تحديات قائمة: هل تمتلك إيران دفاعات جوية قادرة على التصدي للهجوم الإسرائيلي

بينما تنتظر إيران الرد الإسرائيلي المرتقب على الهجوم الصاروخي الذي نفذته يوم 1 أكتوبر 2024، تعتمد إيران بشكل رئيس على الدفاع الجوي الذي شهد العديد من التطورات على مدار العقدين الأخيرين، كانت كفيلة بجعله أحد أفضل الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط حاليًا. يعتمد بشكل رئيس على مزيج من المنظومات الأجنبية الحديثة مع بداية الألفية الثانية، وتطوير القديمة الموجودة منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، والتوسع في ابتكار نسخ محلية مشابهة ومستحدثة منها؛ في محاولة للحصول على الزخم القتالي الكافي لإجهاض الهجمات الجوية المكثفة. ذلك بالتوازي مع تطوير مراكز القيادة والسيطرة وغرف العمليات المختلفة، وتدعيمها بمحطات الرصد والإنذار المبكر، وفي الأخير، منظومات الحرب الإلكترونية المختلفة، وتأسيس بنية تحتية تستطيع استيعاب مثل هذه المنظومات وحمايتها من الضربات المباشرة. ولكن، بالرغم من كل هذه المجهودات المتراكمة، فإن الدفاع الجوي الإيراني يواجه العديد من التحديات.

شهدت حقبة التسعينيات نقطة تحول في تاريخ الدفاع الجوي الإيراني عندما تأسست قاعدة خاتم الأنبياء للدفاع الجوي لإقامة التنسيق بين أنظمة الدفاع الجوي والقوات الجوية. وقبل عام 2008، كان لدى الجيش الإيراني وحدة دفاع جوي كانت جزءًا من القوات الجوية للجيش. ومع ذلك، ففي عام 2008 تم فصل الدفاع الجوي ليصبح الفرع الرابع للجيش، وتم اعتبار مركز خاتم الأنبياء للدفاع الجوي مركز القيادة الرئيس للدفاع الجوي التي بدأت بالعمل بكل طاقتها في عام 2009 لتندرج تحت قيادتها 7 مراكز إقليمية للدفاع الجوي منتشرة في البلاد والتي وظيفتها تتمحور حول توفير صورة كاملة عن الموقف الميداني والمخاطر الجوية لتدعم متخذي القرار في مركز خاتم الأنبياء الذين بدورهم سيمررون الأوامر المناسبة طبقًا للوضع الميداني.

يعتمد مركز خاتم الأنبياء على 4 رادارات أساسية من طراز Rezonas-N للإنذار المبكر، تم تثبيتها في 4 مناطق “داشت عرجان” و”قامشقاي” و”أهواز” و”نور الدينباد” التي تعمل في نطاق VHF، وهي رادارات كبيرة الحجم لا تمتلك أي قدرة للمناورة ولا تستطيع الاستهداف، ولكنها فقط وسيلة تحذير. وحسب الشركة الروسية المصنعة، تستطيع هذه الرادارات رصد ما بين 10 – 1100 كم، وتستطيع رصد الطائرات المقاتلة من مسافة 350 كم، بجانب الصواريخ الباليستية والجوالة التي تطير فوق 3 كم. وهي مجهزة للعمل في بيئة تشويش معقدة من الطائرات المعادية، بل ولديها القدرة النظرية أيضًا على اكتشاف الطائرات ذات البصمة الرادارية القليلة (الشبحية). ولا تحتاج إلى عدد كبير من الأفراد لإدارتها بشكل مستمر، وقد لقبها الإيرانيون برادارات “سافير وقادير”.

تم صنع نسختين محليتين الصنع من هذه الرادارات تحت اسم “نذير” و”بينا” بمدى يتراوح ما بين 600-800 كم. وحسب المصادر الإيرانية، تعمل هذه الرادارات بنمط ثلاثي الأبعاد لرصد وتعقب الطائرات الشبحية التي تطير على ارتفاعات شاهقة أو حتى التي تحاول المناورة والانخفاض لتفادي الرادارات. مع تأكيد إيراني أن هذه الرادارات تستطيع مقاومة الحرب الإلكترونية والتشويش.

