“المجمع الانتخابي”.. آلية تصويت أمريكية تغلب الاختيار الشعبي

تُعقد الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر القادم بين “كامالا هاريس” الديمقراطية وبين “دونالد ترامب” الرئيس الجمهوري السابق، وهي العملية الانتخابية الأهم التي يتطلع إليها العالم بأسره، إذ يترتب عليها العديد من القرارات والتغييرات على الصعيد الداخلي وعلى صعيد إدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 سنوات قادمة. فكيف تجري العملية الانتخابية الأمريكية، وما احتمالية أن يكون “المجمع الانتخابي” هو الفيصل في نتيجة الانتخابات ضد الإرادة الشعبية للأمريكيين؟

تمر الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية بعدة خطوات تبدأ قبل الانتخابات الفعلية بعام على الأقل، حيث يبدأ المرشحون من الحزبين السياسيين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري حملاتهم الانتخابية، ويشكلون فرقهم ويبدؤون ما يعرف بالجولات الانتخابية في جميع أنحاء البلاد من أجل حشد الدعم وجمع الأموال للحملة الانتخابية.

وعقب ذلك وفي بداية الحملات، يشارك المرشحون الرئاسيون من كلا الحزبين في مناظرات تلفزيونية. وخلال المناظرات يتعين على كل مرشح الإجابة على أسئلة صعبة حول سياساته المستقبلية حال فوزه، فضلاً عن الدفاع عن موقفه بشأن القضايا والسياسات ضد المرشحين الآخرين. وبعد ذلك تبدأ عملية الانتخابات، وهي عملية تتسم بالتعقيد، كونها تحتوي على العديد من الخطوات والمصطلحات، ولكن بتفصيل خطوات العملية الانتخابية نجد أننا أمام:

  • الانتخابات التمهيدية

وفي هذه العملية، يحاول المرشحون من كل حزب سياسي، من خلال حملات في جميع أنحاء البلاد، كسب تأييد أعضاء حزبهم قبل الانتخابات الرئاسية بستة إلى تسعة أشهر. وبناءً على نتيجة هذه الانتخابات، يتم اختيار المندوبين أو الناخبين الذين سيمثلون الشعب في المؤتمرات الحزبية المقبلة. وينصب التركيز الرئيسي على نتائج الولايات المتأرجحة، وهي ولايات آيوا ونيوهامشير ونيفادا وكارولينا الجنوبية، وهي الولايات التي يمكنها عادةً تحديد المرشح الرئاسي النهائي لكل حزب.

وعلى الرغم من أن الناخبين في جميع أنحاء البلاد يدلون بأصواتهم لصالح مرشحهم الرئاسي المفضل خلال موسم الانتخابات التمهيدية الرئاسية، فإن المندوبين في المؤتمرات الحزبية الوطنية هم في الواقع من يختارون المرشحين الرئاسيين لكل حزب.

وكما هو الحال في الانتخابات العامة، حيث يحتاج المرشح إلى أغلبية الأصوات في المجمع الانتخابي للفوز بالبيت الأبيض، ففي الانتخابات التمهيدية، يحتاج المرشحون إلى أغلبية أصوات المندوبين في المؤتمر للفوز بترشيح الحزب للرئاسة. وقد يمنح الفوز بالتصويت الشعبي في الانتخابات التمهيدية أو المؤتمرات الحزبية المرشح حقوق التباهي واهتمام وسائل الإعلام، لكن المرشح الذي يجمع أغلبية المندوبين هو الذي يتقدم في النهاية إلى الانتخابات العامة.

  • المؤتمرات الحزبية

وهي عبارة عن اجتماعات تديرها الأحزاب السياسية على مستوى المقاطعة أو المنطقة أو الدائرة الانتخابية. وتختار بعض المؤتمرات الانتخابية المرشحين بالاقتراع السري، بينما تتطلب مؤتمرات أخرى من المشاركين تقسيم أنفسهم إلى مجموعات وفقًا للمرشح الذي يدعمونه، ليتم التصويت في النهاية على أفضل مرشح يمثل الولاية في الانتخابات العامة. وفي النهاية، يعتمد عدد المندوبين الممنوحين لكل مرشح على عدد أصوات المؤتمر الانتخابي التي حصل عليها. ولكن هذه المرحلة قد تم إيقافها بعد عام 2016 في جميع الولايات، عدا ولايتين “آيوا” و”نيفادا”، لتكون الانتخابات التمهيدية هي العملية التي يتم من خلالها الاستقرار على مرشح جمهوري وديمقراطي، وعلى المندوبين.

  • المؤتمرات الوطنية

في هذه المرحلة، يعقد كل حزب مؤتمرًا وطنيًا لاختيار المرشح الرئاسي النهائي. ويقوم مندوبو الولايات الذين تم اختيارهم من الانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية لتمثيل الشعب بـ “تأييد” مرشحيهم المفضلين، ويتم الإعلان رسميًا عن المرشح الرئاسي النهائي من كل حزب في نهاية المؤتمرات. كما يختار المرشح الرئاسي مرشحًا لمنصب نائب الرئيس، ويقوم المرشحون الرئاسيون بحملات في جميع أنحاء البلاد لكسب دعم عامة الناس.

