لاشك فى أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى المتكررة بأن”إسرائيل تغير وجه الشرق الأوسط” هى تصريحات مبالغ فيها، حيث إن تغيير الشرق الأوسط يعد أكبر كثيرا من حجم وقوة وطموح إسرائيل، بل أكبر من قدرات أى من القوى العظمى مهما بلغت قوتها وتأثيراتها، صحيح يمكن أن نشهد تغييرا للأوضاع فى دولة ما أو دولتين بفعل المشكلات والصراعات الموجودة فى المنطقة، ولكن التوجهات الإسرائيلية الهادفة لتغيير هذه المنطقة المستقرة فى مجملها منذ عقود طويلة، حتى لو كان هذا الاستقرار نسبيا لظروف معينة، هو أمر بعيد تماما عن الواقع.
وإذا كان نيتانياهو يقصد من وجهة نظره أن تغيير الشرق الأوسط يعنى إلحاق الهزيمة بكل من حركة حماس وحزب الله فعليه أن يعلم أن حركة حماس سوف تظل جزءا لايتجزأ من نسيج المجتمع الفلسطينى، كما أن حزب الله سوف يظل أحد مكونات النظام السياسى اللبنانى مهما اختلفنا مع بعض سياساتهما، وقد تنجح إسرائيل فى إضعاف القدرات العسكرية لكل منهما إلا أن القضاء التام عليهما ككيانات أوحتى كأفكار يعد أحد المستحيلات، ولن يتحقق مهما طال أمد حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على غزة وجنوب لبنان. وإذا كان نيتانياهو يرى أن الشرق الأوسط الجديد يعنى الاندماج الإسرائيلى الكامل فى المنظومة العربية والإقليمية فعليه أن يعلم أن معاهدات السلام الموقعة مع عدد من الدول العربية والتى يرجع بعضها إلى أكثر من أربعة عقود لم تنجح فى تحقيق هذا الدمج، بل يمكن لى أن أجزم بأن أحلام الدمج لن تحدث مادامت إسرائيل تنتهج هذه السياسات العدوانية ومادامت القضية الفلسطينية لم تجد طريقها إلى الحل العادل والشامل والدائم.
وهنا أود أن أشير إلى أن الطموحات الإسرائيلية فى تحقيق الهيمنة على المنطقة وإنجاز التطبيع الشعبى لم ولن يكتب لها النجاح رغم كل الدعم الأمريكى، كما أن الحلم الإسرائيلى بتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية قد اصطدم بحائط صد قوى تبلور بوضوح فى “مؤتمر التحالف الدولى لحل الدولتين” الذى عقد فى الرياض نهاية الأسبوع الماضى، حيث عبر وزير الخارجية السعودى بشكل مباشر لايقبل الشك بأن التطبيع مع إسرائيل ليس مطروحاً قبل إيجاد حل لإقامة الدولة الفلسطينية، مع ضرورة تطبيق حل الدولتين وترجمته إلى خطوات ملموسة وضمان حق الفلسطينيين فى تقرير المصير.
ومن ناحية أخرى فقد أتفق ولو لمرة واحدة فى العمر، مع نيتانياهو فى مقولة تغيير الشرق الأوسط، فإذا كان جادا فى هذا التوجه فإن عليه أن يعلم علم اليقين أن أى تغيير حقيقى فى الشرق الأوسط، لن يعنى سوى أمر واحد وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التى يجب أن تعيش فى أمن وسلام واستقرار بجوار دولة إسرائيل، ويتقرر ذلك من خلال المفاوضات السياسية، أما دون ذلك فإن أى تغيير يتحدث عنه نيتانياهو ليس له أي قيمة وسوف يذهب أدراج الرياح ولن ينجح فى تحقيقه، سواء استمر فى الحكم حتى 2026 أو جاءت حكومة أخرى مماثلة لاتؤمن بالسلام. وهنا أود أن أوجه مجموعة من الأسئلة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى إذا كان يهدف إلى إحداث تغيير إيجابى فى الشرق الأوسط من أجل أن تعيش إسرائيل فى سلام وأمن وذلك كمايلى:
السؤال الأول: هل حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكثر من عام سوف تساعد على انتشار مناخ السلام فى المنطقة؟ أم أنها سوف تخلق أجيالا شهدت وعانت من ويلات الإبادة ولن يكون أمامها وهى مفعمة بالإحباط والكراهية سوى أن تتجه إلى الانتقام بأي وسيلة؟. السؤال الثانى: هل تهجير السكان الأبرياء من قطاع غزة وجنوب لبنان هو الحل الأمثل لتحقيق الأمن لإسرائيل؟ وحتى إذا فرضنا أن هذا الإجراء يمكن أن يحقق الأمن فمن المؤكد أنه لن يستمر لفترة طويلة وسوف نشهد حروبا متكررة تشنها إسرائيل على كل من غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران ولن تخرج من أىٍ هذه الحروب منتصرة كما تريد، فمادامت الحلول المطروحة مؤقتة فإن الأمن الذى تنشده إسرائيل سيكون أيضاً مؤقتا؟ السؤال الثالث: هل اغتيال القيادات الفلسطينية واللبنانية هو المسار الطبيعى الذى سوف يحقق لإسرائيل أهدافها الأمنية والسياسية؟ أم أن مثل هذه العمليات من شأنها أن تفتح ملف الاغتيالات المتبادلة ولن يتم إغلاقه بسهولة؟. السؤال الرابع : هل المجازراليومية التى تنفذها إسرائيل ضد مئات الآلاف من المدنيين فى غزة وجنوب لبنان سوف تلحق الهزيمة ـ المستحيلة ـ بدولتى فلسطين ولبنان؟. السؤال الخامس : هل نيتانياهو وحكومته المتطرفة هم من يتحملون نتائج هذه الحروب الظالمة التى أدت إلى نتائج كارثية؟ أم أن الشعب الإسرائيلى هو الذى سوف يعانى من هذا الوضع مستقبلا ولن يهنأ بحالة السلام والاستقرار؟.
الخلاصة فى رأيى أن جميع أحلام إسرائيل فى تغيير الشرق الأوسط والاندماج فى المنطقة سوف تظل كلها من دروب الخيال، ولن تنجح فى تحقيق أى من هذه الأهداف مهما بلغت قوتها العسكرية التدميرية ومهما كان حجم الدعم الأمريكى لها، أما إذا كانت لديها الرغبة الصادقة فى أن تعيش فى سلام واستقرار وأمن فى المنطقة فإن ذلك يجب أن يمر عبر نافذة واحدة لابديل عنها وهى إقامة الدولة الفلسطينية، أما دون ذلك فإن عدم الاستقرار وفقدان الأمن سوف يظل العنوان الدائم لإسرائيل بل للشرق الأوسط ككل.