تشكل نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُقرر عقدها في الخامس من نوفمبر المُقبل، مرحلة نوعية جديدة بالنسبة لمسار الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف بدون آفاق مُحتملة للتسوية. كما ستنعكس تبعات هذه المرحلة -التي قد تتمكن خلالها الإدارة الأمريكية الجديدة من التوصل إلى صفقة بشأن اليوم التالي في أوكرانيا- على المصالح الأمريكية والشراكة عبر الأطلسي، في حالة ما إذا فاز المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” أو المرشحة الديمقراطية “كامالا هاريس”.
وعليه، فقد أثار السباق الرئاسي الأمريكي العديد من التساؤلات مؤداها كيف ستتمكن واشنطن -أيًا كان الفائز في الانتخابات المقبلة- من استئناف عملية التفاوض بين طرفي الحرب والتي من المفترض أن تسهم في ضمان سلامة ووحدة الأراضي الأوكرانية، وتُعزز من قدرة كييف على الردع والدفاع، بالتوازي مع تقديم ضمانات أمنية لروسيا تضمن عدم تجدد الحرب مرة أخرى؟ وذلك في سياق إصرار كل طرف على فرض شروطه؛ ففي حين تطالب روسيا باحترام “الحقائق على الأرض”، وضمان حياد أوكرانيا، تُصر أوكرانيا على أهمية الالتزام بخطة السلام وتنفيذ ما يُعرف باسم “خطة النصر“.
الوضع الراهن
تشهد الحرب الروسية-الأوكرانية مجموعة من التحولات خاصة بعد التوغل الأوكراني المفاجئ في كورسك الروسية في السادس من أغسطس 2024؛ الذي حاولت من خلاله كييف تخفيف الضغط الروسي على الجبهة الشرقية -وهو ما فشلت فيه-، ولكنه أسهم في إعادة صياغة معادلة الحرب التي أضحت قائمة على “الأرض مقابل الأرض”، علاوة على مواصلة طرفي الحرب القتال لخلق المزيد من الفرص السياسية استنادًا إلى حجم المكاسب الميدانية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بالتزامن مع تراجع الاهتمام الدولي -نسبيًا- بدعم أوكرانيا في سياق تصاعد حجم التحديات التي تشهدها القوى الأوروبية، واستمرار الحرب في غزة، وتنامي بؤر الاشتعال في إقليم الشرق الأوسط.
بالنسبة لروسيا، لا تزال تواصل تقدمها على جبهة دونيتسك بشرق أوكرانيا، وكورسك بهدف طرد القوات الأوكرانية من أراضيها. يُضاف إلى ذلك، استمرار التلويح بورقة النووي عبر إدخال تعديلات مُحتملة على العقيدة الروسية النووية، بجانب زيادة عدد القوات الروسية بنحو 180 ألف جندي، ليصل عدد قوات الجيش حوالي 1.5 مليون جندي، لتعويض الخسائر البشرية، ومُتجنبة الإعلان عن التعبئة العامة، فضلًا عن الاعتماد على الدول الصديقة، وفي مقدمتهم: كوريا الشمالية؛ حيث ادّعت كوريا الجنوبية أن بيونج يانج أرسلت حوالي 1500 عسكري من قواتها الخاصة للمشاركة بجانب القوات الروسية في الحرب، وفقًا لـ “معهد دراسات الحرب“.
في المقابل، تحاول أوكرانيا الصمود على الجبهتين، وتطوير وتكثيف صناعاتها الدفاعية، وزيادة مصادر التمويل العسكري، وتوظيف توغلها في كورسك –القابل للتغير في أي لحظة- سياسيًا للحصول على الدعم من شركائها، لاستعادة أراضيها؛ حيث تسيطر موسكو على حوالي 20% منها، وضمان أكبر دعم مُحتمل من الإدارة الحالية قبل الانتخابات الأمريكية. تجلى ذلك في زيارة الرئيس الأوكراني للولايات المتحدة خلال شهر سبتمبر الماضي، والتي التقى خلالها “بايدن” و”هاريس” و”ترامب”، لاستعراض ما يعرف باسم “خطة النصر”. كما كان من المُقرر أن يعقد اجتماعًا مع الرئيس “بايدن” في ألمانيا، ولكنه أُجّل بسبب إعصار “ميلتون” في فلوريدا.
