تُشكل القارة الأفريقية حالة من حالات التناقض الواضح، وذلك لأنها تتمتع باحتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية (ثروات متنوعة)، بما يكفي لجعل الاقتصاد الأفريقي من أكثر الاقتصادات في العالم نموًا. على الرغم من ذلك فإن سكان العديد من دول القارة يعدون من أفقر شعوب العالم وأكثرهم معاناة وقد يموتون جوعًا، وذلك بسبب عجزهم عن توفير الغذاء أو حتى زراعته في أراضيهم الشاسعة والخصبة. تعد دولة الصومال نموذجًا مثاليًا للتعبير عن الواقع الأفريقي الأليم؛ حيث قضت الحروب الأهلية على الأخضر واليابس، وجعلته من بين أفقر دول العالم، وعليه يجدد الصومال جهوده لجذب الاستثمارات النفطية، أملًا في أن تساعد أي اكتشافات نفطية في انتشال الدولة من حالة العوز الاقتصادي، ليصبح بلدًا واعدًا، يستطيع الوقوف على قدميه، وبناء اقتصاد قوي مزدهر.
مدخل:
يقع الصومال في شرق القارة الأفريقية، ويطل على خليج عدن شمالًا، والمحيط الهندي شرقًا، وجيبوتي من الشمال الغربي، وإثيوبيا غربًا، في حين تحده كينيا من الجنوب الغربي، ويمتلك الصومال ذات الـ17 مليون نسمة أطول ساحل بين دول شرق القارة، في حين تبلغ مساحته الإجمالية حوالي 637 ألف كيلومترًا مربعًا، ويضم 18 إقليميًا في إطار نظام فيدرالي برلماني تتوزع فيه السلطات بين حكومة فيدرالية وحكومات الأقاليم.
تشتهر الصومال بتوفر الموارد الطبيعية فيها، حيث يتوفر لديها كم كبير من احتياطي الغاز الطبيعي والنفط الخام، بالإضافة إلى ذلك فهي غنية بالحديد، القصدير، النحاس والملح. وتتميز الزراعة في الصومال بأنها من أكبر المجالات الاقتصادية، حيث تشتهر بوجود ثروة حيوانية ضخمة فيها. ومن أهم صادراتها اللحوم، الأسماك، والمنتجات الزراعية، إضافة إلى ذلك السكر، الموز، والذرة.
تاريخيًا، اكتشف النفط الخام في الصومال عام 1948، وذلك على يد مجموعة من الشركات الأجنبية التي أعلنت اكتشاف 8 أحواض نفطية آنذاك، بقيادة سنكلير أويل الأمريكية، وكونوكو الأمريكية، وشركة إيني الإيطالية التي كانت تُسمّى وقتها Agin. وبدأت عمليات التنقيب في الخمسينيات، لكن التطورات الكبرى في عمليات الاستكشاف حدثت خلال العقود التالية، خاصةً خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات مع دخول شركات أجنبية كبرى إلى القطاع وحصولها على اتفاقيات امتيازات كبيرة برية وبحرية في الصومال، وأبرزها إكسون موبيل وكونوكو فيليبس وبي بي وشل وشيفرون وإيني.
الصومال موارد طبيعية وثروات هائلة:
بشكل عام، تشتهر الصومال بتوفر الثروات والمواد الطبيعية فيها والمواد الخام الضرورية للعديد من الصناعات الحيوية، حيث يتوفر لديها احتياطيات كبيرة من النفط الخام والغاز الطبيعي، علاوة على ذلك فهي غنية بالحديد (حوالي 200 مليون طن ويبلغ متوسط محتواها حوالي 35%)، القصدير، النحاس والملح. وتتميز الزراعة في الصومال بأنها من أكبر المجالات الاقتصادية؛ حيث تشتهر بوجود ثروة حيوانية ضخمة فيها.
تمتلك الصومال احتياطيات غير مستغلة من العديد من الموارد المعدنية، بما في ذلك اليورانيوم، خام الحديد، القصدير، البوكسيت، النحاس، الملح والغاز الطبيعي. وفي أواخر الستينيات اكتشف علماء الجيولوجيا التابعون للأمم المتحدة رواسب كبيرة من اليورانيوم ومخزونات معدنية نادرة أخرى في الصومال. كان الاكتشاف الأكبر من نوعه، حيث قدّر خبراء الصناعة الودائع بأكثر من حوالي 25% من احتياطيات اليورانيوم المعروفة في العالم والتي بلغت حوالي 800 ألف طن.