يتم تعزيز شبكة الإنذار المبكر بمنظومات للحرب الإلكترونية، وهدفها هو عرقلة الهجمات الجوية المعادية سواء بالتشويش على أنظمة الرادارات أو الاتصالات أو حتى وسائل توجيه الذخائر الذكية مثل إشارة القمر الصناعي. يمتلك الدفاع الجوي الإيراني العديد من المنظومات الروسية، وأهمها على الإطلاق نظام “Murmansk-BN” الذي يعمل بمدى حتى 5 آلاف كم لاكتشاف إشارات الرادار والاتصالات وتصنيفها، مما قد يساعد في عملية كشف الطائرات الشبحية بشكل سلبي. ونظام “Krasukha-4” بمدى 300 كم، والذي اشير إلى أنه كان المتسبب الرئيسي في السيطرة على الطائرة الأمريكية بدون طيار في “RQ-170” عام 2011. والعديد من النسخ المحلية، وأهمها على الإطلاق “Cobra V8″، والعامل حاليًا لتعزيز الدفاعات الجوية على شواطئ الخليج العربي.

بحسب التقرير السنوي لمركز الدراسات الدولية IISS، فإن الدفاع الجوي الإيراني يمتلك 25 كتيبة تتضمن:

  • 4 كتائب للدفاع الجوي بعيد المدى، وتعمل ما بين 70-200 كم، بمجموع 42 قاذفًا للصواريخ من طرازات “S-200” و”S-300″، والنسخ الإيرانية مثل Bavar-373.
  • 16 كتيبة للدفاع الجوي المتوسط، وتعمل ما بين 40-60 كم بمجموع 59 قاذفًا للصواريخ من طرازات “Hawk” و”BuK”، والنسخ الإيرانية المكافئة له مثل (خورداد وأمان وطلاش).
  • 5 أسراب للدفاع الجوي قصير المدى، بمدى يتراوح ما بين 3-30 كم، بمجموع 279 قاذفًا، وتشمل منظومات روسية من طراز TOR وصينية مثل HQ-7 ونسخ محلية مثل (يا زهراء وصقر-358).
  • عدد كبير غير محدد من الأنظمة للدفاع الذاتي مثل أنظمة الدفاعات الكتفية مثل ستريلا وستنجر والنسخ الإيرانية مثل (ميساق-1/2).
  • عدد كبير غير محدد من أنظمة الرشاشات قصيرة المدى من عيار 23 و35 ملم مثل (شيلكا وأوريليكون).

نقاط الضعف:

طبقًا للسيناريوهات التدريبية من المناورات السنوية للدفاع الجوي، تظهر اعتماد الدفاع الجوي الإيراني على تكتيكات غير نظامية بشكل مقارن مع الشبكات الدفاعية المتبناة للعقيدة الغربية للناتو وحلفاؤهم. ولكن، يتم تشغيل أقل عدد ممكن من المنظومات لأنها ستكون على الأغلب مرصودة لدى المنظومات الغربية للاستطلاع الاستخباراتي وطائرات التجسس المختلفة. مع الاعتماد الكامل على منظومات الحرب الإلكترونية ووسائل الرصد السلبية لاستيعاب الهجمات. وهذا يمنح باقي الوحدات القتالية حرية المناورة لإحداث مفاجأة مع بداية الهجوم المعادي وظهور الأهداف. قد يكون لهذا التكتيك بعض الفوائد التكتيكية في محاولة تقليل الخسائر وتحقيق بعض الفاعلية القتالية. ولكنه ليس مؤهلًا نظريًا لوقف هجمات الإغراق بالتهديدات متعددة الاتجاهات عبر الصواريخ الباليستية والجوالة والمسيرات.

بالرغم من تصنيع العديد من النسخ المحلية، إلا أنه من الصعب الحصول على العدد المناسب من المنظومات لتغطية كامل القطر الإيراني. لذلك، يعاني الدفاع الجوي الإيراني من مشكلتين أساسيتين:

الأولى: أن للدفاع الجوي الإيراني أولوية قصوى لحماية مواقع محددة، وتشمل العاصمة طهران (أكثر موقع إيراني محمي بالمقارنة مع باقي المواقع) ومواقع المفاعلات النووية وقواعد الصواريخ الباليستية. مع تقديرات تشير إلى أن التغطية الحالية للدفاع الجوي الإيراني تقتصر على 40-50% فقط على أقصى تقدير.

الثانية: أن الجغرافيا الإيرانية تتداخل بشكل كبير مع تغطية الرادار؛ نظرًا لأن 60% من التضاريس الإيرانية يبلغ ارتفاعها أكثر من 1800 متر، ولذلك فإن التغطية الرادارية ستعاني من ثغرات كافية لمرور الذخائر أو الطائرات المعادية. كمثال، سلسلة جبال زاجروس تحديدًا، التي ستقوم بتعجيز رادارات الكشف الجوي من تغطية القطاع الأوسط. عادةً، يتم الاعتماد على تكامل ما بين الرادارات الأرضية وطائرات الإنذار المبكر لتغطية المناطق المتضمنة للثغرات. ولكن لا تمتلك إيران حاليًا مثل هذه المنظومات الجوية المتطورة بعدما فقدت الطائرات العراقية في بداية الألفية الثانية.