هذا بالإضافة إلى جولته الخارجية التي تضمنت كلًا من: المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وأيضًا كرواتيا لاستعراض تفاصيل الخطة التي تتضمن جُملة من البنود الرامية لإنهاء الحرب بحلول العام المُقبل وهي: “دعوة أوكرانيا الفورية إلى حلف “الناتو”، وتعزيز أمن أوكرانيا عبر الضمانات التي تسمح باستخدام الأسلحة بعيدة المدى للضربات العسكرية داخل روسيا والعمليات الدفاعية الجوية المشتركة مع الدول المجاورة، ونشر أصول الردع غير النووية في أوكرانيا، وإبرام اتفاقية ما بعد الحرب للإدارة المشتركة للموارد الحيوية لأوكرانيا، واستبدال بعض الوحدات العسكرية الأمريكية في أوروبا بقوات أوكرانية بعد انتهاء الحرب”.
وعليه، من الواضح أن المسار الرئيسي لـ “خطة النصر” لا يزال قائمًا على الردع والدفاع والحسم المرتكز على الشركاء الغربيين؛ الأمر الذي يجعل آليات تحقيقها مرهونة بالتوافق بينهم في الوقت الذي تتباين فيه مواقفهم بشأن السماح لأوكرانيا باستهداف العمق الروسي؛ الأمر الذي ينطبق أيضًا على عضوية حلف “الناتو” ويرجع السبب الرئيسي في ذلك هو تجنب التصعيد والمواجهة المباشرة مع روسيا.
إرث ممتد
أصبحت قضية دعم أوكرانيا وتسوية الحرب مع روسيا إحدى الأولويات المُثارة في السباق الرئاسي بين “هاريس” ذات التوجهات المتوافقة مع الإدارة الحالية القائمة على تعزيز قدرة واشنطن على القيادة العالمية واستعادة ثقة الحلفاء وتقوية العلاقة مع الشركاء، و”ترامب” الذي يتبنى مبدأ “أمريكا أولًا” المُرتكز على السياسات القومية الحمائية، واستدامة الاستقرار العالمي من خلال سياسة “الضغط الأقصى” كإحدى آليات الردع الاستباقي بدلًا من الدخول في مواجهة مباشرة حتى لو كان الأمر ليس في صالح الحلفاء.
ويرجع ذلك لعدد من الأسباب؛ منها: أن القضية أصبحت ذات تأثير في اتجاهات اختيار الناخبين للرئيس القادم، فوفقًا لاستطلاع الرأي الذي أجرته “وول ستريت جورنال” في سبع ولايات مُتأرجحة، ونُشر في الثاني عشر من أكتوبر 2024، يرى فيه الناخبون في هذه الولايات أن “ترامب” قادر على التعامل مع الحرب الروسية بنسبة 50% مُقارنةً بـ 39% لصالح “هاريس”. يُضاف إلى ذلك المواقف السابقة للمرشحين تجاه كل من روسيا وأوكرانيا، التي تتجلى مظاهرها فيما يلي:
- بالنسبة لـ “هاريس”:
رغم اهتمامها بالسياسة الداخلية، فإنها دعمت التوجهات الخارجية للرئيس “بايدن” في ضوء كونها نائبته. فقد حذرت بداية من الهجوم الروسي الوشيك على أوكرانيا خلال حضورها مؤتمر ميونيخ للأمن قبل اندلاع الحرب، موضحة أنه في حال الهجوم على كييف ستقوم واشنطن بتعزيز قدرات الحلفاء في أوروبا الشرقية، بجانب فرض عقوبات اقتصادية، مُعلنةً عن نشر حوالي 6 آلاف جندي إضافي في ألمانيا ورومانيا وبولندا، للدفاع عن أراضي حلف “الناتو”.
واستجابةً للحرب حذرت “هاريس” من تداعيات الحرب على أوكرانيا والديمقراطيات، مُشددةً على أهمية الوحدة بين واشنطن والحلفاء في “الناتو”، واتهمت موسكو بعد حوالي عام من الحرب بأنها “ارتكبت جرائم ضد الإنسانية” في أوكرانيا. علاوة على ذلك، دعمت “هاريس” رؤية أوكرانيا للتسوية الحرب وهو ما برز في مشاركتها في “قمة السلام” في سويسرا يونيو الماضي، والتي أعلنت خلالها عن تقديم واشنطن نحو 1.5 مليار دولار لكييف.
