هامش ضئيل للغاية يفصل الجمهوريين والديمقراطيين عن السيطرة على الغالبية المطلقة للكونغرس، تلك الغالبية التي ستجعل من الرئيس المنتظر إما بطة عرجاء يقف لها نواب الحزب الفائز بالغالبية بالمرصاد ويحولون بينه وبين تنفيذ برامجه، وإما متسلطا يمتلك كل السلطات التنفيذية والتشريعية بين يديه ليفرض ما يشاء من سياسات ويعطل ما يشاء من أحكام.
فجميع مقاعد مجلس النواب الثامن عشر بعد المئة الحالي والتي تبلغ 435 مقعدا مفتوحة للاقتراع. ويسيطر الجمهوريون حاليا على 222 مقعدا مقابل 213 للديمقراطيين. تضم هذه المقاعد ثلاثة شاغرة، اثنان لـ”الحزب الديمقراطي” وواحد لـ”الحزب الجمهوري”. أما مجلس الشيوخ فيستحوذ الديمقراطيون على أغلبية مقاعده بفارق مقعدين اثنين حيث يشغلون 51 مقعدا مقابل 49 للجمهوريين. ويجري الاقتراع على 34 من مقاعد الشيوخ، أحد عشر مقعدا منهم جمهوريون وتسعة عشر ديمقراطيون وأربعة مستقلون.
وقد جرت العادة منذ عقود على احتفاظ الحزب الحاكم بغالبية مجلس النواب، إلا أن الفارق الضئيل للغاية هذه المرة يرجح الاحتمال أكثر من اليقين، ويحصر الصراع الحاسم في عدد قليل من مقاعد المجلسين.
بيد أن الخريطة تتسم بصعوبة بالغة هذه المرة بالنسبة للديمقراطيين. وتشي المؤشرات الأولى بأن الجمهوريين قد ينتزعون غالبية مجلس الشيوخ بعد اطمئنانهم إلى إضافة مقعد في فرجينيا في أعقاب إعلان تقاعد السيناتور جو مانشين المستقل الذي كان يصوت مع الديمقراطيين، بالإضافة إلى مقعد في مونتانا التي تصوت للجمهوريين حيث يعاني السيناتور الديمقراطي جون تيستير أمام منافسه الجمهوري تيم شيهي.
وتتطابق أجندة الجمهوريين في مجلس الشيوخ مع أجندة دونالد ترمب، حيث يتصدر ملف الهجرة والحدود برنامج عمل المجلس، إلى جانب التخفيضات الضريبية التي وعد بها ترمب، بخاصة الضرائب على الشركات وتجديد التخفيضات التي سنها عام 2017 والمقرر أن ينتهي العمل بها في 2025، علاوة على فرض تعريفات جمركية على الواردات من أوروبا وآسيا. كما سيمضي المرشح الجمهوري في حال فوزه وحصول حزبه على غالبية مجلس الشيوخ في ترشيح المزيد من القضاة المحافظين لعضوية المحكمة العليا في ظل توقعات بقرب تقاعد اثنين من أعضائها المحافظين إذا تولى ترمب الحكم.
لكي يحقق الديمقراطيون الرقم السحري للسيطرة على مجلس النواب، وهو 218 مقعدا، عليهم أن يحرزوا مكاسب كبيرة في كل من كاليفورنيا ونيويورك
وتساعد سيطرة الحزب الحاكم على مجلسي الكونغرس الرئيس إلى حد كبير على تمرير برامجه مبكرا، مثلما حدث من قبل مع بيل كلينتون عندما طرح أجندة تخفيض العجز في الموازنة، وجورج بوش ودونالد ترمب عندما تقدما بالتخفيضات الضريبية، وباراك أوباما عندما سن تشريعي الرعاية الصحية ومساعدة ملاك المنازل، وجو بايدن عندما سن قانون مكافحة التلوث المناخي. بيد أن الرئيس القادم قد يشذ عن هذه القاعدة. فحتى لو فازت كامالا هاريس من المستبعد أن تحظى بغالبية في مجلس الشيوخ. أما إذا فاز ترمب، فيمكن أن يستحوذ حزبه على غالبية مجلسي الشيوخ والنواب، وإن بقى ذلك أيضا محل شك.
