في ظل التحديات المناخية المتسارعة، يواجه العالم ضغوطًا متزايدة للتصدي لتغير المناخ، وبعد الإنجازات التي تحققت في مؤتمر COP28 بدبي، تتجه أنظار العالم الآن إلى مؤتمر COP29 في أذربيجان. يأتي هذا المؤتمر في وقت حرج يتطلب من الدول اتخاذ إجراءات ج
ذرية لتنفيذ الالتزامات المناخية وتعزيز التعاون الدولي؛ حيث يُعتبر COP29 بمثابة منصة حاسمة لتحديد مسار جديد نحو مستقبل مستدام، ومن المتوقع أن يشهد نقاشات مكثفة حول الحلول المبتكرة والطموحة لمواجهة التغير المناخ.
يأتي انعقاد الدورة التاسعة والعشرون لمؤتمر الأطراف في باكو، أذربيجان، في خضم أزمة مناخية غير مسبوقة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتواتر الكوارث الطبيعية، فإن هذا المؤتمر يُشكل فرصة حاسمة لدفع عجلة العمل المناخي العالمي؛ حيث يهدف COP29 إلى جمع صناع القرار من مختلف أنحاء العالم للتباحث في الحلول العملية التي من شأنها الحد من آثار التغير المناخي والتكيف معه.
مدخل:
تستعد أذربيجان، الواقعة في قلب منطقة القوقاز، لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، هذا الحدث العالمي الذي يمثل فرصة سانحة لأذربيجان لعرض جهودها في مجال الاستدامة والطاقة النظيفة، وتعزيز مكانتها كشريك فاعل في مكافحة التغير المناخي. فمن خلال استضافة هذا المؤتمر، تهدف أذربيجان إلى إلهام العالم وتسريع التحول نحو مستقبل أكثر استدامة. وتقع أذربيجان في قلب أحد أهم ممرات الطاقة والتجارة في العالم؛ مما يجعلها تواجه تحديات بيئية فريدة، فاعتمادها على الموارد الطبيعية غير المتجددة، إلى جانب تأثيرات التغير المناخي، يهدد بتفاقم المشاكل البيئية في البلاد. ومع ذلك تسعى أذربيجان جاهدة للعثور على حلول مستدامة لهذه التحديات، من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة وتعزيز الكفاءة البيئية. وتُعد أذربيجان رائدة إقليميًا من حيث تطبيق الأساليب المبتكرة التي تهدف إلى الانتقال إلى الطاقة الخضراء وتقدم إسهام ملموس في مكافحة آثار تغير المناخ.
هنا تجدر الإشارة إلى أن العديد من دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، تبدي اهتمامًا كبيرًا بالطاقة الخضراء في أذربيجان. وتخطط جمهورية ألمانيا الاتحادية وحدها لاستثمار حوالي مليار دولار في الطاقة المتجددة في أذربيجان. مما يفتح آفاق تطوير سوق الطاقة البديلة في أذربيجان فرصًا كبيرة للعديد من الشركات المعنية ذات الخبرة لتنفيذ مجموعة متنوعة من المشاريع في طاقة الرياح وتوليد الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية وغيرها من مجالات الطاقة الخضراء.
الأمم المتحدة في مواجهة التغير المناخي: التركيز على الكفاءة والطاقة المتجددة
يشير التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار حوالي 1.1 درجة مئوية قد تتسبب في اضطرابات واسعة النطاق في النظم البيئية؛ مما يؤكد الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ، في إطار هذه التحديات:
- دعت الأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات عاجلة تتضمن، توسيع استخدام الطاقة المتجددة، فقد حثت الأمم المتحدة الدول على زيادة استثماراتها في الطاقة المتجددة، معتبرة الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة أحد الحلول الرئيسية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، كما ورد بتقرير الأمين العام 2023 حول تغير المناخ.
- دعت الأمم المتحدة إلى تعزيز كفاءة الطاقة، وذلك وفقًا لمبادرة المبادئ التوجيهية لكفاءة الطاقة، ويمكن تطبيق تقنيات الكفاءة الطاقية في القطاعات المختلفة.
