أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت والقائد العام لكتائب “عز الدين القسام” محمد الضيف، بتهم تتعلق بارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” و “جرائم حرب”.
وتمثل هذه الخطوة سابقة تاريخية، حيث تُعد الأولى من نوعها بحق رئيس حكومة من بين أبرز حلفاء الغرب، وتسجل تصعيدا غير مسبوق في تورط المحكمة في الصراع بين إسرائيل وحركة “حماس”. وبموجب هذه المذكرات، تلتزم جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، باعتقال نتنياهو وغالانت في حال دخولهما أراضيها.
خلصت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بمسؤولية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت عن “جرائم حرب” و “جرائم ضد الإنسانية” من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وتشمل هذه الجرائم “جريمة الحرب” المتمثلة في استخدام التجويع كسلاح، إضافة إلى القتل، والاضطهاد، وأفعال غير إنسانية أخرى. كما توصلت المحكمة إلى وجود أدلة تشير إلى مسؤوليتهما، بصفتهما القيادية، عن “جريمة الحرب” المتمثلة في توجيه هجمات متعمدة ضد السكان المدنيين في حالتين على الأقل.
إلى جانب نتنياهو وغالانت، أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق محمد الضيف، القائد العام لكتائب “عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”. ورغم مزاعم إسرائيل بأنها قتلته في يوليو/تموز 2024، فإن وفاته لم تتأكد رسميا حتى الآن.
باعتبار الدول الأوروبية من أبرز الداعمين التاريخيين للمحكمة ولسيادة القانون الدولي، فإن عليها أن تؤكد التزامها الراسخ بدعم المحكمة كجهة قضائية مستقلة
ستُسلط مذكرة الاعتقال الصادرة بحق بنيامين نتنياهو الضوء بشكل كبير على المحكمة الجنائية الدولية، مما يجعلها محط تركيز سياسي مكثف. وباعتبار الدول الأوروبية من أبرز الداعمين التاريخيين للمحكمة ولسيادة القانون الدولي، فإن عليها أن تؤكد التزامها الراسخ بدعم المحكمة كجهة قضائية مستقلة، وأن تؤكد استعدادها لتنفيذ أوامر الاعتقال بحق أي من الأشخاص المعنيين إذا دخلوا أراضيها. وفي الوقت نفسه، ينبغي تفادي أي تصريحات قد تُضعف من مكانة المحكمة أو تُثير الشكوك حول شرعيتها، خاصة بالنظر إلى الدعم القوي الذي أبدته أوروبا لقرار المحكمة في مارس/آذار 2023 بإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تُثير مذكرات الاعتقال أيضا تساؤلات حول كيفية تعامل المسؤولين الأوروبيين مع نتنياهو سواء داخل إسرائيل أو عند وجوده خارجها
تُثير مذكرات الاعتقال أيضا تساؤلات حول كيفية تعامل المسؤولين الأوروبيين مع نتنياهو سواء داخل إسرائيل أو عند وجوده خارجها. وفي حالات سابقة، مثل حالة الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا الذي انتُخب بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه، تبنى المسؤولون الأوروبيون سياسة تجنب أي اتصال غير ضروري مع الأفراد المتهمين أو المطلوبين بتهم ارتكاب جرائم دولية. وينبغي لهم تطبيق النهج نفسه عند التعامل مع هذه القضية.
من المرجح أن تُواجه المحكمة الجنائية الدولية انتقادات شديدة وإجراءات معادية من قبل الرئيس الأميركي القادم دونالد ترمب. ففي ولايته الأولى، فرض ترمب عقوبات على مسؤولي المحكمة عقب إعلانها التحقيق في سلوك الولايات المتحدة في أفغانستان، كما هددت إدارته بـ”عواقب وخيمة” إذا باشرت المحكمة التحقيق في جرائم حرب في فلسطين. وعلى الاتحاد الأوروبي أن يكون مستعدا لمواجهة أي محاولات أميركية لإضعاف المحكمة، وأن يقف في وجه الضغوط الرامية إلى قطع العلاقات مع المحكمة أو تقليص دعمه لها.