واستمرارًا لنهج الرئيس “بايدن” أكدت “هاريس” خلال مناظرتها الأولى في سبتمبر الماضي على دعمها لكييف، مُنتقدة نهج “ترامب” تجاه الحلفاء الأوروبيين وأوكرانيا. كما التقت -بحضور الرئيس “بايدن”- الرئيس الأوكراني في السادس والعشرين من سبتمبر لمناقشة “خطة النصر” في البيت الأبيض قبل لقائه “ترامب”؛ حيث أوضحت أن دعمها للشعب الأوكراني “ثابت”، مُحذرةً من عواقب السماح لروسيا بالاستيلاء على الأراضي بدون عقاب؛ الأمر الذي قد يمهد لاستهداف الحلفاء في أوروبا الشرقية من قبل موسكو. وفي مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” اشترطت “هاريس” أهمية تمثيل أوكرانيا في أي محادثات للسلام ستلتقي خلالها بالرئيس الروسي.
- بالنسبة لـ “ترامب”:
يرجع اهتمام المرشح الجمهوري بالحرب إلى علاقاته السابقة بطرفي الحرب، واعتقاده أنه قادر على وقف إطلاق النار إذا أُعيد انتخابه، علاوة على اعتراضه على الدعم الأمريكي لأوكرانيا. فخلال ولايته الأولى، كانت أوكرانيا سببًا في تعرض “ترامب” للعزل من قبل مجلس النواب على خلفية مطالبته نظيره الأوكراني هاتفيًا في عام 2019 عقد تحقيق حول منافسه الرئيس الحالي “بايدن” ونجله “هانتر” مقابل التلميح باستمرار المساعدات العسكرية لكييف، وقد تمت تبرئته في مجلس الشيوخ؛ الأمر الذي قد تكون له تداعيات محتملة وممتدة خلال الولاية الثانية لـ “ترامب” حال فوزه في السباق الجاري.
ومع استمرار الحرب بدون حسم، انتقد “ترامب” تقديم الإدارة الحالية المزيد من المساعدات الإضافية إلى أوكرانيا، وروّج أنه “سيوقف الحرب بعد 24 ساعة من انتخابه”. وخلال المناظرة الرئاسية الأولى، أشار إلى أنه يرغب في وقف الحرب دون التطرق إلى مسألة انتصار كييف. كما نوه عن المنطق الذي سيتعامل به مع الحرب -بشكل غير مباشر- خلال تصريحاته في الخامس والعشرين من سبتمبر في كارولينا الشمالية، قائلًا: “أي اتفاق -أسوأ اتفاق- كان ليكون أفضل مما لدينا الآن. ولو توصلوا إلى اتفاق سيئ، لكان الأمر أفضل كثيرًا. كانوا ليتنازلوا قليلًا وكان الجميع ليعيشوا، وكان كل مبنى ليُبنى وكل برج ليتقدم في العمر لمدة 2000 عام أخرى”، مضيفًا “ما الصفقة التي يمكننا أن نبرمها؟ لقد هُدمت المدينة، والناس ماتوا، والبلد أصبح أنقاضًا”.
وخلال لقاء “زيلينسكي” بـ “ترامب” في السابع والعشرين من سبتمبر، أشاد الأخير بعلاقاته الجيدة مع طرفي الحرب، ومنوهًا على قدرته على تسوية الأوضاع في أوكرانيا حال فوزه في الانتخابات. وعقب اللقاء صرح لقناة “فوكس نيوز” قائلًا: “نحن الاثنين نريد أن نرى نهاية لهذا، ونريد أن نرى اتفاقًا عادلًا. يجب أن يتوقف هذا، والرئيس (زيلينسكي) يريد أن يتوقف، وأنا متأكد من أن الرئيس بوتين يريد أن يتوقف وهذا مزيج جيد”.
اتصالًا بذلك، يتضح أنه من الجدير بالذكر أن العلاقات المتوترة مع أوكرانيا لا تقتصر على “ترامب” لكنها ممتدة إلى الجمهوريين، فبعد عرقلة المساعدات في الكونجرس، على سبيل المثال، دعا “مايك جونسون” رئيس مجلس النواب لإقالة سفيرة أوكرانيا لدى واشنطن “أوكسانا ماركاروفا” على خلفية زيارة “زيلينسكي” بصحبة بعض الديمقراطيين، مثل: “جو شابيرو” إلى مصنع لإنتاج الذخيرة في بنسلفانيا -التي تُعد من الولايات المتأرجحة- في الثالث والعشرين من سبتمبر 2024؛ حيث اعتبر “جونسون” الزيارة بأنها بمثابة تدخل في الانتخابات. فضلًا عن فتح النائب “جيمس كومر” رئيس لجنة الرقابة والمحاسبة في مجلس النواب تحقيقًا بشأن الزيارة.
