المعلن والمسكوت عنه فى حرب لبنان

منذ أيام وسياسة التدمير الإسرائيلية تتواصل بشكل ممنهج فى لبنان، بحيث لم تقتصر الضربات على أهداف محددة، كما تدعى إسرائيل، انما امتدت من اقصى الجنوب اللبنانى الى عمق البقاع مرورا بالضاحية الجنوبية لبيروت، وصولا الى بعلبك، كما شملت بعض المناطق التى لم يكن متوقعا استهدافها، كما حصل فى بلدة المعيصرة فى كسروان. على الرغم من أن المشهد يبدو عشوائيا، وأن الهدف هو ضرب ما يقال عنه مواقع حزب الله بأى شكل كان، فى استنساخ نسبى لنموذج غزة، لكن فى الواقع السياسة التى تعتمدها إسرائيل فى حربها فى لبنان هى فى واقع الحال إستراتيجية معقدة تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وعسكرية بعيدة المدى، وعلى الأغلب هى أبعد عما يكون من تصريحات المسئولين الإسرائيليين المعلنة. بنك الأهداف الإسرائيلى من عدوانه على لبنان يتناقض مع ما هو معلن، سواء فيما يتعلق بالأشخاص الذين يستهدفهم المحتل، أو حتى فيما يتعلق بالأهداف التى يتوخّى تحقيقها من الحرب.

إسرائيل تقول إن الهدف من الحرب هو إعادة المستوطنين فى الشمال إلى بيوتهم بأمان، بعدما هجروا منها قسرا منذ بدء الاشتباكات مع حزب الله بعد عملية 7 اكتوبر، والواقع على جبهة القتال يقول إن الهجمات النوعية التى يقوم بها حزب الله ستزيد من نسب التهجير ولن تقلصها.

وتقول إسرائيل إن هدفها من الحرب، أيضا، هو إضعاف حزب الله وشل قدراته، لمنعه من مواصلة شن الهجمات على شمال إسرائيل. وقد صرح مسئولون إسرائيليون بداية الأسبوع الحالى بأن القوات الإسرائيلية استطاعت هزيمة الحزب وجار الآن تدميره، هذا فى وقت يبدو الحزب وقد استعاد عافيته بشكل كامل، وبدأ فى توسيع مدى عملياته لتصل إلى العمق الإسرائيلي. أما الرهان على تراجع الحزب فى ظل الظروف الحالية فيبدو صعبا، خاصة أن حزب الله يدرك أن أى عودة للخلف من جانبه ستعنى اعلان هزيمته، وهو أمر لا يبدو واردا بالنسبة إليه.

إسرائيل تدعى أيضا أنها تخوض حربها ضد عناصر حزب الله ومواقعهم العسكرية، لكن الواقع يقول إن إسرائيل تستهدف المدنيين خاصة النساء والأطفال، وأنها تضغط على الحزب من خلال محاصرة المدنيين تحديدا فى بيئته الحاضنة، وتعرضهم للخطر المباشر فى محاولة لزرع نوع من الكراهية على حزب الله الذى يدعى المحتل انه السبب وراء سوء أوضاعهم. وتسعى إسرائيل من خلال تدمير المناطق الجنوبية والضاحية والبقاع إلى زرع الفوضى والذعر فى نفوس كل اللبنانيين، والغرض إضعاف الثقة فى الحكومة اللبنانية وقدرتها على حماية المواطنين. كما أن القوات الإسرائيلية تستهدف البنية التحتية اللبنانية، سواء كانت طرقا أو جسورا أو مرافق حيوية فى الجنوب، وتتعرض القرى الحدودية للقصف المستمر، ما يؤدى إلى تدمير المنازل وإجبار السكان على النزوح.

تحاول إسرائيل الترويج لفكرة أن حزب الله هو السبب الرئيسى وراء المعاناة التى يعيشها اللبنانيون فى كل مكان داخل البلاد، ما يعزز من صورة حزب الله، «التنظيم الإرهابى» الذى يشكل عائقا أمام الاستقرار والتنمية، وهو ما عبر عنه نيتانياهو بشكل مباشر فى خطابه للشعب اللبنانى، وبالتالى هى تقوم بحرب نفسية وترويع الأهالى، والهدف ليس فقط القضاء على الحزب.

ما تهدف اليه إسرائيل من خلال حربها هو أكبر وأعقد من كل التصريحات المعلنة للمسئولين الإسرائيليين. هى تعمل بشكل مستميت على تغيير جغرافية المنطقة وتعزيز نفوذها فيها، ما يسمح لها بالتأثير على سياسات الدول المجاورة، حتى لو كلفها ذلك تدمير دول والتعدى على سيادتها. بهذا الخصوص، أشارت بعض التقارير الإعلامية نقلا عن مسئولين أمريكيين بأن إسرائيل قدمت إلى الولايات المتحدة وثيقة تتضمن شروطها من أجل التوصل إلى حل دبلوماسى لإنهاء الحرب فى لبنان، والسماح للمدنيين النازحين على جانبى الحدود بالعودة إلى ديارهم. أحد المطالب الإسرائيلية، هو السماح لجيشها بالمشاركة فى «إنفاذ فعال»، للتأكد من عدم إعادة تسليح حزب الله، وإعادة بناء بنيته التحتية العسكرية فى مناطق جنوب لبنان القريبة من الحدود. الشرط الثانى يتمثل فى مطالبة إسرائيل بحرية عمل قواتها الجوية فى المجال الجوى اللبنانى.

هذه الشروط تعنى تقويض سيادة لبنان إلى حد كبير، وهو الامر الذى سيرفضه لبنان والمجتمع الدولى على حد السواء. اما ما يقال عن محاولة أمريكا الضغط من أجل نشر واسع النطاق للقوات المسلحة اللبنانية فى جنوب لبنان (على الأقل 8 آلاف جندى لبنانى) فى إطار حل دبلوماسى ينهى الحرب فى لبنان، وايضا رفع مستوى تفويض قوات «اليونيفيل» حتى تتمكن من مساعدة الجيش اللبنانى فى منع أفراد أو جماعات مسلحة لا تخضع لسيطرة الحكومة اللبنانية من الانتشار بالقرب من الحدود مع إسرائيل، فهو أيضا مجرد تصريحات تتناقض مع الواقع. والواقع يقول إن الحل السياسى ليس على جدول أعمال إسرائيل حاليا ولا يخدم رؤية نيتانياهو لحرب بلا نهاية.

 

المصدر

 

 

 

 

 

 

 

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M