التقارب بين صربيا والاتحاد الأوروبي والرهانات الجيوسياسية المتغيرة في غرب البلقان

  • تُشكِّل عملية التقارب بين صربيا والاتحاد الأوروبي، الذي تنامت وتنوعت مظاهره مؤخراً، جزءاً من ديناميكية التحولات في السياسة الخارجية للطرفين.
  • تسعى صربيا إلى الاستفادة الاقتصادية من التقارب مع بروكسل ونيل العضوية الكاملة في الاتحاد، في حين يبحث الأوروبيون عن منافع اقتصادية تتعلق باستدامة النموذج الصناعي المتوافق مع الصفقة الخضراء، وكبح تدفقات الهجرة عبر خط البلقان، وإعادة التموضع الجيوسياسي في البلقان الغربي. 
  • وتيرة مساعي صربيا لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي ونجاحها فيها لا يعتمدان على قدرة بلغراد على القيام بالإصلاحات المطلوبة فحسب، ولكن على الديناميكية الداخلية للاتحاد أيضاً.
  • سيبقى التقارب الصربي-الأوروبي رهناً بتخطي عقباتٍ أساسية مثل الحل النهائي للمسألة الكوسوفية، وتحقيق إجماعٍ أوروبي حول مشاريع التوسع شرقاً، وإدارة التنافس الجيوسياسي مع روسيا والصين.

 

شهدت الأسابيع الماضية حراكاً دبلوماسياً واسعاً ومتسارعاً بين صربيا والاتحاد الأوروبي، تبدَّى في توقيع الطرفين على اتفاقية جديدة تتعلق بالرقابة الحدودية واتفاقية شراكة استراتيجية بشأن “المواد الأولية الحيوية” وسلسلة توريد البطاريات والمركبات الكهربائية، فضلاً عن زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون إلى بلغراد. ويأتي ذلك بعد فتورٍ شاب العلاقات بين الطرفين، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، والاصطفافات الدولية التي خلفها على علاقات الكتلة الأوروبية.

 

سياقات التقارب الصربي-الأوروبي ومؤشراته

منذ تفكك يوغسلافيا قبل ثلاثة عقود، اتسم تطور العلاقات بين صربيا والاتحاد الأوروبي بالتقلبات، التي وصلت حد الصراع المسلحّ غير المباشر. لكن موقع صربيا الاستراتيجي في البلقان، وعلاقاتها التاريخية بروسيا، تركا دائماً عوائق صلبة في تقاربها مع أوروبا الغربية. ومنذ سقوط نظام سلوبودان ميلوشيفيتش عام 2000، بدأت صربيا مناقشات حول التعاون مع الاتحاد الأوروبي، إذ وقّعت في عام 2008 اتفاقَ تعاون يفتح الباب نحو التكامل الأوروبي، من طريق إنشاء إطار للتعاون الاقتصادي والسياسي والقانوني. وفي عام 2012 حصلت بلغراد على وضع الدولة المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهي نقطة تحول في علاقاتها مع الاتحاد، ومُنح هذا الاعتراف بسبب التزام صربيا بتطبيع العلاقات مع كوسوفو. وبدايةً من عام 2014، بدأ الاتحاد رسمياً مفاوضات الانضمام مع صربيا، والتي تضمنت 35 فصلاً تغطي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي يجب على صربيا مواءمتها مع معايير الاتحاد الأوروبي.

 

ومع ذلك، لم يكن مسار التفاوض سالكاً، بسبب التحفظات الأوروبية على السياسات الداخلية الصربية حول ملفات الديمقراطية وسيادة القانون، ولكن بالدرجة الأولى كانت التحفظ الأوروبي يطال السياسات الخارجية الصربية الأكثر ميلاً إلى روسيا. فالعلاقات بين موسكو وبلغراد ذات جذور تاريخية عميقة تتعلق بالروابط المشتركة بين الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا الاشتراكية، وكذلك بسبب الروابط الدينية الأرثوذكسية الشرقية، إلى جانب المواقف السياسية الروسية الداعمة لصربيا، وبخاصة تجاه انفصال إقليم كوسوفو. وتشكل قضية الإقليم، ذي الغالبية المسلمة، إحدى العقبات الرئيسة أمام مفاوضات انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفع منسوب التوتر في العلاقة بين الطرفين، فعلى رغم أن صربيا أدانت ضم روسيا لشبه جزيرة القرم منذ عام 2014، وصوتت لصالح بعض قرارات الأمم المتحدة التي تنتقد روسيا، وأدانت غزو أوكرانيا، فإنها لم تفرض عقوبات على موسكو، الأمر الذي أثار تحفظاتٍ واسعةً داخل الاتحاد الأوروبي،  لذلك يأتي التقارب الحالي في سياقٍ من المراجعات الجذرية التي يجريها الأوروبيون لسياستهم الخارجية، والتي لا تتعلق بصربيا فقط، بل تطال أيضاً سائر الملفات الخارجية التي ترتبت عن المواقف من الحرب في أوكرانيا وما قبلها، وضمن أولويات أوروبية جديدةٍ تتعلق بملفات الطاقة والهجرة وترميم النفوذ الاستراتيجي للاتحاد.