  • الانتخابات العامة

وهي المرحلة التي يتوجه فيها الناخبون الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في الثلاثاء الأول من نوفمبر حيث يصوت الناس في كل ولاية في مختلف أنحاء البلاد لاختيار الرئيس ونائبه، وإذا حصد المرشح الرئاسي على أغلبية الأصوات، فهذا يعني أن مندوبي تلك الولاية سيتعين عليهم التصويت لصالح هذا المرشح بالإجماع، ووفق ذلك، يصبح المرشح الرئاسي الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات الانتخابية رئيسًا للولايات المتحدة، ويتم تنصيب الرئيس ونائبه المنتخبين حديثًا في يوم 20 من شهر يناير.

يمكن أن يحصل أحد المرشحين على عدد كبير من الأصوات ويضمن فوزه بالفعل في التصويت الشعبي في الثلاثاء الأول من نوفمبر، ليجد أن منافسه هو من يفوز بالانتخابات بالرغم من حصوله على عدد أقل من الأصوات، وقد حدث ذلك بالفعل في خمس مرات عبر تاريخ الانتخابات الأمريكية السابقة أبرزها عام 1876، وعام 1888، وانتخابات عام 2000، عندما خسر “آل جور” أمام “جورج بوش” الابن بالرغم من حصوله على نسبة 48.4% مقابل 47.9% لبوش. وهو ما حدث أيضًا في انتخابات 2016، عندما حصلت “هيلاري كلينتون” على 66 مليون صوت، في مقابل 63 مليون صوت لـ “دونالد ترامب”، وفقًا للتصويت الشعبي، بينما حصل ترامب وفقًا لتصويت المجمع الانتخابي على أصوات 304 ناخب مقابل 227 صوت لكلينتون.

وهذا يعني أن الفوز بالتصويت الشعبي ليس ضروريًا لحسم الانتخابات الأمريكية، وهو ما يأخذنا إلى تعريف “المجمع الانتخابي”، وهي عملية معقدة يقوم فيها الناخبون أو الممثلون عن كل ولاية -بعدد يتناسب مع عدد سكان الولاية- بالإدلاء بأصواتهم وتحديد من سيكون رئيسًا، وتحصل كل ولاية على عدد معين من الناخبين أو المندوبين بناءً على تمثيلها في الكونجرس، ويبلغ إجمالي عدد الناخبين الذين يتم اختيارهم وفقًا لسياسة كل ولاية 538 ناخبًا، حيث يدلي كل ناخب بصوت واحد بعد الانتخابات العامة، ويفوز المرشح الذي يحصل على 270 صوتًا أو أكثر.

وبتسليط الضوء على مسار عملية المجمع الانتخابي، نجد أنه وبعد تصويت الجمهور في كل ولاية لانتخاب الرئيس، يتم فرز الأصوات على مستوى الولاية، والحاصل على أغلبية الأصوات يكون “الفائز بكل شيء”، أي يتم تصويت ناخبي الولاية له بالإجماع، عدا ولايتي “ماين” و”نبراسكا” حيث يتم تعيين الناخبين أو المندوبين باستخدام النظام النسبي، حيث يتم تخصيص صوتين للفائز بأغلبية الأصوات الشعبية في الولاية، ويمثل هذان الصوتان الصوتين الانتخابيين اللذين يحق لهما الحصول عليهما من وفودهما في مجلس الشيوخ الأمريكي، على أن تُمنح الأصوات الانتخابية الأخرى في هذه الولايات للفائز بأغلبية الأصوات الشعبية في كل منطقة منفصلة في مجلس النواب الأمريكي.

ومن المقرر أن يُعلن عن الفائز بنتيجة المجمع الانتخابي في ليلة الانتخابات في شهر نوفمبر بعد الإدلاء بالتصويت، ولكن التصويت الفعلي للهيئة الانتخابية يتم في 17 ديسمبر، ويقوم الكونجرس بإحصاء الأصوات في السادس من يناير، وتنصيب الرئيس يوم 20.

وقد وضعت هذه العملية من قبل “الآباء المؤسسين” للولايات المتحدة عندما صاغوا الدستور الأمريكي لحسم الجدل حول أن يكون عدد السكان في الولايات هو المتحكم في مصير السياسة الأمريكية، حيث أن هناك ولايات بعينها ذات كتلة سكانية ضخمة تحسم بالفعل موقفها مسبقًا بين الجمهوريين والديمقراطيين، وهو ما قد يضمن فوز أحد المرشحين دون انتظار تصويت باقي الولايات.

