في مناقشتها للتعاون في مجال الدفاع الصاروخي مع الشركاء الخليجيين الذين يتجنبون المخاطر، يجب على واشنطن معالجة تفاصيل الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل بشكل واقعي، بما في ذلك مدى اختراق الدفاعات.
في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت إيران موجة من حوالي 200 صاروخ باليستي متوسط المدى على إسرائيل، مستهدفة قواعد جوية، ومنشآت رادار، وعناصر أمنية تعتبرها طهران مسؤولة عن عمليات القتل الأخيرة للأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله في بيروت ورئيس المكتب السياسي لـ “حماس” إسماعيل هنية في طهران. وفي غياب بيان (رسمي) من الحكومة الإسرائيلية حول التأثير الدقيق للهجوم، تشير تقديرات المصادر المفتوحة إلى أن 181 من الصواريخ التي أطلقت كانت ناجحة خلال إطلاقها، وتم اعتراض حوالي ثلاثة أرباعها أثناء توجهها في مسارها – وبشكل أساسي بواسطة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، مع مساعدة من المدمرتين البحريتين الأمريكيتين “كول” و”بولكيلي”. وأسفر الهجوم عن مقتل فلسطيني واحد في الضفة الغربية؛ وكانت الإصابات الوحيدة المعروفة في إسرائيل هي لشخصين أصيبا بشظايا صاروخية في تل أبيب.
ومع قلة عدد الإصابات والأضرار المبلغ عنها، يوفر الهجوم دروساً مفيدة لمبادرات الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل في الشرق الأوسط. ومع ذلك، تمكنت بعض الذخائر الإيرانية من الاختراق، وقد لا يرى شركاء أمريكا الإقليميون الأكثر عرضة للخطر الصور المنتشرة على نطاق واسع لتأثيرات الصواريخ الإيرانية بنفس النظرة التي تراها واشنطن.
اختبار جديد للتعاون في مجال الدفاع الصاروخي
وفقاً لبيان صادر عن البنتاغون بعد هجوم 1 تشرين الأول/أكتوبر مباشرة، كانت الضربة أقوى “بمرتين تقريباً” من الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل – وهو تقييم يبدو أنه يشير إلى عدد الصواريخ الباليستية المستخدمة المتوسطة المدى وعدد المواقع المُستهدفة. وخلص البيان إلى أنه “في حين تم تدمير معظم الصواريخ قبل وصولها إلى هدفها، إلّا أن بعضها أصابت وألحقت أضراراً طفيفة”.
واستَخدَم هجوم 13 نيسان/أبريل ذخيرة إجمالية أكثر من هجوم 1 تشرين الأول/أكتوبر (320 ذخيرة، من بينها طائرات مسيرة)، ولكن جميع الصواريخ البالغ عددها 200 صاروخ التي أستخُدمت في 1 تشرين الأول/أكتوبر كانت صواريخ باليستية متوسطة المدى مقارنة بحوالي 120 صاروخاً باليستياً متوسط المدى في نيسان/أبريل. ويمكن أن تصل الصواريخ الباليستية إلى إسرائيل بشكل أسرع بكثير من الذخائر الأخرى (حوالي 9 إلى 12 دقيقة وفقاً للنوع)، مما يوفر وقتاً قصيراً جداً للإجراءات الدفاعية. ويبدو أيضاً أن إيران استهدفت هذه المرة أربعة أو خمسة مواقع، مقارنةً بثلاثة مواقع في نيسان/أبريل.
