صُنْع أغلبية جديدة: الانتخابات التشريعية المبكرة وآفاق المشهد السياسي السنغالي

  • اضطر الرئيس السنغالي بسيرو دوماي فاي لحل البرلمان الذي تسيطر عليه الأغلبية الرئاسية السابقة، حرصاً على الحصول على أغلبية داعمة تكفل له القيام بالإصلاحات التي تعهَّد بها للناخبين بعد فوزه بانتخابات مارس 2024.
  • ستكون الانتخابات البرلمانية المبكرة المقبلة في السنغال محطة مُكمِّلة للانتخابات الرئاسية، كما ستكون فرصة لتقويم أداء نظام بسيرو دوماي فاي ورئيس حكومته عثمان صونكو بعد مرور ستة شهور على استلامهما الحكم.
  • يُرجَّح فوز القوى السياسية الداعمة للرئيس فاي في الانتخابات المقبلة، وإن كان من غير المستبعد تَشَكُّل معادلة تعددية دقيقة تفرض على السلطة الجديدة الحصول على توافقات محدودة لضمان تحكُّمها بالمجلس النيابي المرتقب.

 

أعلن الرئيس السنغالي الجديد بسيرو دوماي فاي، في 12 سبتمبر 2024، حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 17 نوفمبر، من أجل الحصول على أغلبية في المجلس النيابي تتيح له تنفيذ تعهداته الانتخابية التي على أساسها فاز بالرئاسة في استحقاقات 24 مارس 2024.

 

ستشكل هذه الانتخابات نقطة تحول كبرى في المشهد السياسي السنغالي بعد 12 عاماً من حكم الرئيس السابق ماكي صال الذي طبع بتجربته وخياراته هذا المشهد.

 

أسباب حلّ البرلمان وخلفياته

يعود البرلمان الذي حُلَّ مؤخراً إلى الانتخابات التشريعية التي نُظمت في 31 يوليو 2022، والتي أفضت وقتها إلى شبه تعادل بين الأغلبية الرئاسية والمعارضة. وفي الانتخابات حصل التحالف الداعم للرئيس السابق ماكي صال “متحدون من أجل الأمل” على 82 مقعداً من بين مقاعد البرلمان التي تصل إلى 165 مقعداً، في حين حصل ائتلاف المعارضة الأساسي ” تحرير الشعب ” الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي عثمان صونكو على 56 مقعداً، وحصل ائتلاف “إنقاذ السنغال” المتمحور حول الحزب الديمقراطي السنغالي بزعامة الرئيس الأسبق عبد الله واد على 24 مقعداً. وقد احتاجت الأغلبية الرئاسية السابقة إلى دعم صوتين إضافيين من المعارضة للاحتفاظ بمركزها.

 

لم يستطع الرئيس فاي الشروع في تنفيذ برنامجه الانتخابي نتيجة للصدام مع البرلمان الذي لا تزال تتحكم فيه الأغلبية السابقة (AFP)

 

وعلى الرغم من انتخاب الرئيس بسيرو دوماي فاي في الشوط الأول في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 24 مارس 2024، فإنَّه لم يستطع الشروع في تنفيذ برنامجه الانتخابي نتيجة للصدام مع البرلمان الذي لا تزال تتحكم فيه الأغلبية السابقة. وهكذا فشلت محاولة إصدار قانون دستوري لإلغاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والسلطة العليا للتجمعات المحلية، كما أخفقت محاولة عرض مراجعة الميزانية على الهيئة النيابية، ولم يتمكن رئيس الحكومة عثمان صونكو من تقديم سياسته العامة أمام النواب كما هو مقرر في الدستور السنغالي، بل واجه خطر الإقالة بحجب الثقة عن حكومته. ومن هنا كان قرار حل البرلمان متوقعاً، مع العلم أنه لا يمكن أن يُتخذ قبل 12 سبتمبر وفق الآجال المحددة دستورياً. وفي خطاب الحل الذي ألقاه الرئيس بسيرو دوماي فاي، ذكر أن المقصود من هذه المبادرة هو الحصول على التفويض الشعبي الضروري لإحداث التغيير الجوهري الداخلي الذي تعهد به.

