“الرئيس المتهم”… مصير القضايا الجنائية لترمب بعد عودته إلى البيت الأبيض

يواجه النظام الدستوري الأميركي سابقة هي الأولى من نوعها بعد فوز دونالد ترمب في الإنتخابات الرئاسية للمرة الثانية بعد انتهاء فترته الرئاسية الأولى عام 2020 على الرغم من إدانته في دعاوى جنائية، إذ تم رفع حوالي 91 دعوى قضائية ضد ترمب بصفته رئيساً للولايات المتحدة خلال ولايته الأولى من عام 2016 حتى عام 2020، وتتنوع هذه الدعاوى من حيث طبيعتها بين المدنية، والدستورية، والإدارية (تلك المتعلقة بممارسته لسلطاته التنفيذية بموجب الدستور وإصداره قرارات تنفيذية أو إدارية في هذا الصدد)، وكذلك الدعاوى الجنائية، والتي منها ما تصل في جسامتها إلى الجنايات، وقد تم توجيه الاتهام له جنائياً بشكل رسمي في عدة تهم جنائية ضمن 4 دعاوى رئيسة، وتمت إدانته في دعوى واحدة من تلك الدعاوى الأربع.

طبيعة النظام الدستوري الأميركي

وسبب تفرد هذه السابقة يعود إلى طبيعة النظام الدستوري للولايات المتحدة وتاريخه الطويل والعريق، إذ إنه ونتيجة لطبيعة وظروف وتوقيت نشأة الدستور الأميركي عام 1787 مروراً بتعديلاته البالغ عددها 27، فإن مواد ذلك الدستور تناولت تنظيم سلطات الدولة والفصل بينها وعلاقة هذه السلطات بعضها ببعض والرقابة المتبادلة بينها بشيء من العمومية والتجرد، وهو ما أدىإلى ظهور وبروز دور المحكمة العليا الأميركية، وذلك بالتصدي لتفسير مواد الدستور تفسيراً إنشائياً بما يتناسب مع طبيعة النص الدستوري العمومي والمجرد وتطويعه لتطبيقه تطبيقاً صحيحاً على الواقع العملي، وهو ما عبر عنه بجلاء رابع رؤساء المحكمة العليا الأميركية جون مارشال، حين قال “إن وظيفة وواجب السلطة القضائية بصورة قاطعة أن تقول، ما هو القانون”.

شروط الترشح لمنصب الرئاسة

لقد نظمت المادة الثانية من الدستور والمتعلقة بالسلطة التنفيذية، الشروط الواجب توافرها فيمن يُرشح لمنصب الرئاسة بشكل مقتضب ومختصر للغاية، وهي: 1- أن يكون مواطناً أميركياً بالميلاد. 2- مولود على أراضي الولايات المتحدة. 3- وأن يكون مقيماً بها مدة لا تقل عن أربعة عشر عاما. 4- وأن لا يقل سنه عن خمسة وثلاثين عاماً. إلا أنها قد خلت من أي موانع للترشح، كما خلت من أي شروط أخرى من الشروط المتعارف عليها في الدساتير والتشريعات الحديثة بخصوص تولي الوظائف العامة مثل: عدم سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية، وكذلك شرط حسن السمعة والسيرة والسلوك، والتي يقصد بها مجموعة الصفات والخصائص التي يتحلى بها الشخص فتُكسبه الثقة بين الناس وتُجنبه قالة السوء وما يمس الخُلق.

