدخلاً لتمرير الجرائم الإسرائيلية، وأن الضحية الأكبر للعمليات الإسرائيلية ليست من مقاتلي حزب الله بل هي من اللبنانيين المدنيين العزل، ورابعها “إعلان أن إسرائيل تُركز كل جهودها على استعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس”، رغم أن الواقع العملي يؤكد أن مسألة المحتجزين باتت آخر أولويات “نتنياهو” وهو محور الخلاف الرئيسي بين “نتنياهو” والعديد من القوى الفاعلة في الداخل الإسرائيلي، فضلاً عن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

4- إعلان ضمني عن بدء الحرب على لبنان: كانت عمليات يوم الجمعة، ضد الضاحية الجنوبية لبيروت، إعلاناً ضمنياً عن بدء الحرب الموسعة على الأراضي اللبنانية، ويُمكن الاستدلال على ذلك من خلال أكثر من مؤشر، أولها أن هذه العمليات الأخيرة جاءت بالتزامن مع رسائل من “نتنياهو” في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه مصمم على مواصلة التصعيد العسكري ضد حزب الله، وثانيها أنها جاءت في أعقاب حشد عسكري إسرائيلي كبير على حدود الجبهة الشمالية، من خلال استدعاء بعض لواءات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، وثالثها أن العمليات تزامنت مع استمرار القصف العنيف على الجنوب اللبناني وقراه، ما يعني عملياً تمهيد الجغرافيا اللبنانية لعملية برية محتملة، ورابعها تأكيد مسؤولين إسرائيليين وفق إعلام عبري أن “العملية البرية في الجنوب باتت قريبة، حتى وإن كان محتملاً أن تكون قصيرة المدى” وهي التصريحات التي عبرت في أحد أبعادها عن اتجاهات التحرك الإسرائيلي في الفترة المقبلة تجاه الجبهة اللبنانية، وخامسها أن تجربة حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل كانت قد حملت نفس المعالم، حيث بدأت باستهداف عنيف للضاحية مع التركيز وقتها على مجمع الإمام الحسن، ولاحقاً الاجتياح البري للجنوب اللبناني، لكن بنك الأهداف الإسرائيلي قد يتوسع في حالة اليوم متسلحاً بحالة النشوة الإسرائيلية نتيجة اغتيال “نصر الله” وكافة القيادات في الصف الأول لحزب الله، جنباً إلى جنب مع عدم فاعلية أي ضغوط دولية لردع إسرائيل ووقف هذه الحالة التصعيدية، ولعل أحد المؤشرات على ذلك يتمثل في انتقال إسرائيل من مربع الاستهدافات الدقيقة والاستخباراتية إلى ثلاث مستويات خطيرة، وهي: تكثيف الغارات الجوية على الضاحية، وتهديد الدولة اللبنانية نفسها بادعاء أن مطار بيروت يحوي مخازن أسلحة، وقصف مربعات سكنية بعد مطالبات بإجلائها.

5- استهداف مكامن القوة لدى حزب الله: تعمل إسرائيل من خلال هذه الضربات المتتالية تجاه حزب الله، وتبني استراتيجية الصدمة على تطويق مكامن القوة لدى حزب الله اللبناني، وذلك على أكثر من مستوى، أولها الاعتماد بشكل مكثف على سياسة الاغتيالات خصوصاً لقادة الصف الأول في الحزب، وثانيها تصدير سردية اختراق الحزب بشكل كبير، من خلال استهداف البنية المعلوماتية لحزب الله، وتصدير سردية معرفة كافة تحركات قادته واجتماعاتهم، وثالثها العمل بشكل مكثف على استهداف البنى التحتية لحزب الله، وخصوصاً منصات إطلاق الصواريخ القريبة ناحية الجنوب اللبناني باعتبار هذه المنصات الأقرب للأراضي المحتلة، ما يُضعف القدرات القتالية لحزب الله في ثنايا التصعيد الجاري، ورابعها يرتبط بما أشارت إليه تقارير من أن الاستهداف الأخير للضاحية الجنوبية لبيروت، تزامن مع قصف إسرائيل على تمركز لقوات الجيش السوري على الحدود مع لبنان وبالتحديد قرب كفير يابوس في ريف دمشق، واستهداف موقعاً لسرية مشاة من اللواء 18 قرب الفرقة العاشرة بالجيش السوري، ما يعكس أن إسرائيل تسعى إلى حرمان الحزب من طرق الإمداد المحتملة عبر الأراضي السورية للتعويض عن خسائره في الحرب، فضلاً عن غلق الباب أمام أي تهديدات قد تأتي من ناحية الجولان المحتل، وتستهدف هذه الاستراتيجية الإسرائيلية تطويق حزب الله، وحرمانه من مصادر قوته.

