أطلق بوريس جونسون كتابا جديدا بعنوان “دون قيود” من مذكراته حيث يغطي فترة توليه منصب عمدة لندن، ووزير الخارجية، ورئيس الوزراء. وتحول الكتاب في غمضة عين إلى واحد من الكتب الأكثر مبيعا. ففي الأسبوع الأول بعد نشره في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، باع الكتاب أكثر من 40 ألف نسخة، وهو ما يقرب من ضعف ما بيع من مذكرات ديفيد كاميرون، منافس جونسون منذ فترة طويلة في السياسة المحافظة، التي حملت عنوان “For the Record”.
ولكن شعبية الكتاب الواضحة لم تُخفِ تساؤلات جمة حول مصداقية بعض الادعاءات المثيرة التي وردت فيه. وأظهر استطلاع أجرته “YouGov” بعد فترة قصيرة من نشر الكتاب أن الكثير من القراء يشككون في بعض المزاعم غير العادية التي قدمها جونسون. وفي مقدمة تلك المزاعم التي أدلى بها جونسون كان “الكشف” اللافت للنظر بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو– أو بعضا من أعضاء فريقه الأمني– قاموا بالتنصت على الحمام الخاص بجونسون خلال اجتماع في وزارة الخارجية عندما كان وزيرا للخارجية.
نتنياهو يتجسس
وعلى الرغم من أن جونسون كان حليفا لإسرائيل على طول الخط، فإنه يزعم في كتابه “Unleashed” أن نتنياهو ذهب لاستخدام الحمام، “وقد يكون ذلك مجرد صدفة وقد لا يكون، ولكن قيل لي لاحقا إنه أثناء عملية مسح روتينية للتنصت، وُجد جهاز استماع في المرحاض”.
وعندما ألح عليه الصحافيون بعد نشر الكتاب لتقديم المزيد من التفاصيل حول هذا الادعاء غير العادي، رد رئيس الوزراء السابق ببساطة: “أعتقد أن كل ما تحتاجون إلى معرفته عن هذه القصة موجود في الكتاب”.
يستذكر بوريس جونسون في محادثته مع بوتين كيف أعرب الأخير عن مخاوفه بشأن احتمال نشر صواريخ تابعة لـ”الناتو” في أوكرانيا
وهذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها دبلوماسيون إسرائيليون بالتجسس على حلفاء مقربين. فوفق موقع “بوليتيكو” الإخباري الأميركي المرموق، تعتقد الحكومة الأميركية أن إسرائيل قامت في عام 2019 بزرع أجهزة مراقبة للهواتف المحمولة بالقرب من البيت الأبيض ومواقع حساسة أخرى حول العاصمة واشنطن. وقد صُممت هذه الأجهزة للتحايل على الهواتف المحمولة وأخذ معلومات عن مواقعها وهويتها.
ووسط الأسلوب المرح والتبرير الذاتي والمبالغة التي غلبت على كتابه، استخدم جونسون لهجة غاية في المباشرة والبلاغة عندما ناقش قضية الصراع في أوكرانيا. فأثناء محاولته ثني الرئيس الروسي عن غزو أوكرانيا، قال له جونسون إنه يخشى أن تصل الأمور إلى حدّ يطلق معه حلف “الناتو” صواريخه على موسكو.
بوتين والنووي
يستذكر بوريس جونسون في محادثته مع بوتين كيف أعرب الأخير عن مخاوفه بشأن احتمال نشر صواريخ تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوكرانيا. وقال إن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا حتى يطلَق صاروخ من أوكرانيا باتجاه موسكو.
وفي فقرة أخرى، وصف جونسون: “كيف أدلى بوتين في مرحلة معينة بتعليق ساخر ولكنه مخيف حول مخاطر سوء التقدير. لا ينفي إمكانية قصف نووي غير مقصود بين روسيا وحلف (الناتو). فقال لي: لا أريد أن أؤذيك يا بوريس (وهي الملاحظة التي نفاها الكرملين في وقت لاحق). ولكن لا تصدق أي شيء تقوله موسكو حتى يُنفى رسميا”.