 

خلت المادة الثانية من الدستور الأميركي من أي شروط أخرى من تلك المتعارف عليها في الدساتير والتشريعات الحديثة بخصوص تولي الوظائف العامة مثل: عدم سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية، وكذلك شرط حسن السمعة والسيرة والسلوك

 

 

بيان بالدعاوى الجنائية الأربع وتحليل موقف ترمب فيها:

1- قضية التدخل في نتائج انتخابات 2020 وأحداث يوم 6 يناير 2021: وتتعلق بتحريض ترمب لأنصاره على الهجوم على مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس الأميركي، بمجلسيه النواب والشيوخ) يوم 6 يناير 2021، ومحاولة تعطيل عملية المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وقد تم الانتهاء من التحقيق فيها ثم توجيه الاتهام له رسمياً في 4 اتهامات، لكن لم يتم تحديد موعد للمحاكمة حتى الآن ولم يتم اتخاذ أي إجراءات قضائية أخرى.

 

غيتي غيتي

أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب خارج مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة الأمريكية في 6 يناير 2021 

2- قضية التدخل في الانتخابات في مقاطعة فولتون بولاية جورجيا 2020: وتتعلق باتهامات بالتآمر لقلب نتيجة الانتخابات، وخصوصاً محادثاته الهاتفية مع مسؤولين في جورجيا، مثل مطالبته لأحد وزراء الولاية “بالعثور” على أصوات إضافية لصالحه. وقد تم الانتهاء من التحقيق فيها ثم توجيه الاتهام له رسمياً في 10 اتهامات، لكن لم يتم تحديد موعد للمحاكمة حتى الآن ولم يتم اتخاذ أي إجراءات قضائية أخرى.

3- قضية الوثائق السرية الفيدرالية 2020: وتتعلق باتهامات مرتبطة بحيازة ترمب لمجموعة من الوثائق السرية بعد مغادرته البيت الأبيض وعدم تسليمها للأرشيف الوطني، بالإضافة إلى عرقلة سير العدالة في محاولة إخفاء هذه الوثائق.وقد تم الانتهاء من التحقيق فيها ثم توجيه الاتهام له رسمياً في 40 اتهاما، وتم نظر الدعوى وصدر حكم أول درجة برفض الدعوى بسبب إجرائي متعلق ببطلان قرار تولي ممثل الادعاء العام في الدعوى لصدوره بالمخالفة لأحكام الدستور، وتم الطعن على هذا الحكم بالاستئناف.

 

أ.ف.ب أ.ف.ب

ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز تغادر المحكمة في نيويورك لحضور جلسة استماع تتعلق بمايكل كوهين، المحامي الشخصي للرئيس ترامب والمقرب منه، في 16 أبريل 2018 

4- قضية رشوة مانهاتن 2018: وتتعلق بدفع رشاوى بهدف التغطية على فضيحة جنسية سابقة لدونالد ترمب بين عامي 2006 و2011، وقد عادت تلك القضية للظهور خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016، واتهام دونالد ترمب بالقيام، بواسطة محاميه مايكل كوهين، بتزوير سجلات إحدى الشركات التجارية المملوكة لترمب لإخفاء دفع مبالغ مالية لإسكات وترضية ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز. وقد تم الانتهاء من التحقيق فيها ثم توجيه الاتهام له رسمياً في 34 اتهاما، وتم نظر الدعوى وتم إجراء المحاكمة وصدر الحكم فيها بالإدانة في جميع التهم الموجهة إليه.

سوابق قضائية

منح الدستور الأميركي صراحة أعضاء الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ، حصانة برلمانية والتي تعني عدم مساءلتهم قضائياً عما يبدونه من آراء وأفكار وما يدور بينهم من نقاشات أو ما يصدر منهم من أفعال أثناء أداء مهام مناصبهم، إلا أنه لم يتضمن نصاً صريحاً يمنح الرئيس حصانة مماثلة. وقد تصدتالمحكمة العليا لهذه المسألة في عدة أحكام خلال تاريخها.

كان أول هذه الأحكام الحكم الصادر في قضية (ولاية مسيسيبي ضد الرئيس أندرو جونسون) عام 1867، والذي انتهت فيه إلى تمتع الرئيس بحصانة مطلقة من أي مسؤولية شخصية عن الأضرار الموجبة للتعويض المدني الناجمة عن أفعال قام بها أثناء تأدية واجباته الوظيفية.

