خلال أيام قليلة مضت، وبشكل أسرع بكثير من التقدم الألماني في الأراضي الفرنسية خلال المراحل الأولى من الحرب العالمية الثانية – والذي كان في حد ذاته تطبيقًا أوليًا ناجحًا لتكتيك قتالي بات يعرف باسم “Blitzkrieg” أو الحرب الخاطفة – تغيرت بشكل كامل خريطة السيطرة الميدانية على الأراضي السورية، ليس بفعل عمليات قتالية خاطفة كما حدث خلال معركة فرنسا، بل بفعل مزيج من عوامل ميدانية وسياسية وتكتيكية عدة، توجّه التراجع “المتسارع” لوحدات الجيش السوري من ميادين القتال المختلفة، ما أفضى إلى المشهد الحالي، الذي اختفى فيه بشكل كامل دور الجيش السوري النظامي، ليلحق عمليًا بالنظام الحاكم الذي بات خارج المعادلة السورية في الوقت الحالي.
ربما من الأسئلة التي تبدو للوهلة الأولى هامشية، لكنها محورية وجوهرية في حقيقة الأمر، هي مسألة التراجع السريع لوحدات الجيش السوري في كافة الجبهات، خلال هذه المواجهة “القصيرة” مع الفصائل المسلحة، علماً أن الجيش السوري في مواجهات سابقة – على رأسها حصار مطار دير الزور من قبل تنظيم داعش – قد أثبت قدرة على التعامل مع المواقف الميدانية الصعبة. حقيقة الأمر أن أسباب هذا التراجع عديدة، وإذا ما وضعنا جانباً مسألة “الصفقة” التي تمت بين الرئيس السوري السابق والأطراف الإقليمية، لتأمين خروجه من المشهد – وهي مسألة محورية لا شك في ذلك – يمكن تحديد أسباب هذا التراجع في عاملين أساسيين: الأول، حقيقة أن الجيش السوري على مستوى التسليح – خاصة التسليح الجوي والدفاعي الجوي – قد أُهمل وأُضعف بشكل شبه متعمد، ليُوضع عملياً في شبه حصار للتسلح، مماثل لما حدث مع الجيش العراقي خلال مرحلة ما بعد عام 1991. وهو الأمر الذي ساهم – بالإضافة إلى عوامل أخرى – من بينها عمليات القصف الجوي الإسرائيلي المستمرة منذ أعوام على مواقع الجيش السوري، وزيادة اعتمادية الجيش السوري النظامي على الميليشيات والوحدات العسكرية الرديفة، في تراجع القدرة القتالية لهذا الجيش على مدار السنوات الماضية.
هذا العامل، بالإضافة إلى عامل آخر مرتبط بالاعتمادية السالفة الذكر، قد أعطى للمؤسسة العسكرية السورية على مختلف مستوياتها قناعة بأنه في حالة رفع الغطاء الإقليمي والدولي الذي كان متوفرًا للنظام السوري، سيكون من الانتحار الدخول في مواجهة مسلحة مع أي طرف آخر على الأرض. لذا، ومع اتضاح الموقف الروسي والإيراني مع بدء العمليات العسكرية في اتجاه ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي، كان من المنطقي ألا تلجأ الوحدات العسكرية السورية إلى الدخول في معركة استنزاف متعددة الأبعاد أمام فصائل مسلحة كان واضحًا أنها دربت بشكل جيد خلال السنوات الثلاث الماضية، واستخدمت تقنيات لم يسبق التعامل معها ميدانيًا في سوريا بشكل موسع، أهمها الطائرات المسيرة الهجومية.