 

وقع الاتحاد الأوروبي وصربيا مؤخراً اتفاقية لتوريد بطاريات الليثيوم، وهي سلعة ضرورية لتسريع انتقال أوروبا إلى الاقتصاد الأخضر (AFP)

 

وفضلاً عن الاهتمام الأوروبي المتعاظم منذ الغزو الروسي لأوكرانيا بمنطقة غرب البلقان في شكلٍ عامٍ، ومحاولة التوسع فيها لغاياتٍ جيوسياسية بوصفها استثماراً طويل الأجل، نلاحظ تقارباً خاصاً بين بروكسل وبلغراد في الآونة الأخيرة، يمكن رصده عبر ثلاثة مؤشرات أساسية وقوية هي:

 

  • توقيع الاتحاد الأوروبي وصربيا على اتفاقية تعاون بشأن إدارة الحدود مع الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) في يونيو الماضي، وهو اتفاق سيتم بموجبه نشر قوات الشرطة ليس على الحدود الوطنية مع المجر وبلغاريا فقط، ولكن أيضاً على الحدود الوطنية لصربيا لمكافحة الجريمة عبر الحدود والهجرة غير النظامية. وتنشر “فرونتكس” حالياً أكثر من 480 عنصراً في دول البلقان كجزء من العمليات المشتركة على الحدود الخارجية للاتحاد مع ألبانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود. ويقضي الاتفاق بنشر 111 عنصراً أمنياً في صربيا كجزء من عملية مشتركة.

 

  • توقيع الطرفين في 19 يوليو مذكرة تفاهم لإطلاق شراكة استراتيجية بشأن المواد الأولوية وسلسلة توريد البطاريات والمركبات الكهربائية. وتهدف الشراكة إلى دعم تطوير الصناعات المحلية الجديدة والوظائف عالية الجودة في سلسلة إنتاج السيارات الكهربائية، إذ تُعد احتياطيات الليثيوم التي اُكتُشِفَت في غرب صربيا من بين أكبر الاحتياطيات في أوروبا، والتي تمثل كنزاً استراتيجياً بالنسبة للأوروبيين في خطتهم لتطوير صناعة السيارات الكهربائية.

 

  • توقيع صربيا عقداً بقيمة 2.7 مليار يورو مع فرنسا لشراء 12 طائرة رافال، وذلك في خلال زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بلغراد في 29-30 أغسطس اكتسبت طابعاً مهماً لما تنطوي عليه الخطوة الصربية من تحول جذري في سياستها الدفاعية، بعد عقودٍ من الاعتماد على السلاح الروسي، لاسيما في القطاع الجوي.

 

أهداف التقارب الصربي-الأوروبي

يبدو التقارب بين صربيا والاتحاد الأوروبي مدفوعاً بعدة عوامل، سواء على الجانب الصربي أو على الجانب الأوروبي، إذ تشكل هذه العملية جزءاً من ديناميكية التحولات في السياسة الخارجية للطرفين، وبخاصة للاتحاد الأوروبي الذي بدا وكأنه يسلك نهجاً جديداً مختلفاً عن الحِدة والاستقطاب اللذين تميز بهما في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وذلك لتحقيق الأهداف الآتية :

 

