حرب غزة أطلقت العنان لتنشيط تنظيم “القاعدة” الضعيف

على الرغم من أن الحامل السابق لراية الجهاد قد فشل في إلهام الهجمات خلال حرب غزة، إلا أنه لا ينبغي الاستخفاف بجهوده لاستغلال تصاعد المشاعر المعادية لإسرائيل وتدريب جيل جديد من الإرهابيين في أفغانستان.

في العام الذي مضى منذ أن شنت “حماس” هجومها في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حاولت القيادة العليا لتنظيم “القاعدة” استعادة مكانتها من خلال استغلال الغضب الدولي تجاه الرد العسكري الإسرائيلي اللاحق. وقد قامت بذلك من خلال وضع نفسها أقرب إلى “حماس” – الجماعة التي انتقدتها تاريخياً – وتقديم توجيهات جديدة لأعضاء تنظيم “القاعدة” وأنصاره. حتى أن بعض التقارير أفادت أنها أنشأت فرعاً جديداً تابعاً لها في غزة لاستغلال الفراغ الحالي هناك.

تنظيم “القاعدة” قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر

منذ أن سرق تنظيم “الدولة الإسلامية” لقب أهم تنظيم جهادي عالمي، تدهور الكثير من الشبكة الدولية لتنظيم “القاعدة”. وعلى مدى العقد الماضي، فإن أقوى فروع “القاعدة” في العراق وسوريا واليمن إما كانت قد انفصلت عن التنظيم الأم أو تدهورت بشدة. وعلى المستوى المحلي، استمر فرع “القاعدة” – حركة “الشباب” – في تمرده المستمر في الصومال، بينما أحرزت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” تقدماً في منطقة الساحل. ومع ذلك، لم يُحفّز أي من هذين السببين صفوف الجهاديين العالميين لدرجة يُمكن أن يستغلها تنظيم “القاعدة” في موجة جديدة من الهجمات الإرهابية في الغرب. وعلى الرغم من ذلك، تمكن التنظيم من تنفيذ بعض العمليات البارزة خلال هذه الفترة (على سبيل المثال، هجوم “شارلي إبدو” عام 2015 وهجوم “بنساكولا” عام 2019)، لكنه كان معزولاً ولا يقوم بعملياته بصورة متكررة مقارنة بالعمليات الخارجية لتنظيم “الدولة الإسلامية”.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من خسارة زعيمه أيمن الظواهري في غارة بطائرة مسيرة أمريكية في أفغانستان قبل أكثر من عامين، لم يعلن التنظيم بعد عن وفاته بشكل رسمي أو يسمّي خليفة له. ويُعْرَف بشكل غير رسمي أن سيف العدل قد تولى زمام الأمور، لكن تعامل تنظيم “القاعدة” مع عملية الانتقال كان محرجاً إلى حد ما. ويخفي التنظيم وضعه جزئياً لأنه متواجد حالياً في إيران، التي تعتبر منافساً أيديولوجياً “للقاعدة”. بالإضافة إلى ذلك، فإن كشف الأنشطة التي يقوم بها هو وباقي دائرة قيادة التنظيم في أفغانستان من شأنه أن يتعارض مع شركاء “القاعدة” من حركة “طالبان”، التي دأبت على خداع المجتمع الدولي بادعائها أن تنظيم “القاعدة” ليس له وجود هناك.

رسائل تنظيم “القاعدة” منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر

في أغلب الأحوال، التزم تنظيم “القاعدة” بنهجه المعتاد على مدار العام الماضي، داعياً إلى شن هجمات ضد الإسرائيليين وكذلك اليهود الأجانب والغربيين الذين يدعمون إسرائيل. وبعد تهنئته لـ “حماس” على هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، حاول التنظيم استغلال التقارير التي تفيد بأن إسرائيل قصفت المستشفيات من خلال دعوته إلى تشكيل “طليعة جهادية” جديدة، ورَبَط بين “النكبة” من عام 1948 وحرب غزة. كما أرسل أعضاء “القاعدة” تعازيهم إلى “حماس” على مقتل العديد من الشخصيات البارزة، من بينها قائدها العسكري السابق صالح العاروري، وأبناء وأحفاد القائد السياسي إسماعيل هنية، وفي النهاية هنية نفسه بعد مقتله في إيران في تموز/يوليو.