ويخوض عدد قليل من الديمقراطيين الآخرين سباقات متقاربة في مجلس الشيوخ، مثل شيرود براون في ولاية أوهايو التي صوتت في المرتين السابقتين لصالح ترمب، وتامي بالدوين في ويسكونسن والتي لا تتجاوز نسبة تقدمها على منافسها الجمهوري هامش الخطأ. وللحفاظ على غالبيتهم البسيطة في مجلس الشيوخ، يحتاج الديمقراطيون إلى الفوز بكل هذه السباقات أو تحقيق مفاجأة واحدة على الأقل في مكان آخر. وتنحصر آمالهم إما في تكساس، حيث يتخلف المرشح الديمقراطي كولن آلريد ببضع نقاط عن تيد كروز في استطلاعات الرأي، أو في نبراسكا التي يحاول فيها المستقل دان أوزبورن إزاحة ديب فيشر، النائبة الجمهورية الحالية.
وانطلقت انتخابات مجلس النواب في وجود 38 سباقا لا يواجه فيها المرشح منافسة من حزب رئيس، يشغل 20 منها نواب جمهوريون و18 ديمقراطيون. هذا وتحتدم المنافسة على 15 مقعدا في مجلس الشيوخ، يشغل منها الديمقراطيون 11 والجمهوريون ثلاثة، فضلا عن مقعد واحد لمستقل.
ولكي يحقق الديمقراطيون الرقم السحري للسيطرة على مجلس النواب، وهو 218 مقعدا، عليهم أن يحرزوا مكاسب كبيرة في كل من كاليفورنيا ونيويورك. فيتعين عليهم استرداد المقاعد الخمسة المتأرجحة التي خسروها في انتخابات التجديد النصفي بنيويورك عام 2022 بسبب قلق الناخبين إزاء تفشي الجريمة وارتفاع التضخم وتفاقم مشكلة الهجرة، وهي قضايا لم تحسم بعد.
وثمة سيناريوهات ثلاثة تنتظر المشهد السياسي في الدورة الرئاسية القادمة. أولها، أنه في ظل سلطات تنفيذية وتشريعية منقسمة بين الحزبين، من المستبعد تمرير التشريعات الأساسية. فربما لن يتمكن ترمب من تمرير التخفيضات الضريبية المغرية التي وعد بها، كما لن تتمكن هاريس في حال فوزها من فرض قانون حرية الإجهاض الذي لوحت به، ومن ثم قد يكتفي أيهما بأقل قدر من الطموحات التي يمكن أن يحققها رئيس أميركي. وقد يضطر الحزبان إلى العمل معا على مضض مقابل تنازلات متبادلة لتمرير بعض التشريعات.
تراجعت ثقة الأميركيين في الكونغرس تدريجيا على مدار الدورات التشريعية منذ عام 2006 حينما بلغت ما يقرب من 56 في المئة لتصل إلى نحو 26 في المئة في العامين الأخيرين
والثاني أنه إذا حقق الديمقراطيون الحلم في الاستحواذ على المؤسسات الثلاث- البيت الأبيض ومجلسي الشيوخ والنواب- فستتمكن هاريس من تنفيذ الكثير من السياسات الاقتصادية التي لا تحتاج إلا لغالبية بسيطة في المجلسين، مثل تمديد العمل بالتخفيضات الضريبية للطبقة المتوسطة والفقيرة مع زيادتها على الأثرياء، ودعم شراء المنازل، وربما محاولة تمرير قانون حرية الإجهاض أو الاعتراف بالعاصمة واشنطن وبورتوريكو كولايتين.
والثالث أنه إذا تمكن الجمهوريون من الفوز بالبيت الأبيض ومجلسي الكونغرس، فستكون أولوياتهم هي تنفيذ التخفيضات الضريبية الكبيرة، وفرض قيود صارمة على الهجرة، وترحيل آلاف المهاجرين، وإطلاق أنشطة استخراج النفط والغاز، وتقييد حقوق المثليين والمتحولين جنسيا، وتكبيل برامج التأشيرات، وتقليص المساعدات لأوكرانيا وبعض الحلفاء. لكن ستظل في الغالب المشاحنات داخل الحزب الجمهوري بين المعسكرين المحافظ والمتطرف والتي كانت سببا في الإطاحة برئيس مجلس النواب السابق كيفن ماكارثي، مما قد يعرقل بعض القرارات، مثل فرض تعريفات جمركية على الواردات من الصين. إلا أنه بشكل عام ستمنح سيطرة الغالبية الجمهورية على الكونغرس ترمب سلطات تمكنه من تنفيذ ما عجز عنه في ولايته الأولى حتى لو اضطر للجوء إلى الأوامر التنفيذية التي سبق وأن اتكأ عليها.
