كيف يمكن أن يغيّر موت السنوار مجرى الحرب

قد يوفر مقتل زعيم “حماس” ومخطِّط هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر فرصاً دبلوماسية كبيرة لإسرائيل والولايات المتحدة.

يُعد مقتل زعيم “حماس” يحيى السنوار، الشخصية الفريدة التي جمعت بين المؤهلات العسكرية والسياسية والذي كان العقل المدبر للهجوم الإرهابي في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 ضد إسرائيل، ضربة قاسية لـ “حماس” وإنجازاً عسكرياً ونفسياً كبيراً لإسرائيل. وسيكون لوفاته تأثيرات على هيكلية قيادة “حماس” وديناميكياتها، ومسارها الاستراتيجي، وسيطرتها المستقبلية على غزة، فضلاً عن إطلاق سراح الرهائن ومحادثات وقف إطلاق النار. وفي حين من المرجح أن تعيّن “حماس” بديلاً في أسرع وقت ممكن، إلّا أنه من غير المرجح أن يكون أي مرشح فعالاً مثل السنوار، ولن يلتزم الجميع بنفس نهجه التكتيكي.

وعلى المستوى السياسي، لا تضم القيادة المتبقية لـ “حماس” في غزة شخصية قادرة على خلافة السنوار. ومن المؤكد أن يأتي الزعيم القادم من قيادة الحركة في الدوحة، حيث يتبنى المرشحان الرئيسيان وجهات نظر مختلفة بشأن مسألة وقف إطلاق النار وتحالفات “حماس” الإقليمية، وخاصة مع إيران.

فخليل الحية، الرجل الثاني في “حماس” بعد السنوار، كان حليفاً وثيقاً للزعيم الراحل ورأس وفد الحركة في مفاوضات وقف إطلاق النار، فضلاً عن محادثات المصالحة الأخيرة مع حركة “فتح” المنافسة. ومن المرجح أن يسعى لمواصلة مسار السنوار سواء في جبهة الحرب في غزة أو في الحفاظ على التقارب مع إيران. أما خالد مشعل، المرشح الآخر المحتمل، فقد شغل سابقاً منصب زعيم “حماس” لفترتين، وعلاقاته مع إيران معدومة عملياً، وقد حاول منذ فترة طويلة إبعاد “حماس” عن المحور الإيراني وتقريبها من أصولها في جماعة “الإخوان المسلمين”. ومن المرجح أن يكون أكثر اهتماماً بالتوصل إلى وقف إطلاق النار وبالتالي الاستفادة منه دبلوماسياً من خلال وضع “حماس” كطرف فلسطيني لا غنى عنه في الحوار. ومع ذلك، لا يتمتع أي من هذين الزعيمين بالقدرة أو العلاقات اللازمة التي تمكنه من السيطرة الفعالة على الجناح العسكري في غزة.

وفي حين يتمتع كل من الحية ومشعل بقدر من النفوذ السياسي داخل “حماس”، إلّا أنه لا توجد شخصية حالياً تتمتع بالمكانة العسكرية التي كان يتمتع بها السنوار، خصوصاً بعد مقتل كل من مروان عيسى ومحمد الضيف في وقت سابق من هذا العام على يد إسرائيل. والمتنافسان المتبقيان هما عز الدين حداد، رئيس الجناح العسكري لـ “حماس” في شمال غزة وعضو المجلس العسكري للحركة، ومحمد السنوار، شقيق الزعيم الراحل ويده اليمنى، الذي برز لدوره في اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006. إن تقسيم العمل بين الاثنين ليس مستبعداً.

وعلى المدى القصير، سيؤدي مقتل السنوار بلا شك إلى إحداث فوضى إضافية بصورة عملية، وقد تكون له تداعيات خطيرة محتملة على الرهائن. وستسعى القيادة المتبقية لـ “حماس” إلى إظهار عدم تراجعها من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتكثيف جهودها لزعزعة استقرار الضفة الغربية، على الرغم من أن قدرتها على القيام بأي من الأمرين قد تكون محدودة. ومن الممكن إلحاق الأذى بالرهائن إما كعمل انتقامي أو لفرض تكلفة على إسرائيل.

كما أن تأثير مقتل السنوار على الرأي العام في غزة تستحق المتابعة. فالتكاليف الباهظة للحرب تسببت فيما يبدو في ازدياد الغضب تجاه “حماس”، وكذلك تجاه إسرائيل، كما أن الخوف من الحركة لا يزال قائماً. ومن المرجح أن يشجع هذا الاغتيال بعض سكان غزة على التعبير عن معارضتهم بشكل أكثر علانية.

وعلى المدى الطويل، قد يتحوّل مقتل السنوار إلى تغيير جذري يفتح المجال أمام مبادرات سياسية. وكان يُنظر إلى السنوار على أنه العقبة الرئيسية أمام اتفاق وقف إطلاق النار من جانب “حماس”، وقد يفتح غيابه الآفاق مجدداً لتحقيق ذلك. وبالفعل، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على خاطفي الرهائن خيار الاستسلام وهم على قيد الحياة. كما أشار الرئيس بايدن إلى إمكانية تحقيق انفراجة. ولكن لكي تنجح هذه الأفكار، يجب ترجمتها إلى سياسات عملية في أقرب وقت ممكن.

وعلى وجه الخصوص، من الضروري أن تقدّم إسرائيل خطة “اليوم التالي” التي تهيئ الظروف لإنهاء الحرب وإعادة إعمار غزة. ويجب أن تستند هذه الخطة إلى اتفاق بشأن الرهائن ونزع سلاح “حماس”، بالإضافة إلى نفي قيادتها وعناصرها العسكرية إلى الخارج. ولكن يجب أيضاً أن تشمل دوراً – حتى وإن كان رمزياً – للسلطة الفلسطينية، ومساراً لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وسيكون هذا ضرورياً لتمكين أطراف ثالثة، خصوصاً الإقليمية منها، من لعب دور في غزة بعد الحرب. وإذا ترافقت هذه الجهود مع إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية وخلق مسار ذي مصداقية لإنهاء الصراع الأكبر، فقد يسهم ذلك في تغيير ميزان القوى الفلسطيني بعيداً عن “حماس”.

وبشكل أوسع نطاقاً، إذا أمكن الاستفادة من الديناميكيات الجديدة التي خلقها مقتل السنوار نحو تحقيق وقف إطلاق النار، فقد يكون لذلك تأثيرات على إنهاء الحرب في لبنان. ومن شأن مثل هذا التحوّل أن يحرّم إيران من اثنين من أهم أصولها الإقليمية، وبالتالي يقلل من نفوذها الخبيث في المنطقة. وتفتح جميع هذه التطورات إمكانيات جديدة، لكن يتعين على الإدارة الأمريكية أخذ زمام المبادرة واغتنام الفرصة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M