الحسابات الأمريكية فى المواجهة الإسرائيلية ـ الإيرانية

تواجه الإدارة الأمريكية حسابات معقدة فيما يتعلق بطبيعة الرد الإسرائيلى المتوقع على الهجمات الصاروخية الإيرانية مساء الثلاثاء 1 أكتوبر ضد العديد من المواقع العسكرية الإسرائيلية، فمقاربة إدارة بايدن يحكمها أمران: أولا: تأكيد حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها وفى الرد على الهجمات الإيرانية، وهذا يعد أحد ثوابت السياسة الأمريكية، وهو حماية أمن إسرائيل والدفاع عنها، كما أن واشنطن على لسان مسئوليها أكدت ضرورة أن تدفع إيران ثمن هذه الهجمات. ثانيا: الحرص على منع توسع الصراع إقليميا أو تطور الأمور إلى حرب ومواجهة مباشرة شاملة بين إسرائيل وإيران ستدفع أمريكا إلى الانخراط فى تلك الحرب للدفاع عن إسرائيل.

ولاشك أن الجمع بين الأمرين يبدو صعبا، فدعم إسرائيل فى القيام برد قوى وحاسم، قد يدفع بالأمور للخروج عن السيطرة، ويقود بالفعل إلى حرب إقليمية، خاصة أن الرد الإسرائيلى المرتقب على لسان رئيس وزرائها نيتانياهو والمسئولين العسكريين سيكون أكثر إيلاما وسيجعل إيران تدفع ثمنا باهظا، كما أنه قد يشمل استهداف مواقع حيوية إيرانية، مثل استهداف منشآت النفط تحت زعم أن إيران توظف عائدات النفط لمصلحة دعم أذرعها فى المنطقة، كما قد يشمل أيضا المنشآت العسكرية، لكن الأخطر هو احتمالات استهداف المنشآت النووية، وهو ما سيدفع إيران إلى الرد على الرد بشكل اكثر انتقاما، كما أكد المسئولون الإيرانيون.

وبالتالى سياسة حافة الهاوية التى تتبعها الأطراف الثلاثة، إسرائيل وإيران، وأمريكا، قد تقود إلى الهاوية بالفعل وحدوث ما تم تجنبه خلال العام الماضى من اندلاع حرب إقليمية، منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى خاصة المواجهة الأولى فى أبريل الماضى، حيث قامت إيران برد رمزى وبتنسيق وإخبار مسبق للجانب الأمريكى وأطلقت عددًا من الصواريخ والمسيرات التى سقط معظمها قبل الدخول إلى إسرائيل، وكان يستهدف حفظ ماء وجه إيران بعد استهداف إسرائيل قنصليتها فى دمشق. لكن هذه المرة بعد استهداف إسرائيل لإسماعيل هنية فى طهران ثم اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله وكذلك اغتيال قائد فيلق القدس فى لبنان، قامت إيران بإطلاق 181 صاروخًا باليستيًا بشكل مباشر تجاه عدد من القواعد العسكرية الإسرائيلية ودون تنسيق مع الجانب الأمريكي. وبالتالى استهدفت إيران فى هذا الرد استعادة معادلة الردع مع إسرائيل، إضافة إلى محاولة ترميم صورتها التى تعرضت لشروخ كبيرة أمام حلفائها وأذرعها فى المنطقة بعد صمتها لمدة طويلة، لكن إيران فى الوقت نفسه حرصت على تأكيد أن الرد قد انتهى وأنها لا تنوى التصعيد، إلا إذا قامت إسرائيل برد انتقامى مضاد. فحسابات إيران الإستراتيجية الأساسية هى حماية برنامجها النووى حتى إن اضطرت للتخلى عن أذرعها فى المنطقة.

وعلى الرغم من أن إسرائيل أكدت أن أضرار الهجمات الصاروخية الإيرانية عليها طفيفة ولم تقع إصابات بشرية، فإن وصول الصواريخ الإيرانية للقواعد العسكرية الإسرائيلية فى أقل من 15 دقيقة وفشل منظومات الدفاع الجوى فى التصدى لها، خاصة القبة الحديدية ومنظومة أرو ومقلاع داود، سيدفع إسرائيل إلى حتمية القيام برد انتقامى أكثر أيلاما للحفاظ على معادلة الردع مع إيران. كما أن الرئيس الأمريكى بايدن أصبح كالبطة العرجاء فى مواجهة نيتانياهو، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية الشهر المقبل، حيث لا يستطيع ممارسة ضغوط حقيقية لكبح أو منع اندفاع إسرائيل للرد على إيران، حتى لا يتهم من قبل الجمهوريين بالخيانة وتخليه عن إسرائيل وإغضاب اللوبى اليهودى ومن ثم الإضرار بفرص كامالا هاريس فى الفوز أمام ترامب، كذلك الإضرار بالأعضاء الديمقراطيين فى انتخابات الكونجرس.

ولذلك إدارة بايدن فى مأزق وأمام حسابات معقدة فى الجمع بين دعم إسرائيل وحقها فى الرد وبين ضمان عدم الانجراف إلى حرب إقليمية شاملة بين الطرفين، كما أنها لا تتحرك بالفعل وبشكل جدى لمنع اندلاع تلك الحرب عبر كبح اندفاع نيتانياهو فى إشعال الحرائق حيث تعتمد واشنطن على إدارة الصراع وليس حله.

ولاشك أن إسرائيل لا يمكن أن توجه أى ضربات عسكرية مباشرة لإيران إلا بضوء أخضر وموافقة وبدعم وتنسيق عسكرى واستخباراتى أمريكى كامل، ومن هنا تستطيع واشنطن، إن أرادت، ضبط الرد الإسرائيلى، وعدم التوسع فى حرب إقليمية، من خلال دعم استهداف إسرائيل للمواقع العسكرية الحيوية الإيرانية خاصة منصات إطلاق الصواريخ الباليستية التى تهددها بشكل مباشر، والضغط عليها لعدم استهداف المنشآت النووية الإيرانية لأنه سيقود حتما إلى حرب إقليمية، كذلك الضغط عليها لتجنب استهداف منشآت النفط الإيرانية لتجنب التداعيات السلبية المترتبة على ذلك ومنع ارتفاع أسعار البترول. كما أنه على واشنطن أن تراعى الحسابات الإستراتيجية المتعلقة بأنه فى حالة اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، قد يدفع هذا روسيا إلى دعم إيران عسكريا فى إطار التحالف الاستراتيجى بينهما، وبالتالى تتزايد حروب الوكالة بين أمريكا، الداعمة لإسرائيل، وروسيا الداعمة لإيران، مما سيكون له تداعيات خطيرة.

وعلى الرغم من الحسابات العقلانية الأمريكية ومحاولة السيطرة على مسار التفاعلات الإسرائيلية الإيرانية، فإن الخطورة والتحدى الحقيقى يظل فى سلوك نيتانياهو الذى أصبح غير متوقع وغير محكوم بالرشادة السياسية فى ظل توجهه لإشعال الحرائق فى المنطقة، والقيام بتوجيه ضربة قوية تدفع إيران للرد مرة أخرى، ومن ثم توريط أمريكا فى الحرب مع إيران، وهو ما ينذر باندلاع حرب إقليمية شاملة، ستدفع ثمنها بالأساس منطقة الشرق الأوسط.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M