6- رمزية “حسن نصر الله” لدى الحزب: كانت خصوصية عملية 28 سبتمبر ضد الضاحية الجنوبية لبيروت، مرتبطة بطبيعة المستهدف، وهو الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، ومع إعلان الجيش الإسرائيلي عن نجاح عملية الاغتيال ضد “نصر الله”، ونعي حزب الله لأمينه العام، تُعد هذه العملية أهم العمليات النوعية التي نفذتها إسرائيل ضد محور المقاومة وذلك على وقع رمزية “نصر الله” ومكانته في هذا المحور، ويُدلل على ذلك تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت التي قال فيها إن “عملية اغتيال حسن نصر الله هي الأهم في تاريخ إسرائيل”، وتصريحات “نتنياهو” بأن “هذه العملية سوف تساهم في تغيير توازنات القوة في الشرق الأوسط”.

وترتبط رمزية “نصر الله” بكونه يُنسب له خصوصاً من محور المقاومة الفضل الأكبر في العديد من المنجزات التي حققها الحزب في الثلاث عقود الماضية منذ توليه رئاسة الحزب عام 1992 وهو ابن الخمسة وثلاثين عاماً، سواءً على مستوى المعارك التي خاضها ضد إسرائيل لا سيما في 1993، و1996، و2000 و2006، فضلاً عن أن مقتل ابنه “هادي” في معارك 1997 كان قد أعطى الرجل المزيد من المكانة الرمزية، أو على مستوى بناء القدرات القتالية والعسكرية للحزب والتي وصلت إلى مستوى شديد التقدم في السنوات الأخيرة، أو على مستوى الإسناد المستمر منه للقضية الفلسطينية، وتعزز كل هذه الاعتبارات والمعطيات من خطورة وخصوصية العملية الإسرائيلية الأخيرة، كما أن إسرائيل وعبر اغتيال “نصر الله” وعلي الكركي، تكون قد اغتالت غالبية قادة المجلس الجهادي للحزب ومجلس الشورى الخاص به، الأمر الذي قد يعقبه أزمات تنظيمية عديدة بالنسبة لحزب الله، إذ لم يتبق من المجلس الجهادي للحزب سوى القيادي طلال حمية (مسؤول العمليات الخارجية للحزب)، والقيادي خليل حرب أو أبو مصطفى حرب (كان المستشار العسكري لحسن نصر الله لسنوات)، وبالنسبة لمجلس شورى الحزب (الذي يتم منه اختيار الأمين العام للحزب) لم يتبق منه أيضاً سوى قياديين اثنين هما القيادي محمد يزبك، والقيادي هاشم صفي الدين (المرشح الأقرب لخلافة حسن نصر الله).

7- تطويق الحاضنة الشعبية لحزب الله: في ثنايا مناقشة الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للضاحية الجنوبية لبيروت، وهو الاستهداف العنيف المستمر حتى وقت كتابة هذا المقال، يجب الإشارة إلى مجموعة من الاعتبارات المهمة، أولها أن الضاحية الجنوبية لبيروت تمثل المعقل الرئيسي لحزب الله في لبنان خصوصاً على المستوى السياسي والمدني، وثانيها أن الضاحية تضم الحاضنة الشعبية للحزب خصوصاً من الطائفة الشيعية، وثالثها أنها تضم نحو مليون مواطن غالبيتهم من الطائفة الشيعية، وتنعكس هذه المعطيات على أثر الضربات الإسرائيلية والاستهداف المتكرر للضاحية، إذا ما وضعناها جنباً إلى جنب مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجهها الدولة اللبنانية حالياً، على مسألة البيئة الحاضنة للحزب، خصوصاً وأن إسرائيل تُركز بشكل كبير على تأليب هذه البيئة الحاضنة ضد الحزب عبر هذه الضربات التي فاقت كل التوقعات والتقديرات، خصوصاً من خلال الترويج لسرديات أن “إسرائيل ليست في حرب مع اللبنانيين، وأن حزب الله يجر المصائب على الشعب اللبناني”.

