بعد أثبات أن استطلاعات الرأي العام وتنبؤاتها بخصوص من سيفوز في الانتخابات الامريكية كانت دقيقة، فأن الأهم أن نعلم لماذا أخفقت هاريس ولماذا نجح ترامب. فما حصل في هذه الانتخابات هو درس مهم للقادة وللشعوب التي تجري فيها انتخابات شفافة…
بعد أثبات أن استطلاعات الرأي العام وتنبؤاتها بخصوص من سيفوز في الانتخابات الامريكية كانت دقيقة، فأن الأهم أن نعلم لماذا أخفقت هاريس ولماذا نجح ترامب. فما حصل في هذه الانتخابات هو درس مهم للقادة وللشعوب التي تجري فيها انتخابات شفافة.
كل الأرقام التي سأوردها هنا تستند الى استطلاع الخروج exit poll الذي قامت به شبكة CNN وشمل عينة كبيرة من الناخبين ناهزت العشرين ألف مصوّت. وكمختصين في الرأي العام والحملات الانتخابية فأن ما يهمنا هو ليس فقط من فاز، بل لماذا فاز، ولماذا خسر المنافس. واستطلاعات الخروج تمثل كنزاً للمعلومات لتحليل سلوك الناخبين وبالتالي معرفة كيف يفكرون، وماذا يتوقعون.
عندما نراجع الأرقام بدقة يقفز أمامنا استنتاجان رئيسان:1) أن الناخبين الأميركيين عاقبوا بايدن وليس هاريس،2) وأنهم فضلوا ترامب وليس هاريس. لقد ألقت فترة بايدن وشخصيته بظلالها وثقلها على هاريس كونها كانت نائبته. وعلى الرغم من أنه كان واضحاً ضعف بايدن في مواجهة ترامب عندما ترشح، الا أنه لم يغادر السباق فاسحاً المجال لنائبته الا بعد أن تحقق الضرر وأُثخن الديموقراطيون جراحاً. ولم تكن الفترة المتبقية لهاريس لمنافسة ترامب كافية لتصميم وإدارة وتنفيذ حملة قوية. ففي الوقت الذي أتيح فيه لحملة ترامب 721 يوماً، فأن حملة هاريس لم يتح لها سوى 107 يوم فقط!
ادارة الامور
لقد كان 60 بالمئة من الناخبين تقريباً غير راضين عن طريقة أدارة بايدن، وقد صوت معظم هؤلاء لصالح ترامب. كما أن 73 بالمئة من المصوتين كانوا غير راضين أو غاضبين من طريقة أدارة بايدن للأمور في أمريكا لذا صوت 60 بالمئة منهم لصالح ترامب! وفي الوقت الذي كان فيه معظم الناخبين يريدون التغيير فأنه لم يُنظر الى هاريس الا على أنها كانت نائبة بايدن وشريكته وبالتالي فهي ليست قادرة على أحداث التغيير. من هنا فقد آمن 24 بالمئة فقط من الناخبين أن هاريس تستطيع جلب التغيير مقابل 74 بالمئة قالوا أن ترامب بإمكانه التغيير.
لذا فقد أتهم السيناتور المستقل المعروف ساندرز والذي أنسحب من السباق الرئاسي لصالح حملة بايدن، الديموقراطيين بأنهم بنوا استراتيجيتهم الانتخابية على أساس الإبقاء على الوضع الراهن في حين أنه كان من الواضح أن الأمة تريد التغيير.
ففي الوقت الذي صوت فيه معظم من يعتقدون أن حالتهم المادية ممتازة أو جيدة وهم لا يتجاوزون الثلث لصالح هاريس، فأن معظم من يعتقدون أن حالتهم المادية سيئة صوتوا لصالح ترامب آملين بأنه يمكن أن يغير حالهم للأفضل. لقد فشلت هاريس في أبعاد نفسها عن بايدن وأقناع الجمهور أنها تختلف عنه. فإذا أضفنا لذلك أن نسبة الناخبين المستقلين (غير جمهوريين ولا ديموقراطيين) بلغت أكثر من الثلث لأول مرة في الانتخابات الأميركية وبالتالي هم لا يصوتون على أساس الانتماء الايدلوجي، أدركنا أهمية أقناع المصوتين الراغبين بالتغيير بأنها قادرة على ذلك.
نقطة رئيسة
أما لماذا فضل الناخبون ترامب على هاريس، فهناك عدد من الأسباب الشخصية والموضوعية. على الجانب الشخصي، فعلى الرغم من أن غالبية الناخبين قالوا أنها أكثر اهتماماً بهم وأنها تتمتع بأحكام أفضل من ترامب، الا أنها غير قادرة على أحداث التغيير وأن ترامب يتفوق عليها كثيراً في قدراته القيادية. وحتى على صعيد نقطة قوتها الرئيسة، كونها أنثى وأن غالبية النساء سيصوتون لها، فأنها فشلت في حث نسبة أكبر من النساء للتصويت لها.
ففي مقابل 53 بالمئة من النساء صوتوا لهاريس، فأن 55 بالمئة من الرجال قد صوتوا لترامب. كما أن كونها من أصول آسيوية أو ملونة لم تستفد منه كثيراً. فقد انخفضت نسبة الناخبين السود الى 11 بالمئة فقط بعد أن كانت 13 بالمئة في الانتخابات السابقة، وكذلك انخفضت نسبة اللاتينيين الى 12 بالمئة بعد أن كانت 13 بالمئة في 2020، وانخفضت نسبة الآسيويين من 4 بالمئة الى 3 بالمئة. مقابل ذلك ارتفعت نسبة المصوتين البيض من 67 بالمئة في انتخابات 2020 الى 71 بالمئة في هذه الانتخابات وهو ما صب بالتأكيد في فائدة ترامب.
من جانب آخر فقد أخفقت هاريس في التفوق على ترامب في ثلاث من أهم خمس مواضيع يهتم بها الناخب الأمريكي. ففي الاقتصاد فأن 52 بالمئة قالوا أن ترامب أفضل في معالجته مقارنةً ب 46 بالمئة فقط لهاريس. كذلك في مجالي الهجرة والسياسة الخارجية فقد صوتت الغالبية لصالح ترامب.
وحتى في مجال الإجهاض الذي ينبغي أن تتفوق فيه هاريس بوضوح فأن ذكاء حملة ترامب في الموافقة على ترك الأمور للولايات لتقرر قانونية الإجهاض قد حد كثيراً من تفوق هاريس في هذا الموضوع فباتت 49% تقول أن هاريس أفضل في معالجة هذا الموضوع مقابل 45% لصالح ترامب.
لقد أخفقت هاريس في جوانب عديدة في التغلب على نقاط ضعف بايدن والحزب الديموقراطي، في الوقت الذي فشلت فيه في أثبات أنها منافسة أفضل من ترامب. والمفارقة الكبيرة هنا أن ربع الناخبين كانوا قد صوتوا في هذه الانتخابات نكايةً بالمنافس وليس تفضيلاً للمرشح الذي انتخبوه. وأن 60% من ربع المصوتين الكليين أولئك صوتوا لهاريس. بمعنى أن جزء مهم لم يصوت لهاريس الا نكايةً بترامب وليس اقتناعاً بها. بقي أن نعرف لماذا تفوق ترامب.