كان الإرهابي الذي طالما أفلت من القبض معروفاً بوحشيته تجاه الإسرائيليين وسكان قطاع غزة على حد سواء، ويفتح موته الباب أمام تقدم دبلوماسي واقتصادي وسياسي.
تماماً كما أدى القضاء على زعيم “حزب الله” حسن نصر الله الشهر الماضي إلى تحفيز فرص جديدة للسلام في الشرق الأوسط، فإن موت زعيم “حماس” يحيى السنوار الذي طالما أفلت من القبض يوم الخميس المنصرم يعزز عملية تحول الشرق الأوسط نحو مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً.
ولتقدير الإمكانيات، من الأهمية بمكان أن نفهم أهمية السنوار كقائد. لا ينبغي أن يكون هناك شك في أن القضاء على السنوار هو فرصة، وليس مأساة. فلم يكن السنوار إرهابياً عادياً. وكان معروفاً بوحشيته تجاه سكان غزة والإسرائيليين على حد سواء. وبصفته من أوائل أعضاء “حماس”، أصبح السنوار معروفاً بين سكان غزة في الثمانينيات باسم “جزار خان يونس” بسبب وحشيته الفريدة في معاقبة الفلسطينيين المتهمين بالتعاون مع إسرائيل. وبعد أن اعتقلته إسرائيل في عام 1988، أمضى السنوار عقدين من الزمن في السجون الإسرائيلية، تعلم خلالها القراءة والتحدث باللغة العبرية بطلاقة، ودرس التاريخ والمجتمع الإسرائيلي، وأتقن كيفية عمل الأنظمة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
وحتى في السجن، ظل السنوار قائداً لـ “حماس”، التي سيطرت بعنف على قطاع غزة في عام 2007 بعد طرد السلطة الفلسطينية المنتخبة ديمقراطياً، وغالباً ما كان يتم إلقاء مسؤولي السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” من أسطح المباني. وبعد أن تم إطلاق سراح السنوار في صفقة تبادل الأسرى وعودته إلى غزة في عام 2011، اشتدت سمعته في سفك الدماء، والتي شملت قتله قائد بارز في “حماس” بسبب مثليته الجنسية رغم مناشدات زعماء آخرين من قادة “حماس” بالتسامح.
ولا ينبغي لأحد أن يحزن على رحيل السنوار، وخاصة الفلسطينيين. فقد تعامل مع سكان غزة وكأنهم جميعاً على استعداد لأن يكونوا شهداء، لكنه لم يسألهم قط عما إذا كانوا يرغبون في أن يكونوا شهداء. وفي الواقع، يجب تحميل السنوار مسؤولية مقتل أكثر من 40,000 من سكان غزة منذ العام الماضي، حيث بدا وكأنه لم يكن لديه أي استراتيجية واضحة للفوز بالحرب التي بدأها بمفرده، سوى الأمل الساذج في أن إيران ستنقذه (وهو ما لم يحدث)، أو الاعتقاد بأن الاحتجاجات الصغيرة بين بعض الجماعات اليسارية المتطرفة في الجامعات الأمريكية من شأنها أن تضغط على إسرائيل لإنهاء حملتها.
والأمر الأكثر أهمية من كل ذلك هو أن مقتل السنوار مقترناً بتدهور وضع “حماس” – مع تدمير 23 من أصل 24 كتيبة من كتائب “حماس” بالإضافة إلى جزء كبير من بنيتها التحتية العسكرية (مستودعات الأسلحة، مختبرات الأسلحة ومرافق الإنتاج، والأنفاق)، بما في ذلك 90% من صواريخ “حماس” – من شأنه أن يُحيي احتمالات السلام الخاملة منذ فترة طويلة ويقرّب فرص السلام والازدهار في المنطقة. وقد تبدو هذه الاحتمالات مستحيلة وبعيدة اليوم، لكن وفاة السنوار تخلق لحظة يجب استغلالها.
ولن يحدث أي من هذا بين عشية وضحاها. ومن الصعب التصديق بأن إسرائيل ستنهي جميع الحملات العسكرية على الفور، كما أشارت بعض الروايات المتفائلة، وخاصة بالنظر إلى حقيقة مفادها أن “حماس” لا تزال تحتجز العديد من الرهائن الإسرائيليين. ولكن لدى إسرائيل مصلحة في التأكد من أن إنجازاتها العسكرية والاستخباراتية المذهلة تُترجم إلى نتائج سياسية. وإسرائيل في وضع يسمح لها بالإعلان، بسبب إنجازاتها العسكرية، بأنها مستعدة لإنهاء الحرب في غزة، بشرط إطلاق سراح الرهائن. وقد لا تستجيب “حماس” على الفور، ولكن إسرائيل يمكنها إعادة صياغة القضية، وتذكير العالم بالرهائن وأن “حماس” هي التي تستمر في إخضاع سكان غزة للدمار. علاوة على ذلك، طالما أن “حماس” و “حزب الله” غير مستعدين لإنهاء القتال، فإن إسرائيل قادرة على مواصلة تدمير قدراتهما العسكرية وتقليل فرصتهما مرة أخرى في أن يشكلا تهديداً وجودياً لبقاء إسرائيل. لقد أضعفت إسرائيل بالفعل بشكل كبير ما يُسمى بمحور المقاومة الإيراني، وهو ما يخدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، كما يخدم القضاء على أكبر عدد ممكن من الإرهابيين المدرجين على قائمة الولايات المتحدة لأكثر المطلوبين خلال الأشهر القليلة الماضية.