يقدم جونسون صورا حية للتحضيرات للغزو في أوائل عام 2022: “كان بإمكاننا أن نرى ثقل الدروع الروسية الهائل يتجمع على الحدود، ليصل في النهاية إلى 115 مجموعة تكتيكية من الكتائب. كان بإمكاننا سماع ثرثرتهم وهدير دباباتهم أثناء تحركهم إلى مواقعهم الأمامية. كان بإمكاننا أن نرى كيف نشروا مستشفياتهم الميدانية وإمدادات الدم الخاصة بهم. كما كان بإمكاننا رؤية الخرائط- وكم كانت المسافة قصيرة على الطريق السريع من الحدود البيلاروسية إلى كييف”.
يصف جونسون إلقاءه لخطاب حماسي مؤيد لأوكرانيا في مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي قبل وقت قصير من الغزو، موضحا أن شبكة تبادل المعلومات الاستخباراتية “العيون الخمس” الغربية- التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا- كانت جميعها مقتنعة بحلول ذلك الوقت بأن بوتين سوف يغزو أوكرانيا.
وسط الأسلوب المرح، استخدم جونسون لهجة غاية في المباشرة والبلاغة عندما ناقش قضية الصراع في أوكرانيا
وبالرغم من أن عددا من الدول الأوروبية المؤثرة، مثل ألمانيا، كانت غير راضية عن دعم أوكرانيا، فقد أوضح جونسون دعمه للقضية الأوكرانية بشكل لا لبس فيه. ويكتب متذكرا: “كان الاختيار بين أوكرانيا وبوتين اختيارا بين الصواب والخطأ، بين الخير والشر، ولئن علا صوتي بصخب في تلك الاجتماعات المبكرة- مع مجموعة الدول السبع الكبرى، وحلف (الناتو)، وغيرها من الهيئات- فذلك لأنه لم يكن لديَّ أدنى شك في أنني كنت على حق، وأن القضية كانت مصيرية… لا بد من هزيمة بوتين، ولا بد من تحرير أوكرانيا”.
حتى نيكولا ستيرغن، رئيسة وزراء اسكتلندا السابقة وزعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي، وهي عدو سياسي صريح لجونسون، تقول في مراجعتها لكتابه: “إن ما يستحق فيه جونسون الثناء هو موقف المملكة المتحدة الداعم لأوكرانيا، فهو يكتب بقوة وبشكل مؤثر عن معركتها من أجل الصمود. ومع تزايد الضغوط المحتملة على أوكرانيا لإبرام اتفاق سلام مع روسيا يعتبر مكافأة لها على عدوانها، فإن أصواتا مثل صوت جونسون ستكون مهمة، وهو أمر لا أود قوله حول قضايا أخرى”.
بعض التبجح
ينطوي الكتاب على حيوية أحيانا، لكنه يحمل في طياته بعض التبجح أيضا. فثمة حديث عن مؤامرة سخيفة مزعومة لغزو هولندا بهدف استعادة لقاحات “كوفيد” المحتجزة. وكتب: “لقد سنّت حكومتي- على عكس كل غرائزي السابقة- هذه القيود الغريبة على التواصل بين البشر، وكأنها شيء من سفر اللاويين”، مضيفا: “دمرنا اقتصادنا تلقائيا مثل راهب بوذي مقدم على الانتحار”.
كُتبت مذكرات جونسون بأسلوب ملون بكل تأكيد، ولكنها تفتقر بشكل غريب إلى التأمل الحقيقي. ولهذا السبب، كما لاحظ أحد النقاد البريطانيين، فمن المرجح أن يتذكر الناس كتاب جونسون “Unleashed” باعتباره وثيقة تاريخية مهمة، ولكن قد لا يُنظَر إليه بالضرورة على أنه وثيقة تحمل قيمة حقيقية.