علاوة على ذلك، تضمن الهجوم الأخير إطلاقات إيرانية فقط، بينما تضمن هجوم 13 نيسان/أبريل بعض إطلاقات الطائرات المسيرة وصواريخ الكاتيوشا وصواريخ كروز من جانب شركاء إيران في العراق ولبنان واليمن. واعترضت الأصول الأمريكية والبريطانية والفرنسية نسبة كبيرة من الذخائر في هجوم 13 نيسان/أبريل، بمساعدة من الأردن وربما شركاء عرب آخرين. ومع ذلك، كان العديد من تلك الاعتراضات هو ضد الطائرات المسيرة البطيئة الحركة وصواريخ كروز. وفي المقابل، أدى هجوم الأول من تشرين الأول/أكتوبر، الذي استُخدمت فيه صواريخ باليستية متوسطة المدى فقط، إلى الحد بشكل كبير من عدد الشركاء الدفاعيين الذين يمكنهم اعتراض نيران إيران بشكل فعال. إن الأنظمة الاعتراضية الوحيدة في المنطقة القادرة على اعتراض هذه الصواريخ هي نظام “آرو” الإسرائيلي وأنظمة الدفاع الصاروخي الباليستي “SM-2/3” القائمة على السفن الأمريكية. ومن غير المرجح أن تصيب أنظمة الاعتراض الإسرائيلية الأقل مستوى مثل “مقلاع داود” و”القبة الحديدية” الصواريخ الباليستية متوسطة المدى.
واستناداً إلى التحليل المتاح في المصادر المفتوحة، انتهى الأمر بضرب إسرائيل بحوالي خمسين صاروخاً إيرانياً، بما في ذلك ما يصل إلى ثلاثة وثلاثين صاروخاً في “القاعدة الجوية في نيفاتيم” وحدها. وعلى الرغم من أن بعض هذه الضربات قد تكون ناجمة عن شظايا من عمليات الاعتراض، فإن معظم مقاطع الفيديو الخاصة بالانفجارات والحفر المرئية تشير إلى تأثيرات صواريخ متفجرة. ومن غير الواضح ما إذا كان أي من هذه الصواريخ قد تم السماح لها ببساطة بالتسلل عمداً إلى داخل البلاد – حيث استخدمت إسرائيل هذه التكتيكات سابقاً للحفاظ على الذخائر الدفاعية عندما تحسب أن الأسلحة سوف تسقط في مناطق مفتوحة، لكن ربما لم يكن بالإمكان اتخاذ هذه القرارات الدقيقة أثناء القصف المكثف الذي شهدته إسرائيل في الأول من تشرين الأول/أكتوبر (انظر أدناه لمزيد من التفاصيل حول هذه المسألة).
وتُعد الأعداد المنخفضة جداً للإصابات شهادة على قدرات الدفاع المدني الإسرائيلي واستعداداته. علاوة على ذلك، ربما تكون إيران قد استهدفت معظم صواريخها على منشآت عسكرية محصنة بهدف تقليل الإصابات المدنية وتجنب رد فعل قوي من إسرائيل؛ وحقيقة أن معظم الضربات قد وقعت في قواعد جوية قد تدعم هذا الاستنتاج. ومع ذلك، يمكن القول أيضاً أن إسرائيل سمحت لعدد كبير من الضربات في القواعد الجوية بالوقوع (على الأرض)، وركزت جهود الاعتراض على الأهداف المدنية.
النظرة من الخليج
بغض النظر عما تستنتجه واشنطن والمراقبون الآخرون حول هجوم 1 تشرين الأول/أكتوبر، فقد لا يرى شركاء الولايات المتحدة في المنطقة أنه يمثل دفاعاً ناجحاً عن إسرائيل. لقد اعتاد الإسرائيليون على التعرض للهجمات ننتيجة أجيال من الحروب والتدريبات على الدفاع المدني، ولكن وابل الصواريخ الإيرانية يبدو مختلفاً تماماً في دول الخليج، حيث أن تلك المجتمعات غير محصنة ضد الحرب، كما أن تواجد المهنيين والمستثمرين الأجانب يعتمد بشكل كبير على تصورات التهديد. وقد يكون للصور الحية للصواريخ الإيرانية وهي تضرب الأراضي الإسرائيلية تأثير نفسي أكبر هناك مما تدركه واشنطن، وقد يُعد “الضرر الطفيف” غير مقبول في هذه الحالة.