1. الأهداف الاقتصادية: تكتسي المصالح الاقتصادية الأوروبية أهميةً أساسية في التقارب الحالي مع صربيا، حيث تمتلك بلغراد احتياطيات كبيرة من الليثيوم يمكن أن تغطي 17% من الاحتياجات الأوروبية. وفي الوقت نفسه يعاني الأوروبيون من تبعية حادة في المعادن الضرورية لإنتاج صناعي نظيف وملتزم بمعايير الصفقة الخضراء، لاسيما في قطاع السيارات الكهربائية، وذلك بعد مصادقة مجلس الاتحاد في مارس الماضي على استراتيجية لضمان إمدادات آمنة ومستدامة للمواد الخام الحيوية للتحول الأخضر والصناعات الرقمية وقطاعات الدفاع. إذ يمكن أن تنتج صربيا سنوياً نحو 58 ألف طن من كربونات الليثيوم، وهو ما يكفي لصناعة 1.1 مليون سيارة كهربائية داخل الاتحاد. وحالياً يعتمد الاتحاد بشكل كبير على دول، مثل الصين لتأمين المواد الخام الحيوية، مثل الليثيوم لتصنيع البطاريات والأتربة النادرة المستخدمة في الإلكترونيات. وتهدف اللائحة الأوروبية بشأن المواد الخام إلى تقليل اعتماد الاتحاد على الصين، التي تسيطر على سلاسل التوريد للعديد من هذه العناصر.

 

أما من جانب صربيا، فإن الدوافع الاقتصادية تتمثل في الوصول إلى التمويل الأوروبي، حيث يمثل التقارب فرصةً لتنمية قدراتها الاقتصادية والتنموية، وهو ما يجعلها أكثر قرباً لتحقيق عضوية الاتحاد. كما أن مشروع التكامل في الليثيوم، سيفتح الباب نحو نقل الشركات الأوروبية لعمليات صناعة السيارات الكهربائية إلى صربيا، لتقليل الكلفة ضمن سلسلة الإنتاج، محققاً في الوقت نفسه مكاسب هائلة لبلغراد، والتي ربما تتحول إلى إحدى القواعد الأساسية لصناعة السيارات الكهربائية في العالم.

 

دفعت الحرب الأوكرانية الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تركيز اهتمامه على ساحته الخلفية في غرب البلقان، لاسيما صربيا (AFP)

 

2. الأهداف الأمنية: ينطوي التقارب الجديد بين صربيا والاتحاد الأوروبي على هواجس الكتلة الأوروبية المتصاعدة بشأن السيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية، حيث يمثل طريق غرب البقان، الذي شكلت بلغراد طويلاً عقدته الأساسية، أحد أكبر تحديات الهجرة الأوروبية. وبعد الرقم القياسي للوافدين إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2015، شهد عدد المهاجرين غير النظاميين الذين يختارون هذا الطريق انخفاضاً مطرداً لعدة سنوات. ومع ذلك، بدأ هذا العدد في الارتفاع مرة أخرى منذ عام 2019.

 

وفي ديسمبر 2022، قدمت المفوضية الأوروبية خطة عمل الاتحاد فيما يتعلق بغرب البلقان، والتي تحدد سلسلة من التدابير التشغيلية التي تهدف إلى تعزيز الشراكة مع دول غرب البلقان، والتي تقوم على خمس ركائز أساسية: تعزيز إدارة الحدود على طول الطرق، وضمان إجراءات اللجوء السريعة ودعم القدرة على الاستقبال، ومكافحة تهريب المهاجرين، وتعزيز التعاون بشأن الترحيل، وتحقيق توافق حول سياسة التأشيرات. وبين عامي 2021 و2022، دعم الاتحاد تدابير الهجرة في المنطقة بموجب خطة العمل الطارئة، بمبلغ إجمالي قدره 201.7 مليون يورو.

 

وضمن هذا النهج شمل التقارب بين بروكسل وبلغراد توقيع اتفاق تعاون جديد ذي طبيعة أمنية، يتمكن الأوروبيون بموجبه من نشر قوات “فرونتكس” داخل صربيا للسيطرة على تدفقات الهجرة. وعلى نحو عامٍ يتقاسم الاتحاد الأوروبي وصربيا مصلحة مشتركة في مكافحة الجريمة المنظمة، والاتجار بالبشر، والإرهاب، وغير ذلك من التهديدات العابرة للحدود الوطنية. ويعزز هذا التقارب التعاون الوثيق بين وكالات الأمن والاستخبارات في الطرفين، فضلاً عن تبادل المعلومات.