على الجانب الميداني، ومن أجل فهم أبعاد التغيرات التي حدثت على مفاصل الوضع الميداني السوري، لا بد أولًا من تحليل تحركات الأطراف المتصارعة على الأرض، والتي بدأت فعليًا في السابع والعشرين من نوفمبر ٢٠٢٤، عبر إعلان الفصائل المسلحة المنضوية تحت ما يعرف بـ “غرفة عمليات الفتح المبين” في شمال غرب سوريا، إطلاق عملية عسكرية تحت اسم “ردع العدوان”، تستهدف بشكل أساسي ريف حلب الغربي والشمالي، بجانب ريف إدلب الشرقي، وتوسعت لاحقًا في اتجاه الشرق والجنوب، وصولًا إلى العاصمة دمشق. وبغض النظر عن توقيت هذه العملية وتفاصيلها – والتي تثير جملة من الأسئلة حول أسبابها وأهدافها وشنها في هذا التوقيت الحرج على المستوى المحلي والإقليمي، وتأثيرات مجرياتها ونتائجها على مستقبل الوضع السوري بشكل عام – يمكن القول إن إطلاق هذا التحرك الهجومي قد أسفر عن تغيرات جذرية في شكل ونطاق التواجد الميداني لكافة الأطراف المتواجدة على الأرض في سوريا.
بدء التحركات الهجومية “المتزامنة”
بغض النظر عن الخلفيات الإقليمية والدولية لعملية “ردع العدوان”، يمكن الربط بشكل أو بآخر بين هذه العملية – على المستوى التكتيكي – وبين الأوضاع التي سادت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في المناطق التي تقع على جانبي طريق “M5” الاستراتيجي الرابط بين حلب ودمشق مروراً بحماة وحمص، والتي ظلت على حالها خلال المرحلة التي تلت مارس 2020، وهي المرحلة التي تم خلالها “تطبيع” الأوضاع في شمال غرب سوريا، لتصبح مناطق ريف إدلب الجنوبية والغربية والشرقية محاطة بنقاط مراقبة تركية وروسية، تتولى الحفاظ على حالة “خفض التصعيد”.
لكن بدأ هذا الوضع في التغير بشكل تدريجي منذ أكتوبر الماضي، بعد أن شرعت المقاتلات الروسية والسورية، منذ أكتوبر الماضي، في تنفيذ غارات جوية شبه يومية على مواقع الفصائل المسلحة – وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” – في ريفي إدلب واللاذقية، خاصة ريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حلب الغربي، واستمرت هذه الغارات بشكل دفع “هيئة تحرير الشام” والفصائل التابعة لها إلى الإعلان بشكل واضح عن بدء الاستعداد لعملية “تحرير حلب”. تزامنت هذه الأوضاع مع توتر ملحوظ شهده ريف مدينة الباب شرقي مدينة حلب، بين الوحدات الكردية وفصائل ما يعرف بـ”الجيش الوطني” المدعوم تركياً، التي اشتبكت عدة مرات مع بعضها البعض، ناهيك عن تنفيذ المدفعية السورية رمايات مستمرة على نطاق عدة بلدات في هذا الاتجاه، خاصة شمال بلدة “تادف” التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني”.
مع انطلاق العمليات الهجومية، اتضحت بشكل أكبر طبيعة الفصائل المشاركة فيها، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية. القسم الأول يضم الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء “غرفة عمليات الفتح المبين”، المشكلة في يونيو 2019، والتي تضم بشكل رئيسي جناحين أساسيين: الأول هو تنظيم “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معه، أما الثاني فيضم فصائل ما يسمى بـ “جبهة التحرير والبناء”. فيما يتعلق بالجناح الأول – هيئة تحرير الشام – فهو يعتبر الجناح الأساسي في العمليات الميدانية التي استهدفت كامل الخط الرابط بين مدينتي حلب ودمشق، وتضم الهيئة فصائل مسلحة ذات توجهات “راديكالية”، وهي: “الحزب الإسلامي التركستاني”، الذي ينتمي عناصره لقومية الأويغور، وحزب “أنصار التوحيد”، الذي كانت له روابط سابقة بتنظيم القاعدة، وتنظيم “التوحيد والجهاد”، وهو تنظيم مصغر ينحدر عناصره من أوزبكستان، وتنظيم “أجناد القوقاز”، الذي ينحدر أعضاؤه من الشيشان. ويضاف إلى هذه التنظيمات عناصر جهادية من جنسيات مختلفة، تتولى تشغيل الطائرات بدون طيار، ضمن ما يسمى بـ “كتائب شاهين”.