8- سياسة ” الحرب النفسية”: تسعى إسرائيل إلى الجمع بين نمط التصعيد العسكري الفج والذي يصل إلى مستوى جرائم الحرب ضد لبنان وليس حزب الله فقط، وبين الحرب النفسية التي تمارسها من أجل إرهاب اللبنانيين، ويتم تمرير هذه الحرب من خلال العديد من الأدوات والأنماط، ومنها: الكم الضخم من المعلومات والادعاءات التي يروج لها الإعلام الإسرائيلي على نطاق واسع، التحذيرات التي تنامت في الأيام الماضية بضرورة إخلاء العديد من المربعات السكانية في ضاحية بيروت الجنوبية، التسويق لتكنولوجيا الاختراق الإسرائيلية وأنه يتم توظيفها في إطار التصعيد مع حزب الله، المزيد من إرهاب اللبنانيين عبر الرسائل المرتبطة بسياسة “اليد الطولى”.

التداعيات المحتملة

يحمل هذا التصعيد الإسرائيلي والذي أدى إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني العديد من التداعيات المهمة على مسار التصعيد بين الجانبين، وهو ما يمكن تناوله في إطار الأبعاد التالية:

1- ارتباك داخلي لحزب الله اللبناني: تدفع العملية الإسرائيلية الأخيرة باتجاه المزيد من الارتباك الداخلي في صفوف حزب الله اللبناني، وذلك على أكثر من مستوى، أولها أن عملية إعادة هيكلة صفوف الحزب سوف تكون حالياً شديدة الصعوبة، خصوصاً في ضوء اغتيال كافة قيادات الصف الأول للحزب خصوصاً من المجلس الجهادي والتنظيمي، وثانيها أن عملية إعادة بناء الهيكل الخاص بحزب الله تأتي وسط حرب هي الأعنف بينه وبين إسرائيل، ما يفرض المزيد من التحديات، وثالثها أن الشعور بوجود اختراق إسرائيلي كبير للحزب سواءً على المستوى التكنولوجي أو البشري يفرض المزيد من التحديات على هذه المسألة، ورابعها أنه بالتزامن مع ذلك يوجد حاجة إلى ترتيب الأولويات القتالية لحزب الله، وبحث المسار الذي سيتعامل به الحزب مع هذا التصعيد الإسرائيلي الغير مسبوق.

وفي هذا السياق تذهب بعض التقديرات إلى أن الشخصية الأبرز المرشحة لخلافة “نصر الله” في قيادة حزب الله اللبناني هو هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب (الذي يُعتبر حكومة الحزب)، وهو ابن خالة  نصر الله وصهر قاسم سليماني، القائد السابق لـ«فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، وذلك لأكثر من اعتبار بعضها يرتبط بعلاقاته القوية بالجناحين السياسي والعسكري بالحزب، أو لجهة كونه أحد المطلعين على كافة الملفات الحيوية بالنسبة لحزب الله، أو لجهة كونه مطروحاً منذ سنوات، أيضاً وفي ذات السياق يظل القيادي محمد يزبك أحد الأسماء المطروحة ولكن بنسبة أقل من “صفي الدين”، بالإضافة لأن بعض التقديرات تذهب لاحتمالية اختيار شخص عسكري لقيادة الحزب للمرة الأولى، كتعبير عن التحدي لإسرائيل، على غرار ما فعلته حماس عندما اختارت يحي السنوار لرئاسة المكتب السياسي للحركة.