 

3. الأهداف الجيوسياسية: تعد الدوافع الجيوسياسية العامل الأكثر أهميةً في إدارة العلاقات بين صربيا وبلغراد. وعلى نحو عامٍ تُعد منطقة غرب البقان خاصرةً رخوةً بالنسبة للاتحاد الأوروبي منذ عقود. وعلى نحو خاصٍ تعتبر صربيا تحدياً جيوسياسياً بالنسبة لبروكسل، بوصفها كانت دائماً أقرب إلى روسيا منها لأوروبا. لذلك يحاول الأوروبيون كبح هذا الميل الصربي نحو موسكو، وعرقلة النفوذ الروسي في صربيا. فقد دفعت الحرب في أوكرانيا الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تركيز اهتمامه على ساحتها الخلفية، في غرب البلقان، حيث باتت أوروبا الغربية مُدركةً لمخاطر سياسة الإحجام عن التوسع شرقاً وعواقبها الجيوسياسية، مما يخلق فراغاً تعمل روسيا والصين بالفعل على ملئه. وتستخدم موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لمنع صدور قرارات مؤيدة لاستقلال كوسوفو، ويعد هذا الدعم حاسماً بالنسبة لبلغراد ويعزز العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلاً عن الدور الذي تؤديه روسيا في قطاع الطاقة في صربيا، لا سيما عبر شركة غازبروم، التي تمتلك حصة أغلبية في شركة نافتنا إندوستريا، وهي شركة النفط والغاز الرئيسية في صربيا، إذ تعتمد صربيا بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي الروسي، مما يمنح موسكو نفوذاً اقتصادياً كبيراً.

 

كما تعد صربيا شريكاً رئيساً في مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث تحتفظ بيجين بنفوذ اقتصادي واسع، لاسيما في مجالات مثل البنية التحتية والمناجم المعدنية، فضلاً عن القروض منخفضة الفائدة التي تقدمها للحكومة الصربية، إلى جانب الدعم الصيني لصربيا في قضية كوسوفو. لذلك يدرك الاتحاد الأوروبي أن النفوذ المتنامي للصين وروسيا في صربيا ومنطقة غرب البلقان يمثل تحدياً استراتيجياً لسياسة التوسع التي ينتهجها، فيحاول تبنى نهجاً متعدد الأوجه يجمع بين التدابير الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، لصد هذا النفوذ وتقديم بديل موثوق وجذاب لتأثير هذه القوى الخارجية.

 

التحديات 

تواجه طريق التقارب بين صربيا والاتحاد الأوروبي عقباتٍ عدة ربما تكون حائلاً أمام تكاملٍ يفضي إلى اندماج بلغراد النهائي ضمن الكتلة الأوروبية. ويمكن حصر هذه العقبات في أربعة تحديات أساسيةٍ :

 

1. المسألة الكوسوفية: فضلاً عن توتر العلاقات بين صربيا وجيرانها في البلقان، وهو ما يؤثر في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي، فإن مسألة إقليم كوسوفو الذي أعلن استقلاله في عام 2008، تُعد أحد أبرز تحديات التقارب بين بروكسل وبلغراد. وقد أوضح الاتحاد الأوروبي أن التقدم نحو العضوية مشروط بحل هذا النزاع، إلا أن صربيا ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو، الأمر الذي يعقد المفاوضات بين الطرفين. وفي المقابل يؤدي الاتحاد الأوروبي دوراً وسيطاً في الحوار بين بلغراد وبريشتينا، لكن التقدم بطيء وغالباً ما يتسم بالتوترات والانقطاعات. ويشكل الضغط الذي يمارسه الاتحاد من أجل التوصل إلى اتفاق شامل وملزم قانوناً بين الجانبين تحدياً سياسياً كبيراً للحكومة الصربية.