وأمام ما تقدم، يمتلك الصومال ثروات ومقومات متنوعة في مجال الطاقة (التقليدية والمتجددة)، والتي من الممكن أن تُسهم في تحقيق نقلة نوعية للدولة، ولكن بشرط ضرورة استغلالها بشكل صحيح وعلمي. ومن الجدير بالذكر أن الصومال يتمتع بأعلى معدلات سطوع وإشعاع شمسي على مستوى العالم، حيث يصل إلى حوالي 3100 ساعة (أساس سنوي)، وهو الأمر الذي يؤهلها لإنتاج الطاقة الشمسية بمستويات مرتفعة وجدوى اقتصادية مؤكدة. بالإضافة إلى طاقة الرياح البرية والتي تتجاوز سرعتها حوالي 7 أمتار لكل ثانية، وذلك بفضل اتساع المساحة والموقع الجغرافي المميز، مما يجعلها فرصة للاستثمار في مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية من طاقتي الرياح والشمس، كما يوضح الشكل التالي موارد وثروات الصومال الطبيعية الهائلة.
واستكمالًا لما سبق، يقدم الصومال فرصة هائلة وعامل جذب رئيسي للاقتصاد الأزرق وهو مصطلح يرتبط بالاستثمار في الثروات البحرية، حيث يتيح موقع دولة الصومال إمكانية تعظيم الاستفادة من الثروات البحرية، ولكن بشرط ضرورة العمل على الاستغلال الأمثل لتلك الثروات.
على الرغم مما يمتلكه الصومال من هذه الاحتياطيات الضخمة من النفط الخام والغاز الطبيعي، يعاني الصوماليون من الفقر والأزمات المزمنة، وفي الوقت نفسه تُعد دولة الصومال من الدول الأفريقية القليلة وربما الوحيدة التي لم تبدأ بعد في الاستفادة من ثرواتها النفطية، رغم معاناتها الشديدة وحاجتها القصوى لعوائد هذه الثروات.
التنقيب عن النفط الخام وفرص النجاح:
استنادًا إلى البيانات الفنية، تشير التقديرات والدراسات، إلى أنه قدرت الاحتياطيات النفطية (المحتملة) في الصومال بحوالي 30 مليار برميل من النفط المكافئ (الحد الأدنى)، وتُعادل حوالي ثلاث مرات احتياطات النفط الجزائرية وتضع الصومال ثالثة أفريقيًا بعد كل من ليبيا ونيجيريا (في حالة نجاح عمليات البحث والتنقيب). وعليه تشكل الموارد النفطية الهائلة (احتمالات فنية وجيولوجية) في الصومال مصدر اهتمام لكبرى الشركات العالمية والدول الأجنبية في الآونة الأخيرة، إذ بات استخراج النفط أقرب من أي وقت مضى بعد عمليات استكشافية ماراثونية استمرت أكثر من حوالي 65 عامًا، عندما بدأت عمليات البحث والاستكشاف عن النفط الخام والغاز الطبيعي في الصومال خلال خمسينيات القرن الماضي قبل أن ينال استقلاله عام 1960. ومنذ تلك الفترة وحتى عام 1990، عمليات التنقيب في الصومال جرت في حوالي 70 موقعًا بريًا و4 مواقع بحرية، وذلك من خلال كبرى شركات النفط والغاز الطبيعي في العالم، مثل شل وشيفرون وإكسون موبيل وإيني وغيرها من الشركات الكبري (بالنظر إلى تلك الشركات ومكانتها العالمية في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي، سنجد أن الصومال تحتل مكانة متميزة وخاصة في البحث والتنقيب عن الطاقة التقليدية).
اضطرت جميع شركات النفط الكبرى إلى وقف جميع أنشطة التنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي في الصومال، وذلك مع اندلاع الحرب الأهلية في عام 1991، عبر إعلان حالة القوة القاهرة في جميع مشروعاتها النفطية. في حين فقد الصومال معلومات تلك العمليات الاستكشافية بشأن النفط والغاز الطبيعي وذلك على خلفية عمليات التخريب في عام 1991، وإن كانت متاحة لدى الشركات التي عملت خلال تلك الفترة (بشكل حصرى). حيث ترتب على ذلك صعوبة تحديد منطقة عثر فيها على النفط أو الغاز الطبيعي في ذلك الوقت. غير أنه بمجرد خروج الصومال من المرحلة الانتقالية وذلك في عام 2012 وتحسن الوضع الأمني والسياسي، عادت أنشطة البحث والاستكشاف عن النفط الخام والغاز الطبيعي في الصومال إلى الواجهة مرة أخرى.