 

واستخلاصاً للمعطيات السابقة، يمكن القول إن الانتخابات المقبلة ستكون من جهة محطة مكملة للانتخابات الرئاسية التي نُظمت في مارس الماضي، كما ستكون من جهة أخرى فرصة لتقويم أداء نظام بسيرو دوماي فاي ورئيس حكومته عثمان صونكو بعد مرور ستة شهور على استلامهما الحكم.

 

تحديات انتخابات نوفمبر 2024 ورهاناتها

مع أن حل البرلمان من الصلاحيات الدستورية المطلقة لرئيس الجمهورية وفق أحكام الدستور السنغالي، وعلى رغم أنه كان قراراً متوقعاً نتيجة لعدم توافر أغلبية تشريعية داعمة لنظام الحكم الجديد، فإن العديد من المصاعب تواجه الانتخابات المقبلة، من بينها:

 

  • استحالة احترام الإجراءات التنظيمية التي حددها القانون الانتخابي، باعتبار أن الانتخابات ستُجرى بعد شهرين من حل البرلمان. ومن المعروف أن القانون الانتخابي ينص على أن تقديم الترشحات يتم في خلال 85 يوماً قبل الاقتراع، كما أن التزكيات المطلوبة للمرشحين تتم في خلال 150 يوماً قبل إجراء الانتخابات. وهكذا بدأت في السنغال النقاشات القانونية حول شرعية الانتخابات المقبلة، بما قد يشكل أزمة سياسية في البلاد لغياب التوافق الضروري بين القوى السياسية حول آليات تنظيم الانتخابات.
  • مع أن الاختيار النهائي وقع على بسيرو دوماي فاي للتقدم الى رئاسيات مارس 2024 التي فاز فيها منذ الشوط الأول، إلا أن كل التقديرات والتحليلات تذهب إلى أن الحاكم الفعلي للبلاد هو رئيس الحكومة عثمان صونكو الذي مُنع من الترشح للرئاسة لأسباب قضائية. ومن هنا السؤال المطروح حالياً حول تأثير هذه المعادلة الثنائية في الحكم على واقع الانتخابات البرلمانية المقبلة.
  • مع أهمية هذه الانتخابات البرلمانية سياسياً، إلا أن رهانها الحقيقي هو الإصلاحات الدستورية والقانونية المتوقعة في حال حصول نظام الحكم الحالي على أغلبية نيابية. ووفق وعود الثنائي الحاكم في دكار سينتج عن هذه الإصلاحات تحول جذري في طبيعة النظام السياسي، من أهم سماته الحد من سلطات رئيس الجمهورية لصالح الحكومة، وتدعيم الحريات السياسية، ومكافحة الفساد وسوء تسيير المال العمومي.

 

آفاق الانتخابات التشريعية المبكرة في السنغال 

في ضوء التطورات الأخيرة للمشهد السياسي السنغالي، وبتحليل محددات هذا المشهد الديناميكي وتوازناته، يمكن استكشاف ثلاثة سيناريوهات متمايزة في رصد الاستحقاقات البرلمانية المقبلة واستشرافها:

 

1. سيناريو حصول النظام الجديد على أغلبية تشريعية تكفل له الوفاء بتعهداته الانتخابية، والقيام بالإصلاحات السياسية الكبرى الموعودة. ويبدو هذا السيناريو مرجحاً باعتبار الحالات المماثلة سابقاً، حيث حصل كل رئيس منتخب من قبل على أغلبية برلمانية مريحة سمحت له بممارسة السلطة كاملة. وبالنظر إلى أن الرئيس فاي فاز في الشوط الأول في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أنه لا يزال يتمتع بشعبية واسعة في الشارع السينغالي، فإن احتمال فوز حزبه “حزب الوطنيين الأفارقة من أجل العمل والأخلاق والأخوة” (Pastef) في الانتخابات البرلمانية المبكرة هو السيناريو الأقوى في الوقت الحاضر.