وظهرت جهود أخرى لإثارة الغضب المحلي والتحريض على الهجمات الإرهابية في أواخر أيار/مايو، عندما أطلق جندي مصري النار على قوات إسرائيلية عبر الحدود بعد قصف مخيم للنازحين الفلسطينيين في رفح. وسرعان ما استغل تنظيم “القاعدة” الحادثة بدعوة جديدة للتحرك. وخلال الذكرى السنوية لهجمات 11 أيلول/سبتمبر الشهر الماضي، سعى تنظيم “القاعدة” وفرعه اليمني “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية” إلى وضع هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى جانب 11 أيلول/سبتمبر كفصل آخر في حربهما ضد “الصليبيين” و”الصهاينة”. ومع ذلك، لم تلق دعواتهما حتى الآن لشن هجمات جديدة آذاناً صاغية.

عادل يطرح استراتيجية جديدة

في 16 تموز/يوليو، أصدر سيف العدل الجزء الرابع من سلسلة مقالاته حول حرب غزة. وبخلاف الأجزاء السابقة التي ركزت بشكل كبير على إسرائيل وفلسطين، يقدم المقال الرابع برنامجاً جديداً لاستغلال الواقع الذي نشأ بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر في مختلف أنحاء العالم. ويقوم هذا البرنامج على مقاطع رئيسية من المقال الثالث، الذي دعا المقاتلين الأجانب إلى السفر إلى أفغانستان، والخضوع للتدريب المناسب، ثم العودة إلى بلدانهم الأصلية لتطبيق الدروس المستفادة من التمرد الناجح لحركة “طالبان”.

ومن بين التوجيهات الأخرى، يحث البرنامج الجديد فروع “القاعدة” وداعميها على القيام بما يلي:

  • الاستفادة من التجنيد العسكري في بلدانهم الأصلية. يصف عادل هذه الخطوة بأنها “فرصة رائعة” للتدريب على أنظمة الأسلحة المختلفة، والتخصص في مجالات عسكرية قيّمة، والحصول على معلومات استخبارية عن قوات “العدو”.
  • شن هجمات ضد المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية للعدو، سواء في الدول ذات الأغلبية المسلمة أو في الغرب. في رأي عادل ستساعد مثل هذه الجهود في “تعمية العدو” وموازنة التفوق الجوي الغربي إذا نفذ تنظيم “القاعدة” عمليات ضد أفراد عسكريين (مثل مشغلّي الطائرات بدون طيار والفنيين) والبنية الأساسية (مثل مخازن الذخيرة وغرف العمليات).
  • مهاجمة المصانع الغربية. يعلن عادل بشكل خاص أن المسلمين في الغرب يتحملون “مسؤولية كبيرة” لضرب “مصانع فرنسا التي تنهب الحديد من…المغرب الإسلامي”.
  • إطلاق المقاطعة الاقتصادية. يردد عادل دعوات حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” داعياً المسلمين إلى فتح “حرب اقتصادية” من خلال مقاطعة “جميع المنتجات الغربية”، بهدف تقويض كل من إسرائيل والحكومات العربية “العدوة” التي يعتبرها متواطئة في حرب غزة.
  • زيادة التعاون ونقل المعرفة بين الجهاديين في جميع أنحاء العالم.

ويجدر بالذكر أن تنظيم “القاعدة” بدأ أيضاً في إعادة تنظيم عملياته الإعلامية في الفترة من حزيران/يونيو إلى تموز/يوليو، مفضلاً أقوى فروعه افي مالي، والصومال، واليمن. وكما ذُكر سابقاً، حققت فروع “القاعدة” في الصومال ومالي مكاسب محلية عديدة في السنوات الأخيرة، بينما يحاول تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” إعادة بناء قوته تحت قيادة سعد العولقي، الذي تم الإعلان عنه زعيماً جديداً للتنظيم في آذار/مارس. ومن بين التغييرات الأخرى التي شهدتها الفترة القصيرة للعولقي، يبدو أن تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” تعلم كيفية تسليح الطائرات بدون طيار الرباعية المراوح بالقنابل اليدوية – وهو تكتيك سبق أن استخدمه تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا.

هل هناك فرع لتنظيم “القاعدة” في غزة؟

في 5 أيلول/سبتمبر، أصدرت جماعة جديدة في غزة تُدعى “حراس المسرى” (والتي تُترجم تقريباً إلى “حراس القدس”) برنامج أيديولوجي يعكس الرؤية العالمية لتنظيم “القاعدة”. فبالإضافة إلى الدعوة إلى حكم الشريعة، انتقدت الوثيقة العديد من الجهات المعتادة التي يعتبرها تنظيم “القاعدة” رسمياً منافسة لها، مثل «حزب الله» وإيران وتنظيم «الدولة الإسلامية» “المتطرف” والفصائل الإسلامية التي تخضع لحكومات الدول. ومن اللافت للنظر أن الوثيقة لم تذكر “حماس”.

