وقف إطلاق النار في لبنان: إدارة توقعات الجمهور الإسرائيلي والتنسيق مع الولايات المتحدة

إلى جانب تهدئة المخاوف العامة بشأن الاتفاق، من الضروري أن يتوصل المسؤولون إلى تفاهمات مشتركة مع واشنطن حول كيفية فرض شروطه والرد على انتهاكات “حزب الله”.

في الفترة التي سبقت وقف إطلاق النار الجديد مع “حزب الله”، كان لدى الجمهور الإسرائيلي – الذي أعُجب بإنجازات جيشه في لبنان على مدى الشهرين الماضيين – توقعات كبيرة بشأن الشروط التي سيقوم قادتهم بالتفاوض عليها في النهاية. ففي نهاية المطاف، تمكنت إسرائيل من قطع رؤوس الكثير من كبار قادة “حزب الله”، والقضاء على جزء كبير من ترسانته، وتدمير الأنفاق قرب القرى الحدودية التي كان من المفترض استخدامها لشن هجوم على شمال إسرائيل.

كما أدت هذه النتيجة إلى تحطيم الردع المتبادل الذي كان قائماً منذ حرب عام 2006. ومع قبوله وقف إطلاق النار، وافق “حزب الله” على فصل حربه مع إسرائيل عن حرب “حماس” في غزة، وهو الأمر الذي رفضه زعيم الحزب الراحل حسن نصرالله بشكل قاطع. علاوة على ذلك، رحبت إيران – الراعي ومورّد الأسلحة لـ “حزب الله” – بوقف إطلاق النار في بيان علني. وربما كان ذلك تنازلاً مريراً لطهران، بالنظر إلى أنها لطالما اعتبرت ترسانة “حزب الله” البالغ عددها 150,000 صاروخ رادعاً ضد أي هجوم عسكري إسرائيلي محتمل على برنامجها النووي.

وفي ضوء هذه النجاحات، شعر المسؤولون المحليون في شمال إسرائيل بأن الحكومة تمتلك نفوذاً كافياً للمطالبة بشروط قوية لوقف إطلاق النار من شأنها أن تتجنب تكرار ما حدث في عام 2006، عندما تم تبني “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701”. وكان الهدف من ذلك القرار إنهاء الحرب وإحلال الاستقرار في جنوب لبنان وشمال إسرائيل من خلال ضمان عدم نشر “حزب الله” قواته جنوب نهر الليطاني. ولكن القرار فشل بشكل كامل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم رغبة الجيش اللبناني في منع “حزب الله” من العودة إلى هذه المناطق، وكذلك لأن المجتمع الدولي فقد اهتمامه بالقرار بمجرد انتهاء الحرب.

وخلال الحرب الحالية، حث رؤساء بلديات شمال إسرائيل – الذين يمثلون حوالي 60,000 مواطن نزحوا من منازلهم منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 – الحكومة مراراً وتكراراً على إنشاء منطقة عازلة خالية من السكان في جنوب لبنان. وجادلوا أنه بدون قيام مثل هذه المنطقة العازلة، سيواصل مقاتلو “حزب الله” التمركز وسط السكان اللبنانيين على الحدود، وإطلاق أسلحة مضادة للدبابات قصيرة المدى على المدن الإسرائيلية القريبة. وحذر رؤساء البلديات من أن سكان شمال إسرائيل لن يكونوا مستعدين للعودة إلى منازلهم في ظل هذه الظروف.

والآن، بعد الإعلان عن شروط وقف إطلاق النار، يشير استطلاع رأي أجرته مؤخراً “القناة 12” الإسرائيلية إلى أن 37% فقط من الجمهور العام يدعمونه. ومع ذلك، يأمل الكثير من الإسرائيليين أن يضمن الاتفاق حقهم في الدفاع عن النفس، بالنظر إلى الرسالة الجانبية التي أفادت التقارير بأن الحكومة أبرمتها مع الولايات المتحدة. (لم يتم الكشف عن محتويات هذه الرسالة على وجه التحديد، ولكن يُعتقد أنها تمنح إسرائيل بعض الحرية في الرد عسكرياً على انتهاكات “حزب الله”، وربما الحفاظ على أنواع معينة من رحلات الاستطلاع فوق أجزاء من لبنان). كما يتطلع العديد من الإسرائيليين إلى تقليل العبء على قوات الاحتياط، وهو ما قد يتحقق قريباً إذا استمر وقف إطلاق النار.

تنسيق آلية التحكيم لضمان الامتثال

يشكل ضمان الامتثال عنصراً محورياً في وقف إطلاق النار، حيث تخطط الولايات المتحدة لدعم تنفيذ الاتفاق من خلال ترؤس لجنة لمراجعة الشكاوى. وعلى وجه التحديد، بإمكان واشنطن الاستفادة من قدراتها المتقدمة في مجال الاستخبارات للتأكد مما إذا كان هناك انتهاك و/أو الإصرار على أن يعالج الجيش اللبناني المشكلة. وتُبدي إسرائيل تفاؤلاً بأن المشاركة الأمريكية قد تصنع الفارق. علاوة على ذلك، من المرجح أن يشترط الكونغرس الأمريكي بأن أي تمويل جديد للجيش اللبناني يعتمد على مدى جدية التزامه بالاتفاق.

