توظيف التكنولوجيا التواصلية في الصراعات الدولية

إذا كانت هذه التقنيات الحديثة التي توصل لها العقل البشري المبدع ووجدت من اجل مساعدة الانسان وتبسيط وحل مشاكل الحياة فإن التساؤل الذي يعرض هنا عن المخاطر التي تحيط بالفكر الإنساني، ومن ذلك مخاطر توظيف التكنولوجيا الالكترونية في القتل والتدمير ومراقبة حياة الناس وزجها في اتون الصراعات القذرة…

قد لا يبدو استعمال التكنولوجيا بمختلف صنوفها موضوعاً جديداً في الصراعات والحروب فقد عرف العالم دخول التكنولوجيا منذ عقود في الصراعات والحروب بين الدول بدءا منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن الفارق بين استعمال الماضي والحاضر، هو ان التكنولوجيا كانت تستعمل في حدود معينة مثل التطوير على مستوى الأسلحة، والادوار التي تقوم بها أجهزة الأقمار الصناعية وما يرتبط بها الى جانب تقنيات أخرى.

ومن ذلك أيضا استعمال التكنولوجيا فيما عرف بحرب النجوم بين الاتحاد السوفيتي السابق وخصومه من دول الغرب مثل الولايات المتحدة الامريكية، وقد كانت هذه الوسائل تستعمل في خانة الحروب الرسمية على المستوى العسكري بالتحديد وان استعملت في استهدافات مدنية أخرى فتكون محددة على الأطر الاستخباراتية والتجسسية، فالجريمة الإلكترونية Cyber crime أو جرائم تقنية المعلومات، ذات الفعل الإجرامي الجديد الذي ظهر مع التطور التكنولوجي والطفرة النوعية الرقمية التي بات يعرفها الفضاء التواصلي المفتوح عبر الإنترنت الى جانب تقنيات أخرى ظهرت على الساحة مثل الحروب السيبرانية.

ومع التطور الحاصل في عالم التكنولوجيا خاصة في العقد الأخير من هذا القرن عندما تطورات أجيال التكنولوجيا لتكون متداخلة مع كل تفاصيل الحياة وفي المقابل تطور أدوات الدول والكيانات في استغلالها لاسيما الدول المصدرة لها اذا لم تعد التكنولوجيا بمختلف صنوفها الالكترونية والرقمية مقتصرة على الوظائف الصناعية او التقنيات العسكرية في عالم اليوم وانما أصبحت وسيلة عسكرية قتالية تدميرية تسعى من خلالها الدول والكيانات لاسيما الكيانات المارقة مثل إسرائيل في استهدافات وتدمير خصومها في أي وقت تشاء وبغض النظر عن الحالة المدنية او العسكرية.

فقبل عدة سنوات لم تجد صحيفة التليغراف البريطانية وصفاً أكثر مناسبة من وصفها بالجرائم الالكترونية لتعنون به تقريراً عمّا قام به الأسترالي برينتون تارانت، الذي قتل 51 شخصاً داخل مسجدين في نيوزيلندا، بينما كان يحمل فوق رأسه كاميرا تبثّ جريمته لمتابعيه على الهواء مباشرة، مستخدماً منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي.

بالمقابل ومثلما كانت أجهزة الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية وسيلة في استهداف السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب العاصمة الإيرانية طهران بعد تعقب هاتفه الشخصي ذو الصناعة الامريكية، وقامت إسرائيل في توظيف ذات التكنولوجيا في استهداف أعضاء حزب الله في لبنان بعد ان انفجرت العديد من أجهزة الاتصال اللاسلكية (البيجر) التي يستخدمها رجال الحزب ما تسبب في سقوط عدد كبير من الشهداء وأكثر من 2800 مصاب في مناطق مختلفة من لبنان في العاصمة بيروت وفي الجنوب، كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان إصابة ما لا يقل عن 14 شخصاً في مناطق متفرقة من سوريا خلال انفجارات مرتبطة بالانفجارات التي سُجلت في لبنان على حد قوله، والبيجر هو جهاز لاسلكي صغير كان يُستخدم بشكل شائع قبل انتشار الهواتف المحمولة لإرسال واستقبال رسائل نصية قصيرة أو تنبيهات، ويعتمد عمل البيجر على إرسال إشارات عبر الشبكات اللاسلكية، وكانت تستخدم بشكل رئيسي في المستشفيات، والشركات، وبين رجال الأمن، وأحياناً قليلة بين الأفراد، وبتقنيات مقاربة تم استهداف قيادات أخرى في عدد من دول العالم، ومن ذلك استهداف السيد قاسم سليماني قائد فيلق القدس قرب مطار بغداد الى جانب استهداف السيد أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.

وبهذا الصدد يوجه يوسي ميلمان، أحد مؤلفي كتاب (جواسيس ضد الكارثة) أصابع الاتهام في حادث انفجار الأجهزة اللاسلكية إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، وقال الكاتب الذي قدم مؤلفات أخرى تتحدث عن الاستخبارات الإسرائيلية، “إن هذا الانفجار يحمل كل السمات المميزة لعمليات الموساد، لقد زرع شخص ما متفجرات صغيرة أو برامج ضارة في داخل أجهزة النداء، وعلمتُ أيضاً أنها تم توريدها مؤخرا”، في قبال ذلك وبعد ساعات قليلة من وقوع الانفجارات، دعا امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الى فصل الكاميرات المرتبطة بالأنترنيت كما دعا الى التخلي عن أجهزة البيجر وقد سارعت قوى أخرى الى ذات الفعل مثلما فعل أعضاء هيئة الحشد الشعبي في العراق حسب بعض المصادر.

من جانبها نفت عدد من الشركات المصدرة لتلك الأجهزة والتي توزعت ما بين دول غربية ودول اسيوية، أي علاقة لها في تلك الأجهزة وفي حين كشفت مصادر عن اغلب أجهزة الاتصالات الذكية مثل الأجهزة المحمولة والتطبيقات المرتبطة بها مراقبة وتخضع الى التجسس لاسيما تلك المصادرة من الولايات المتحدة.

والاهم من ذلك إذا كانت هذه التقنيات الحديثة التي توصل لها العقل البشري المبدع ووجدت من اجل مساعدة الانسان وتبسيط وحل مشاكل الحياة فإن التساؤل الذي يعرض هنا عن المخاطر التي تحيط بالفكر الإنساني، ومن ذلك مخاطر توظيف التكنولوجيا الالكترونية في القتل والتدمير ومراقبة حياة الناس وزجها في اتون الصراعات القذرة ومن ذلك صراع الكيان الإسرائيلي مع الفلسطينيين ودول أخرى مثل إيران، ولبنان، والعراق.

ومما تقدم، فإن العديد من التقارير وضعت عدة توصيات تنادي بوضع حد لكوارث التكنولوجيا الإلكترونية خاصة مع افرازات عولمة المعلومة وسهولة الاختراق التي باتت تعرفها مختلف الأجهزة المعلوماتية عالميا، فصار من الضروري سن تشريعات وقوانين زجرية آنية من أجل مواجهة الجريمة الإلكترونية، الى جانب نشر وسائل توضح وتبين مخاطر تلك التقنيات وتقديم وشرح وتحليل الوسائل التقنية التي بإمكانها على الأقل تحجيم الآفات الناجمة عن الاختراقات المسببة في الجريمة الالكترونية ومن ذلك إيجاد منظومة تهتم بالأمن المعلوماتي.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M