تُعتبر العلاقات الاقتصادية بين الدول إحدى الركائز الأساسية للتعاون الإقليمي، إلا أن هذه العلاقات غالبًا ما تتأثر بالتوترات والنزاعات السياسية والعسكرية. يمثل الصراع المستمر بين إسرائيل ولبنان نموذجًا واضحًا لتأثير الحرب على الروابط الاقتصادية بين الدول، ليس فقط على مستوى التبادل التجاري، ولكن أيضًا على صعيد الاستثمارات، التعاون في مجال الطاقة، والتنمية الاقتصادية الشاملة في المنطقة. في ظل التصعيد العسكري الأخير، تجد الدول المجاورة نفسها في وضع معقد، حيث يتوجب عليها الموازنة بين مصالحها الاقتصادية ومواقفها السياسية. تتناول هذه المقالة تأثير الحرب في العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ولبنان، وكيفية تأثر دول مثل سوريا، الأردن، ومصر بالوضع الراهن، في ضوء التشابك الاقتصادي والتحديات الأمنية المتزايدة.
الاتفاقيات مع دول الجوار
تعتبر معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979 نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بالمنطقة، حيث أرست أسس التعاون في مجالات التجارة والسياحة والزراعة. تلتها معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، والتي شملت اتفاقيات لتبادل المياه، والتعاون في مجال الطاقة، وتسهيل حركة التجارة والنقل. في عام 2005، وقّعت مصر وإسرائيل اتفاقية لتصدير الغاز الطبيعي؛ مما عزز الروابط الاقتصادية رغم التوترات السياسية. وقد أثرت هذه الاتفاقيات بشكل كبير في الاقتصاد الإقليمي، محدثة توازنًا جديدًا في العلاقات الاقتصادية بين الدول.
وفي السياق نفسه، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الأردن وإسرائيل تطورًا ملحوظًا بعد توقيع اتفاقية استيراد الغاز في 2016، حيث أسهم الغاز الإسرائيلي في تلبية احتياجات الطاقة في الأردن. في عام 2020، تم توقيع “اتفاقيات أبراهام” بين إسرائيل والإمارات والبحرين، مما فتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي في قطاعات التكنولوجيا، الطاقة، والسياحة. ثم جاء عام 2021 باتفاقية الربط الكهربائي بين الأردن وإسرائيل؛ مما عزز التبادل الطاقي بين البلدين. تعكس هذه الاتفاقيات رغبة الدول في تعزيز التعاون الاقتصادي رغم التحديات السياسية.
الأثر في المبادرات الاقتصادية
تؤثر الحرب بين إسرائيل ولبنان والدول المجاورة في خطوط الغاز والطاقة العابرة للحدود بشكل كبير، مما يعكس التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه المنطقة. وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية، فإن منطقة الشرق الأوسط تمتلك حوالي 43% من احتياطي الغاز الطبيعي العالمي، ويوجد العديد من خطوط ربط الغاز بين اسرائيل وبين دول الجوار، يتمثل الخط الأول في خط الغاز الإسرائيلي إلى مصر والذي يعرف باسم خط شرق البحر الأبيض المتوسط وهو يمتد بطول حوالى 1,200 كيلومتر (746 ميل) ويربط بين حقل ليفياثان (Leviathan Field) الذي يعد من أكبر حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، ويقع قبالة سواحل شمال غرب إسرائيل، وحقل تمار (Tamar Field) الذي يقع أيضًا في البحر الأبيض المتوسط، قرب سواحل إسرائيل، ويعتبر من الحقول الأساسية في إنتاج الغاز.
خط آخر يعتبر أحد الحقول المهمة بين دول الجوار بالمنطقة هو خط الغاز العربي الذي يمتد من مصر إلى الأردن ثم إلى لبنان وسوريا، حيث يبلغ طوله حوالي 1,200 كيلومتر أيضًا. يهدف هذا الخط إلى نقل الغاز المصري إلى الدول المجاورة، وهو يربط حقول غاز مصرية مثل حقل غرب الدلتا أو حقول غاز أخرى في دلتا النيل.
من جانب آخر، فقد قضت الحرب الإسرائيلية على لبنان على الخطط المستقبلية لتطوير شبكة داخلية لنقل الغاز في لبنان بمجرد استخراج الغاز من حقول المياه الإقليمية، حيث إنه حاليًا لا يوجد خطوط ربط بين لبنان وإسرائيل بسبب النزاع القائم ومن المحتمل أن يعرقل هذا النزاع أي جهود أخرى للربط الاقتصادي بين البلدين في مجال الطاقة.
تشير تلك الحقول المختلفة إلى أهمية الموارد الطبيعية والطاقة في تعزيز التعاون الاقتصادي، ومع ذلك، النزاعات المسلحة تعرقل هذه الجهود، حيث تتعرض بنية خطوط الأنابيب للخطر بسبب الهجمات أو التخريب، مما يؤثر في قدرة الدول المستهلكة على تأمين احتياجاتها من الطاقة.