يُشكل الصومال آخر الفرص المتبقية لموارد الطاقة البحرية غير المكتشفة في العالم، التي تحوي مليارات البراميل وتحمل فرصًا مالية واقتصادية هائلة للصومال والمستثمرين، كما يوضح الشكل التالي القطاعات الاستكشافية في المناطق المستهدفة.
وعليه يمكن القول، إن الصومال واحدة من أهم المناطق الواعدة للاستكشاف عن النفط الخام والغاز الطبيعي على مستوى العالم، وذلك بسبب تعليق العديد من دول العالم خططها الاستثمارية في صناعة الوقود الأحفوري، بسبب انهيار أسعار النفط، والصراعات الجيوسياسية في العديد من المنابع النفطية على مستوى العالم.
تتعاون تركيا والصومال الذي يتمتع بثروته من الموارد الطبيعية، بهدف اكتشاف النفط والغاز الطبيعي وترسيخ مفهوم أمن الطاقة لكلا الجانبين.
الاتفاق الصومالي التركي للتعاون في ملف الطاقة:
في مارس 2024، وقعت الصومال وتركيا مذكرة تفاهم واتفاقية دولية لتطوير التعاون في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي، وذلك بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تُقدم تركيا بمقتضاها دعمًا أمنيًا بحريًا لمساعدة مقديشو في الدفاع عن مياهها الإقليمية. يشمل الاتفاق، بالإضافة إلى التنقيب عن النفط في الصومال، تقييمه وتطويره وإنتاجه، في المناطق البرية والبحرية. ووفقًا لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، يتضمن الاتفاق عمليات النقل والتوزيع والتكرير والمبيعات والخدمات للنفط والمنتجات الأخرى من مشروعات برية وبحرية، مؤكدة أنه اتفاق حكومي دولي.
والجدير بالذكر، أنه قبل أغسطس من عام 2008، كانت جميع أنشطة وعمليات البحث والتنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي تدار من خلال الامتيازات والعقود الممنوحة من الحكومة المركزية (بشكل مباشر)، إلى أن جرى إنهاء هذا الوضع في 7 أغسطس من عام 2008، وذلك من خلال إصدار قانون نفط جديد أقره البرلمان الصومالي المؤقت آنذاك. حيث نص قانون النفط الخام والغاز الطبيعي على أن وزارة النفط والثروة المعدنية في الصومال أصبحت الوصي على الموارد النفطية في الدولة، وأن أي عمليات وعقود نفطية ستُدار بموجب عقود تقاسم الإنتاج، كما هو شائع في أجزاء كثيرة من العالم.
وأمام ما تقدم، يُشكل تعزيز مفهوم أمن الطاقة بالنسبة إلى الصومال أمرًا بالغ الأهمية، وذلك بهدف تحقيق النمو الاقتصادي، ولكن بشكل عام، من المتوقع أن يستفيد كلا الطرفين من تعزيز التنمية المستدامة، اعتمادًا على المشروعات المشتركة في ملف الطاقة (جميع المحاور المختلفة).
وهنا تجب الإشارة إلى أن مشاركة أنقرة في صناعة الطاقة في الصومال تُعد شراكة استراتيجية، وتتماشى مع خطط وتطلعاتها الجيوسياسية الأوسع في القارة الأفريقية، حيث إنه من المتوقع أن تستثمر تركيا بصورة موسعة وضخمة، إذ تشير التقديرات الأولية إلى حجم استثمارات محتمل تصل إلى حوالي نصف مليار دولار. وذلك لأن تطوير تلك الموارد والثروات النفطية الضخمة في الصومال، سيتطلب ضخ استثمارات ضخمة، مع بدء الحفر في مربعات بحرية محددة العام المقبل 2025.
أمام ما تقدم، غادرت سفينة الأبحاث السيزمية التركية أوروتش رئيس إسطنبول، السبت 5 أكتوبر الجاري، في طريقها إلى الصومال لإطلاق أنشطة البحث عن النفط الخام والغاز الطبيعي قبالة سواحل الصومال، بموجب اتفاقية التنقيب عن الهيدركربونات وإنتاجها، ووفق وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، ستصل أوروتش رئيس إلى سواحل الصومال بحلول نهاية أكتوبر الحالي، لتبدأ التنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي.
