حروب إسرائيل الأربع في لبنان… مقارنات مفزعة

المقارنات بين الحرب الإسرائيلية الحالية، الرابعة، في لبنان والحروب الثلاث التي سبقتها، كثيرة. لكن المفارقات في هدف الحرب والوضعين الداخليين اللبناني والإسرائيلي، إضافة إلى الإقليمي والدولي قد تكون أكثر.

الغزو البري الأول للبنان في سنة 1978 الذي سمي “عملية الليطاني”، جاء بعد سنتين من تدخل الجيش السوري ونحو ثلاث سنوات على الحرب الأهلية التي مزقت الجيش وفتحت الجنوب للمقاتلين الفلسطينيين الذين انتقلوا إليه من الأردن عقب “أيلول الأسود” في 1970.

أما اجتياح عام 1982 واحتلال بيروت، فقد استهدف طرد ياسر عرفات ومقاتليه بضغط إسرائيلي وأميركي، وصولاً إلى التدخل البري الثالث في أعقاب حرب يوليو/تموز سنة 2006، أي بعد ست سنوات من انسحاب إسرائيل من الجنوب، وسنة من خروج الجيش السوري عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير/شباط 2005 وصدور القرار 1559 الذي يدعو إلى “نزع سلاح الميليشيات”.

وحرب يوليو، التي حصلت قبل 18 سنة، بين “حزب الله” وتل أبيب، انتهت بصدور القرار 1701 الذي تضمن انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وعودة مقاتلي “الحزب” إلى ما وراء نهر الليطاني.

وأخيرا، بداية أكتوبر/تشرين الأول 2024، بدأ الاجتياح الرابع بعد اختراقات أمنية لـ”حزب الله” واغتيال قادته بمن فيهم الأمين العام حسن نصرالله، والهدف المعلن إبعاد قوات النخبة في “الحزب” إلى ما وراء الليطاني. ويذهب بعض الإسرائيليين إلى أن الهدف الحقيقي هو نزع سلاح “حزب الله” أو تسليم سلاحه إلى الجيش.

 

ما أهم أوجه الشبه والاختلاف بين الحروب الإسرائيلية الأربع في لبنان، وخصوصاً بين الحربين الثانية والأخيرة؟

 

 

هنا أهم أوجه الشبه والاختلاف بين هذه الحروب الأربع، وخصوصاً بين الحربين الثانية والأخيرة:

أولا، داخليا. صحيح أن الغزو الذي جرى قبل 42 سنة، جاء في خضم الحرب الأهلية اللبنانية وتفتت الجيش وانقسامات سياسية هائلة. لكن حاليا، الانقسام السياسي قائم وعميق ومتراكم وإن كانت الأطراف الطائفية قد تغيرت قليلا، حيث بات “حزب الله” طرفا رئيسا ومهيمنا. وعلى عكس المشهد السياسي السابق، تأتي هذه الحرب وسط فراغ أو تسيير أعمال وتمديد، في معظم المؤسسات والسلطات الرئيسة. لا رئيس ولا رئيس حكومة أو حكومة ولا قائد جيش ولا حاكم مصرف مركزي. الاستثناء الوحيد، هو رئيس البرلمان نبيه بري، الذي كان فاعلا ولاعبا في 1982، وكان بين مودعي عرفات إلى تونس.

ثانيا، هدف الحرب. في 1982 كان هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن ووزير الدفاع آرئيل شارون طرد “منظمة التحرير الفلسطينية” ورئيسها ياسر عرفات. هدف واضح ضد لاجئين جاؤوا من الأردن. كان الحديث يجري عن عدد محدد، حُملوا بالفعل في سفن وحافلات إلى دول مجاورة وصولا إلى تونس. كان عرفات كثير الأعداء وقليل الحلفاء بينهم الرئيس العراقي صدام حسين. أما الآن، فإن هدف الحرب يخص “حزب الله”، الذي يحظى بدعم ورعاية كاملة من إيران, المثقلة بالضربات، مع شبكة تحالفات في “محور الممانعة”. يضاف إلى ذلك، أن “حزب الله” جزء من البيئة الشيعية وبنى عبر أربعة عقود شبكة أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية داخلية وخارجية.

 

التنسيق بين الأسد والخميني، تم التعبير عنه بتمهيد الأرضية لقيام “الحرس الثوري” بتأسيس الخلايا الأولية لـ “حزب الله” في سهل البقاع في يونيو 1982

 

 

ثالثا، إقليميا. جاء غزو 1982 وسط مشهد إقليمي معقد. الأسد يخوض صراعا ضد “الإخوان المسلمين” وسط بوادر لطموح من شقيقه الأصغر رفعت في السلطة خصوصا بعد مرضه (حافظ الأسد). انحاز الرئيس السوري إلى “المرشد” الإيراني في الحرب ضد صدام. والتنسيق بين الأسد والخميني، تم التعبير عنه بتمهيد الأرضية لقيام “الحرس الثوري” بتأسيس الخلايا الأولية لـ”حزب الله” في سهل البقاع في يونيو/حزيران 1982.