ثم تعرضت المحكمة العليا لمسألة الحصانة التنفيذية لا سيما الرئاسية في الحكم الصادر في قضية (حكومة الولايات المتحدة ضد الرئيس ريتشارد نيكسون) عام 1974 والتي قلصت فيها المحكمة من سلطات الرئيس إذا طالب بتلك الحصانة بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون.

ثم صدر حكمها في قضية (الرئيس ريتشارد نيكسون ضد آرثر فيتزغيرالد) عام 1982 والتي انتهت فيها إلى أن الرئيس السابق يتمتع بحصانة مطلقة من المسؤولية القانونية عن التعويضات المتعلقة بالأعمال التي تدخل في “المحيط الخارجي” لمسؤوليته الرسمية خلال وجوده في منصبه، وذلك على حد تعبير المحكمة، والتي من الممكن إيضاحها بأنها تلك الأعمال التي لا تتعلق بمهام تأدية واجباته الوظيفية دون أن تدخل في صلبها.إلا أن أهم ما يميز ذلك الحكم بالتحديد وضعه لتعريف واضح للحصانة الرئاسية لأول مرة حيث عرفتها بأنها عبارة عن “تفويض وظيفي تابع لمنصب الرئيس الفريد، مترسخ في التقاليد الدستورية للفصل بين السلطات ويؤيده تاريخنا الدستوري”.

 

منح الدستور الأميركي صراحة أعضاء الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ، حصانة برلمانية والتي تعني عدم مساءلتهم قضائياًعما يبدونه من آراء وأفكار وما يدور بينهم من نقاشات أو ما يصدر منهم من أفعال أثناء أداء مهام مناصبهم، إلا أنه لم يتضمن نصاً صريحاً يمنح الرئيس حصانة مماثلة

 

 

كما تعرضت المحكمة لمسألة الحصانة الرئاسية في حكمها في قضية (الرئيس بيل كلينتون ضد بولا جونز) عام 1997 والذي انتهت فيه إلى أن الحصانة الرئاسية لا تمتد إلى الأعمال التي قام بها قبل توليه مهام منصبه.

إلا أن أهم وأخطر هذه الأحكام هو الحكم الصادر في قضية (الرئيس دونالد ترمب ضد حكومة الولايات المتحدة) الصادر في يوليو/تموز 2024، والذي انتهت فيه المحكمة إلى تمتع الرئيس الأميركي (جميع الرؤساء الأميركين بمن فيهم الرئيس الحالي المنتهية ولايته جوزيف بايدن) بالحصانة الرئاسية المطلقة ضد المساءلة الجنائية والتي تمتد بشكل مفترض إلى جميع الأعمال التي يقوم بها الرئيس بشكل رسمي أثناء أدائه لمهام منصبه حتى لو كانت تدخل في “المحيط الخارجي” لمسؤوليته الرسمية خلال وجوده في منصبه، على أنه لا تمتد هذه الحصانة إلى الأعمال التي يقوم بها الرئيس بشكل غير رسمي.

وقد أثار الحكم السابق تحديداً حالة واسعة من اللغط والجدل الدستوري والقانوني الشديد، وصل إلى حد وصف بعض أعضاء الكونغرس الديمقراطيين للمحكمة العليا بأنها تعاني من “أزمة فساد”، كما صرح أحدهم بأنه سيسعى إلى اقتراح تعديل دستوري لتحقيق صرامة أكثر في تطبيق القانون والتي فشلت المحكمة العليا فيه، على حد تعبيره، وفي المقابل رحب أغلب أعضاء الكونغرس الجمهوريين بالحكم، وأثنوا عليه، واتهموا إدارة الرئيس بايدن باستخدام وزارة العدل في معارك سياسية بين الحزبين بالمخالفة لأحكام الدستور.