- دعت الأمم المتحدة إلى تحفيز الابتكار، مشيرة إلى أن الابتكارات التكنولوجية في مجال الطاقة المتجددة تُشكل أداة مهمة لتحقيق الأهداف المناخية، مطالبة بتخصيص مزيد من الموارد لدعم البحث والتطوير في هذا المجال، وفقًا لما ورد في تقرير الابتكار من أجل المناخ 2023، الصادر عن الأمم المتحدة.
- شددت الأمم المتحدة على أن تحقيق الأهداف المناخية يتطلب تعاونًا دوليًا مكثفًا، بما يقتضيه ذلك من نقل التكنولوجيا؛ حيث يتعين على الدول المتقدمة تقديم الدعم التكنولوجي للدول النامية؛ مما يساعدها على الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة وتطوير بنيتها التحتية.
كما أكدت الأمم المتحدة أن التمويل المناخي هو حجر الزاوية في مكافحة تغير المناخ، ودعت إلى مضاعفة الجهود لزيادة الاستثمارات في مشاريع التكيف والتخفيف، خاصةً في الدول النامية التي تحتاج إلى مبالغ ضخمة تقدر بـ 6 تريليونات دولار لتحقيق أهدافها المناخية. والجدير بالذكر أن اتفاقية باريس عام 2015، نجحت لأول مرة في الحصول على اتفاق عالمي بشأن المناخ، الاتفاق أتى بعد مفاوضات عُقدت في أثناء مؤتمر الأمم المتحدة رقم 21 للتغير المناخي في باريس، والذي اعتبرته الدول الأوروبية (التي اعترضت في السابق على تسببها في تصدير أكبر انبعاثات كربونية بسبب الثورة الصناعية) اتفاقًا مناسبًا ومتوازنًا وملزمًا قانونيًا. واللافت في هذا الاتفاق هو تصديق كل وفود الدول 195 الحاضرة المؤتمر على الاتفاق، وهو ما لم يحدث من قبل، كما هو موضح في الشكل التالي.
وعليه تأمل رئاسة COP 29 في الحصول على دعم للتعهد بزيادة سعة تخزين الطاقة العالمية بستة أمثال مستويات 2022، لتصل إلى حوالي 1500 جيجاوات بحلول 2030.
على الرغم من التقدم المحرز في مؤتمر COP28، فإن الفجوة بين الطموحات العالمية والواقع على الأرض لا تزال واسعة، فبينما تعهدت الدول بالتحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، فإن البيانات تظهر زيادة في إنتاجه؛ مما يهدد بتقويض الجهود المبذولة للحد من التغيرات المناخية. وعليه، تُعد كفاءة الطاقة ركيزة أساسية في التحول العالمي نحو مصادر طاقة مستدامة، وقد أكدت اتفاقيات المناخ العالمية على أهمية مضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030؛ مما دفع العديد من الدول، ومنها الإمارات العربية المتحدة، إلى تبني سياسات وتشريعات جديدة لتحقيق هذا الهدف، مثل اللائحة الفيدرالية لإدارة الطاقة في المنشآت الصناعية.
ومع ذلك، وفقًا للتقرير الأخير لمجلس الطاقة العالمي، والذي جمع ردودًا من حوالي 1800 من قادة الطاقة في أكثر من حوالي 100 دولة، فقد زادت حالة عدم اليقين بشأن بيئات السياسات اللازمة لتحويل الطلب على الطاقة عبر القطاعات، بما في ذلك كفاءة الطاقة، وأشار المجلس إلى أن هذا يتطلب إعادة تقييم السياسات وتعاون أصحاب المصلحة. رغم الجهود المبذولة، يشير تقرير حديث لمجلس الطاقة العالمي إلى زيادة كبيرة في حالة عدم اليقين بشأن السياسات اللازمة لتحقيق تحول في الطلب على الطاقة، بما في ذلك مجال كفاءة الطاقة، مع الحاجة الملحة لإعادة تقييم السياسات الحالية وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف المعنية.
