بعد أسابيع من تكهنات عن نوع و توقيت رد إسرائيل على إيران، قامت إسرائيل بشن ضربات جوية استهدفت منشآت عسكرية في طهران ومناطق غرب البلاد.
وفي ضوء ما يتوافر من معلومات، يبدو أن إسرائيل رضخت للضغط الأميركي و حصرت هجومها على منشآت محددة ولم تنال من المنشاءات النفطية والنووية لتفادي تصعيد الموقف قبل أيام من الانتخابات الأميركية. رد فعل إيران الأولي أن الهجوم الإسرائيلي كان محدودا، وأحدث خسائر طفيفة ومقتل ضابطين في الجيش الإيراني.
كما كان متوقعا اختيار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوقيت الذي يناسبة بعد الأخذ في الاعتبار موقف إدارة بايدن. فهو من ناحية، امتثل إلى رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن بعدم توجية ضربات إلى المنشآت النووية أو النفطية، و في نفس الوقت قام بهجوم من شأنه أن يسبب حرجا شديدا للنظام الإيراني، خاصة بعد الإعلان أن كافة الطائرات الإسرائيلية التي شاركت في الهجوم عادت سالمة إلى قواعدها، مما يشير إلى ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية.
و لاشك أنّ نتنياهو يحدوه الأمل في أن تقوم طهران بالرد مما يفتح المجال أمامه في القيام بهجوم أكثر ضراوة قبل الانتخابات المقبلة أملا في المساعدة على انتخاب الرئيس السابق دونالد ترمب، و بالتالي يستطيع مواصلة تنفيذ خطته الرامية إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط بتأييد كامل من الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن إدارة بايدن، لا تريد من إسرائيل أن تتخذ أي إجراء قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي كبير. ويكاد يكون مؤكدا أن أي تصعيد كهذا ستكون له نتائج تؤثر سلبا على فرص نائبة الرئيس كامالا هاريس في الفوز بالانتخابات التي ستجري في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. فأسعار النفط سترتفع وسيرتفع معها تشاؤم الناخبين الأميركيين من آفاقهم الاقتصادية المستقبلية. كما أن الاحتمال المتزايد لنشوب حرب إقليمية سيزيد من تشوش الشعب الأميركي وقلقه من الأوضاع العالمية، وهي أوضاع لا يشعر نحوها بالارتياح أصلا.
ومع أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يأخذ في حسبانه أحيانا نصائح واشنطن، فإنه في النهاية يفعل ما يعتقد أنه يصب في مصلحته الشخصية، ولو كانت لا تتطابق بالضرورة مع مصلحة إسرائيل.
إيرانيون يمرون أمام لوحة تتضمن عبارات ضد إسرائيل في العاصمة طهران بعد القصف الإسرائيلي في 26 أكتوبرويبدو أن نتنياهو كعادته اختار البديل الأقل تكلفة بالنسبة له والذي يسمح له بأكبر قدر من حرية الحركة والمناورة بالشكل الذي يخدم أهدافه السياسية، والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
أولا، إنقاذ نفسه على كل من المستويين الشخصي والسياسي، وهما مترابطان في حالته. فإذا خسر السلطة السياسية، ستنتهي حياته السياسية مجللا بالعار.
ثانيا، جر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران. فإسرائيل بمفردها لا تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني، ولا تستطيع إحداث تغيير في النظام. ولكي تحقق أحد الهدفين أو كليهما، تحتاج إلى دعم واشنطن على الصعيدين العسكري والسياسي. وقد واظب نتنياهو طيلة أكثر من عقدين من الزمن على سعيه إلى تحقيق هذا المشروع. فقد جرب منذ عام 2003 كل الطرق الممكنة لإقناع واشنطن بالانضمام إليه في مهاجمة طهران. ومع أنه فشل مرات عديدة، لكنه لم يستسلم كما يبدو.
يريد نتنياهو المساهمة في زيادة فرص انتخاب دونالد ترمب
ثالثا، يريد التحريض على تغيير النظام في طهران. ولا يمكن فهم رسالته الأخيرة إلى الشعب الإيراني إلا في هذا المنحى.
رابعا، يريد المساهمة في زيادة فرص انتخاب دونالد ترمب. وتستند حساباته إلى أن أى تصعيد من قبل إيران سيترتب علية مزيد من التصعيد من قبل إسرائيل الأمر الذي يزيد من احتمال اندلاع حرب إقليمية لن تسطيع الولايات المتحدة من تفادي التورط فيها، و هو سيدفع الأميركيين إلى انتخاب زعيم لا يتردد في استخدام القوة لحماية المصالح الأميركية، أي ترمب. ومع أن أحد ثوابت ترمب القليلة في السياسة الخارجية، عدم رغبته في أن تتورط الولايات المتحدة مباشرة في أي صراع عسكري كبير، فإن الناخب لن يأخذ ذلك في حسبانه وقت الأزمة، لأن التفاصيل في حالة كهذه ليست مهمة. وما يحسب حسابه أن الناخب سيتفاعل مع الأزمة الحالية لا مع عواقبها.
بقايا صاروخ ايراني سقط في صحراء النقب في 2 اكتوبرخامسا، وأخيرا وليس آخرا، يريد إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط. فقد تمادت إسرائيل تحت قيادته في انتهاك القانون الدولي وارتكاب فظائع لا توصف، ولم يعد بوسعه التراجع إلا إذا قررت الولايات المتحدة بالطبع وضع حد لأفعاله، وما من مؤشر للأسف على أن هذا سوف يحدث.
في كل الأحوال سيستمر نتنياهو في محاولة تحقيق أهدافه ما لم تضعه واشنطن عند حده. وهنا يأتي دور الدول العربية التي يقع عليها مسؤولية كبيرة بالتأثير على الولايات المتحدة لتحقيق ذلك.