هل من الممكن أن يمنح ترمب نفسه حق العفو الرئاسي؟

يطرح فوز دونالد ترمب في الانتخابات، في ظل وضعه القانوني والقضائي المتفرد على النحو السابق بيانه، سؤالاً في غاية الأهمية، هل يمكن للرئيس الأميركي أن يمنح نفسه حق العفو الرئاسي المنصوص عليه في الدستور؟ وللإجابة على هذا السؤال ينبغي تعريف حق العفو الرئاسي، وبيان نوعيه، أولهما هو “العفو عن العقوبة” ويعرف كذلك “بالعفو الجزئي” ويقصد به “إعفاء المحكوم عليه من تنفيذ كل العقوبة أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخرى أخف من العقوبات المقررة قانوناً، ويصدر في أغلب دول العالم من رئيس الدولة”. والنوع الثاني هو “العفو الشامل أو المطلق” ويسمى كذلك “العفو عن الجريمة”، ويقصد به “تجريد الفعل من الصفة الإجرامية بحيث يصبح المحكوم عليه وكأنه غير مجرم أصلاً، وفي أغلب دول العالم يصدر العفو الشامل بموجب قانون وليس بموجب قرار من رئيس الدولة نظراً لجسامة آثار العفو الشامل على منظومة القضاء والعدالة”.

وقد نصت المادة (الثانية)، فقرة (2)، البند (1) من الدستور الأميركي على أن “…. ويتمتع الرئيس بسلطة إرجاء تنفيذ العقوبة ومنح العفو عن الجرائم التي ترتكب ضد الولايات المتحدة، فيما عدا حالات الإتهامات والمحاكمات النيابية (العزل من المناصب العامة)”. وبالتالي فإن الدستور قد منح الرئيس العفو بنوعيه، العفو عن العقوبة والعفو عن الجريمة، وهي سلطة شديدة الجسامة كما نرى.

 

يطرح فوز دونالد ترمب في الانتخابات، في ظل وضعه القانوني والقضائي المتفرد على النحو السابق بيانه، سؤالاً في غاية الأهمية، هل يمكن للرئيس الأميركي أن يمنح نفسه حق العفو الرئاسي المنصوص عليه في الدستور؟

 

 

لقد تمت إثارة مسألة جواز منح الرئيس حق العفو لنفسه أو “العفو الذاتي” أول مرة أثناء انعقاد المؤتمر الدستوري الفيدرالي عام 1787 في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا، إبان إعداد الآباء المؤسسين للدستور الأميركي، حيث طرح مندوب ولاية فيرجينيا (إيدموند راندولف، والذي أصبح بعد ذلك أول نائب عام للولايات المتحدة الأميركية ووزيراً للعدل بقوة القانون أيضا) اقتراحا باستثناء حق العفو في حالة خيانة الرئيس، وذلك عندما افترض، على حد وصفه، “تورط الرئيس في مؤامرةخيانة عظمى، وتوجيهه لأنصاره وحلفائه لإتمام مؤامرة لقلب نظام الحكم”، إلا أن مندوب ولاية بنسلفانيا (جيمس ويلسون، والذي أصبح بعد ذلك أحد قضاة المحكمة العليا في التشكيل الأول ممن رشحهم جورج واشنطن في فترة رئاسته الأولى) رد على افتراض راندولف بأنه “إذا كان الرئيس طرفا في جريمة خيانة عظمى ستتم محاكمته نيابيا أمام الكونغرس وسيتم عزله من منصبه وتقديمه للمحاكمة الجنائية أمام القضاء بعد ذلك، ومن ثم فلا داعي لإضافة خيانة الرئيس في بند العفو الرئاسي”، وقد رجح المؤتمر رأي ويلسون بأغلبية كبيرة.