 

يُتوقَّع فوز القوى السياسية الداعمة للرئيس فاي في الانتخابات التشريعية المقبلة (AFP)

 

2. سيناريو فوز الأغلبية الرئاسية السابقة على رغم خروج زعيمها الرئيس ماكي صال من المشهد السياسي. وإذ يبدو هذا السيناريو مستبعداً، إلا أن بعض التوقعات تطرحه احتمالاً قائماً، باعتبار خصوصية الانتخابات البرلمانية التي تقوم أساساً على مركز الشخصيات المحلية في دوائرها بدلاً من الاعتبارات السياسية الوطنية. كما أن رئيس الحكومة الأسبق أمادو با، الذي حصل على 35% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأصبح بقوة القانون زعيم المعارضة، عاد إلى المشهد السياسي مؤخراً، وتعهد بتأسيس حزب سياسي جديد في إطار الائتلاف الحاكم من قبل. ويُعتقد أنه لا يزال يتمتع بدعم قوى من عدد من كبريات الشخصيات الدينية والسياسية التي لم يستقطبها النظام الجديد. وفي حال احتفاظ الأغلبية السابقة بالصدارة في البرلمان المقبل ستفرض حالة من التعايش مع الرئيس فاي الذي يجب عليه تعيين رئيس حكومة من المعارضة، بما يعني خروج الرجل القوي للنظام عثمان صونكو من المشهد السياسي، إلا أن هذا الاحتمال لا يزال ضعيفاً في الوقت الحاضر.

 

3. سيناريو التوازن الدقيق بين القوى السياسية، نتيجة تراجع شعبية النظام الجديد ومكانته في الشارع السنغالي بعد مرور شهور ستة أشهر على استلامه الحكم. ومع أن هذه المدة قصيرة، إلا أن بعض التحليلات تذهب إلى أن الثنائي فاي-صونكو فقد جانباً كبيراً من زخمه الأصلي، خصوصاً في أوساط فئة الشباب التي تضاعف إقدامها على الهجرة غير الشرعية، كما أن القرارات الاجتماعية المتخذة أخيراً كانت محدودة الأثر في وضع السكان المعيشي، وقد تزايد الانطباع لدى قطاع واسع من الشعب السنغالي بعدم نضج القيادة الجديدة وانعدام أهليتها للقيام بالإصلاحات الجذرية المنشودة. ومع أن هزيمة نظام الحكم الحالي في الانتخابات المقبلة غير متوقعة، إلا أنه لا يمكن استبعاد احتمال قيام برلمان متنوع التركيبة السياسية، لا يسيطر عليه كلياً رئيس الجمهورية ورئيس حكومته، بما يفرض عليهما تشكيل ائتلافات صعبة ومتقلبة، بما من شأنه إضعاف قبضتهما على الحياة السياسية ومركز القرار.

 

استنتاجات

ستُنظِّم في السنغال في نوفمبر 2024 انتخابات تشريعية مبكرة بعد مضي شهور ستة أشهر على الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي بسيرو دوماي فاي ورئيس حكومته عثمان صونكو. وقد اضطر الرئيس فاي لحل البرلمان الذي تسيطر عليه الأغلبية الرئاسية السابقة، حرصاً على الحصول على أغلبية داعمة تكفل له القيام بالإصلاحات التي تعهد بها للناخبين. ويبدو أن الاحتمال الأقوى هو فوز القوى السياسية الداعمة للرئيس فاي في الانتخابات المقبلة، وإن كان من غير المستبعد أن تُفضي الاستحقاقات إلى معادلة تعددية دقيقة تفرض على السلطات الحاكمة الحصول على توافقات محدودة لضمان تحكمها في المجلس النيابي المرتقب.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M