في السياق ذاته، فإن تكلفة الحرب ترفع من المخاطر الاستثمارية؛ مما يؤدي إلى تردد الشركات العالمية في ضخ استثمارات جديدة في مشاريع الطاقة العابرة للحدود. على سبيل المثال، كانت هناك خطط لتطوير خط الغاز شرق البحر الأبيض المتوسط لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، ولكن النزاعات في المنطقة أثرت سلبًا في هذه الخطط، وتزايد تكاليف التنفيذ مما أدى إلى تأجيل المشاريع. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الاستقرار السياسي يجعل من الصعب تحقيق اتفاقيات تعاون بين الدول؛ مما يعوق فرص التكامل الاقتصادي التي تعتبر حيوية لتحقيق التنمية المستدامة.
علاوة على ذلك، تؤدي الاضطرابات الأمنية إلى تقلبات في أسعار الطاقة؛ مما يؤثر في الاقتصاديات الإقليمية والعالمية. تشير تقديرات إلى أن زيادة المخاطر في المنطقة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز بنسبة تصل إلى 20% في الأسواق العالمية. كما أن الدول المعتمدة على الغاز من المنطقة قد تضطر إلى البحث عن مصادر بديلة؛ مما أسهم في زيادة التكلفة الإجمالية للطاقة. في المجمل، تعكس هذه الأوضاع كيف أن النزاعات الإقليمية تؤثر سلبًا في استقرار أسواق الطاقة، مما يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة لضمان أمن الطاقة في المنطقة.
تأثير الحرب في جذب الاستثمار
يمكن أن تؤثر الحروب بشكل كبير في استراتيجيات الدول المجاورة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التنمية الاقتصادية، حيث تخلق بيئة غير مستقرة تؤدي إلى تراجع الثقة في الأسواق. وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2023، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفضت بنسبة 15% في السنوات الأخيرة بسبب النزاعات المستمرة؛ مما يشير إلى أن الأزمات الأمنية تؤثر سلبًا في جاذبية هذه الدول للمستثمرين الأجانب. عندما تكون الدول مجاورة لصراعات، يصبح من الصعب على المستثمرين تقييم المخاطر المرتبطة بالاستثمار؛ مما يجعلهم يتجنبون اتخاذ خطوات جديدة.
علاوة على ذلك، تؤدي الحروب إلى إعادة توجيه الموارد من التنمية الاقتصادية إلى الأغراض العسكرية، مما يقلل من الميزانيات المخصصة للبنية التحتية والمشاريع التنموية. على سبيل المثال، في السنوات التي شهدت النزاع في سوريا، انخفضت استثمارات الحكومة في المشاريع التنموية بنسبة 30%، وفقًا لمؤسسة الأبحاث “أوكسفام”. وهذا التحول في الأولويات يعيق قدرة الدول على تحسين بيئة الأعمال، وهو ما ينعكس سلبًا على القدرة التنافسية في جذب الاستثمارات الأجنبية. بدلًا من ذلك، تضطر الدول إلى التركيز على الأمن والاستقرار؛ مما يعيق التقدم في مجالات مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي النزاعات إلى زيادة التوترات بين الدول؛ مما يخلق بيئة معادية للتعاون الاقتصادي. وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي، فإن التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط أدت إلى فقدان حوالي 100 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2010 و2020 بسبب تراجع الاستثمارات وتأثيرها في التجارة. في هذا السياق، يصبح من الصعب على الدول المجاورة جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث يتردد المستثمرون في الدخول إلى أسواق تفتقر إلى الاستقرار. لذا، يتطلب تعزيز التنمية الاقتصادية استراتيجيات مبتكرة تشمل التعاون الإقليمي وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات في ظل الظروف الصعبة.
إجمالًا، يمكن القول إن تلك الحروب تؤثر بشكل كبير في استراتيجيات الدول المجاورة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التنمية الاقتصادية، حيث تؤدي إلى تراجع الثقة في الأسواق. وفقًا لتقرير البنك الدولي، انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 15% بسبب النزاعات المستمرة. كما تؤدي الحروب إلى إعادة توجيه الموارد من التنمية إلى الأغراض العسكرية؛ مما يعيق تحسين بيئة الأعمال، حيث انخفضت استثمارات الحكومة في المشاريع التنموية في سوريا بنسبة 30%، بالإضافة إلى ذلك، تزيد النزاعات من التوترات بين الدول؛ مما يخلق بيئة معادية للتعاون الاقتصادي. تقرير صندوق النقد الدولي يشير إلى أن التوترات الإقليمية أدت إلى فقدان حوالي 100 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2010 و2020. لذا؛ يتطلب تعزيز التنمية الاقتصادية في هذه الظروف استراتيجيات مبتكرة تشمل تحسين بيئة الأعمال وتعزيز التعاون الإقليمي لجذب الاستثمارات.