وبشكل عام، يعتقد قادة الخليج أن الدفاعات الجوية المتعددة الطبقات والدفاع الجوي والصاروخي المتكامل أمران حاسمان لاعتراض الهجمات المستقبلية المحتملة – وهي وجهة نظر تشكلت نتيجة للهجمات بالطائرات المسيرة وصواريخ كروز التي استهدفت مصافي “بقيق” و”خريص” في السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، وأيضاً بسبب الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ التي أطلقها الحوثيون اليمنيون والميليشيات العراقية المدعومة من إيران على أبو ظبي في كانون الثاني/يناير-شباط/فبراير 2022. وقبل الأسبوع الماضي، كانت ثقتهم في السجل الدفاعي لإسرائيل ضد الضربات بعيدة المدى آخذة في الازدياد. ومع ذلك، فإن صور الصواريخ التي اخترقت هذه الدفاعات في الأول من تشرين الأول/أكتوبر قد تثير شكوكهم حول إمكانية اعتراض نسبة عالية من المقذوفات الإيرانية خلال صراع مستقبلي في الخليج، حتى مع الاستثمارات والشراكات الوافرة عبر الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتلعب تصريحات “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني دوراً في هذا الخوف، حيث تهدد بأن أي تورط أمريكي في ضربة ضد إيران سيؤدي إلى هجمات على القواعد الأمريكية القريبة من المدن الكبرى في الخليج مثل أبو ظبي، والظهران، والدوحة، ودبي، والمنامة. كما أضافت ميليشيا “كتائب حزب الله” العراقية أن أي هجوم على أهداف نفطية إيرانية سيؤدي إلى هجمات على أهداف نفطية في الخليج. علاوة على ذلك، فإن المدن الساحلية في الخليج أقرب بكثير إلى إيران من المدن الإسرائيلية، لذلك يخشى القادة أن يتم استهدافهم بشكل فعّال بأسراب أكبر من الصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيرة بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية متوسطة المدى.
ومنذ هجوم الأول من تشرين الأول/أكتوبر – وخاصة في 9 تشرين الأول/أكتوبر، عندما التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوزير الخارجية الإيراني في الرياض – أشار المسؤولون الخليجيون إلى أنهم ينظرون إلى الانفراج السابق الذي توسطت فيه الصين مع طهران باعتباره أفضل وسيلة للدفاع ضد ترسانة إيران. ونتيجة لذلك، قد يقررون التركيز على المصالحة وتهدئة التوترات مع إيران، مما قد يجعلهم مترددين في تسريع مبادرات الدفاع الجوي والصاروخي بقيادة الولايات المتحدة.
توصيات في مجال السياسة العامة
كلما أظهرت إيران ووكلاؤها أنهم قادرون على ضرب أهداف أجنبية دون تكبد تكاليف باهظة، ستسعى دول الخليج إلى تعميق سعيها للتقارب مع طهران. ولضمان ألا يأتي هذا التقارب على حساب جهود الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل في الخليج، يتعين على الولايات المتحدة القيام بما يلي:
دعم الرد الإسرائيلي الرادع. يجب أن يرى قادة الخليج أن هناك جهوداً تُبذل لمنع إيران من الشعور بمزيد من الثقة والحرية في التصرف بعد وابل الصواريخ في 1 تشرين الأول/أكتوبر. وإذا تصاعدت الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل، فينبغي على واشنطن النظر في تمكين إسرائيل من شن ضربات أكثر فعالية ودقة ضد صناعات الصواريخ الإيرانية لمنع النظام من إعادة إمداد ترسانته وتحديثها.
