استضافت مدينة قازان الروسية في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر الراهن، قمة “البريكس بلس” والتي ضمت قادة من الأعضاء المؤسسين للمجموعة – البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا – إلى جانب المشاركين الجدد إيران والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا ومصر، في أول مشاركة لهم منذ انضمامهم في يناير2024. وكما هو متوقع، هيمنت القضية الفلسطينية ومسألة وقف الحرب على قطاع غزة ولبنان وسبل تهدئة التصعيد الأخير الذي يشهده الشرق الأوسط وسط مخاوف نشوب حرب، على الجانب السياسي والأمني للقمة.
أولاً: أبعاد مختلفة
ركزت القمة على عدة أبعاد للمشهد الإقليمى فى الشرق الأوسط وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالى:-
1. انخراط روسيا فى أزمات المنطقة:
تسعى روسيا – مدفوعة بحالة من الاستياء تجاه المعسكر الغربي- إلى إيجاد “نظام عالمي جديد”، للتأكيد بأن المحاولات الغربية لعزلها جراء حربها ضد أوكرانيا، “قد باءت بالفشل”. نتيجة لهذا، كشفت القمة عن رغبة بوتين فى إظهار استعداد بلاده للبحث عن دور فى أوضاع الشرق الأوسط، مستفيداً من تقليص وجود الولايات المتحدة في المنطقة خلال الآونة الأخيرة.
انطلاقاً من هذا، أولت القمة اهتماماً بالغاً بحرب غزة، حيث عبر البيان الختامى عن القلق البالغ إزاء تدهور الأزمة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة العنف غير المسبوق في غزة والضفة الغربية بسبب الفظائع الإسرائيلية، كما أكد على دعم العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لدولة فلسطين كجزء من التزامها الثابت بحل الدولتين بما يتماشى مع القانون الدولي.
كذلك، أشار”بوتين” في الاجتماع الختامي للقمة بأنه: “من الضروري إطلاق عملية سياسية شاملة للتسوية في الشرق الأوسط، مضيفاً أن التسوية يجب أن تتحقق على أساس المبادئ الدولية المعترف بها عموماً، داعياً إلى إنهاء العنف في الشرق الأوسط”. كما ذكر قائلاً: “لقد حاولنا دائماً تقديم مساهمتنا الكبيرة في استقرار الوضع في الشرق الأوسط. ولهذا السبب، منذ بداية التصعيد، شاركنا بنشاط مع أعضاء مجموعة بريكس وشركاء آخرين في الجهود الرامية إلى حل الصراع”.
علاوة على ذلك، أظهر بوتين استعداد بلادة فى تهدئة التصعيد المتبادل بين “إسرائيل وإيران” حيث أشار إلى أن “روسيا مستعدة للمشاركة في أي محادثات بين الجانبين إذا أبديا اهتماما، فنحن مستعدون لبذل كل ما في وسعنا في الاتصال بالجانبين للمساعدة في التوصل إلى هذه الحلول الوسط”. وأضاف “نحن على اتصال بإسرائيل، وعلى اتصال بإيران، ولدينا علاقات قائمة على الثقة”.
2. تعزيز التقارب بين مصر وإيران:
أكدت بعض التقديرات بأن قمة البريكس ساهمت فى نجاح التقارب المصرى – الإيرانى الذى بدأ بالفعل منذ نهاية العام الماضى عندما التقى الرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسي”، نظيره الإيرانى “إبراهيم رئيسي” على هامش القمة العربية فى الرياض يوم 11 نوفمبر 2023، وفي منتصف أكتوبر الجاري، استقبل السيسي، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بحضور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج، في زيارة استهدفت استعراض التطورات الجارية بالمنطقة، واستكشاف آفاق التطوير المشترك للعلاقات بين الدولتين، ناهيك عن لقاء وزيري الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” والمصري “سامح شكري” في نيويورك في سبتمبر المنصرم. واُختتم هذا التقارب فى القمة الثنائية بين رئيسي البلدين “عبد الفتاح السيسي ومسعود بزشكيان” يوم 23 اكتوبر الراهن على هامش اجتماعات البريكس، والذى أكد على الأهمية البالغة للدولتين باعتبارهما قوتان إقليميتان راسختان فى جغرافيا الشرق الأوسط، ومن ثم لا يمكن إقامة الحرب أو إقرار السلام بدون توافق مصرى – إيرانى.