منذ بداية الألفية الثانية، تجهز سلاح الجو الإسرائيلي بطائرات مخصصة للمهام بعيدة المدى وامتلك 4 أسراب طائرات F-16I وسرب F-15I وهي نسخ معدلة محليًا لعمليات الهجوم بعيد المدى على أهداف محددة ومحمية بواسطة دفاع جوي مكثف. وقد قام سلاح الجو الإسرائيلي بالتدرب على هذه المهمة في العديد من التدريبات داخليًا في تدريبات العلم الأزرق وخارجيًا في تدريبات المركبات النارية وأونسيلوس جيدون والعلم الأحمر والرعد الثلاثي، إلخ.

على مدار السنوات الأخيرة، تم تطوير هذه الطائرات لتمتلك ترسانة فعالة من الذخائر المختلفة تشمل:

  • القنابل بوزن يتراوح ما بين 150 حتى 5 آلاف رطل أمريكية ومحلية الصنع وبمدى يصل إلى 110 كم مثل عائلة JDAM الأمريكية وSPICE.
  • الصواريخ الجوية بمدى يتراوح ما بين 12-300 كم وتتنوع ما بين الصواريخ التي تطلق مباشرة على الأهداف والصواريخ المتسكعة التي تحوم حول دوائر الدفاعات الجوية لإيجاد ثغرات لاستغلالها والصواريخ الأسرع من الصوت مثل Delilah وPopeye وRampage.
  • الصواريخ الباليستية المطلقة جوًا بمدى يتراوح ما بين 300-800 كم وتم تطوير تصميماتها لتكون بحجم مناسب يتم حملها بعدد مناسب على أجنحة الطائرات المقاتلة التكتيكية مثل صواريخ Blue Sparrow  و Rocksولهذه الصواريخ مرونة كافية في تبديل الرؤوس التدميرية لتشمل الخارقة للتحصينات والتدمير بالاصطدام المباشر.

جدير بالذكر حسب تقارير غير رسمية أن لسلاح الجو الإسرائيلي قد قام في شهر أبريل الماضي بتنفيذ ضربة ناجحة محدودة ضد الدفاع الجوي الإيراني بواسطة صواريخ باليستية. وما يؤهله لتكرارها هو امتلاكه خبرة كافية لإتمام مثل هذه المهام، بالنظر إلى مهام سلاح الجو المستمرة في مهاجمة الأهداف داخل سوريا تحت مراقبة الدفاعات السورية والروسية، مع تاريخ طويل في مهام الهجوم بمدى بعيد مثل مهاجمة الأهداف الحوثية في نهاية شهر سبتمبر على مسافة 1800 كم.

تشمل أيضًا الترسانة الصواريخ الجوية التي يتم إطلاقها من الغواصات ويتخطى المدى الخاص بها ألف كم وتستطيع هذه الصواريخ أن يتم توجيهها على ارتفاع شديد الانخفاض داخل تغطية رادارية للخصم وفي تواجد منظومات للحرب الإلكترونية ومثال على هذه الصواريخ Popeye Turbo.

ختامًا، تأثر الدفاع الجوي الإيراني بلا شك بحظر توريد الأسلحة المفروض على إيران، كعادة باقي الأسلحة. ولكن البديل كان حاضرًا وبقوة باستحضار المنظومات الروسية والصينية. وبالفعل، تم امتلاك منظومات الإنذار المبكر بعيدة المدى والمنظومات الصاروخية للدفاع الجوي، مع العمل على نسخها وتصنيع العديد منها لرفع الكفاءة القتالية بالمقارنة مع المنظومات المتقادمة من الحرب الإيرانية-العراقية. ولكن الطبوغرافيا هي عائق كبير أمام قدرة الدفاع الجوي على استدامة الرصد والتعقب للمخاطر الجوية، بجانب النقص الكبير في عدد المنظومات بعيدة المدى، والتي تمثل درعًا ضد الصواريخ الباليستية بمختلف أنواعها، بجانب المنظومات المتوسطة المخصصة لاعتراض الطائرات المقاتلة وصواريخ الكروز، والتي تطير في مسارات متعرجة على ارتفاع شديد الانخفاض، وهو ما يفرض الكثير من التحديات الإضافية بالنسبة لطواقم الوحدات القتالية. وبالطبع، سيكون للتعاون الوثيق الحالي مع الحليف الروسي ذي السمعة الطيبة في مجال الدفاع الجوي، والاستفادة في امتلاك المزيد من المنظومات أو تطوير المنظومات المحلية لمستوى يرقى للمنظومات الروسية، لتحقيق الذخيرة المطلوبة، على أن يتم ذلك خلال الأعوام القادمة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M