تفسير أداء الدفاع الصاروخي الإسرائيلي. يجب ألا يحاول المسؤولون الأمريكيون تجميل الواقع بأن عدة صواريخ إيرانية اخترقت دفاعات إسرائيل في 1 تشرين الأول/أكتوبر. وبدلاً من ذلك، عليهم عقد مجموعات العمل المشتركة بين الولايات المتحدة ودول “مجلس التعاون الخليجي” لمناقشة التفاصيل العملياتية كما فعلوا بعد وقت قصير من هجوم 13 نيسان/أبريل، من خلال مواجهة نسبة اعتراض الصواريخ، وما إذا كانت إسرائيل قد سمحت عمداً لبعض الذخائر بضرب أراضي مفتوحة، وأين اخترقت الصواريخ لكي يتم تحسين الدفاعات. ومن جانبها، يجب على إسرائيل السيطرة على الرسائل الإعلامية بعد مثل هذه الهجمات، من خلال التصدي بوضوح وبشكل علني لرواية طهران من خلال الإشارة إلى الحالات التي تم فيها الحفاظ على صواريخ اعتراضية باهظة الثمن والسماح لبعض الذخائر بالمرور لأنها لم تشكل أي تهديد للإصابات.
متابعة البحث والتطوير المشترك في مجال الدفاع ضد الصواريخ الباليستية. تثير النقطة السابقة حول التكلفة استنتاجاً رئيسياً آخر من الهجوم: ينبغي على واشنطن وإسرائيل ودول الخليج النظر في البحث والتطوير المشترك لأنظمة دفاع أرخص تكلفة (وبالتالي أكثر عدداً) ضد الصواريخ الباليستية بجميع نطاقاتها. وهناك حاجة ماسة إلى نسخة أرخص تكلفة من نظام “آرو”، وربما يكون ذلك مرتبطاً بنظام الاعتراض “سكاي سونيك” الذي تطوره شركة “رفائيل” الإسرائيلية. وعلاوة على ذلك، قد تحتاج الدفاعات الصاروخية الباليستية الأرضية إلى أن تكون أكثر مرونة وأصعب تتبعاً، في حين قد تحتاج الدفاعات المحمولة على متن السفن إلى العمل على مسافات أبعد من البر لتجنب التهديدات المتزايدة ضد السفن من إيران و”حزب الله” والحوثيين. كما يجب على المسؤولين الإقليميين الدفع نحو (تطوير) نظام دفاعي هجومي في مرحلة الدفع قادر على إسقاط الصواريخ الإيرانية فوق الأراضي الإيرانية.
تبادل الدروس التكتيكية المستفادة. ينبغي أن تدفع قدرة إيران على إطلاق وابل دقيق (من الصواريخ) بعيدة المدى نحو مزيد من المناقشات حول وضع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد تتطلب القواعد في الخليج، والأردن، وتركيا، وغرب السعودية تعزيزاً إضافياً. كما يجب على واشنطن ترتيب لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين لتقديم إحاطات تكتيكية للشركاء في الخليج حول هذه القضايا في موقع محايد، بما في ذلك محادثات حول تحسين إجراءات الدفاع المدني في الخليج (مثل صفارات الإنذار والملاجئ).
الاستعداد للتخطي نحو أعلى سلم التصعيد. في المرة القادمة التي تؤدي فيها (هجمات) إيران إلى قتل أو إصابة أفراد أمريكيين أو يتم ضبطها وهي تعيد إمداد وكلائها بمكونات الصواريخ أو أسلحة أخرى، يجب على واشنطن أن تثبت أنها مستعدة لحماية مصالحها من خلال فرض تكاليف باهظة على وكلاء إيران و/أو فرض تكاليف مباشرة على المصالح الإيرانية. يجب أن تأخذ الولايات المتحدة وشركاؤها بعين الاعتبار مجموعة من الخيارات، بما في ذلك جهود متسارعة لتخريب صناعة الصواريخ الإيرانية.
التأكيد على أن الدبلوماسية الخليجية مع إيران والمبادرات الإقليمية بشأن الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل ليست متعارضة. يجب على واشنطن أن تبلغ شركاءها في الخليج بأن عليهم اتباع استراتيجية مزدوجة، تجمع بين إجراءات الإنذار المبكر والدفاع المشترك، حتى أثناء سعيهم لتحقيق التقارب مع طهران. ويقدم هجوم الأول من تشرين الأول/أكتوبر فرصة مهمة للمسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين لتعميق التعاون مع هؤلاء الشركاء، وتبادل الدروس المستفادة، وإظهار التزامهم الراسخ بدعم الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل في المنطقة.