وعلى مدار الشهر الماضي، تم تداول هذه الوثيقة وإصدارات أخرى من “حراس المسرى” من قبل مؤثرين مؤيدين لتنظيم “القاعدة” على تلغرام، مما عزز شرعية هذه الجماعة الجديدة وأشار إلى أنها قد تكون فرعاً رسمياً لتنظيم “القاعدة” في غزة. وفي الماضي، غالباً ما كان تنظيم “القاعدة” يلتزم الصمت بشأن علاقاته الرسمية مع الفروع التابعة له إلا إذا اضطر إلى الاعتراف بها علناً، كما حدث مع حركة “الشباب”، و”أنصار الشريعة في تونس”، و”جبهة النصرة” في سوريا. لذلك، فإن صمت التنظيم بشأن وجود فرع جديد محتمل في غزة لن يكون خارجاً عن المألوف.

وعلى الصعيد العملياتي، زعمت “حراس المسرى” تنفيذ هجوم واحد منذ ظهورها، وهو إطلاق صاروخ “غراد” من شمال غزة في 15 أيلول/سبتمبر. كما بدأت الحركة في طلب التبرعات بعملة “تيثر” الرقمية (العملة المشفرة) في 23 أيلول/سبتمبر، داعية المتبرعين إلى دعم “صمود ومثابرة إخوانكم في غزة”. وتزعم الحركة أنها جمعت ما لا يقل عن 11,000 دولار حتى الآن.

ومن الصعب التنبؤ بالمسار المستقبلي لـ “حراس المسرى” لأن الجماعة لا تزال في مراحلها الأولى. ومع ذلك، فإن الموقف اللّين لتنظيم “القاعدة” تجاه “حماس”، التي تزداد ضعفاً، قد يمكّن هذه الحركة الجديدة من أن تكون متنفساً للشباب الذين يسعون إلى الانتقام من إسرائيل.

التداعيات السياسية

إن السؤال الأكبر في المستقبل هو ما إذا كانت الكوادر الجهادية الأصغر سناً في جميع أنحاء العالم لا تزال تستمع إلى تنظيم “القاعدة”. فالتنظيم لم يشن أي عملية إرهابية معروفة تتعلق بهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، في حين شارك تنظيم “الدولة الإسلامية” وأنصاره في ما لا يقل عن تسع هجمات أو مؤامرات خلال العام الماضي. وقد يعني هذا التباين أن تنظيم “القاعدة” لم يعد لديه بعد الآن جمهور كبير من العناصر الجهادية المسلحة في الغرب، حيث يبدو أن الإرهابيين الأفراد والخلايا يفضلون تنفيذ هجمات نيابة عن تنظيم “الدولة الإسلامية”. وهناك شيء واحد واضح: بعد مرور عام على حرب غزة لم يستجب سوى عدد قليل، إن وُجد، لدعوات تنظيم “القاعدة” لشن موجة جديدة من الهجمات في الغرب.

وعلى الرغم من أن هذا الصمت يدعو إلى التفاؤل في الأجل القصير، إلا أن الرسائل الأخيرة لتنظيم “القاعدة” تشير إلى خطة أطول أمداً، وهي إرسال أعداد متزايدة من المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان تحت الحكم المتعاطف لـ “طالبان”، ثم إعادتهم إلى بلدانهم بمهارات إرهابية جديدة. وفي ضوء هذا التهديد، ينبغي على الحكومة الأمريكية إنشاء آلية لإصدار تقارير عامة كل ستة أشهر حول أنشطة تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، مع التركيز على الحالات التي انتهكت فيها «طالبان» “أحكام اتفاقية الدوحة” لعام 2020 التي تحظر وجود تنظيم “القاعدة” هناك. ومن الناحية المثالية، من شأن هذه الآلية أن تجعل “طالبان” تفكر مرتين قبل تمكين عمليات “القاعدة” على أراضيها.

وعلى نطاق أوسع، من المؤكد أن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر والبيئة المحفزة للتطرف التي خلقتها حرب غزة ستخلف أثراً طويل الأمد. إن فشل “القاعدة” في حشد دعم أكبر في العام الأول من الحرب هو أمر إيجابي، لكن عدم التعبئة أو تنفيذ الهجمات قد لا يستمر إذا استمرت الحرب في الشرق الأوسط في التوسع.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M