وقد بدا رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون واثقا من قدرة الجمهوريين على جمع السلطتين التشريعية والتنفيذية في قبضتهم حينما أكد ذلك أمام الحشد الأخير لأنصار ترمب بحديقة ماديسون في نيويورك.
لكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن. فقد كان ترمب يمتلك غالبية الكونغرس بمجلسيه في أول عامين من ولايته، بيد أن انعدام خبرته ومقاومة قيادات جمهورية، مثل رئيس مجلس النواب آنذاك بول رايان ورئيس الغالبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، حالا دون تحقيق مآربه، بخاصة محاولاته لإلغاء قانون أوباما للرعاية الصحية. لكن يبدو أن الجمهوريين يحاولون هذه المرة توحيد صفوفهم وراء ترمب ويستعدون لاستغلال سلطاتهم المنشودة.
وقد تراجعت ثقة الأميركيين في الكونغرس تدريجيا على مدار الدورات التشريعية منذ عام 2006 حينما بلغت ما يقرب من 56 في المئة لتصل إلى نحو 26 في المئة في العامين الأخيرين.
وثمة مخاوف تعتري الأميركيين من أن يستخدم ترمب الكونغرس الحالي، خاصة مجلس النواب بغالبيته الجمهورية، في قلب نتائج الانتخابات إذا ما جاءت متقاربة. فحينما كان الفارق بينه وبين جو بايدن 74 صوتا في المجمع الانتخابي في 2020، حاول ترمب بشتى السبل الساذجة تغيير النتائج، وصولا إلى تحريض أنصاره المسلحين على اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني، فما بالنا إذا جاءت الفروق طفيفة كما هو متوقع هذه المرة.
منذ اندلاع حرب غزة، انقلبت علاقة التحالف بين بايدن والنواب المسلمين الثلاثة في مجلس النواب إلى علاقة خصومة
ويتسم الكونغرس الحالي بتنوع تركيبته إذ يضم 129 سيدة في مجلس النواب و25 في مجلس الشيوخ، و59 نائبا من السود وأربعة في الشيوخ. أما من حيث الديانات فيشكل المسيحيون نحو 88 في المئة من أعضائه مقابل 6.2 في المئة من اليهود وثلاثة نواب فقط من المسلمين.
ويضم الكونغرس الحالي ستة نواب من أصول عربية، هم: الديمقراطية آنا عيشو، ذات الأصول الآشورية العراقية والتي تمثل الدائرة السادسة عشر بكاليفورنيا منذ عام 1993. والجمهوري داريل عيسى، اللبناني الأصل الذي يمثل الدائرة الثامنة والأربعين بكاليفورنيا منذ عام 2000. والجمهوري غاريف غريفز، اللبناني الأصل الذي يمثل الدائرة السادسة بولاية لويزيانا منذ عام 2014. ودارين لحود، الجمهوري الذي يمثل الدائرة 16 بولاية إلينوي منذ عام 2015. والديمقراطية إلهان عمر، التي تمثل الدائرة الخامسة لولاية منيسوتا منذ انتخابها عام 2018. والديمقراطية رشيدة طليب التي تمثل الدائرة 13 لولاية ميشيغان منذ عام 2018.
ومنذ اندلاع حرب غزة، انقلبت علاقة التحالف بين بايدن والنواب المسلمين الثلاثة في مجلس النواب إلى علاقة خصومة، تفاقمت مؤخرا في خطاب أرسله كل من النائب أندريه كارسون والنائبتين إلهان عمر ورشيدة طليب ونائب بنسلفانيا الديمقراطي سومر لي إلى الرئيس بايدن يوم الجمعة الماضي طالبوه فيه بالكشف عن الدور الكامل الذي يقوم به البنتاغون في الصراع الدائر في الشرق الأوسط. واتهم فيه النواب الرئيس بايدن بانتهاك الدستور وقانون سلطات الحرب الصادر عام 1973 والذي يقيد سلطات الرئيس في الانخراط في أي صراع عسكري أو إرسال قوات إلى ساحات الصراع دون موافقة الكونغرس. ومن شأن هذا التوتر أن ينعكس على توجهات الناخبين في دوائر هؤلاء النواب إزاء المرشح الرئاسي، مما قد يصب في النهاية لمصلحة مرشحين من خارج الحزبين الكبيرين، مثل مرشحة حزب “الخضر” جيل ستاين.