ستعتمد قدرة الحزب على إعادة بناء قوته العسكرية على إعادة إيران تخزين ترسانته؛ وفي غضون ذلك، من المرجح أن يحاول شن المزيد من الهجمات الإرهابية في الخارج.
حتى الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية التي تستهدف إسرائيل لا يمكنها إخفاء حقيقة مفادها أن “حزب الله”، الجوهرة في تاج “محور المقاومة” التابع لطهران، لم يعد قائماً كما كنا نعرفه. وبما أن “حزب الله” كان العمود الفقري لهذه الشبكة من الوكلاء المتشددين، فإن استراتيجية إيران في تسليح هذه الجماعات ونشرها في جميع أنحاء المنطقة أصبحت فجأة في خطر.
ومع ذلك، في حين تم القضاء على قيادات “حزب الله” وتدهور قدراته العسكرية بشكل كبير، إلا أنه لا يزال يحتفظ بترسانة من الصواريخ وكادر من عدة آلاف من المقاتلين. وسيستمر في تشكيل تهديدات عسكرية قوية لإسرائيل ولبنان والمنطقة الأوسع نطاقاً. ومن المؤكد أن “حزب الله” يتوق للانتقام من إسرائيل بعد مقتل إمينه العام الذي استمر في زعامة الحزب لثلاثة عقود، حسن نصر الله، في غارة جوية، إلا أن قدرته العسكرية اليوم على تنفيذ ذلك أقل بكثير. ونتيجة لذلك، قد يلجأ “حزب الله” إلى التخطيط لأعمال إرهابية دولية تستهدف المصالح الإسرائيلية أو اليهود في الخارج، كما فعل مراراً عبر السنين. ففي إحدى الحالات، تم الإبلاغ عن ضبط عميل تابع لـ “حزب الله”وهو يخزن ثلاثة أطنان مترية من المواد المتفجرة في أربعة عقارات شمال غرب لندن.
إن قصة استنزاف “حزب الله” تبدو وكأنها حبكة لرواية تشويقية. ففي غضون بضعة أيام، هاجمت القوات الإسرائيلية أنظمة الاتصالات التابعة لـ “حزب الله”، وعطّلت مئات المقاتلين الذين انفجرت أجهزة النداء والراديو الخاصة بهم، وقتلت عدداً كبيراً من كبار قادة “حزب الله”، مما أدى إلى تدمير الهيكل القيادي للحزب. كما دمرت غارة جوية إسرائيلية المقر العملياتي لـ “حزب الله”، الواقع تحت عمارة سكنية في جنوب بيروت، مما أسفر عن مقتل الأمين العام حسن نصر الله، إلى جانب قادة آخرين من “حزب الله”و”الحرس الثوري” الإيراني.
وقد استهدفت الضربات الجوية الإسرائيلية صواريخ “حزب الله” وقاذفاته، كما قادت قوات المغاوير الإسرائيلية العشرات من الغارات السرية إلى داخل لبنان، حيث عطلت الأسلحة التي زودتها إيران لـ “حزب الله”ورسمت خرائط ودمرت أنفاق الهجوم التابعة للحزب ومناطق الإطلاق والبنية التحتية الأخرى في القرى على الجانب اللبناني من الحدود. وفي يوم الثلاثاء، عبرت القوات الإسرائيلية الحدود إلى لبنان، وقامت بتفكيك المزيد من البنية الأساسية لمنع هجوم عبر الحدود من قبل “حزب الله”على شمال إسرائيل على غرار هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
إن النجاح السريع لإسرائيل ضد “حزب الله” هو نتيجة لهيمنتها الاستخباراتية. ويأتي ذلك في أعقاب تحوّل كبير في أساليب جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية بعد آخر حرب لإسرائيل مع “حزب الله” في عام 2006. ويقدر المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون أن إسرائيل دمرت حوالي نصف مخزون “حزب الله” من الصواريخ في الأسابيع الأخيرة، لكن الحزب لا يزال يحتفظ بترسانة من الطائرات المسيرة للاستطلاع والهجوم، وما بين 60,000 إلى 100,000 صاروخ وقذيفة، كما لا يزال قادراً على إطلاقها في عمق إسرائيل. وفي الأول من تشرين الأول/أكتوبر، سقط صاروخ لـ “حزب الله” في بلدة كفر قاسم العربية في وسط إسرائيل.
ويتم إسقاط معظم هذه المقذوفات بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو أنها تخطئ أهدافها، وفي بعض الأحيان يدّعي “حزب الله” شن هجمات لم تحدث قط. على سبيل المثال، أعلن الحزب في 1 تشرين الأول/أكتوبر أنه أطلق صواريخ على قاعدة جوية إسرائيلية في “سديه دوف” شمال تل أبيب. ولكن تلك القاعدة أُغلِقَت قبل عدة سنوات وأصبحت الآن قطعة أرض رملية فارغة تنتظر تطويرها سكنياً.
