ان برنامج Software العقل العراقي بحاجة الى تحديث، ليس فقط بسبب التطورات التكنولوجية التي لم يعد قادراً على مجابهتها، بل بسبب كثرة الفيروسات التي ضربت العقل العراقي خلال المدة السابقة والتي أحدثت ثغرات كثيرة أستغلها قراصنة Hackers العصر. ولأن هذا البرنامج الجديد يحتاج الى متطلبات غير متوفرة في جسد أو بُنية Hardware الدولة العراقية…
“أن أكبر خطر نواجهه هو عدم مواجهة الخطر، فالضمانة الوحيدة للفشل في عالم سريع التغيير كالذي نعيشه هو عدم المخاطرة” مارك زوكزبرغ Mark Zuckerberg
انتهينا من الاستعراض السابق والتفصيلي لآثار الزلزالَين اللذين ضربا المجتمع العراقي، الى أننا إزاء عراق جديد يختلف كلياً عن عراق ما قبل 2003 الذي لم ينتهِ كدولة فحسب، بل كثقافة اجتماعية لم تعد صالحة لبيئة العصر الذي نعيشه. ولكي لا يساء فهمي فأني لا أقول أن عادات وتقاليد وقيم ومعايير المجتمع العراقي ما قبل 2003 كانت خاطئة، بل أقول أنها باتت بحاجة ماسة في ضوء كل ما تم أستعراضه في المقالات السابقة، الى أعادة ضبط مجتمعي.
ان برنامج Software العقل العراقي بحاجة الى تحديث، ليس فقط بسبب التطورات التكنولوجية التي لم يعد قادراً على مجابهتها، بل بسبب كثرة الفيروسات التي ضربت العقل العراقي خلال المدة السابقة والتي أحدثت ثغرات كثيرة أستغلها قراصنة Hackers العصر. ولأن هذا البرنامج الجديد يحتاج الى متطلبات غير متوفرة في جسد أو بُنية Hardware الدولة العراقية فأن التحديث المقترح يجب أن يشمل كل من الدولة والمجتمع معاً.
ان المجتمع هو الشق الأصعب في التغيير لأن القيم والعادات والمعايير الاجتماعية شديدة الرسوخ من جهة وتتخلل كل الشبكات الاجتماعية من جهة أخرى. ولكي نكون واقعيين فأن القيم التقليدية التي تربى عليها كثير من العراقيين باتت تجابه تحديات جدية يجب مواجهتها. فمثلاً كان 1بالمئة فقط من العراقيين يبررون الرشوة في في عام 2004، لكن النسبة قفزت اليوم الى ما يناهز 25بالمئة.
أي أن كل واحد من أربع عراقيين (بالغين) بات يبرر الرشوة لأسباب مختلفة! كما أن نسبة من يوافقون على الإجهاض قد ارتفعت في العراق من 5بالمئة في 2004 الى 24بالمئة في سنة 2020!! وفي نفس الاتجاه ارتفعت نسبة من يبررون الطلاق (لمختلف الأسباب) من 11بالمئة الى 42بالمئة خلال نفس المدة. هذا يعني أن هناك كثير من المياه التي باتت تجري تحت الجسر دون أن ينتبه لها المختصون. أكرر، أني هنا لا أقيّم مدى صحة أو خطأ هذا التغيير ولكني ألقي الضوء عليه مطالباً بإعادة ضبط الثقافة المجتمعية كي لا يكون هناك تناقض بين منظومة الثقافة الاجتماعية التي ترفض الطلاق مثلاً وبين منظومة القيم الفردية التي باتت أكثر تقبلاً له كما تشير الإحصاءات لذلك.
هذا التناقض هو الذي يقود الى ظاهرة المظهرية وعدم الصدق مع النفس (يسميها البعض ازدواج الشخصية) الشائعة في مجتمعنا أذ يتظاهر الفرد برفضه للطلاق في الوقت الذي يقوم فيه برمي يمين الطلاق عند أول خلاف مع زوجته! أو أن يدافع أحدهم عن النزاهة وضرورة مكافحة الفساد، في حين أنه أول من يدفعون الرشوة وآخر من يرفضونها! أن الأب الذي ينصح أبنه بعدم الكذب ثم يكذب أمامه، أو بعدم الارتشاء ثم يقبض الرشوة أمامه، أو بعدم التدخين أو شرب الكحول، وهو يفعل ذلك كل يوم بحاجة أما لتعديل سلوكه، أو الكف عن نصائحه لأنه سيربّي للمجتمع مدخّن وسكير ومرتشي، وأخطر من ذلك سيخرج لنا كاذباً محتالا. بناءً على ذلك فنحن بأمس الحاجة لمراجعة ثقافتنا الاجتماعية، بضمنها منظومتنا القيمية كي يكونا أكثر أتساقاً. هذا لا يعني أن نقلل من معاييرنا الأخلاقية، لكنه يعني مراجعة تلك المعايير لمعرفة مدى أتساقها مع الواقع من جهة، ومراجعة ثقافتنا الاجتماعية لمعرفة مدى أتساقها مع ذلك الواقع من جهة أخرى
ان أساس هذه المراجعة يقوم على أيجاد توازن معقول ما بين (الصلابة) و(الرخاوة) الثقافية.
ظروف معينة
فثقافتنا الاجتماعية ليست قدراً محتوماً علينا، بل هي مطية امتطيناها وكانت مناسبة لظرفٍ معين، قد أختلف الآن وتباين مما يتطلب تغيير تلك المطية أو تعديلها.
وفي الوقت الذي لا زلنا بحاجة الى تنشئة أجيالنا على قيَم الأيمان بالله، وأهمية الأسرة والمجتمع، والصدق وسواها من القيم التي يتفق المجتمع على نُبلِها، فأننا بحاجة أكبر للتأكيد على أهمية المبادرة، وعدم انتظار الأوامر، والتفكير النقدي، والابداع، والتكيف ومواجهة التحديات، وقبول الآخر المختلف وسوى ذلك من متطلبات الحياة العصرية الابداعية والتطورية.
نحن بحاجة ماسة لتعليم الأطفال ليس فقط كيفية التعامل مع التكنولوجيا بل فهمها وأدراك متطلباتها قبل ذلك. فكما أنك لا تستطيع ممارسة الرياضة دون ملابس مناسبة، فأنك لا تستطيع التعامل مع التكنولوجيا دون عقلية وثقافة مناسبة.
أننا بحاجة سريعة وملحة لثورة تربوية تعليمية تشترك فيها مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأولية، كالبيت والدين، وكذلك مؤسسات التنشئة الاجتماعية الثانوية كالمدرسة وجماعات الصداقة والأقران Peers groups مثل (الفرق الرياضية، والكشفية، والفنية، والنوادي الثقافية…الخ). أن تدريس الفلسفة والفن والرياضة لم يعد ترفاً أو حاجة ثانوية، بل حاجة أساسية لأي مجتمع صحي معاصر. هذه هي-بأختصار شديد- طبيعة البرنامج (السوفتوير) الذي ينبغي تحديثه في العقل العراقي، ويبقى أن ألقي الضوء على طبيعة الجهاز (الهاردوير) الذي يتناسب مع هذا السوفتوير.