 

أ.ف.ب أ.ف.ب

المحكمة العليا الأميركية 

إلا أن أول مرة تم التفكير بها في منح رئيس العفو لنفسه في الواقع الفعلي كان عام 1974 خلال أواخر فترة الرئيس ريتشارد نيكسون، وذلك في أعقاب تداعيات فضيحة “ووترجيت” عام 1968، حيث طرح أحد محاميه حل العفو الذاتي للخروج من الأزمة، وعند مناقشة ذلك الرأي مع فريق الدفاع الخاص به تم الرد على ذلك بأنه “لا يوجد نص دستوري صريح يمنع الرئيس من منح العفو لنفسه، ولكن ليس معنى ذلك أنه- أي نيكسون- يستطيع منح العفو لنفسه في الواقع فعلاً”. وقد كان ذلك الرد متأثراً بالمناخ العام في المجتمع الأميركي، لاسيما أن ممثلي الادعاء بوزارة العدل كانوا قد انتهوا من مذكرة قانونية عام 1974 تم فيها الرد على فرضية منح الرئيس نفسه العفو الذاتي، إعمالاً للقاعدة الأصولية بأنه “من غير المتصور أن يكون المتهم هو قاضي نفسه في دعوى تخصه”، ومن ثم تم استبعاد هذه الفرضية تماما.

المآلات والآثار المحتملة بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات

من السيناريوهات المرجحة في خلال الفترة الانتقالية، قبل تسليم السلطة يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025 المقبل، أن تبادر تباعا المحاكم الجنائية صاحبة الاختصاص القضائي في الدعاوى المتهم بها الرئيس- سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الولايات- بالبدء في إسقاط التهم عنه أو وقف الإجرءات القضائية في حقه، وذلك استناداً لفكرة أن فوزه في الانتخابات الرئاسية بمثابة دليل على حالة الرضا الشعبي وأنه يتمتع بالشرعية الدستورية، ويُلاحظ أن السبب في ذلك هو حالة الفراغ التشريعي في هذا الشأن، علاوة على عدم وجود سوابق قضائية في هذا الصدد، ومن ثم ستتصدى المحاكم لهذه المسألة بشكل إنشائي لمحاولة حل هذه الأزمة.

من السيناريوهات المحتملة كذلك أن يقوم الكونغرس خلال الفترة الانتقالية بما له من سلطة تشريعية، بالتدخل لحل جذري لهذه الأزمة وإصدار عدة تشريعات تمنح الرئيس العفو (سواء كان عفوا عن العقوبة أو شاملا) وتسوي كافة المشكلات والمعوقات الدستورية والقانونية لإدارة ترمب، لا سيما بعد فوز الحزب الجمهوري بالأغلبية المطلقة في مجلسي النواب والشيوخ.

ومن السيناريوهات المتوقعة أن يقوم الرئيس المنتهية ولايته جوزيف بايدن خلال الفترة الانتقالية، بمنح العفو الرئاسي للرئيس المنتخب دونالد ترمب عن العقوبة- دون العفو الشامل عن الجريمة- بالنسبة للحكم المدان فيه في قضية رشوة مانهاتن، وكذا إرجاء ووقف كافة الإجراءات القضائية في القضايا الأخرى، وذلك حفاظاً على الوحدة الوطنية ورأباً للصدع المجتمعي، وإنهاء حالة الانقسام في المجتمع الأميركي واحتراما لهيبة المؤسسة الرئاسية والحصانة الرئاسية، وكذلك كبادرة حسن نية لامتصاص غضب واحتقان الإدارة الجمهورية الجديدة، وذلك حتى لا يتم في المقابل مقاضاة قيادات الحزب الديمقراطي جنائياً خلال ولاية الرئيس ترمب الحالية.

ومن السيناريوهات المطروحة- وغير المستبعدة- أن يمنح الرئيس ترمب نفسه حق العفو عن العقوبة بالنسبة للحكم المدان فيه في قضية رشوة مانهاتن، وكذا إرجاء ووقف كافة الإجراءات القضائية في القضايا الأخرى، بما مؤداه التوسع في استعمال حق العفو الرئاسي إلى أقصى حد.

