أثار قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بالسماح للقوات الأوكرانية بإطلاق صواريخ بعيدة المدى على أهداف داخل الأراضي الروسية مخاوف حتمية من احتمال تصعيد كبير للصراع في الأيام الأخيرة من ولايته.
ويرى بعض المنتقدين، وخصوصا في أوكرانيا، أن هذه الخطوة جاءت متأخرة للغاية ولم تكن كافية لإحداث تأثير فعلي في مسار الجهود الحربية الأوكرانية.
ولعدة أشهر، واصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعوته للولايات المتحدة وحلفائه الآخرين للسماح له باستخدام صواريخ بعيدة المدى، مثل صواريخ “ستورم شادو” البريطانية، لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، بدلا من قصر استخدامها على المواقع الروسية في الأراضي الأوكرانية المحتلة، مثل شبه جزيرة القرم.
وبسبب سيطرة الجيش الأميركي على معظم أنظمة الأقمار الصناعية والاستخبارات المستخدمة لتشغيل هذه الصواريخ، يواجه الأوكرانيون صعوبة كبيرة في تشغيلها دون الحصول على موافقة مباشرة من واشنطن.
كانت إدارة بايدن مترددة سابقا في السماح باستخدام هذه الأسلحة ضد أهداف داخل روسيا، خشية أن يؤدي ذلك إلى تصعيد كبير من جانب الكرملين. لذا، يُعد قرار بايدن المتأخر بالسماح للأوكرانيين باستخدام هذه الأسلحة لهذا الغرض تحولا كبيرا في سياسة إدارته، رغم التساؤلات حول مدى تأثير ذلك في هذه المرحلة المتأخرة من الصراع.
كانت إدارة بايدن مترددة سابقا في السماح باستخدام هذه الأسلحة ضد أهداف داخل روسيا، خشية أن يؤدي ذلك إلى تصعيد كبير من جانب الكرملين
وفي ظل غياب موافقة البيت الأبيض، كافح الأوكرانيون للدفاع عن أراضيهم ضد المحاولات الروسية المستمرة لاحتلال المزيد من المناطق في شرق أوكرانيا، تحضيرا لأي مفاوضات وقف إطلاق نار محتملة، يُتوقع على نطاق واسع أن تبدأ مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض العام المقبل.
وقد تفاخر الرئيس المنتخب بأنه سينهي الصراع المستمر منذ فترة طويلة خلال “24 ساعة” من توليه منصبه،وهو تهديد دفع كلا الطرفين إلى السعي لتحقيق أكبر قدر ممكن من التفوق الميدانيعلى أرض المعركة قبل الدخول في أي مفاوضات سلام مستقبلية.
وفي حين ركزت روسيا جهودها على احتلال المزيد من الأراضي في شرق أوكرانيا، تسعى القوات الأوكرانية للحفاظ على الأراضي الروسية التي سيطرت عليها في منطقة كورسك الجنوبية خلال الصيف، والتي قد تشكل ورقة ضغط حاسمة في أي مفاوضات سلام مستقبلية.
ومع ذلك، تحاول القوات الروسية استعادة الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا في كورسك، وقد عززت جهودها مؤخرا بوصول قوة قوامها 10 آلاف جندي كوري شمالي لدعم الحرب الروسية.
صاروخ إم 142 هيمارس الأكوراني خلال إطلاقه على موقع روسي في 29 ديسمبر 2023
ويُعد وصول الكوريين الشماليين إلى ساحة المعركة تصعيدا كبيرا في الجهود الحربية الروسية، وهو أحد الأسباب التي يعتقد أنها دفعت إدارة بايدن إلى التراجع عن مقاومتها السابقة للسماح للأوكرانيين باستخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى، مثل نظام الصواريخ التكتيكية للجيش الأميركي (أتاكمز/ATCMS). وقد تُشكّل هذه الأسلحة عاملا حاسما في تعزيز قدرة القوات الأوكرانية على الدفاع عن أراضيها، إذ يمكن استخدامها لاستهداف مواقع عسكرية روسية داخل الأراضي الروسية، مثل القواعد الجوية ومنصات الصواريخ.
