مقدمة : –
يعد التغير المناخي تحديا عالميا، يستلزم تضافر كافة جهود المجتمعات الإنسانية لتجاوز مخلفاته السلبية على المستويين الاقتصادي والبيئي بصفة عامة، وعلى المستوى السياسي والاجتماعي على وجه الخصوص. حيث يشهد العالم تغيرات مناخية سريعة ومتزايدة للأنشطة البشرية، منذ انطلاق الثورة الصناعية بداية القرن 19 الى الفترة الراهنة، حيث اثرت بشكل كبير على المجتمعات البشرية على الصعيدين المحلي والعالمي. ويعد تزايد التوترات الاجتماعية والسياسية احدة أبرز السمات الرئيسية والمباشرة لتغير المناخ.
يؤثر التغير المناخي بشكل كبير على البيئة والموارد الطبيعية، حيث يسهم في خلخلة نمط التساقط المطري وزيادة الجفاف في عدة مناطق -خاصة الهشة منها- وتزايد الفيضانات في مناطق أخرى. بالإضافة الى انخفاض مستويات المياه العذبة، بفعل ذوبان الأنهار والجليد الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة فوق سطح الأرض. الامر الذي نجم عنه نقص حاد في مستوى مياه الوديان والفرشة المائية الباطنية والبحيرات، مما اسهم في انقراض بعض الأنواع الحيوانية والنباتية، وقلل من الكميات المتاحة للزراعة والاستخدامات البشرية الأخرى. إضافة الى ذلك اسهم ارتفاع الحرارة في ارتفاع مباشر لمستويات قياسية لسطح البحر، ترتب عنه تهديد المناطق الساحلية والمجتمعات البشرية القريبة منها.
كما ساهم شح المياه وارتفاع الحرارة في التقليل من الموارد الطبيعية المتاحة بالعيديد من المناطق، الامر الذي أثر على نمو المحاصيل الزراعية وانتاجيتها، وانعكس سلبا على تردي الموارد الغذائية وارتفاع أسعارها، وزيادة نسب الجوع بين مختلف الشرائح الاجتماعية، وتهديد الامن الغذائي في بعض المناطق، مما وضع ضغوطا إضافية على الإنتاج الزراعي العالمي وصانعي القرارات السياسية الدولية.
ويعد تزايد تكرار وشدة الكوارث الطبيعية (فيضانات، عواصف …) أحد الأوجه العنيفة للتغير المناخي، حيث ساهمت مخلفاتها في اجبار السكان على مغادرة مناطقهم المنكوبة بحثا عن أماكن اكثر امانا من مناطقهم الاصلية. كما أدى تدهور الظروف البيئية ونقص الموارد الغذائية الى خلق موجات هجرة بشرية باحثة عن ظروف بيئية مثلى توفر شروط الاستقرار الكريم. الا ان هذا النزوح الجماعي ترتبت عنه عدة مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية بالمجالات المستقبلة.
واجمالا يمكن القول ان التغير المناخي أحدث عدة ديناميات داخل المجتمعات البشرية، بطريقة او بأخرى، من خلال التأثير المباشر على حياة ونمط عيش السكان بفعل نقص الموارد الغذائية والامكانيات الاقتصادية، وتفشي الفقر داخل هاته المجتمعات. كما أدى كذلك الى تأثيره على الامن والسلام الدوليين، بفعل تزايد التوترات على الموارد (المياه، الغذاء،الطاقة…).كما اسهم في خلق تحولات عميقة في البنيات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات بما في ذلك فقدان الوظائف في القطاعات المتأثرة، وتهجير السكان، وزيادة الهجرة، وتغيير نمط الحياة والثقافة. كما يؤثر كذلك على رسم السياسات الحكومية والمؤسسات الدولية، حيث يمكن أن تؤثر هذه التغييرات على حياة الناس بشكل كبير، سواء من خلال توفير الحماية والدعم للمتأثرين بشكل أكبر، أو من خلال فرض قيود وتحديدات تؤثر على أنماط الاستهلاك والإنتاج.