إن الفرص المتاحة لرسم خرائط طريق سياسية ودبلوماسية واقتصادية قابلة للتطبيق لتحقيق السلام والازدهار طويل الأمد في المنطقة أصبحت أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى، ولكن على المشاركين الرئيسيين، وخاصة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التحلي بالإرادة السياسية اللازمة لاغتنام هذه الفرص. فلا يمكنه أن يسمح للقوميين في ائتلافه بتحديد ما هو ممكن.
إن الفرص السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بعيدة المدى تبدو مغرية، بدءاً من تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية لقطاع غزة منزوع السلاح. لقد أصبحت غزة مستعدة أخيراً لتحرير نفسها من الحكم الاستبدادي لـ “حماس”، الأمر الذي يخلق لسكان غزة إمكانية حقيقية لتحقيق مستقبل مليء بالأمل، بدلاً من الحروب واليأس التي لا نهاية لها.
وباستثناء بعض الأصوات اليمينية المتطرفة، فإن قلة في إسرائيل يريدون البقاء عالقين في غزة إلى الأبد، وتَحَمّل مسؤولية ثلاثة ملايين فلسطيني ومواجهة احتمالات اندلاع حركات تمرد. ومن الممكن أن تلعب الدول العربية دوراً انتقالياً في الإدارة وتوفير الأمن كجسر نحو بديل فلسطيني قابل للحياة والذي لم يظهر بعد. إن السلطة الفلسطينية ضعيفة للغاية وفاسدة للغاية لدرجة أنها لا تستطيع اليوم لعب هذا الدور، وتتطلب إصلاحات كبيرة إذا كانت تأمل في يوم ما في أن تحكم دولة فلسطينية بشكل موثوق.
ولكن لا ينبغي التغاضي أيضاً عن إمكانات التنمية الاقتصادية، حيث لا يمكن إنكار الوعد الاقتصادي الخام في غزة. في عام 2018، ساعد أحدنا، جيفري سونينفيلد، جاريد كوشنر في مؤتمر “السلام من أجل الازدهار” في البحرين، الذي عرض “اتفاقيات إبراهيم” وصندوق استثمار عالمي لرفع اقتصادات الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، وتمويل ممر نقل بقيمة 5 مليارات دولار يربط بين الضفة الغربية وغزة. رأينا عن كثب كيف كان رجال الأعمال العرب البارزون متحمسين للاستفادة من المزايا الطبيعية العديدة التي تتمتع بها غزة وديناميكية ريادة الأعمال بين سكانها.
إن إمكانية تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي بعيد المدى في غزة، فضلاً عن لبنان الخالي من “حزب الله” على الحدود الشمالية لإسرائيل – تتعزز من خلال إعادة الاصطفاف الدبلوماسي غير العادي للشرق الأوسط وزيادة التنسيق مع إسرائيل ضد عدو مشترك، هو: إيران، التي أصبحت أكثر ضعفاً اليوم، محرومة من جماعاتها الوكيلة وكُشِف عن ضعفها المتزايد. وكانت هذه الاصطفافات الفكرة الرئيسية لـ “اتفاقيات إبراهيم” التي أبرمها كوشنر، وواصلت إدارة بايدن بناء هذا التحالف الناشئ من خلال معاهدة دفاعية محتملة بين الولايات المتحدة والسعودية وتطبيع سعودي مرتبط بذلك مع إسرائيل. ولكن سواء سيتم إبرام معاهدة أم لا، فإن اتجاه التحرك واضح بالفعل، حيث أصبحت إسرائيل، ودول الخليج العربي وحلفاؤها بشكل متزايد مغناطيساً ديناميكياً للاستثمارات التجارية والمواهب الريادية والتحديث، بينما تتخلف إيران وحلفاؤها كثيراً عن الركب.
في عام 2018، أعلن السنوار لمواطني غزة: “سنحطم الحدود [مع إسرائيل] ونقتلع قلوبهم من أجسادهم”. وبالفعل، إن الحدود مع إسرائيل تنهار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ولكن ليس بالطريقة التي قصدها السنوار.