 

يدرك الاتحاد الأوروبي أن نفوذ الصين وروسيا في صربيا يمثل تحدياً استراتيجياً لسياسة التوسع التي ينتهجها (Shutterstock)

 

2. التنافس الجيوسياسي: تقع صربيا على مفترق طرق منطقة غرب البلقان (التي تشمل ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو والجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وصربيا)، وهي منطقة ذات أهمية جيوسياسية، يجابه فيها الأوروبيون نفوذاً روسياً وصينياً كبيراً، حيث تحتفظ كل من بيجين وموسكو بنفوذٍ لا يقتصر على الاقتصاد والدفاع والتمويل، بل ينطوي على هيمنة ثقافية عميقة ترتبط بدعم واسعٍ للأحزاب السياسية القومية المعادية للغرب، ولوسائل الإعلام والمجتمع المدني والديني، وتستفيد من التاريخ الاشتراكي للبلدين وعدائهما للغرب، والذي يتقاطع مع شعور شعبي صربي يجد صداه في المجتمع. وسيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى جهود وأموال وإمكانيات كبيرة لتقليص الفجوة الثقافية بينه وبين المجتمع الصربي، الشعبي والنخبوي المعادي للغرب، لأسباب تاريخية ودينية وسياسية.

 

3. مسار العضوية في الاتحاد: بالقدر الذي يمكن أن يكون فيه هذا التقارب الجديد دافعاً لتجديد مسارات التفاوض حول عضوية صربيا في الكتلة الأوروبية وتسريعها، فإنه يمكن أن يكون بديلاً مفضلاً من العضوية. إذ يريد الأوروبيون فرض شروطهم السياسية والاقتصادية والجيوسياسية على بلغراد، دون الذهاب بعيداً في مسألة العضوية، وفي هذا الصدد يشير الأوروبيون إلى عدم إحراز صربيا تقدماً في “مجال سيادة القانون، وبخاصة فيما يتعلق باستقلال القضاء، ومكافحة الفساد، والجريمة المنظمة، فضلاً عن سيطرة الحكومة المتزايدة على وسائل الإعلام”. كذلك يبدو المشهد السياسي في صربيا مستقطباً في هذا الشأن، حيث تدعم الأحزاب والجماعات المؤثرة توجهات جيوسياسية مختلفة، ويعمل هذا الاستقطاب على تعقيد التنفيذ المتماسك للإصلاحات اللازمة لعضوية الاتحاد الأوروبي، ويجعل من الصعب التوصل إلى إجماع سياسي داخلي بشأن المسألة الأوروبية. فضلاً عن ذلك أصبحت بعض مشاريع التكامل مع أوروبا تطرح تحديات داخلية بالنسبة للحكومة الصربية، مثل الاحتجاجات التي تقودها جماعات الدفاع عن البيئة منذ أسابيع للمطالبة بوقف مشروع استخراج الليثيوم، خشية أن يؤدي المنجم إلى تلويث الأراضي والمياه المحيطة، وهو أحد المشاريع الأساسية في التقارب الجديد بين بلغراد وبروكسل.

 

4. الديناميكية الداخلية للاتحاد: يعاني الاتحاد في مختلف القضايا، لاسيما السياسة الخارجية، من غياب الإجماع. ويزيد الأمر توتراً فيما يتعلق بمسألة التوسع الأوروبي، فقد بدأت بعض الدول الأعضاء في الاتحاد، وبخاصة في أوروبا الغربية، تُظهر علامات الفتور من التوسعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إبطاء عملية انضمام صربيا أو فرض المزيد من القيود عليها. وبالتالي توجد إرادة أوروبية للاستفادة من صربيا دون منحها امتياز العضوية، وهو ما قد يحدّ من هذا التقارب الجديد بين الطرفين، لذلك فإن وتيرة عضوية صربيا ونجاحها لا يعتمدان على قدرتها على القيام بالإصلاحات المطلوبة فحسب، ولكن على الديناميكية الداخلية للاتحاد أيضاً.

 

الخلاصة

ينطوي التقارب الجديد بين صربيا والاتحاد الأوروبي على أهدافٍ وتحديات في الوقت نفسه. من جانبها تسعى صربيا إلى الاستفادة الاقتصادية من التقارب مع بروكسل وتحقيق العضوية الكاملة في الاتحاد، وفي المقابل يبحث الأوروبيون عن منافع اقتصادية تتعلق باستدامة النموذج الصناعي المتوافق مع الصفقة الخضراء، وكبح تدفقات الهجرة عبر خط البلقان، وإعادة التموضع الجيوسياسي في البلقان الغربي. لكن ذلك سيبقى رهناً بتخطي عقباتٍ أساسية مثل الحل النهائي للمسألة الكوسوفية، وتحقيق إجماعٍ أوروبي حول مشاريع التوسع شرقاً، وإدارة مسألة التنافس الجيوسياسي مع الصين، وعلى نحو خاص مع روسيا.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M