صحيح أن بداية الثمانينات شهدت انقسامات عربية–عربية على خلفية اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1978 والحرب العراقية–الإيرانية بدءا من 1980. لكنّ هناك حدا من التعاون العربي في لبنان تمثل في إرسال “قوات الردع” في 1976 وبدء تنسيق عربي مع دمشق وصولا إلى “اتفاق الطائف” في 1989 برعاية سعودية–سورية.

حاليا حجم الانقسام الإقليمي أعمق وطموحات اللاعبين غير العرب أخطر. الدور الإيراني الذي زُرعت بذرته في سهل البقاع في 1982، تمدد في الإقليم عابرا للحدود ومخترقا للسيادة. فقد زاد في العراق بعد سقوط صدام في 2003 وفي لبنان بعد انسحاب سوريا في 2005 وفي الشأن الفلسطيني بعد رحيل عرفات نهاية 2004 وانسحاب شارون من قطاع غزة في 2005 وفوز “حماس” في انتخابات 2006 وسيطرتها على القطاع في 2007 وتآكل اتفاقات أوسلو وأطيافه وفي الضفة الغربية. وجاء “الربيع العربي” في 2011 وظهور “داعش” في 2014 لتعزز طهران حضورها عبر الميليشيات و”حزب الله” وخصوصا في سوريا عندما تدخلت عسكريا لإنقاذ النظام بدءا من 2012.

 

رغم التحالف الكبير بين أميركا وإسرائيل، لم يتوان الرئيس رونالد ريغان في مواجهة بيغن والضغط عليه في حرب 1982

 

 

رابعا، دوليا. قبل 1982 كانت الحرب الباردة لا تزال قائمة. بالفعل ظهرت ملامحها في الأزمات الكبرى في الإقليم بما ذلك حرب لبنان، حيث برز الدوران السوفياتي والأميركي فيها ودعم كل منهما لطرف من أطراف الحرب الأهلية. وعندما قررت أميركا البقاء عسكريا في لبنان، بعد خروج عرفات في أغسطس/آب 1982، بررت ذلك في اتصالاتها السرية بأنها تريد “مواجهة المد الشيوعي” و”النفوذ الإيراني” قبل أن تصطدم بالهجوم على “المارينز” في 1983.

ورغم التحالف الكبير بين أميركا وإسرائيل، لم يتوان الرئيس رونالد ريغان في مواجهة بيغن والضغط عليه سياسيا وعسكريا وعبر الأمم المتحدة، سواء بالنسبة لقصف بيروت أو شروط إخراج “أبو عمار”، أو اتفاق 17 مايو/أيار للسلام بين بيروت وتل أبيب ودعم الرئيس أمين الجميل على ذكرى أشلاء شقيقه “الشيخ بشير”، ونقل الرسائل بين بيغن والأسد وإنجاز بعض الترتيبات العسكرية لنزع فتيل مواجهة مباشرة، كانت إحداها أزمة الصواريخ في 1981.

أما الآن، فأقل ما يمكن أن يقال إن الرئيس جو بايدن يتبنى الرواية الإسرائيلية، وقال عن نفسه إنه “صهيوني” وإنه لن يتوانى عن تقديم الدعم لحماية أمن إسرائيل، وسط غياب روسي فعلي كامل باستثناء التصريحات. ولا شك أن بقايا نفوذ بايدن على بنيامين نتنياهو تتبخر مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية بداية الشهر المقبل.

 

نتنياهو يقدم نفسه على أنه يقاتل كي يستعيد الردع والتفوق والأمن، ويعتبرها “حربا وجودية” للدولة العبرية… وله شخصيا

 

 

 من هنا، يأتي العامل الخامس، الذي يتعلق بإسرائيل. وهناك بُعدان، الأول شخصي يتعلق بنتنياهو الذي يدافع عن مصيره وبقائه خارج السجن عبر الانتقال من حرب إلى حرب من الجنوب في غزة إلى الشمال في لبنان. أما الثاني فيخص النظام العميق في إسرائيل، ذلك أن هجمات “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ضربت ثلاثة مبادئ إسرائيلية: التفوق العسكري-الأمني، الردع في الإقليم، الأمان للإسرائيليين في أراضي 1948. لذلك، فإن نتنياهو يقدم نفسه على أنه يقاتل كي يستعيد الردع والتفوق والأمن، ويعتبرها “حربا وجودية” للدولة العبرية… وله شخصيا.

مقارنة مفزعة بين حروب إسرائيل في لبنان وخصوصا حربي 1982 و2024. لا شك أن وضع العوامل الداخلية والإقليمية والدولية معا وإدخال الذكاء الاصطناعي والمسيرات والصواريخ والقنابل الذكية و “الغبية” في المعركة، وصفة مخيفة تفسر ما حصل في غزة وما يمكن أن يحصل في الحرب الرابعة في الشمال، أو ربما فتح “جبهات جديدة” في جنوب سوريا لإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الجولان وصولا إلى إيران نفسها، ذلك أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال إن الهجوم “سيكون قاتلا ودقيقا، وفوق كل ذلك مفاجئا”.

… وصفة لحرب مفزعة في 2024 بعد حروب إسرائيلية ثلاث سبقتها في لبنان

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M