رغم تسجيل عام 2023 رقمًا قياسيًا في نمو الطاقة المتجددة عالميًا، فإن هذا النمو لا يزال غير كافٍ لتحقيق الأهداف المناخية الطموحة. وفي حين أن منطقة الشرق الأوسط شهدت نموًا ملحوظًا في هذا المجال خلال العقد الماضي، حيث تضاعفت الطاقة المتجددة ووصلت إلى حوالي 35.5 جيجاوات في عام 2023، إلا أن المنطقة لا تزال بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لزيادة حصة الطاقة النظيفة فيها، كما يوضح الشكل التالي حجم الانبعاثات الكربونية خلال الفترة 1960-2023.
إن قمة المناخ كوب 29 ستكون محورية، ففي الوقت الذي تكون فيه الدول ملزمة بتقديم خطط علاج تغير المناخ المحدثة، أو إسهاماتها الوطنية، ستسعى الدولة التي ترأس القمة لممارسة ضغوط على الدول لوضع سياسات مناخية أكثر طموحًا، وتعهدات بالتمويل.
استضافة أذربيجان لمؤتمر COP 29
تُمثل استضافة أذربيجان لمؤتمر المناخ COP29 فرصة ذهبية لعرض إنجازاتها الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، وحشد الدعم العالمي لتعزيز التعاون المناخي. ويعتبر هذا الحدث العالمي، الذي يُعقد الشهر الجاري، تتويجًا لجهود الرئيس إلهام علييف، ويعكس مكانة أذربيجان المتزايدة على الساحة الدولية، خاصةً بعد رئاستها لحركة عدم الانحياز وعضويتها في مجلس الأمن.
شهد قطاع الطاقة المتجددة في أذربيجان نموًا لافتًا مؤخرًا، بفضل مشروعات ضخمة تضع تصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا نُصب أعينها.
في خطوة جريئة نحو مستقبل أكثر استدامة، أعلنت أذربيجان عن تحويل الأراضي المحررة إلى منطقة طاقة خضراء، هذا المشروع الطموح يهدف إلى الاستفادة من الإمكانات الهائلة للطاقة المتجددة في إقليم قره باغ، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في المنطقة، وتشمل هذه الإمكانات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية؛ مما أسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق أهداف الحياد الكربوني، وعليه شهد عام 2024 زيادة ملموسة في إجمالي الاستثمارات المباشرة لقطاع الطاقة المتجددة في العالم (حوالي 2 تريليون دولار)، كما هو موضح في الشكل التالي.
لقد حددت أذربيجان أولوياتها بأن تصبح دولة البيئة النظيفة والنمو الأخضر في ضوء إعلان عام 2024 عام التضامن من أجل العالم الأخضر، بموجب مرسوم صادر عن الرئيس إلهام علييف رئيس جمهورية أذربيجان وهو إجراء مهم لإظهار التأكيد على القيمة المعطاة لهذه المهمة، لا سيما وأن تغير المناخ يعتبر القضية الحاسمة في العصر الحالي. وعليه، مع تزايد حدة آثار تغير المناخ، يزداد الضغط على الحكومات لاتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لمواجهة هذه الأزمة العالمية؛ حيث يعاني حوالي 80% من سكان العالم من تداعيات تغير المناخ؛ مما يدفعهم للمطالبة بتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري والانتقال إلى مصادر طاقة نظيفة.