سيعمل على ظهر السفينة التي شاركت من قبل في عمليات بحث قبالة سواحل اليونان في شرق البحر المتوسط، صيف 2020، فريق مكون من 50 شخصًا، وسيرافقها عدد من سفن الدعم، خلال عمليات المسح التي ستجريها في مناطق تمتد لنحو 5 آلاف كيلو مترًا مربعًا.
والجدير بالذكر أن شركة النفط التركية (تباو) لديها تراخيص للتنقيب في منطقة بحرية، مقسمة إلى 3 مناطق تغطي مساحة إجمالية تقدر حوالي 15 ألف كيلو مترًا مربعًا. ومن المتوقع أن تستمر الدراسة السيزمية ثلاثية الأبعاد حوالي 7 أشهر (يقع مربعان من المناطق الثلاث، التي حصلت تركيا على حقوق التنقيب فيها، على بُعد حوالي 50 كيلو مترًا تقريبًا من اليابسة، والثالث على بُعد حوالي 100 كيلو مترًا، ويقدر أن عمليات التنقيب عن النفط في الصومال ستستغرق ما بين 3 و5 سنوات.
ومن الناحية الاقتصادية، تُشكل الصفقة فرصة مهمة للصومال، من أجل الوصول إلى نقطة ارتكاز حقيقي في ملف إدارة الموارد والثروات الطبيعية غير المستغلة، هو الأمر الذي قد يُسهم في تحقيق اكتشافات تجارية ومكامن هيدروكربونية كبيرة (برية وبحرية). وقد يكون ذلك بمثابة حافز كبير للنمو الاقتصادي؛ مما يمنح الاقتصاد الصومالي الدفعة التي يحتاج إليها بشدة للنمو وذلك من خلال تنويع وخلق مصادر جديدة للدخل وفرص عمل للشعب الصومالي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق قد يضع الصومال في وضع يمكنه من الاستفادة من موارده البحرية، وتعزيز إمكاناته الاقتصادية وتعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
مزايا استخراج النفط الخام والغاز الطبيعي من الصومال بكميات اقتصادية:
يُمثل البحث والتنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي فرصة مهمة للصومال، للاستفادة من موارده الطبيعية غير المستكشفة؛ مما قد يؤدي إلى اكتشاف مكامن هيدروكربونية كبيرة برية وبحرية، ويمكن تلخيص مزايا التنقيب والبحث عن النفط الخام والغاز الطبيعي في النقاط التالية:
- موقع الصومال على الممرات المائية التجارية الرئيسية، ينعكس بشكل إيجابي على عمليات نقل النفط الخام، وذلك من الناحية الاقتصادية (التكلفة الإجمالية).
- تنوع وتناغم التراكيب الجيولوجية بالأراضي الصومالية والمرتبطة بأحواض ترسيبية (منتجة فعلية للهيدركربون في المنطقة)؛ مما يبرهن على توافر احتياطيات نفطية محتملة وواعدة في الصومال.
- طول السواحل والشكل الطولي للصومال ينعكس بشكل إيجابي على كلفة النقل من خلال الأنابيب إلى الموانيء (من الحقول المكتشفة إلى الموانئ بشكل مباشر).
- في حالة نجاح عمليات البحث والتنقيب على النفط الخام والغاز الطبيعي، فإن ذلك سوف يسهم في بناء بنية تحتية ملائمة لصناعة النفط والغاز الطبيعي؛ مما يتيح للصومال إمكانية أن تعمل كمنصة تصدير (نقطة عبور رئيسية) لنفط إثيوبيا وجنوب السودان.
- إن الاستغلال المشترك لموارد النفط الخام والغاز الطبيعي يُشكل صيغة متوافقة بين الصومال وتركيا، وذلك لتمويل عملية بناء القوات البحرية الصومالية التي تريدها لحماية مياهها من التهديدات الوجودية والنشاطات غير القانونية من تهريب المخدرات والأسلحة والإرهاب والقرصنة.
شهد قطاع النفط والغاز الطبيعي الصومالي تطورات إيجابية (واعدة ومبشرة) خلال السنوات الـ3 الماضية، وذلك مع إعادة فتح أبواب قطاع الطاقة أمام الشركات الكبرى مجددًا للبحث والتنقيب عن مواردها الطبيعية بعد عقود طويلة من الانقطاعات بسبب الصراعات والحرب الأهلية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصومال تعاني من تحديات وأزمات صعبة والتي من ضمنها أزمة البطالة حيث بلغت حوالي 76%، ووصل معدل الفقر إلى حوالي 70% (أقل دول العالم نموًا) مع الاعتماد الكلي على المنح والمساعدات الخارجية بنسبة حوالي 70%، بالإضافة إلى أن هناك حالة واضحة من سوء إدارة الموارد والثروات الضخمة في الصومال، كما يوضح الشكل التالي تلك التحديات.
