أسابيع حاسمة في مسار الصراع الرئيس في الشرق الأوسط، والحروب والمعارك المرتبطة به. دخل هذا الصراع بين المحور الإيراني المُسمى “محور المقاومة” والتحالف الإسرائيلي-الأميركي مرحلة جديدة منذ منتصف سبتمبر/أيلول. وكان الانتقال إلى هذه المرحلة قد بدأ مع نشوب حرب غزة، وامتدادها جزئيا إلى لبنان، وانضمام جماعة الحوثيين إليها في البحر الأحمر، مع مشاركة رمزية لجماعات ما تُسمى “مقاومة إسلامية في العراق”. حدث ذلك في إطار مفهوم “وحدة الساحات”، الذي جعل بيئة الصراع مهيأة لتوسع العمليات العسكرية وتصاعدها على نحو قد يجعله قريبا من الحسم بعيد تنصيب الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترمب في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
ولكن كيف يكون هذا الحسم؟ سؤال يتطلب جوابه ملاحظة تطورين جوهريين:
أولهما إصرار إسرائيل بدعم أميركي كامل على تغيير الشرق الأوسط وإعادة صياغته. أصبح هذا التغيير هدفا أساسيا منذ أن أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في آخر سبتمبر/أيلول. وكيف لا، وهو هدف إسرائيلي وأميركي منذ عقود. سعت إليه إسرائيل عقب اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة في 1993 و1994، وسبقتها الولايات المتحدة في مطلع الثمانينات بعد اتفاق كامب ديفيد، ثم عاودت الكرة بطريقة مختلفة عندما تبنت سياسة “الفوضى الخلاقة” في المنطقة طول العقد الأول من هذا القرن. ولكن المحاولة الراهنة تبدو مختلفة في مقدماتها، وربما أيضا في نتيجتها.
أما المعطى الثاني فهو وجود شواهد على بدايةِ تخلخل “محور المقاومة” الذي يتصدى لمشروع تغيير المنطقة، رغم صموده حتى الآن. فقد ارتكب أبرز أطراف هذا المحور أخطاء متوالية، ففقدت “حماس” سيطرتها على غزة أو كادت، وخسر “حزب الله” قسما كبيرا من قدراته البشرية والعسكرية، وقُطع أو أوشك شريان حياته عبر قصف الجيش الإسرائيلي المعابر الحدودية التي يأتيه الإمداد من طريقها، وضُربت بيئته الحاضنة بقسوة. ولذا سيخرج من الحرب أضعف مما كان، وسينعكس ذلك على وضعه الداخلي وموقعه في النظام اللبناني. ويعني هذا خسارة إيران أهم حليفين لها في المنطقة العربية.
ما لم تكن إسرائيل مستعدة لتسوية تاريخية تقوم على صيغة الربح المتبادل (win-win)، وإذا لم تدرك إدارة ترمب ذلك، سيكون صعبًا انتقال المنطقة برمتها إلى مرحلة جديدة ونظام إقليمي مستقر
وإذ تبدو إسرائيل مصممة على تحقيق هدفيها في غزة ولبنان، وهدفها الأوسع بشأن تغيير الشرق الأوسط، فيما يحاول المحور الإيراني لملمة أوراقه الباقية مصرا بدوره على أن لا يرفع الراية البيضاء، فهذا يعني أننا إزاء احتمالين لما سيحدث في الفترة المقبلة التي قد تمتد إلى منتصف 2025.
الاحتمال الأول أن يضطر كل من “حزب الله” و”حماس” إلى تجرع السم وقبول صفقة سياسية بشروط قاسية، وأن ترجع إيران خطوة أو أكثر إلى الوراء. وفي هذه الحالة سيكون الطريق إلى شرق أوسط جديد مفتوحا أكثر من أي وقت سابق، ولكن ليس بشكل كامل. فما لم تكن إسرائيل مستعدة لتسوية تاريخية تقوم على صيغة الربح المتبادل (win-win)، وإذا لم تدرك إدارة ترمب ذلك، سيكون صعبا انتقال المنطقة برمتها إلى مرحلة جديدة ونظام إقليمي مستقر. ويتعذر ضمان انتقالٍ مُنظم إلى هذا النظام, وعدم نشوب حروب جديدة، دون إعطاء أمل لشباب فلسطينيين ولبنانيين يعتري بعضهم غضب وربما رغبة في الانتقام إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عقب تطبيق القرار 1701 في لبنان، كما هو بشكل كامل لا نقص فيه.
أما الاحتمال الثاني فهو استمرار كل من “حماس” و”حزب الله” في القتال حتى آخر نفس، وهو ما قد يطول أمده. ولذا يحسن البدء في إعدادٍ جاد ومُقنع لإقامة دولة فلسطينية بالتزامن مع تطبيق القرار 1701، مضافا إليهما إطلاق عمليات إعادة إعمار جزئي في مناطق محدودة مثل شمال قطاع غزة، وبعض القرى والبلدات في جنوب لبنان, لتوجيه رسالة قوية تفيد بأن الآتي سيكون أفضل في حالة تحقيق السلام.
والحال أن هذا السلام هو ما تحتاجه منطقة أعيتها الصراعات والحروب أيا يكن ما سيحدث في الأسابيع المقبلة.