في ذكرى حرب أكتوبر… مخاطر تعتري اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل

ينصب تركيز مصر على تعزيز الجاهزية القتالية لجيشها القوي، وذلك بالتزامن مع احتفالاتها بالذكرى الحادية والخمسين لحرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 ضد إسرائيل.

وقد فتحت هذه الحملة العسكرية التي باغتت الجيش الإسرائيلي- حيث انطلقت في منتصف النهار بينما كان الجنود المصريون صائمين في شهر رمضان- الباب لتحرير سيناء في أقصى شمال شرقي مصر، والتي تشترك في الحدود مع إسرائيل، وقطاع غزة الفلسطيني، من الاحتلال الإسرائيلي. ومهدت لظهور نظام عسكري وجيوسياسي إقليمي جديد، بعد نحو ست سنوات من الهزيمة المؤلمة التي لحقت بالجيشين المصري والسوري على يد الإسرائيليين، والتي أسفرت عن احتلال سيناء، وسيطرة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية.

لم تكن قدرة المصريين على استعادة سيناء إلى السيادة المصرية مجرد انتصار عسكري؛ بل كانت نصرا معنويا امتد أثره إلى كل ركن من أركان العالم العربي، مما أعاد الثقة إلى عشرات الملايين من المصريين والعرب الذين تضررت معنوياتهم بسبب نكسة عام 1967، والتي شهدت هزيمة الجيشين المصري والسوري بشكل مهين على يد الجيش الإسرائيلي.

يروي الجنود القدامى الذين ما زالوا على قيد الحياة اليوم مرارة تلك الهزيمة، والعار الذي خيم على العسكريين، إذ لم يمتلكوا الجرأة لمواجهة الناس، أو التحدث معهم في الشوارع لفترة طويلة بعد تلك النكسة.

ربما كان هذا الخجل هو السبب في أن التصدي للإسرائيليين في حرب أكتوبر 1973 أعاد لمصر احترام الذات، فضلا عن التغييرات السياسية الكبيرة التي أحدثها في منطقة كانت إسرائيل تصور نفسها فيها كقوة لا تُقهر، وتخطط لاحتلال أراض تمتد من نهر الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط.

 

أولئك الذين يظنون أن إسرائيل ستتخلى يوما ما عن أحلامها التوسعية لا يدركون واقع الحال بأكمله

 

 

العودة إلى المربع الأول؟

بعد مرور 51 عاما على نصر 1973، تجد مصر أن النظام الإقليمي الذي أسسته عبر سحق الجيش الإسرائيلي في بداية الحرب، وتحرير أراضيها المحتلة بدأ في التراجع، ومع التطورات الإقليمية الأخيرة، يبدو أن نظاما إقليميا جديدا قد بدأ بالتشكل.

يتجلى ذلك بشكل خاص في نجاح إسرائيل في الإفلات من مستنقع غزة، بعد تدمير معظم قدرات “حماس” التي تحكم القطاع وبنيتها التحتية، بالإضافة إلى احتمالية إلحاق الهزيمة بـ”حزب الله” المدعوم من إيران في لبنان مؤخرا.

وبينما تستمر جهود مصر في منع تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء في تحقيق بعض النجاح، تظل هناك مخاوف من أن هذا التهجير، قد يبدأ بمجرد أن تهدأ الأوضاع في لبنان، وفقا لما ذكره محللون في القاهرة.

 

أ.ف.ب أ.ف.ب

مخيم مؤقت للنازحين داخليًا في رفح، جنوب قطاع غزة في 27 مارس 2024 

وفي هذا السياق، قال جمال سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس، لـ”المجلة”: “سيناريو التهجير مطروح على الطاولة في إسرائيل الآن، وسيظل كذلك لسنوات قادمة”.

وأضاف: “أولئك الذين يظنون أن إسرائيل ستتخلى يوما ما عن أحلامها التوسعية لا يدركون واقع الحال بأكمله”.