وفي هذا السياق، نوه “ترامب” عن اعتقاده بأن الأوكرانيين يفضلون فوز الديمقراطيين في ضوء المساعدات المقدمة لهم، وذلك في اليوم التالي للزيارة قائلًا: “أعتقد أن زيلينسكي هو أعظم بائع في التاريخ. في كل مرة يأتي فيها إلى البلاد، يخرج ومعه 60 مليار دولار”، ولفت إلى اعتقاده الراسخ بأن القادة الأوكرانيين يفضلون الديمقراطيين، “إنه يريد بشدة أن يفوزوا في هذه الانتخابات”، بحسب “نيويورك تايمز“.
وذلك في مقابل العلاقة المثيرة للجدل بين “ترامب” والرئيس الروسي “بوتين”؛ فعلى الرغم من الاتهامات المُثارة حول تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية عام 2016، فإن “ترامب” قد شكك في صحة الأمر بعد لقائه بنظيره الروسي في يوليو 2018 بالعاصمة الفنلندية هلسنكي؛ حيث صرح بأن “الرئيس الروسي قد نفى ذلك بحزم، ورغم ذلك فإنه يثق بشكل كبير في الاستخبارات الأمريكية” وتابع قائلًا: “لقد قال للتو إنها ليست روسيا. وسأقول هذا: لا أرى أي سبب يجعل ذلك صحيحًا”. ويُضاف إلى ذلك إشادة “ترامب” المُتكررة بالرئيس “بوتين”، وعلاقته به والتي استمرت حتى بعد انتهاء ولايته الأولى بحسب ادعاء الصحفي الأمريكي “بوب وودوارد” في كتابه المُعنون: “الحرب” والذي أوضح أن “ترامب” ربما تواصل مع “بوتين” سبع مرات منذ عام 2021 وحتى العام الحالي، مستندًا في ذلك إلى ما قاله أحد مساعدي “ترامب”، لم يذكر اسمه، وهو ما نفاه الكرملين ورفضته حملة “ترامب”.
اتجاهات مُحتملة
انطلاقًا من المواقف المُتباينة لمرشحي الانتخابات الرئاسية حول مستقبل الحرب الروسية-الأوكرانية، من المتوقع أيًا كان الفائز في الانتخابات، أن تكون إدارته للحرب مرتبطة بضمان المصالح الأمريكية والحفاظ على مكانتها العالمية، بجانب تطويق واستنزاف روسيا دون الدخول في مواجهة مباشرة معها، وضمان الشراكة مع الحلفاء، حسب رؤية وآليات الإدارة المُقبلة. لذا فمن المُرجح أن تكون سياسة واشنطن تجاه تسوية الحرب الروسية-الأوكرانية على النحو التالي:
- في حالة فوز “هاريس” من المُحتمل أن تكون توجهاتها بشأن طرفي الحرب استكمالًا لسياسة إدارة “بايدن”، مع إمكانية التفكير في وقف الحرب.
- من المُتوقع أن تواصل “هاريس” دعم أوكرانيا والذي قد يواجه عراقيل خلال تمريره في الكونجرس، وخاصة مع استمرار الحرب دون حسم، ومطالبة كييف المزيد من المساعدات النوعية. بجانب العمل مع الحلفاء لتطويق روسيا عبر تعزيز دور حلف “الناتو”، ودعم سياسة التوسع في أوروبا.
- رغم أن هذا النهج قد يكون مفيدًا لأوكرانيا، فإنه من الناحية العملية قد يضر أولًا بمكانة واشنطن وقدراتها على ضمان دعم شركائها في ضوء هذا التوجه الذي تمكنت روسيا من التعاطي معه، كما سيسهم في استنزافها الدفاعات الأوكرانية، والسيطرة على المزيد من الأراضي حتى لو بتكلفة عالية، وهو ما سيقلل فرص التفاوض أمام أوكرانيا لأنه سيكون مشروط بالوضع على الأرض، والذي سيكون في صالح روسيا.