أمام ما تقدم، تُعد أذربيجان من بين الدول التي تُولي اهتمامًا خاصًا لمكافحة تغير المناخ وآثاره السلبية وفقًا للالتزامات الناشئة عن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وليس من قبيل الصدفة أن يتم تعريف إحدى الأولويات الوطنية الخمس للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لأذربيجان حتى عام 2030 بأنها بلد البيئة النظيفة والنمو الأخضر ببرنامج أذربيجان 2030، في فبراير 2021، بالإضافة إلى ذلك فقد اعتمدت البلاد قانون استخدام مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء في مايو 2021، لتسريع التحول إلى الطاقة النظيفة. وتضع أذربيجان تطوير الطاقة الخضراء على رأس أولوياتها الوطنية، وذلك ضمن جهودها لتحقيق بيئة نظيفة ونمو اقتصادي مستدام. وتؤكد استراتيجية التنمية الوطنية للأعوام 2022-2026 على هذا التوجه؛ حيث تستهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء إلى حوالي 24% بحلول عام 2026 و30% بحلول عام 2030، مستفيدة من مواردها الطبيعية الغنية. تتميز أذربيجان بكونها دولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث لا تقتصر على مجرد الإعلانات النظرية، بل تسعى جاهدة لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، وتُظهر ذلك الأهداف الطموحة التي وضعتها لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة حوالي 35% بحلول عام 2030 و40% بحلول عام 2050، مما يعكس التزامها بالانتقال إلى اقتصاد أخضر مستدام. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العالم يستهدف إنتاج ثلثي الطاقة الكهرباء من الطاقة المتجددة (حوالي 17% الوضع الحالي)، كما هو موضح في الشكل التالي.
على الرغم من ارتباط اسمها ارتباطًا وثيقًا بالنفط الخام والغاز الطبيعي، فإن أذربيجان رائدة في تنفيذ النهج الخاصة بالتحول إلى الطاقة الخضراء في المنطقة وتقدم إسهامًا كبيرًا في مكافحة عواقب تغير المناخ.
التحول إلى الطاقة النظيفة (في أذربيجان)
تولي أذربيجان اهتمامًا كبيرًا بتطوير قطاع الطاقة المتجددة، موازنة ذلك مع استغلال مواردها التقليدية، وتتمتع البلاد بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، وقد شهدت استثمارات كبيرة في السنوات الأخيرة لتعزيز بنيتها التحتية في هذا المجال. وتشهد أذربيجان تحولًا نحو مستقبل أكثر استدامة؛ حيث تتبنى مشاريع طموحة في مجال الطاقة المتجددة لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. وبدعم حكومي قوي وشراكات دولية، تسعى أذربيجان إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ حيث تهدف إلى خلق بيئة جاذبة للاستثمارات في هذا المجال.
وفي مجال الطاقة البديلة تخطط حكومة أذربيجان لتنفيذ مشروع بناء محطة كهرباء في ياشما وتحويل ناختشيفان إلى منطقة للطاقة الخضراء إلى جانب كاراباخ وزانجيزور الشرقية (إمكانية بناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة حوالي 500 ميجاوات)، إطلاق محطة للطاقة الشمسية بقدرة حوالي 240 ميجاوات في جبرائيل، وهو مشروع تعمل فيه شركة بي بي البريطانية كمستثمر أجنبي مباشر؛ بالإضافة إلى تنفيذ مشروع سوكار لمدّ الكابلات الكهربائية للمنصات البحرية على أراضي الدولة لتقليل استهلاك الغاز الطبيعي من قبل المنشآت، فضلًا عن مشروع بناء كابل تحت البحر الأسود لنقل الطاقة الخضراء من أذربيجان إلى أوروبا. وفي الوقت نفسه، يجري اتحاد خط أنابيب عبر البحر الأدرياتيكي وشركة النفط الحكومية الأذربيجانية، دراسات حول نقل الهيدروجين إلى السوق الأوروبية. على وجه الخصوص، يُجرى دراسة متطلبات التصميم للمعدات اللازمة لنقل خليط من الغاز الطبيعي والهيدروجين عبر خط أنابيب TAP.
وضعت باكو هدف زيادة حصة الطاقة المتجددة في أذربيجان في مزيج الكهرباء المحلي إلى حوالي 30% بحلول عام 2030، سعيًا منها لتنويع موارد خزينة الدولة، وزيادة الكهرباء النظيفة والمستدامة وخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
هنا تجدر الإشارة إلى أن قدرات الطاقة المتجددة في أذربيجان (طاقة الرياح البرية والطاقة الشمسية) تصل إلى حوالي 27 جيجاوات، كما يحمل الجزء المطل على بحر قزوين إمكانات لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح بسعة حوالي 157 جيجاوات.