ولهذا ظهر إلى السطح ما يعرف بـ “الولايات المتأرجحة”، وهي الولايات التي لا يمكن التنبؤ بتفضيلاتها السياسية، إذ تشهد تحولات مستمرة في دعمها السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين وفقًا للقضايا المطروحة، وبالتالي هي بمثابة “جسر العبور” إلى البيت الأبيض حال ضمان أصواتها، وتشهد الانتخابات القادمة 7 ولايات متأرجحة بـ 93 صوتًا تعكس بالفعل تقاربًا وتنافسًا شديدًا بين هاريس وترامب، وهي أريزونا وجورجيا وميشيغان ونورث كارولاينا ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن.

وللعلم، فإن الدستور الأمريكي لا يفرض على الناخبين أو المندوبين التصويت للمرشح المختار بواسطة التصويت الشعبي في ولايتهم، ففي عام 2016، منح 7 من أصل 538 ناخبًا أصواتهم لشخص آخر غير الفائز في التصويت الشعبي داخل ولايتهم. ومع ذلك، تلزم بعض الولايات الناخبين بالإدلاء بأصواتهم وفقًا للتصويت الشعبي، وإذا صوت المندوب عكس إرادة شعب ولايته، فقد يعاقب بغرامة مالية أو عقوبة جنائية أو يُستبدل الناخب بناخب بديل.

وهناك سيناريوهات غير عادية قد يواجهها تصويت المجمع الانتخابي، وهي ألا يحصل أي مرشح رئاسي على أغلبية أصوات المندوبين عن الولايات، وفي هذه الحالة، ينتقل التصويت إلى الكونجرس ليقرر مصير الرئاسة الأمريكية، بحيث ينتخب مجلس النواب الرئيس الجديد، ومجلس الشيوخ نائب الرئيس، على أن تصوت كل ولاية كوحدة فريدة، كما يقتضي التعديل الثاني عشر لدستور الولايات المتحدة. وقد حدث أمر مماثل لهذا السيناريو عام 1800، عندما اختار مجلس النواب توماس جيفرسون، وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 1824، عندما اختار مجلس النواب جون كوينسي آدامز رئيسًا.

يتمتع نظام “المجمع الانتخابي” بجدل واسع، إذ قُدِّم للكونغرس أكثر من 700 اقتراح لإصلاح هذه العملية أو إلغائها خلال القرنين الماضيين، احتجاجًا على أن هذه العملية تعيق وصول مرشح فائز بأصوات الشعب إلى البيت الأبيض، لكن تغيير هذه العملية يتطلب تعديلاً دستورياً يستوجب موافقة ثلثي الكونجرس، أو مؤتمراً يطلب عقده ثلثا المجالس التشريعية للولايات، فضلاً عن وجوب نيل التعديل الدستوري مصادقة المجالس التشريعية لثلاثة أرباع الولايات الخمسين، أي 37 ولاية.

ويرى المنتقدون أن هذا النظام يعطي الولايات الصغيرة صوتين انتخابيين لمطابقة تمثيلها في مجلس الشيوخ، وهو ما يعطيها أصواتًا انتخابية أكثر لكل فرد، بينما يرى المدافعون أن هذه العملية تشجع المرشحين على الاهتمام بالولايات الصغيرة، وبالتالي المساواة بين الولايات، والسماح بتجنب إعادة فرز الأصوات وأي فوضى محتملة. ولهذا ظهر مؤخرًا ما يعرف بـ “الميثاق الوطني للتصويت الشعبي بين الولايات”، وهو ميثاق اتفقت عليه 12 ولاية تضم 172 صوتًا انتخابيًا، وهي كاليفورنيا، وكونيتيكت، وواشنطن العاصمة، وهاواي، وإلينوي، وماساتشوستس، وميريلاند، ونيوجيرسي، ونيويورك، ورود آيلاند، وفيرمونت، وواشنطن، ويقتضي هذا الميثاق أن يتم منح الأصوات داخل الولايات وفقًا للأصوات الشعبية للولايات المتحدة مجتمعة، لتحقيق تمثيل أكثر تناسبًا، وسوف يدخل الميثاق حيز التنفيذ عندما يتم إقراره من قبل الولايات التي تضم ما مجموعه 98 صوتًا انتخابيًا إضافيًا. وحتى الآن، تمت الموافقة عليه من قبل اللجان التشريعية في جورجيا وميسوري اللتين تضمان 16 و10 أصوات انتخابية على التوالي.

ومجمل القول، يبدو أن عملية “المجمع الانتخابي” هي التي ستحدد مصير الرئيس القادم، وقد تقلب الموازين مجددًا بين هاريس وترامب، ولكن رغم ذلك، لا يمكن أن تقلل هذه العملية من أهمية التصويت الشعبي، حيث أن له أهمية كبيرة في تحديد “ناخبي” كل ولاية، وبالتالي التعبير عن الإرادة الشعبية الأمريكية حول اختيار الرئيس الأمريكي القادم.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M