فقد أظهرت قمة البريكس رغبة البلدين فى التقارب وتبديد نقاط الخلاف للوصول لاتفاق حول الملفات ذات الصلة، كملف غزة وموقف كلا البلدين من الفصائل الفلسطينية، وهو ما يعني أنه لا يمكن ضمان حل شامل للقضية الفلسطينية دون دور القاهرة وطهران، بجانب ملف الجبهة اليمنية وما تمثله من تهديد لأمن البحر الأحمر، ناهيك عن رغبة الدولتين فى وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان.
كل هذه الأمور، تدفع للقول بأن البريكس سيؤدي- بطبيعة الحال- إلى تحالف جيوسياسي يحقق مصالح الطرفين خلال الشهور المقبلة. مع العلم بأن عودة العلاقات لا تعني – بالضرورة- إزالة أو حل جميع الخلافات بينهما، بل تعني التعاون العملي في السعي إلى تحقيق المصالح المشتركة الثنائية والإقليمية.
3. التأكيد على أهمية الدور المصرى – السعودى – الإماراتى فى المنطقة:
نوه البعض بأن قمة البريكس أكدت على أهمية دور كل من مصر والسعودية والإمارات فى منع التصعيد بالمنطقة وجرها لحرب شاملة، كما عكست نجاح روسيا فى إظهار مدى خيبة أمل تلك البلدان تجاه الغرب، والشعور المتزايد بأن الغرب لم يعد ملتزمًا بمصالحهم وأمنهم.
فى هكذا سياق، شهد لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة تجمع البريكس، مباحثات حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية، حيث تم الاتفاق على الأهمية القصوى لخفض التصعيد بمنطقة الشرق الأوسط، ودعوا إلى ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار فوري في غزة ولبنان، كما شددوا على ضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى أهالي قطاع غزة، فضلاً عن دعم لبنان وتأكيد احترام سيادته وأمنه واستقراره. كذلك، رحب بيان القمة بالجهود المستمرة لمصر وقطر والجهود الإقليمية والدولية الأخرى الرامية إلى وقف فورى لإطلاق النار وتسريع إمدادات المساعدات الإنسانية.
علاوة على ذلك، أرسلت المملكة العربية السعودية، رغم أنها لم تنضم رسميًا بعد إلى مجموعة البريكس، وفدًا إلى القمة بقيادة وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان” الذى أشار إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي يشكل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي، وأن التصعيد الحالي قد امتد ليشمل لبنان، مشدداً على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق، والإفراج عن الرهائن، والالتزام الجاد بتحقيق سلام دائم. كما نوه إلى جهود المملكة الرامية لإحلال السلام في المنطقة، ومنها إطلاق المملكة الشهر الماضي، مبادرة “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” بالتعاون مع شركائها الدوليين. أخيراً، أوضح أن منح الفلسطينيين حق تقرير المصير هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام المستدام، مثمناً تضامن دول مجموعة “بريكس” للقضية الفلسطينية، ودعمهم لحل يستند إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كذلك، شهدت قمة البريكس لقاء الرئيس الإماراتي “محمد بن زايد” مع نظيره الإيراني للمرة الأولى، شددا خلاله على ضرورة وقف هجمات النظام الصهيوني على غزة ولبنان. وهو ما يعكس نجاح القمة فى تعزيز التقارب بين الجانبين مما سيساهم فى تحقيق المصالح المشتركة الثنائية والإقليمية أهمها الحرب فى غزة ومنع التصعيد فى المنطقة.
ثانيًا: مخاوف متصاعدة
على الرغم من تفاؤل الكثيرين بدور البريكس فى حل أزمات الشرق الأوسط لاسيما حرب غزة ومنع انزلاق المنطقة لحرب واسعة النطاق، شكك بعض المراقبين فى دور البريكس ونوايا روسيا فيما يتعلق بالحرب الراهنة بغزة مبررين ذلك بعدد من العوامل على النحو التالى:-
1. إدانة شكلية:
أشارت بعض التقديرات إلى أن بيان القمة اكتفى بإدانة إسرائيل، لكنه امتنع عن استخدام مصطلح الإبادة الجماعية ولو لمرة واحدة لوصف الأعمال الإجرامية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية، ناهيك عن إدانة تصرفات الحوثيين التي تحاول عرقلة العلاقات التجارية مع إسرائيل دون ذكرها صراحة.