يتحالف مع هيئة تحرير الشام عدة فصائل مسلحة أخرى، شاركت في العمليات الميدانية الأخيرة، وهي (لواء الحق – جبهة أنصار الدين – نور الدين الزنكي – جيش السنة – أنصار التوحيد – جيش العزة). أما الجناح الثاني للفصائل التابعة لـ “غرفة عمليات الفتح المبين”، فيشمل فصائل ما يعرف بـ “جبهة التحرير والبناء”، التي تأسست عام 2017، وتشكل – بجانب تجمع “الجبهة الوطنية للتحرير”، القوام الأساسي لما يسمى “الجيش الوطني السوري”. تضم هذه الجبهة الفصائل التالية (أحرار الشرقية – جيش الشرقية – صقور الشام – لواء المعتصم)، بالإضافة إلى الفصائل التابعة لما يسمى “الجبهة الشامية” وهي (لواء التوحيد – الأصالة والتنمية – جيش المجاهدين).
القسم الثاني من الفصائل التي شاركت في العمليات الهجومية الأخيرة في سوريا، يشمل الجناح الثاني من “الجيش الوطني السوري”، وهو الفصائل التابعة لـ”الجبهة الوطنية للتحرير”، التي تأسست عام 2018، وتشمل فصائل (أحرار الشام – فيلق الشام – جيش إدلب الحر – جيش النصر – جيش الأحرار – لواء السلطان مراد)، بالإضافة إلى “القوة المشتركة”، وهي تشكيل مشترك بين فصيل السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة. هذا القسم تولت قواته العمليات الميدانية في المحور الذي تم فتحه باتجاه مناطق قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا، حيث أعلنت مؤخراً فصائل الجبهة الوطنية للتحرير عملية عسكرية في ريف حلب الشمالي، تحت اسم “فجر الحرية”، انطلاقاً من مدينة الباب، استهدفت في البداية السيطرة على مدينة تل رفعت، التي تتواجد فيها قوات سوريا الديمقراطية، ومن ثم بعد تحقيق هذا الهدف، بدأت في تفعيل هجماتها نحو الشرق، باتجاه مدينة منبج، وهي المعقل الأخير المتبقي لقوات سوريا الديمقراطية غربي الفرات.
أما القسم الثالث – والذي تغفل معظم التحليلات التي تتناول الشأن الميداني السوري عن دوره – فيضم ما يعرف بـ “الجبهة الجنوبية”، وهو تجمع للفصائل المسلحة في مدينة درعا جنوب سوريا، تم تشكيله في فبراير 2014، وتوسع لاحقًا ليشمل الفصائل المتواجدة في محافظة السويداء، وضم في مرحلة سابقة ما يقرب من 60 فصيلًا محليًا مسلحًا، لكن تم تجميد أنشطته بعد التسوية التي رعتها روسيا عامي 2018 و2021، وقضت بدمج فصائل هذا التشكيل ضمن تشكيلات سورية نظامية قامت موسكو بالإشراف عليها، وعلى رأسها “اللواء الثامن”، الذي يتزعمه المدعو أحمد العودة.
ظلت بعض فصائل هذا التجمع خارج مسارات المصالحة التي رعتها روسيا في جنوب سوريا، ومن ثمّ سارعت عدة فصائل منها – بعد أن لاحظت بدء العمليات العسكرية في اتجاه مدينة حلب – بإعادة تفعيل أنشطتها في مدينتي درعا والسويداء. وشملت هذه الفصائل بشكل رئيسي ثلاث تشكيلات درزية في مدينة السويداء، هي: (حركة رجال الكرامة – قوات شيوخ الكرامة – لواء الجبل)، بجانب فصيل مسلح أساسي في مدينة درعا يدعى “تجمع أحرار حوران”. وقد أدار عمليات الفصائل الأربعة أحمد العودة، حيث استولت على المؤسسات الحكومية في السويداء ودرعا، وتحركت صعوداً نحو المناطق الجنوبية للعاصمة دمشق. يُجدر بالذكر هنا أن عناصر محدودة كانت سابقاً ضمن تشكيلات “الجيش الحر”، وتتواجد في قاعدة “التنف” الأمريكية جنوب شرق سوريا، قد نفذت تحركات محدودة خلال الأيام الماضية في اتجاه وسط سوريا.