وتشير التقارير إلى أن الأوكرانيين حريصون على استخدام هذه الأسلحة للحفاظ على سيطرتهم على الأراضي التي استولوا عليها في كورسك، حيث يُقال إن الروس يخططون لهجوم مضاد كبير.
وتفيد التقارير الواردة من واشنطن بأنه، بعد أن منح بايدن أوكرانيا الإذن باستخدام الصواريخ لضرب أهداف داخل روسيا، أصبحت مئات المنشآت والقواعد العسكرية الروسية في نطاق الضربات. ومن المعروف أن بايدن، الذي سيغادر منصبه في 20 يناير/كانون الثاني، أبلغ كييف بأنها يمكن أن تستخدم نظام (أتاكمز) في البداية لاستهداف القوات الروسية والكورية الشمالية في منطقة كورسك بغرب روسيا.
وقد تجلّت أهمية هذه الأسلحة في الجهود الحربية الأوكرانية المتعثرة عندما أطلقت أوكرانيا، بمجرد حصولها على الإذن من واشنطن، ستة صواريخ من طراز (أتاكمز) على مستودع ذخيرة في كاراتشيف، على بعد حوالي 75 ميلا من الحدود الأوكرانية داخل منطقة بريانسك الروسية.
بعد أن منح بايدن أوكرانيا الإذن باستخدام الصواريخ لضرب أهداف داخل روسيا، أصبحت مئات المنشآت والقواعد العسكرية الروسية في نطاق الضربات
بالطبع، يُزيد استخدام هذه الأسلحة من خطر التصعيد الكبير في الحرب الأوكرانية، خصوصا بعد الكشف عن توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قانونا يسمح بضربة نووية ردا على هجوم باستخدام صواريخ بعيدة المدىفيما تعهدت موسكو برد “مناسب وملموس” بعد الهجوم الأخير.
ومع أن المسؤولين الروس أكدوا أن قرار تعديل العقيدة النووية الرسمية كان قيد المناقشة منذ عدة أسابيع، فإن تأكيد الكرملين على تغيير السياسة يبدو ردا على قرار إدارة بايدن بالسماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ أميركية داخل روسيا.
وبموجب القانون، يمكن لروسيا الرد بأسلحة نووية على هجوم بأسلحة تقليدية مثل الطائرات المسيرة أو الصواريخ. كما يمكن لموسكو استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية، مثل أوكرانيا، إذا كانت مدعومة من حلفاء مسلحين نوويا، مثل بريطانيا وأميركا.
وأوضح متحدث باسم الكرملين لاحقا: “كان من الضروري تعديل مبادئنا لتتماشى مع الوضع الحالي”. ووصف التحديث بأنه “وثيقة مهمة جدا” يجب أن “تُدرس” على المستوى الدولي.
يشار إلى أن قرار بايدن بالسماح باستخدام نظام “أتاكمز” سيؤثر على إدارة ترمب القادمة، خصوصا أن الرئيس المنتخب أشار إلى أن أولويته الرئيسة عند توليه المنصب ستكون إنهاء الصراع الأوكراني، وليس المخاطرة بتصعيده.
وكانت القضية الأوكرانية من الموضوعات الرئيسة التي نوقشت خلال لقاء ترمب وبايدن في البيت الأبيض الأسبوع الماضي لمناقشة خطط الانتقال للإدارة القادمة. وذكرت وسائل الإعلام الأميركية أن الرئيس المنتهية ولايته أوضح أن دعم أوكرانيا يصب في مصلحة الولايات المتحدة.
وأوضح بايدن لمنافسه الرئاسي السابق أن السماح لفلاديمير بوتين وروسيا المنتعشة بتحقيق نجاح على أرض المعركة قد يؤدي في النهاية إلى جر واشنطن إلى حرب برية أوسع نطاقا في أوروبا.
وعلى الرغم من رفض ترمب لهذه الحجج خلال حملته الانتخابية، فإن هناك مؤشرات توحي باستعداده للنظر في خيارات أخرى بمجرد توليه المنصب.
وفي كل الأحوال، تشير جميع الدلائل إلى أن الصراع الأوكراني على وشك دخول مرحلة جديدة وأكثر دموية، وهي مرحلة قد تكون لها تداعيات ليس فقط على كييف وموسكو، بل على العالم بأسره.