كذلك، لم تعلن مجموعة البريكس عن تفكك أو تعليق العلاقات التجارية ومعاهدات التعاون مع إسرائيل، بل أنها تواصل تزويد إسرائيل بالنفط والغاز والفحم الذي تحتاجه لمواصلة جهودها الحربية، ويصدق نفس القول على حكومة جنوب أفريقيا، التي وعلى الرغم من تقديمها شكوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تواصل تزويدها بالفحم.
2. الحياد الاستراتيجي:
جادل البعض بأن روسيا لا تسعى للانخراط فى أزمات الشرق الأوسط لا سيما حرب غزة بشكل كامل كما يعتقد العديد من المراقبين المتفائلين، بل يعتمد نهجها على الحفاظ على ما يمكن وصفه بـ “الحياد الاستراتيجي”، عن طريق تجنب اتخاذ موقف واضح بشأن الصراع أو الانحياز الكامل مع أي جهة فاعلة واحدة بينما تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة.
باختصار، تتعامل موسكو بعناية مع الصراع من خلال موازنة علاقاتها مع كل من إيران ودول الخليج العربي. صحيح أن علاقاتها مع إيران تتجذر في العديد من المصالح المشتركة، من التعاون في سوريا إلى التعاون الدفاعي ومعارضة النفوذ الأمريكي، لكنها تهتم بنفس القدر بشراكاتها الاقتصادية والسياسية مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتي تم ترسيخها من خلال صفقات الطاقة، وهو ما سيساعد روسيا فى نهاية المطاف فى الحفاظ على نفوذها الإقليمي.
3. استمرار الهيمنة الأمريكية:
جادل البعض بأن الأعضاء الجدد فى البريكس مثل الإمارات ومصر بجانب مشاركة السعودية، ما زالوا متمسكين بعلاقات التحالف والصداقة مع الولايات المتحدة، ولا يريدون تقويض هذه العلاقة كما لا يجدون أى تناقضاً بينها وبين التواجد في تكتل دولي تقوده روسيا والصين لخلق بديل عن الرأسمالية الأميركية والأوروبية التي تُدير اقتصاد العالم. وبالتالى فإن أى حديث عن دور أكبر للبريكس فى المشهد الإقليمى للشرق الأوسط بدون الولايات المتحدة يُعد درباً من الخيال.
فبينما تستمر الولايات المتحدة في مواجهة المزيد من العزلة الدولية بسبب دعمها لإسرائيل، فإن العديد من المراقبين المتفائلين في العالم العربي ينظرون إلى تآكل هيمنة الدولار باعتباره بداية النهاية لهيمنة الولايات المتحدة على العالم. ومع ذلك، في حين أن دول البريكس يمكن أن تكون وسيلة قوية لتحقيق هذا الهدف، إلا أنها لا تستطيع وحدها تغيير سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويجب على الدول العربية أيضاً أن تتخذ بعض الخطوات الاستراتيجية، بما في ذلك الإنهاء التدريجي لاعتمادها الاقتصادي والنقدي على الولايات المتحدة، وخاصة تلك التي تربط عملاتها بالدولار الأميركي بدلاً من سلة العملات، كما يتعين عليها أيضا أن توسع ممتلكاتها من الذهب، كما تفعل معظم الدول الكبرى مثل الصين والهند وتركيا، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل الظروف الحالية.
ختاماً، على الرغم من أن المناقشات الاقتصادية كانت مركزية، إلا أن المشهد الجيوسياسي الدولي- وخاصة التصعيد في الشرق الأوسط- لعب دورًا حاسمًا في قمة البريكس، وفي حين أنه من غير المرجح أن يؤثر الاجتماع بشكل مباشر على الصراع، إلا أنه يحمل أهمية رمزية، مما يعكس مشاعر عالمية ضد الحرب.
ملخص:
اجتمع أكثر من 20 من قادة العالم في مدينة قازان الروسية، في الفترة من 22 إلى 24 أكتوبر الراهن للمشاركة في قمة “بريكس بلس”، التي تعدّ الأكبر من نوعها منذ غزو أوكرانيا 2022، مما يشير إلى تحول في توازن القوى العالمي والسخط من دور الغرب، والدليل على ذلك أن ثلاثة من الأعضاء الأربعة الجدد الذين تم قبولهم رسميًا، إيران والإمارات العربية المتحدة ومصر، في مجموعة البريكس + هم من الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تمتعت فيها أمريكا بهيمنة عسكرية شبه كاملة ونفوذ دبلوماسي واقتصادي ضخم، كل هذه الأمور دفعت القمة لتسليط الضوء على الأزمات والصراعات الدولية، أهمها التصعيد فى الشرق الأوسط والحرب الراهنة فى غزة.