الملخص:
تعد القضية الكردية من القضايا التي حازت اهتماما إقليميًا ودوليًا كبيرًا منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن، وعلى الرغم من أن العلاقة بين الحكومات العراقية المتعاقبة والأكراد قد اتسمت بالتوتر منذ نشأة العراق الحديث في عام (1921) والتي مرّت بثورات كردية عديدة، فإن هذا التوتر قد ظهر فيه تأثير الصراع الإقليمي والدولي بصورة جليّة خلال الفترة ما بين (1972-1975) بسبب متغيرات استراتيجية جوهرية عديدة جرت في المنطقة، ومنذ نشأة القضية الكردية وإلى الآن تربط علاقة تفاعل واستخدام متبادلة بين الأكراد والقوى الإقليمية والدولية؛ أي أن هذه القوى لم تستخدم قضية الأكراد كورقة ضغط ومساومة انطلاقا من مصالحها فحسب، وإنما أيضًا كانت هناك رغبة لدى القادة الأكراد لاستخدام ورقتهم؛ أملاً في الاستفادة من ظروف تنافس القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، وللحصول على الدعم الملائم الذي يمكن أن يعظم المكاسب الكردية، ولتحقيق المطامح التاريخية بتأسيس كيان كردي يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية أو حتى مستقل تماما إن سمحت الظروف بذلك، ولعل الفترة (1972-1975) تُقدّم نموذجا من هذا الاستخدام المتبادل، كما أنها قد تعبر في الوقت نفسه عن النتائج المتكررة التي آلت إليها العديد من الثورات الكردية، فهذه الفترة تمثل ذروة ظهور تأثير القوى الدولية والإقليمية في القضية الكردية بسبب دخول الولايات المتحدة منذ عام (1972) في تنافس شديد على العراق مع الاتحاد السوفييتي، وبدئها فعليًا باستخدام القضية الكردية أداة في هذا الصراع، فبعد أن كان الاتحاد السوفييتي الأكثر انخراطا ونفوذًا في علاقاته بالحكومات العراقية والأكراد على حد سواء منذ انقلاب عبد الكريم قاسم على الحكم الملكي عام (1958) وطوال الثورة الكردية في الفترة ( 1961-1970) كانت الولايات المتحدة قليلة الاهتمام بالطرفين بسبب تركيزها على تعزيز علاقاتها الاستراتيجية بحلفائها الإقليميين إيران، والسعودية، وتركيا، فضلاً عن انشغالها بحرب فيتنام، ولكن انسحاب بريطانيا من الخليج في نهاية عام (1971) ومحاولة العراق ومن ورائه الاتحاد السوفييتي ملء الفراغ في المنطقة وموازنة قوة إيران الإقليمية الموالية للغرب، ثم توقيع معاهدة التعاون والصداقة السوفيتية – العراقية في نيسان / أبريل ( 1972) التي كرست النفوذ السوفييتي في العراق وزادت من احتمالات تمدده في المنطقة، أدى كل ذلك إلى إعادة الولايات المتحدة النظر في سياستها تجاه العراق والأكراد.