وبالنظر إلى الأهداف التركية من هذا الاتفاق المهم، نجد أن تعاون أنقرة مع الصومال في مجال الطاقة يوفر فرصًا هائلة لها للنمو وبالأخص في ملف الطاقة العابرة للحدود (التي تعتمد على تأمين موارد جديدة للطاقة من خلال المنابع الخارجية)، وهو نهج جديد تتبعه الإدارة التركية مؤخرًا. علاوة على ذلك تتمتع الاتفاقية بأهمية استراتيجية خاصة وذلك من المنظور الجيوسياسي، بالنظر إلى التطلعات الإقليمية الأكبر لأنقرة في منطقة القرن الأفريقي، حيث تتمتع المنطقة بأهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة ومكانة خاصة في أمن الطاقة العالمي، لأنها تقع عند تقاطع الممرات البحرية المهمة التي تربط البحر الهندي وبحر خليج عدن. وبالتالي تسعى تركيا من خلال الاتفاقية نحو تعزيز موقعها ونفوذها الإقليمي في هذه المنطقة الحيوية.
يتوافق الاتفاق في مجال الطاقة (وبالأخص النفط الخام والغاز الطبيعي) مع الأهداف الجيوسياسية الأوسع للإدارة التركية، وهو الأمر الذي يُسهم في تعزيز مكانتها بصفتها لاعبًا محوريًا في القرن الأفريقي وخارجه. لأن الفراغ الجيوسياسي الذي خلقته المنافسة بين واشنطن وبكين من شأنه أن يخلق بيئة خصبة، قد تسمح للقوى الإقليمية الفاعلة مثل تركيا أن يكون لها حظوظ أوفر في ملء الفراغ الحالي وإعادة ضبط التوازن الاستراتيجي في أماكن المنافسة والصراع المحتملة بينهما كمنطقة القرن الأفريقي (منطقة القرن الأفريقي أهم ممر لتجارة السفن في العالم، وجميع الدول مهتمة بها، لذا قد تحدث مزيدًا من التطورات المهمة).
وعليه يمكن القول إن الاتفاقية تغطي مجالات أكبر فيما يتعلق بالتعاون الأمني والدفاعي أكثر من مجرد التنقيب عن مصادر الطاقة الأحفورية. وبالتالي تعزز الصفقة العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد تمهد الطريق للتعاون المستقبلي في مجالات أخرى غير الطاقة (توقعات محتملة).
مجمل القول، يزخر الصومال بموارد طبيعية كبيرة، لكن لم يستغلها الصوماليون، وذلك بسبب هشاشة النظام الحكومي والأزمات السياسية والأمنية التي عاشها خلال ثلاثة عقود مضت. وعليه، يُعد استخراج النفط الخام فرصة اقتصادية قد تُسهم في تحول إيجابي لاقتصاد الصومال، وزيادة الدخل من خلال استخدام عائداته في تمويل المشروعات التنموية والبنية التحتية، مثلما تُسهم صناعة النفط الخام والغاز الطبيعي في تحفيز التنمية الاقتصادية وذلك من خلال توفير فرص العمل بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن هذا المنطلق كان اهتمام الصومال في الوقت الراهن بالعمل على فتح آفاق جديدة للاستثمار في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي وإتاحة الفرصة للشركات العالمية للتعاون مع الصوماليين في استخراج ثرواتهم النفطية الكامنة لسنوات طويلة.
لذلك تأتي أهمية ضرورة العمل على أمن الصومال السياسي والأوضاع الأمنية لما لهما من تأثير مباشر في حركة التنقيب ونشاط الشركات العالمية المتخصصة في استخراج النفط الخام والغاز الطبيعي في الصومال، وذلك حتى لا تتكرر مسألة تجمد المشروعات الاستكشافية لعقود طويلة كما حدث من قبل وأضاع على الصومال فرصة هائلة كان أحوج ما يكون إليها خاصةً في الأزمات الصعبة التي مر ولا يزال يمر بها الشعب الصومالي.
وفي الأخير، قد يكون إعادة عمليات البحث والتنقيب عن النفط الخام والغاز الطبيعي في الصومال بمثابة بريق أمل لفجر جديد يبزغ على دولة ظلت لعقود طويلة رهينة للحروب والصراعات، ضاعت معها طموحات شعبها نحو حياة كريمة ومستقبل أفضل.