إذا ما تحقق سيناريو التهجير، فإنه سيُفقد تحرير سيناء الذي تحقق بصعوبة بالغة قيمته، وسيمحو معه كافة الانتصارات العسكرية التي حققتها مصر قبل 51 عاما، كما سيشكل تهديدا مباشرا لمعاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل في عام 1979، والتي يُنظر إليها على أنها حجر الزاوية في استقرار المنطقة، وهذا يأتي في ضوء التحذيرات المصرية المستمرة، بأنها لن تتسامح مع أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها.

وقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرارا وتكرارا خلال الأشهر الماضية، منذ بدء الحملة الإسرائيلية على غزة في أكتوبر من العام الماضي، أن تهجير سكان غزة إلى سيناء يعد “خطا أحمر” لا يمكن تجاوزه بالنسبة لمصر.

 

الأيديولوجيا الاستيطانية في إسرائيل قد تشجع الحكومة الراهنة على اتخاذ خطوات تهدف إلى توسيع حدود الدولة

 

 

عصية على الكسر

التفوق العسكري الذي تظهره إسرائيل في مواجهتها مع الميليشيات المدعومة من إيران في لبنان وسوريا واليمن والعراق، إلى جانب هزيمتها لـ”حماس”، وقدرتها على نزع فتيل تهديدات الجمهورية الإسلامية، ربما من خلال الهجمات المحتملة على المواقع النووية الإيرانية، ينبئ بتغيير جذري في الواقع الإقليمي. هذا التغيير في ديناميكيات القوة الإقليمية قد يشجع إسرائيل على اتخاذ خطوات تهدف إلى توسيع حدودها.

ولعل تصريح المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترمب في 16 أغسطس/آب بأن :”إسرائيل بقعة صغيرة جدا على الخريطة مقارنة بهذه المساحات العملاقة” قد وجد صدى في تل أبيب.

يتماشى هذا التصريح مع الأيديولوجيا التوسعية لإسرائيل، التي تغذي استمرار بناء المستوطنات والاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك خططها المحتملة لإعادة احتلال أجزاء من جنوب لبنان.

وربما أبطأت الحرب الحالية في لبنان خطة إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي عبر طرد 3.2 مليون فلسطيني من الضفة الغربية إلى الأردن، و2.4 مليون شخص آخرين من غزة إلى سيناء.

ومع ذلك، قد يوفر فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، والانتصار العسكري لإسرائيل في لبنان الزخم اللازم لتل أبيب، لاتخاذ خطوات توسعية إضافية، بما في ذلك إعادة احتلال غزة وطرد الفلسطينيين منها إلى سيناء.

لهذا السبب، تستغل مصر الذكرى الحادية والخمسين لحرب أكتوبر لتأكيد قدرتها على الدفاع عن أراضيها ضد أي انتهاكات، وقد ألقت مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، أجراها الجيش المصري في 28 سبتمبر/أيلول في منطقة غير معلنة في الصحراء المصرية، الضوء على جزء من هذه القدرة.

شارك في المناورات معظم أفرع القوات المسلحة المصرية، بما في ذلك القوات الجوية، حيث جرت في منطقة صحراوية تشبه سيناء إلى حد كبير، وفقا لمعلقين في التلفزيون المصري.

وفي الثالث من أكتوبر، حلقت طائرات مقاتلة تابعة للقوات الجوية المصرية في سماء سيناء، مما أظهر سيطرتها الكاملة على هذه الأجواء، وذلك في إطار عرض عسكري كبير على هامش حفل تخرج عدد من طلبة الكليات العسكرية.

وبحسب مراقبين عسكريين، بثت هذه المناورات رسائل قوية حول الجاهزية القتالية العالية لمختلف أفرع القوات المسلحة المصرية.

تلقي هذه الرسائل الضوء على رؤية مصر للوضع الإقليمي الحالي، الذي أصبح أكثر تعقيدا وفوضوية مع تهديد الحرب في لبنان بالتحول إلى نزاع إقليمي شامل، خاصة إذا ما أرادت إسرائيل الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدفها في 30 سبتمبر. كما تعكس ملامح العلاقات المستقبلية بين مصر وإسرائيل، حيث تقف الدولتان، بعد أن كانتا عدوتين في الماضي وشريكتين في السلام حاليا، على حافة توتر قد يشعل فتيل الصراع من جديد

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M