ومع ذلك، تظل هذه الصواريخ خطيرة للغاية. فبعد أن قتلت إحدى الضربات الإسرائيلية قائداً بارزاً في “حزب الله”، أطلق الحزب حوالي 100 صاروخ على إسرائيل في 22 أيلول/سبتمبر، استهدف بعضها مدينة حيفا. وفي الأسبوع الماضي، وفي خضم الحملة الجوية الإسرائيلية ضد “حزب الله”، أطلق الحزب صاروخاً على تل أبيب للمرة الأولى، كما أطلق صواريخ على المدينة مجدداً هذا الأسبوع. ولكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه مع مقتل العديد من قادة الحزب الرئيسيين في فترة زمنية قصيرة، فقد تضررت بشدة بنية القيادة والسيطرة لـ “حزب الله”. ولم يتبق سوى عدد قليل من القادة الذين يمكنهم إصدار أوامر بإطلاق الصواريخ، مما يُفسّر سبب عدم قيام الحزب بإطلاق دفعات أكبر من الصواريخ على إسرائيل. وقد يُفسّر هذا أيضاً لماذا – على الرغم من تعهد نائب الأمين العام لـ “حزب الله” نعيم قاسم، عبر شاشة التلفزيون بمواجهة الجيش الإسرائيلي إذا دخل جنوب لبنان – كان رد الفعل الفعلي لـ “حزب الله” هو الانسحاب من المنطقة وإنكار دخول القوات الإسرائيلية إلى لبنان على الإطلاق.
وفي الوقت نفسه، مع قيام الجنود الإسرائيليين بتفكيك بنية “حزب الله” الهجومية في جنوب لبنان، ووجود قوة عسكرية كبيرة تدافع عن الحدود، قد يكون من الصعب للغاية على “حزب الله” اليوم تنفيذ هجوم عبر الحدود. وفي الواقع، وفقاً للسلطات الإسرائيلية، عندما قتلوا القائد في “حزب الله” إبراهيم عقيل في غارة جوية بعد وقت قصير من انفجار أجهزة النداء والراديو الخاصة بـ “حزب الله”، كان هو والقادة الذين كان يجتمع معهم يخططون لمثل هذا التوغل في الأراضي الإسرائيلية.
كيف سيحاول الحزب الانتقام لمقتل نصر الله وسط هذه الانتكاسات العسكرية؟ من المرجح أن يلجأ “حزب الله” إلى أعمال الإرهاب الدولي، التي يشرف عليها أحد العناصر القليلة في الحزب التي لم تفقد بعد قادتها الرئيسيين. فـ “الوحدة 910″، المعروفة أيضاً باسم “منظمة الجهاد الإسلامي” أو “منظمة الأمن الخارجي”، هي المسؤولة عن المخططات الإرهابية العالمية. ويقودها طلال حمية ونائبه خالد قاسم، وتحافظ “الوحدة 910” على شبكات من العملاء في جميع أنحاء العالم الذين يقومون بمراقبة الأهداف المحتملة وينتظرون تنفيذ المخططات عندما يتم توجيههم بذلك (من قيادة) “حزب الله” في لبنان.
ووفقاً لتقييمات المسؤولين الأمريكيين، فإن وجود خطط مسبقة جاهزة “يشكل مكوناً أساسياً من الخطة الإرهابية لـ «حزب الله»“. ووصف علي كوراني، أحد عملاء “حزب الله” الذي تم اعتقاله في نيويورك في عام 2017 وأدين في النهاية بتهم الإرهاب، وصف نفسه بأنه “عضو في «الوحدة 910»، والمعروفة أيضاً باسم «الجهاد الإسلامي» أو العمليات السرية لـ «حزب الله»“. وعندما سُئل من قبل عملاء “مكتب التحقيقات الفيدرالي” الأمريكي تحت أي ظروف يمكن أن يتلقى أوامر بتنفيذ هجوم في الولايات المتحدة، حدد كوراني سيناريوهين: اغتيال حسن نصر الله أو حرب بين إسرائيل وإيران. بعبارة أخرى، وضع مشابه تماماً للوضع الذي نعيشه الآن.
إن “حزب الله” لم ينتهِ بعد، لكنه على الأرجح لن يكون التنظيم نفسه الذي كان عليه قبل بضعة أسابيع فقط. وسيتم ترقية مقاتلين أصغر سناً، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت لكي يكتسبوا الخبرة التي كانت لدى أسلافهم. وسيخلف شخص ما نصر الله، لكنه بلا شك سيكون أقل كاريزما ومهارة من الزعيم الراحل. ولن يكون من السهل استبدال الأنفاق والبنية الأساسية الأخرى التي بناها “حزب الله” على مدى سنوات عديدة، وبتكاليف باهظة.
ولكن المعيار الحقيقي لمعرفة ما إذا كان الحزب سيتمكن من إعادة بناء نفسه، حتى على مدى سنوات طويلة، هو ما إذا كانت إيران قادرة على إعادة تزويد “حزب الله” بترسانته المتطورة. إن شبكة وكلاء إيران، من “حزب الله” إلى “حماس” إلى الحوثيين ــ لا تقل خطورة عما هي عليه اليوم بسبب تزويد إيران لهم بالأسلحة والمال. وأياً كان ما سيفعله “حزب الله” بعد ذلك، يجب على الحكومات الغربية أن تعطي الأولوية لقطع قدرة طهران على تسليح وكلائها وتمويلهم.