- لذا؛ فإن مسألة وقف الحرب التي ليست هدفًا في حد ذاتها لـ “هاريس” الآن، قد لا تنفي احتمالية سعي إدارتها إلى إعادة النظر فيه، ورغم ذلك ستكون أمام تحدٍ آخر متمثل في كيفية إقناع روسيا بهذا الأمر. وهنا قد تعول “هاريس” على فاعلية العقوبات المفروضة على روسيا وحلفائها مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية، وهو أمر غير مرجح أن ينجح حتى الآن. أو من خلال عرقلة انضمام أوكرانيا في حلف الناتو، وعدم السماح لكييف بضرب العمق الروسي، أو مطالبة الصين أن تتدخل كوسيط والدول الأوروبية كضامن، وقد يكون المؤشر على اتخاذ هذه الخطوة من قبل إدارة “هاريس” هو تمكن روسيا من طرد القوات الأوكرانية من كورسك، وأيضًا إحكام سيطرتها على إقليم “دونباس”.
- في حالة إعادة انتخاب “ترامب” من المُحتمل أن تكون توجهاته نحو طرفي الحرب مختلفة، ولكنها الهدف المحدد ذاته وهو وقف الحرب.
- ومن ثَمّ، من المُحتمل أن يبدأ بالحديث إلى الجانبين مع احتمالية ممارسة الضغط على أوكرانيا للتأكد من انفتاحها على التفاوض بدون شروط مسبقة، وقد تكون مظاهر الضغط متعلقة بتقليل المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، أو بشخص الرئيس “زيلينسكي”، بمعنى أنه قد يحمله مسئولية الدمار الراهن، وأن من مصلحة الشعب الأوكراني وقف هذه الحرب في ضوء تزايد الخسائر التي تكبدتها البلاد، فضلًا عن الغموض الذي يكتنف مستقبله السياسي، واحتمالية أن يكون خارج المشهد السياسي كأحد شروط للوصول إلى اليوم التالي في أوكرانيا.
- في المقابل، من المُتوقع أنه يراهن “ترامب” على علاقاته الشخصية بالرئيس “بوتين” في تسوية الحرب باعتبارها أولوية كبرى ينبغي إدارتها معًا لتجنب حرب عالمية ثالثة، مع إمكانية الرفع التدريجي للعقوبات، وذلك دون الحديث عن التخلي عن الأراضي الأوكرانية بشكل مباشر، ولكن مع تقديم ضمانات أمنية غير مُعلنة بشأن حياد أوكرانيا، تتوافق مع أهداف ما يعرف بـ “العملية العسكرية الخاصة”، بما يوحي للرئيس “بوتين” أنه تمكن من تحقيق أهدافه نسبيًا، بما يسمح بالتفاوض. وذلك بمشاركة بعض القوى الأوروبية التي من المُرجح أن تكون الضامنة للاتفاق مقابل تنسيق التعاون والشراكة تحت مظلة حلف “الناتو” بدون ضغوط أمريكية متزايدة.
- وبالتالي، سيكون “ترامب” قد حقق إنجازًا في البداية يمكن البناء عليه بشكل مُتدرج فيما يتعلق بالتوافق على بنود التسوية، التي سترتبط بالتقدم على الأرض، وخاصة في “دونباس”، وهو ما سيطرح إشكالية أمام “ترامب” بشأن كيفية التخلي عن أجزاء من الأراضي الأوكرانية لصالح روسيا في حالة ما إذا تمكنت موسكو من طرد القوات الأوكرانية من أراضيها، أي في غياب “أوراق المساومة”، وذلك دون الإضرار بسمعة واشنطن التي من المرجح أن تتأثر في هذا السياق، لأن هذا الوضع الذي من المحتمل أن تصل إليه أوكرانيا في حينها سيكون نتيجة لعدم استدامة وفاعلية الدعم الغربي. في المقابل قد يلجأ “ترامب” وقتها إلى تقوية العلاقات مع دول أوروبا الشرقية الأكثر إنفاقًا على الدفاع ولديها مواقف حادة تجاه روسيا ليوازن الموقف، بالتوازي مع زيادة الضغط على الحلفاء الأوروبيين.
مجمل القول، سيكون مستقبل الحرب الروسية-الأوكرانية بمثابة اختبار للإدارة المقبلة، ستبرز أولى مظاهره في مدى إمكانية وقف الحرب عبر استئناف مسار التفاوض بدون شروط مسبقة، وإلى أي مدى يمكن طرح صيغة لليوم التالي في أوكرانيا تضمن وحدة وسلامة أراضيها وتحقق الأهداف الروسية؟