منطقتنا ليست بمنأى عن التحديات التي يواجهها العالم اليوم، حيث يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للطاقة، وهو مورد مهدد بالنضوب. إلى جانب ذلك، تتفاقم آثار التغيرات المناخية والحروب الاقتصادية والنزاعات الإقليمية، مما يجعلنا نعيش تداعيات هذه الأزمات يومياً. معالجة هذه التحديات تتطلب تدخلاً فورياً وصياغة حلول جذرية تستند إلى المبادئ والحركات البيئية العالمية.
أزمة جائحة كورونا كشفت قصور نظامنا الحالي في إعطاء الأولوية للبيئة، الموارد الطبيعية، والأفراد. إذ أثبتت التجربة أن النظام الرأسمالي يركز على تحقيق الأرباح دون مراعاة شاملة لاحتياجات الأفراد والمجتمعات الأوسع، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الصحة والاقتصاد. في هذا السياق، باتت الحاجة اليوم ملحة إلى نظام اقتصادي جديد يضع مصلحة الإنسان والبيئة في الصدارة، ويعزز من أهمية الرعاية الصحية والمحافظة على الكائنات الحية.
ما نسعى إليه هو “الاقتصاد البديل” أو “المتجدد”، الذي يعتمد على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، ويعطي الأولوية للتنمية المستدامة. وتجدر الإشارة إلى أن مفهومي “الاقتصاد البديل” و”الاقتصاد الأخضر” ليسا متطابقين، رغم أنهما يتقاطعان في بعض النقاط المهمة.
الاقتصاد البديل هو مفهوم شامل يضم جميع الأنظمة الاقتصادية التي تقدم بدائل للنظام الاقتصادي التقليدي أو السائد. يشمل هذا المفهوم مجموعة واسعة من النماذج مثل الاقتصاد التعاوني، الاقتصاد الدائري، والاقتصاد القائم على المبادئ الاجتماعية والبيئية، ولا يقتصر فقط على تحقيق الربحية.
أما الاقتصاد الأخضر، فيُعتبر جزءاً من الاقتصاد البديل، حيث يركز بشكل خاص على تطوير الأنشطة الاقتصادية بطرق تقلل من التأثيرات السلبية على البيئة. الهدف الرئيسي للاقتصاد الأخضر هو تحقيق التنمية المستدامة من خلال اعتماد ممارسات صديقة للبيئة مثل استخدام مصادر الطاقة المتجددة، الحد من التلوث، وتعزيز إعادة التدوير.
بالتالي، يمكن القول إن الاقتصاد الأخضر هو شكل محدد من أشكال الاقتصاد البديل، يركز بشكل أساسي على الاستدامة البيئية. من هنا تأتي أهمية المحافظة على الموارد الطبيعية وحمايتها، وضمان الاستخدام الأمثل لها بما يخدم مصلحة الأفراد والمجتمعات. ومن الضروري تعزيز وعي الأفراد وتغيير الأنماط السلوكية الخاطئة تجاه البيئة، والتأكيد على أهمية الاستثمار في الحفاظ عليها.
لتحقيق هذا التغيير، تلعب المؤسسات التعليمية دوراً جوهرياً في عملية الإصلاح. وبناءً على المناهج والخطط التي تضعها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يمكن للجامعات وأعضاء هيئة التدريس والطلاب أن يسهموا في توجيه الجهود نحو الأبحاث العلمية التي تركز على الحلول العملية. الهدف هو الانتقال من النمط الاستهلاكي النظري إلى تطبيق عملي يساهم في إنتاج المعرفة التي تخدم البيئة والاقتصاد، وبالتالي المساعدة على حل المشكلات البيئية والاقتصادية بطرق مستدامة وفعالة.
يشهد العالم تحولاً كبيراً نحو الاقتصاد البديل الذي يرتكز على مبادئ الاستدامة، الابتكار، والعدالة الاجتماعية. في هذا السياق، تلعب الجامعات دوراً محورياً ليس فقط كمؤسسات تعليمية وبحثية، بل كجهات فاعلة في توجيه ودعم التحول نحو نماذج اقتصادية أكثر استدامة. ورغم هذا، يبقى مدى تأثير الجامعات في هذا التحول موضوعاً يتطلب المزيد من الدراسة والتحليل. ومن هنا تبرز الإشكالية الرئيسية: إلى أي مدى تسهم الجامعات في تعزيز وتطوير الاقتصاد البديل؟ وما هي الآليات التي تعتمدها لتفعيل هذا الدور؟ هذه التساؤلات تسعى إلى استكشاف وتحليل دور الجامعات في دعم الاقتصاد البديل، بالإضافة إلى دراسة التحديات والفرص التي تواجهها.
تسهم الجامعات بشكل ملموس في تعزيز الاقتصاد البديل من خلال تطوير المناهج التعليمية وتشجيع البحث العلمي الداعم لمبادئ الاستدامة والابتكار. كما تلعب دوراً مهماً في تعزيز الوعي المجتمعي والتعاون مع القطاعات الاقتصادية المختلفة. يختلف مدى هذا التأثير حسب مستوى تطور الجامعات ومدى تكاملها مع القطاعات الاقتصادية والإنتاجية في الدول المختلفة. تُفترض هنا علاقة إيجابية بين دور الجامعات وتعزيز الاقتصاد البديل، مع اختلاف التأثير من دولة لأخرى بناءً على عدة عوامل مثل مستوى التعليم والبحث العلمي ودرجة التكامل مع القطاعات الاقتصادية.
أما بالنسبة لأهداف هذا البحث، فهو يسعى إلى تحليل واقع الاقتصاد البديل في العراق مع تسليط الضوء على التجارب الدولية والجهود المبذولة في هذا المجال. كما يتناول البحث دور الجامعات في تعزيز الاقتصاد البديل، مستعرضاً الأساليب التي تساهم بها الجامعات في تطوير اقتصاد مستدام وابتكاري. بالإضافة إلى ذلك، يهدف البحث إلى تحديد العوامل المؤثرة على فعالية هذا الدور وتقديم توصيات لتعزيز مساهمة الجامعات في دفع عجلة الاقتصاد البديل.