 

أ.ف.ب أ.ف.ب

صورة لترمب تم التقاطها من قبل الشرطة بعد تسليم نفسه في 24 أغسطس في سجن مقاطعة فولتون في جورجيا 

كذلك من المتوقع أن يمنح الرئيس ترمب العفو الشامل (العفو عن الجريمة) لكافة أنصاره السياسين ممن تمت إدانتهم في قضية الهجوم على مبنى الكابيتول يوم 6 يناير 2021، وذلك استناداً إلى تفسير ملتوٍ لمبدأ أصولي دستوري أميركي وهو “مبدأ الحق في مقاومة الاستبداد والطغيان” وهو الحق المنصوص عليه في إعلان الاستقلال الأميركي 1774، وعلى الأرجح ستتم إساءة تفسير ذلك المبدأ على سندٍ من القول إن إدارة الرئيس بايدن حاولت استعمال الاستبداد والطغيان لإخضاع الشعب الأميركي، وأنها حاولت حرمان الشعب من كثير من حقوقه- ومنها الحق الدستوري للمواطنين في حمل السلاح على سبيل المثال- من ثم فإن من حق الشعب، بل ومن واجبه أن يُطيح بتلك الإدارة (والحكومة ككل)، وأن يعمل على توفير حراس جدد لأمنهم المستقبلي”، وذلك وفقاً للحقوق الواردة بإعلان الاستقلال الأميركي، ومن ثم يتم تكييف الأمر على هذا النحو بأن ما حدث في يوم 6 يناير كان عملاً وطنياً ينبغي الثناء عليه، ومن ثم يمنحهم العفو الرئاسي في ضوء ذلك التفسير.

 

من السيناريوهات المرجحة أن تبادر تباعاً المحاكم الجنائية صاحبة الاختصاص القضائي في الدعاوى المتهم بها الرئيس- سواء على المستوى الفيدرالي أو على مستوى الولايات- بالبدء في إسقاط التهم عنه أو وقف الإجرءات القضائية في حقه، وذلك استناداً لفكرة أن فوزه في الانتخابات الرئاسية بمثابة دليل على حالة الرضا الشعبي وأنه يتمتع بالشرعية الدستورية

 

 

ومن السيناريوهات المتوقعة شبه المؤكدة كذلك، أن يتم تقديم طلب لتعديل دستوري لعدة مواد في الدستور، سواء من الرئيس أو أحد أعضاء الكونغرس، منها ما يتعلق بإمكانية منح الرئيس العفو لنفسه، وكذلك عدة مواد أخرى منها ما يتعلق بشروط الترشح لمنصب الرئاسة ووضع موانع وقواعد للترشح تضمن عدم تكرار الوضع الراهن، وغيرها من مواد الدستور التي تحتاج لتعديل بما يعالج المشكلات التي ظهرت نتيجة الظروف الحالية.

القيام بحملة ملاحقة قضائية واسعة لكافة ممثلي الادعاء العام والقضاة الذين قاموا بالادعاء والتحقيق وإدانته في كافة القضايا الجنائية، وعلى الأخص أولئك الذين كان لهم دور بارز في القضايا الرئيسة الأربع وهم ممثلو الادعاء العام: جاك سميث، وإلفين براج، وفاني ويليز، بالإضافة إلى القاضية تانيا تشوتكن.

وكما ذكرنا آنفاً، فإن الوضع الراهن سابقة فريدة من نوعها، ولا أحد يعلم على وجه اليقين ما سيحدث فعلاً، وهو ما يخلق تحدياً شديد الوطأة على المحكمة العليا الأميركية، والتي يقع عليها المسؤولية التاريخية في كتابة فصل جديد في التاريخ الدستوري الأميركي بما ستقرره في هذا الشأن، إعمالاً لمقولة رئيس المحكمة الأسبق جون مارشال، حين قال: “إن وظيفة وواجب السلطة القضائية بصورة قاطعة أن تقول ما هو القانون”

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M