الموقف الميداني الحالي في سوريا
بشكل عام، باتت الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء “جبهة فتح الشام” مسيطرة بشكل شبه كامل على كافة المناطق الواقعة غربي نهر الفرات، بعد سيطرتها على المدن الرئيسية (حلب، حماة، حمص)، ودخولها العاصمة دمشق من المحور الشمالي، في حين تسيطر فصائل “الجبهة الجنوبية” على مدينتي السويداء ودرعا، وتحتفظ بتواجد داخل العاصمة دمشق. على مستوى عملية “فجر الحرية” شمال شرق سوريا، باتت المعارك تجري عملياً في عمق مدينة منبج، في ظل تمسك قوات سوريا الديمقراطية بمواقعها داخل المدينة رغم الهجمات المكثفة التي تشنها عليها فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير”، ويتوقع أن تتمكن هذه الأخيرة من تأمين السيطرة على المدينة قريباً. علمًا أن محاور أخرى باتجاه المواقع الكردية في غرب الفرات، على وشك أن تُفعّل من جانب فصائل “الجيش الوطني”، وتحديدًا محور “مسكنة” باتجاه مدينة الرقة، ومحور “السخنة” باتجاه مدينة دير الزور.
في ظل الموقف الميداني الحالي، يجدر بنا النظر إلى الموقف الراهن للتواجد العسكري الروسي والإسرائيلي في سوريا، حيث لوحظ لجوء القوات الروسية المتواجدة في مدينتي القامشلي والسويداء شرقي الفرات، ومدينتي عين عيسى وعين العرب شمال شرق سوريا، بالتزامن مع استمرار انتشار قوات سوريا الديمقراطية في المناطق التي أخلاها الجيش السوري شرقي الفرات، وتحديدًا في مدينتي الحسكة والقامشلي. يلاحظ هنا أن قوات سوريا الديمقراطية، رغم سيطرتها على كامل الضفة الشرقية لنهر الفرات، واحتفاظها بتواجد على الضفة الغربية، في النطاق الرابط بين مسكنة والرقة والطبقة، إلا أنها تواجه حاليًا مقاومة من جانب القبائل المحلية، حيث تعرضت حواجز تابعة لقوات سوريا الديمقراطية في مدينة الرقة لهجمات بالأسلحة النارية، وقامت عناصر قبلية محلية باقتحام النقطة الحدودية بين سوريا والعراق في مدينة البوكمال.
مما سبق يمكن القول إنّ التواجد الروسي في سوريا بشكل عام بات شبه منحصر في نطاق الساحل السوري، وهنا يجدر القول إنّ فصائل “هيئة تحرير الشام” تقدّمت اليوم نحو مدينتي طرطوس واللاذقية، ولم تُجابَه هذه الفصائل بأي مقاومة خلال تقدّمها، وأصبحت متواجدة في معظم مناطق الساحل السوري، باستثناء مدينة القرداحة وجزيرة أرواد، ويُلاحظ هنا أنّها تجنّبت حتى الآن الاقتراب من قاعدة حميميم الجوية في مدينة جبلة جنوب اللاذقية، كما لم تحاول الاقتراب من القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس، علماً أنّه اتّضح من صور الأقمار الصناعية المتوفرة أنّ كامل القطع البحرية الروسية التي غادرت ميناء طرطوس يوم 3 الجاري، قد عادت إلى مواقع تمركزها داخل الميناء، عدا فرقاطة واحدة وسفينة تزويد بالوقود، يُعتقد أنهما ستخرجان من البحر المتوسط في اتجاه قاعدة أسطول الشمال الروسي، وبالتالي يمكن القول إنّ التواجد العسكري الروسي في الساحل السوري مازال حتى الساعة قائماً، لكن في الوقت نفسه يمكن أيضاً اعتبار أنّ هذا التواجد يعيش أيامه الأخيرة، حيث تمّ رصد إقلاع وهبوط العديد من طائرات النقل التكتيكية الروسية في قاعدة حميميم، في مؤشّر على بدء عمليات إخلاء المعدات والأفراد الروسية من منطقة الساحل.