وتحولت أذربيجان من دولة مستوردة للكهرباء إلى مصدرة، وعلى مدار السنوات العشر الماضية، ارتفع حجم الكهرباء المصدرة بنحو 4.5 أضعاف.
قدرات الطاقة المتجددة في أذربيجان
تتمتع أذربيجان بإمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث تصل قدراتها التقديرية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية إلى حوالي 27 جيجاوات، بالإضافة إلى إمكانات ضخمة لتوليد طاقة الرياح البحرية في بحر قزوين تقدر بـ157 جيجاوات. ولتسخير هذه الإمكانات، تسعى أذربيجان إلى إنتاج حوالي 3 جيجاوات من طاقة الرياح و1 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2027، مع طموح لتصدير حوالي 80% من الإنتاج إلى الدول المجاورة.
بشكل عام، تمتلك منطقة قره باغ إمكانات هائلة لتوليد الطاقة المتجددة؛ حيث يمكنها إنتاج ما بين 3 و4 آلاف ميجاوات من الطاقة الشمسية و300 و500 ميجاوات من طاقة الرياح، بالإضافة إلى ذلك، فإن احتواءها على حوالي 25% من موارد المياه في أذربيجان يجعلها موقعًا مثاليًا لتطوير الطاقة الكهرومائية. هذه الإمكانات الهائلة تجعل من قره باغ ركيزة أساسية في خطط أذربيجان للطاقة المتجددة، كما تحظى أذربيجان بدعم دولي قوي في مساعيها لتطوير قطاع الطاقة المتجددة؛ حيث أبرمت العديد من الشراكات الاستراتيجية مع شركات عالمية رائدة مثل مصدر الإماراتية، وأكوا باور السعودية، وبي بي البريطانية، وفورتسيكو فورشن فيوتشر إندستريز الأسترالية. بالإضافة إلى ذلك، تتلقى أذربيجان دعمًا ماليًا وتقنيًا من المؤسسات المالية الدولية.
يشمل التعاون بين أذربيجان والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية مجموعة واسعة من المشاريع التي تهدف إلى تعزيز الاستدامة والنمو الاقتصادي، ومن أبرز هذه المشاريع: إدارة النفايات في غنجة، وزيادة كفاءة الطاقة، وتطوير الطاقة المتجددة في قره باغ، وبناء بنية تحتية صديقة للبيئة في آليات وساليان. حيث يسهم هذا التعاون في تعزيز الاقتصاد الأخضر وتنويع مصادر الدخل في البلاد.
كما تم توقيع اتفاقيات المشروع الرئيسية (اتفاقية الاستثمار واتفاقيتي شراء ونقل الكهرباء) في 29 ديسمبر 2020، بموجب عقود لمدة 20 عامًا، في أعقاب اتفاقيات شراء الطاقة واستثمارها ونقلها وفق نموذج مشروع مستقل لتوليد الطاقة، وأنه لمن المقرر تصدير حوالي 5 جيجاوات من هذه القدرة، وسوف يتم تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة بسعة حوالي 7 جيجاوات في أذربيجان بحلول عام 2030؛ حيث يُسهم ذلك في تحقيق مستهدفات البلاد بتوليد الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة. وفي إطار العمل الذي تم تنفيذه في هذا المجال، تُجرى دراسات مكثفة في جميع أنحاء البلاد في اتجاه تحديد وإعطاء الأولوية للمناطق ذات الإمكانات العالية لمصادر الطاقة المتجددة.
رغم كونها دولة غنية بالنفط الخام والغاز الطبيعي، تسعى أذربيجان جاهدة لتحقيق الحياد الكربوني من خلال استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة والهيدروجين، وتتعاون مع شركات عالمية مثل شركة “مصدر” الإماراتية لتنفيذ مشاريع طموحة، مثل إنشاء محطات طاقة شمسية وطاقة الرياح، وبناء بنية تحتية لنقل الهيدروجين. هذه الجهود تهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا؛ مما يعزز مكانة أذربيجان كشريك موثوق به في مجال الطاقة المستدامة.
