تقدير التنوع في الآراء هو جزء مهم من تطور الفكر والابتكار، عندما يتم تناول مشكلة ما من وجهات نظر متعددة، يزيد ذلك من احتمالية الوصول إلى حلول مبتكرة وشاملة، في المجمل، تعتبر هذه الفكرة دعوة للتواضع الفكري والاعتراف بأن اختلاف الآراء لا يعني بالضرورة وجود رأي صحيح وآخر خاطئ….
اطرح في هذا المقال الفكرة التالية :”ان الاختلاف في وجهات النظر في المجال الاجتماعي والسياسي والفكري لا يعني ان احد الرأيين صحيح والثاني خطأ، حيث لا يوجد في هذه المجالات حقائق مطلقة انما هي ادراكات نسبية للظواهر المدروسة.”
هذه الفكرة تتحدث عن طبيعة النقاشات والاختلافات في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية، حيث تكون الآراء والوجهات متعددة ومتباينة بشكل كبير. الفهم الذي تقدمه هذه الفكرة يرتكز على النقاط التالية:
1. نسبية الحقيقة: في العلوم الاجتماعية والسياسية والفكرية، لا توجد حقائق مطلقة مثلما توجد في العلوم الطبيعية والرياضيات. هذه المجالات تتمحور حول السلوك البشري، الثقافات، والمجتمعات، وهي بطبيعتها متغيرة ومعقدة.
تعتمد على القيم، التجارب التاريخية، والبيئات الثقافية التي تختلف من مكان لآخر ومن زمن لآخر. ولهذا فحينما اعتنق فكرة سياسية او اجتماعية معينة فلا يسعني القول، او الزعم، بان هذه الفكرة حقيقة علمية مطلقة، كما كان يفعل الماركسيون مثلا وهم يتحدثون عن عقيدتهم الماركسية اللينينية. انما هي فكرتي التي كونتها حول المسألة المطروحة بناء على ما توفر عندي من الادلة والبراهين في زمن تشكيل وتكوين الفكرة . ومن الممكن جدا ان اغير وجهة نظري اذا ظهرت امامي ادلة وبراهين ومعلومات جديدة.
2. تنوع الإدراكات: بسبب التعقيد المذكور، تختلف إدراكات الأفراد والجماعات للظواهر التي يدرسونها أو يناقشونها. ما يراه شخص ما كحقيقة قد يراه آخر كوجهة نظر قابلة للنقاش أو حتى غير صائبة. هذا التنوع في الإدراكات يؤدي إلى تفاوت في الآراء والمواقف. وربما يكون تنوع هذه الادراكات عبارة عن تنوع اوجه الحقيقة التي يرى منها الناظر الوجه المقابل له.
3. القيم الثقافية والتاريخية: تلعب العوامل الثقافية والتاريخية دورًا كبيرًا في تشكيل هذه الإدراكات. فمثلًا، مسألة سياسية معينة قد تُفهم وتُقام من خلالها مناقشات مختلفة بناءً على الخلفية الثقافية للأطراف المعنية. ما هو مقبول في مجتمع معين قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر.
4. أهمية الحوار البناء: نتيجة لهذا التباين في الآراء والإدراكات، يصبح الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفِة أمرًا بالغ الأهمية. الحوار البناء يسمح بفهم وجهات نظر الآخرين واستيعاب الفروق الثقافية والاجتماعية، ويعزز من احتمالية الوصول إلى تفاهمات أو حلول وسط.
لا يستهدف الحوار في كل الحالات اقناع الطرف الاول بفكرة الطرف الثاني، كما لا يستهدف الحوار بالضرورة اثبات خطأ فكرة الطرف الاول مقابل اثبات صحة فكرة الطرف الثاني. يستهدف الحوار بالدرجة الاولى تبادل الاراء والاطلاع عليها وزيادة المعرفة والتعارف.
وهذا ما افهمه من قوله تعالى:”يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير”. فهدف الحوار الاساسي هو التعارف حتى مع بقاء كل طرف على رأيه ومعتقده. او كما قال القران:”قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون؛ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ، مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”.
5. تقدير التنوع الفكري: تقدير التنوع في الآراء هو جزء مهم من تطور الفكر والابتكار. عندما يتم تناول مشكلة ما من وجهات نظر متعددة، يزيد ذلك من احتمالية الوصول إلى حلول مبتكرة وشاملة.
في المجمل، تعتبر هذه الفكرة دعوة للتواضع الفكري والاعتراف بأن اختلاف الآراء لا يعني بالضرورة وجود رأي صحيح وآخر خاطئ. بدلاً من ذلك، يُفضل النظر إلى هذه الاختلافات كفرص للتعلم والنمو الفكري.