في جانب آخر، تبرز جبهة الجولان من ضمن الاتجاهات الهامة في سوريا حاليًا، حيث دخلت دبابات إسرائيلية منذ مساء السابع من ديسمبر الجاري إلى النطاق الشمالي والأوسط من خط وقف إطلاق النار في الجولان، وتحديدًا إلى بلدة الحمدية في ريف القنيطرة، ومركز مدينة القنيطرة ومدينة البعث، وصولًا إلى جبل الشيخ في أقصى شمال النطاق الحدودي بين سوريا وإسرائيل. وبذلك، باتت القوات الإسرائيلية مسيطرة على كامل المنطقة العازلة التي كان ينص عليها اتفاق فض الاشتباك بينها وبين سوريا عام 1974. ويمكن، من وجهة نظر استراتيجية، النظر إلى التحرك الإسرائيلي هذا من زاوية اختبار نوايا الفاعلين الجدد في سوريا، إلا أن احتمالات جدية تشير إلى إمكانية أن تعمل تل أبيب على توسيع هامش منطقتها العازلة إذا ما دعت الضرورة العملياتية لذلك.
سبقت عملية التوغل هذه عمليات قصف مدفعي نفذتها القوات الإسرائيلية على عدة نقاط في هذا النطاق، وترافقت مع إعلان الجيش الإسرائيلي أمس منطقتين من مناطق سيطرته في الجولان كمناطق عسكرية مغلقة، تشمل المناطق الزراعية بالقرب من مروم الجولان وعين زيفان وبقعاثا وخربة عين حورة، حيث تم إعلان حظر دخول أي مدنيين إليها حتى نهاية الشهر الجاري. وقد كان لافتًا تنفيذ المقاتلات الإسرائيلية أمس جولة من عمليات القصف استهدفت مواقع تابعة لسلاح الجو السوري، ومنظومات للدفاع الجوي، ومستودعات ذخيرة رئيسية، شملت كلًا من مدينة الميادين جنوب محافظة دير الزور شرق البلاد، ومستودعات في محافظتي درعا والسويداء جنوب البلاد، يقع أحدها في منطقة تل حمد بالقرب من مدينة نوى، والآخر في منطقة تل الذيل الواقعة بين مدينتي إنخل وقيطة، بجانب مستودعات تقع في قاعدة خلخلة الجوية في السويداء، وقاعدة المزة الجوية في العاصمة دمشق، والمربع الأمني في منطقة كفر سوسة وسط دمشق، الذي يضم مباني المخابرات والجمارك.
في الخلاصة، يمكن القول إن واقعًا جديدًا كليًا قد فُرض على الأرض في كافة الجبهات السورية، لكن تركزت مفاصل هذا الواقع حتى الآن على مناطق غرب نهر الفرات. ويمكن، من خلال النظر إلى المؤشرات الميدانية السابقة، استشراف قرب انطلاق عمليات عسكرية أوسع نطاقًا ضد قوات سوريا الديمقراطية، سواء في اتجاه مدينة الرقة أو مدينة دير الزور. حيث سبق أن وصلت الفصائل المسلحة التابعة للجيش الوطني السوري إلى منطقة السفيرة، وباتت في طور التحرك باتجاه المناطق المقابلة لمدينة الرقة، كما وصلت فصائل أخرى إلى بلدة السخنة في ريف دير الزور الغربي، القريبة جدًا من مدينة دير الزور. وبالتالي، سيؤدي تفعيل كلا المحورين إلى انكفاء تواجد قوات سوريا الديمقراطية في كافة المناطق الواقعة غرب نهر الفرات.
إذا ربطنا بين هذا الموقف واحتمالات انطلاق عملية عسكرية لوحت أنقرة مراراً بتنفيذها في شمال شرق سوريا، لإنهاء التماس الحالي بين قوات سوريا الديمقراطية والحدود التركية، بدأت بوادرها بقصف مدفعي اليوم على مدينة عين العرب، يمكن الوصول إلى خلاصة مفادها أن المواجهة بين تركيا والفصائل التابعة لها من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى، ستكون عنوان المرحلة الميدانية القادمة في المشهد السوري، بجانب التفاعلات المرتبطة بالتحركات الإسرائيلية في الجولان.