2- زيادة بنك الأهداف الإسرائيلية في لبنان: يبدو أن السيناريو الأكثر واقعية حالياً والذي تكشفه التحركات الإسرائيلية، فضلاً عن التصريحات الرسمية لمسؤولي دولة الاحتلال، جنباً إلى جنب مع حالة النشوة التي تعيشها إسرائيل حالياً، يتمثل في إقدام إسرائيل على توسيع رقعة الحرب مع لبنان وتحويلها إلى غزة ثانية، ويبدو أن الخطوة الأولى في هذا الإطار سوف تتمثل في تكثيف عمليات القصف في الجنوب من أجل تهيئة جغرافيا الجنوب اللبناني لاجتياح بري إسرائيلي، لكن أهداف إسرائيل قد تتسع وتستغل السياقات الحالية من أجل الدفع باتجاه اجتياح واسع قد يطال حتى الضاحية الجنوبية لبيروت، من أجل استغلال الفرصة الراهنة للدفع باتجاه تفكيك كافة الألوية العسكرية لحزب الله اللبناني، بل إن بعض التقديرات تذهب إلى احتمالية سعي إسرائيل لاحتلال بعض مناطق جنوب لبنان على غرار ما حدث في العملية المعروفة بـ “عملية الليطاني” عام 1978، ولا يجب هنا إغفال العامل الأمريكي خصوصاً وأن الولايات المتحدة وعلى ما يبدو قد أرجأت ملف وقف إطلاق النار ووقف التصعيد في المنطقة إلى مرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية، بما يعني أننا قد نكون أمام حرب طويلة الأمد في لبنان.

3- فرض الحرب على حزب الله: تفرض كافة المعطيات الراهنة سواءً لجهة توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان وما يشبه الإجماع داخل إسرائيل على قرار الحرب، أو لجهة اغتيال كافة قيادات الصف الأول للحزب، أو لجهة سعي الحزب للرد على كل الضربات التي تلقاها في الأيام الأخيرة خصوصاً، تفرض على الحزب تجاوز قواعد الاشتباك التي تجاوزتها إسرائيل منذ فترة، بما يعني أن أولويات الحزب خلال الأيام المقبلة قد تُركز على بعض مساحات التحرك الرئيسية، وأولها تسكين الأزمة الداخلية عبر المعالجة النسبية لأزمة الشغور القيادي، وثانيها استمرار الهجمات وتكثيفها فيما يتصل بالعمق الإسرائيلي وخصوصاً ما بعد حيفا وفي تل أبيب، بل واحتمالية التوجه نحو استهداف المنشآت الطاقوية والاقتصادية والسياسية المهمة في إسرائيل، وثالثها استعداد الحزب لسيناريو الاجتياح البري الإسرائيلي للجنوب اللبناني.

وختاماً يمكن القول إن إسرائيل وعبر هذا الكم الغير مسبوق من الاستهداف للضحاية الجنوبية لبيروت، وتوسيع بنك الأهداف الخاص بها ليشمل اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وعبر حالة الحشد العسكري الكبير على الحدود المحتلة مع لبنان، فإنها تدفع باتجاه اجتياح محتمل تجاه الأراضي اللبنانية، وسعي لتحويل لبنان إلى غزة ثانية، وهو سيناريو بات مطروحاً أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً وأن إسرائيل ترى في السياق الحالي فرصة مواتية لتحقيق كافة أهدافها في لبنان، لكن ذلك لا يعني أن هذه المهمة سوف تكون يسيرة، في ضوء بعض العوامل الرئيسية، أولها القدرات القتالية والعسكرية الكبيرة لحزب الله والتي لم يستخدم أغلبها حتى اللحظة، وثانيها أن هذه المعركة سوف تكون معركة وجودية بالنسبة لحزب الله اللبناني، وثالثها أن هناك تصريحات من مسؤولين إيرانيين بإرسال مقاتلين خلال الأيام المقبلة إلى لبنان، ورابعها أن مبدأ وحدة الساحات قد يتحقق أكثر من أي وقت مضى وقد نشهل اشتعالاً لبعض الجبهات خصوصاً في البحر الأحمر، وناحية الجولان السوري، وخامسها أن حزب الله من أنماط المجموعات التي تعمل وفقاً لاستراتيجيات تتماهى مع فكرة اللامركزية، ما يقلل بشكل نسبي من أثر أزمة الشغور القيادي في ثنايا التصعيد الراهن.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M