كما شهد عام 2022 ميلاد شراكة تاريخية بين أذربيجان وجورجيا والمجر ورومانيا؛ حيث تم التوقيع على اتفاقية لإنشاء كابل بحري لنقل الطاقة المتجددة عبر البحر الأسود إلى أوروبا. وتهدف هذه الاتفاقية إلى توفير حوالي 4 جيجاوات من الطاقة الخضراء للأسواق الأوروبية؛ مما يجعل أذربيجان جسرًا للطاقة النظيفة بين الشرق والغرب.
أذربيجان والتنمية المستدامة
حققت أذربيجان إنجازات ملحوظة في مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة منذ عام 2015؛ حيث أصبحت رائدة في إعداد التقارير الوطنية الطوعية التي تتتبع التقدم المحرز في تنفيذ هذه الأهداف. كما أطلقت البلاد حوارًا وطنيًا مفتوحًا حول أهداف التنمية المستدامة لتعزيز التعاون والعمل المشترك لتحقيق هذه الأهداف. وفي إطار استراتيجيتها الوطنية للتنمية المستدامة حتى عام 2030، تعقد أذربيجان حوارات منتظمة حول أهداف التنمية المستدامة، تهدف هذه الحوارات إلى حشد الدعم والتعاون من جميع الأطراف المعنية، وتنفيذ مبادرات مبتكرة تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.
يتمحور كل حوار حول أهداف التنمية المستدامة حول مشكلة معينة، والتي يتم توسيعها بعد ذلك إلى نهج مفاهيمي، وملاحظة تحليلية تتضمن تحليلًا موجزًا للبيانات ومناسبات للممارسات الدولية المتقدمة، وقسمًا يحتوي على توصيات سياسية مفيدة، وملاحظة تحليلية مع بعض أمثلة تحليل البيانات.
يهدف كل محور من محاور وأهداف التنمية المستدامة إلى تحليل مشكلة معينة بشكل عميق، واقتراح حلول عملية قابلة للتطبيق. ويتم ذلك من خلال دراسة البيانات المتاحة، وتقييم الممارسات الدولية الناجحة، وتقديم توصيات سياسية مدعومة بأمثلة تحليلية.
خلاصة القول، تُمثل استضافة أذربيجان لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لحظة فارقة في تاريخ المنطقة والعالم أجمع. هذا الحدث الدولي الكبير، الذي يجمع قادة العالم والخبراء والناشطين البيئيين، يسلط الضوء على التزام أذربيجان بالعمل المناخي والانتقال نحو اقتصاد أخضر مستدام. إن اختيار أذربيجان لاستضافة هذا الحدث يعكس تزايد الوعي العالمي بأهمية التعاون الدولي في مواجهة تحديات التغيرات المناخية. كما أنه يشير إلى الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الدول في منطقة القوقاز في دعم الجهود العالمية لمكافحة الاحتباس الحراري.
ومن المتوقع أن يسهم مؤتمر COP29 في تحقيق العديد من الإنجازات، من بينها: سيوفر المؤتمر منصة مثالية للدول لتبادل الخبرات والمعارف وتطوير شراكات جديدة في مجال العمل المناخي، من المتوقع أن يشهد المؤتمر إطلاق مبادرات جديدة واعدة لتعزيز الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، سيسلط المؤتمر الضوء على أهمية دمج اعتبارات تغير المناخ في خطط التنمية الوطنية وتعزيز المرونة في مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، سيوفر المؤتمر فرصة للمجتمعات المحلية للتعبير عن مخاوفها واقتراح حلول مبتكرة للتحديات التي تواجهها.
وفي الأخير، إن نجاح مؤتمر COP29 يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني. يجب على الدول المشاركة أن تأتي إلى المؤتمر عازمة على تحقيق تقدم ملموس في تنفيذ اتفاق باريس للمناخ، وتعزيز التمويل المناخي للدول النامية، ودعم بناء القدرة على التكيف مع آثار التغيرات المناخية.