ومع ذلك، فإن الإشراف الأمريكي على آلية الامتثال سيواجه تدقيقاً. وقد يتساءل النقاد عما إذا كانت هذه العملية قد تؤدي إلى إبطاء رد إسرائيل، أو تقييد حريتها في التحرك، أو حتى جعل الولايات المتحدة مسؤولة عن الإخفاقات المتصورة. ومن المرجح أن يركز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذا الاحتكاك المحتمل بسبب الجدل السياسي المحيط بوقف إطلاق النار داخل إسرائيل. والآن ينتقد المزيد من الإسرائيليين العقلية التي سادت في بلادهم منذ عام 2006، والتي كانت تقوم على التغاضي عن الانتهاكات من أجل الحفاظ على الهدوء الهش الذي أوجده “القرار 1701”. وفي إسرائيل، يُستخدم التعبير “أصبحنا مدمنين على الهدوء” بشكل شائع للدعوة إلى اتخاذ موقف أكثر وقائية أو استباقية ضد التهديدات قبل أن تصبح كارثية. وهذه القضية تكتسب حالياً حدة خاصة، حيث يختبر الجانبان وقف إطلاق النار بشكل متبادل خلال مرحلته الأولى. على سبيل المثال، عندما أطلق “حزب الله” مؤخراً قذيفتي هاون على قاعدة عسكرية إسرائيلية في جبل دوف، المحاذي لمرتفعات الجولان، ردت إسرائيل بهجمات على ثلاثين هدفاً في لبنان.

ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن يصمد اتفاق وقف إطلاق النار. وفي مقابلة على قناة “سي إن بي سي”، صرح مبعوث الرئيس بايدن عاموس هوكستين، الذي توسط في وقف إطلاق النار، إن هذه الآلية الجديدة التي تقودها الولايات المتحدة ستضمن “على الأرض” أن “«حزب الله» لن يعود”، وأن هناك “تفكيكاً لبنيته ​​الإرهابية”، وأن المنظمات الإرهابية لن يكون لها “موطئ قدم من جديد في جنوب لبنان”. ومع ذلك، هناك عدة تحديات يمكن أن تقوض هذه الأهداف.

أولاً، من المؤكد أن يعاود التعب الدولي الظهور بعد انتهاء القتال، كما حدث في عام 2006، مما يقلل من اهتمام الدول الأجنبية بضمان الامتثال. ثانياً، من المؤكد أن إيران و”حزب الله” سيستخدمان وسائل الإعلام الصديقة لهما لإنكار أي انتهاكات، مما يسهل على الحزب إعادة بناء قوته. ثالثاً، قد لا تنظر الولايات المتحدة وفرنسا – اللتان ستكونان جزءاً من الآلية الجديدة – إلى الانتهاكات والردود العسكرية بنفس الطريقة التي تنظر بها إسرائيل. على سبيل المثال، ذكرت تقارير أن الحكومتين شعرتا أن بعض ردود إسرائيل في الأيام الأولى من وقف إطلاق النار كانت مفرطة. علاوة على ذلك، من المؤكد أن لبنان سيحث فرنسا على تبني وجهة نظر أكثر تساهلاً تجاه أي انتهاكات من “حزب الله” بالنظر إلى الأضرار المحتملة التي قد تلحقها الردود العسكرية الإسرائيلية.

لذلك، وبينما يحاول “حزب الله” اختبار مدى ما يمكنه التهرب منه خلال فترة وقف إطلاق النار، يجب على الولايات المتحدة وإسرائيل أن تتوصلا إلى نهج مشترك لتحديد الانتهاكات الكبرى ومعالجتها، وذلك جزئياً لتجنب الاحتكاك الثنائي. وعادة ما تفضل إسرائيل الرد العسكري الأقوى لردع «حزب الله» وتحديد “قواعد اللعبة”، بينما قد ترى واشنطن وباريس أن رد الفعل القوي للغاية قد يؤدي إلى العودة إلى الحرب. على سبيل المثال، في الخامس من كانون الأول/ديسمبر حذّر السفير الأمريكي في القدس جاكوب لو إسرائيل من المساواة بين المخالفات الصغيرة والانتهاكات الكبرى.

ويقول المسؤولون الأمريكيون أيضاً إن الآلية لا تشمل المنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني أو نقاط الدخول الأخرى إلى لبنان، مثل الحدود مع سوريا أو مطار بيروت. ونتيجة لذلك، قد تستنتج إسرائيل أنها تتمتع بحرية الاستمرار في ضرب قوافل الإمدادات الإيرانية في سوريا وربما شن ضربات في مناطق أخرى. ومع ذلك، فإن هذا الفجوة في الآلية قد تعني أيضاً استمرار تدفق الأسلحة إلى لبنان، مما يبرز الحاجة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

والسؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق بشأن وقف إطلاق النار هو ما إذا كان الجيش اللبناني سيتحلى أخيراً بالإرادة لمواجهة “حزب الله”. إن المرء ليتمنى أن تدرك الحكومة اللبنانية حجم المخاطر (التي قد تترتب على هذا القرار) بالنظر إلى الإخفاقات المدمرة التي أعقبت صدور “القرار 1701” بعد عام 2006، ولكن لا توجد ضمانات. وإذا لم تعمل الولايات المتحدة وإسرائيل معاً، فقد يعود الجيش اللبناني بسهولة إلى مسار أقل مقاومة ويتجنب مواجهة ما يسمى بـ “المقاومة”.

كيف يمكن للولايات المتحدة وإسرائيل العمل معاً

سيقف اللواء جاسبر جيفرز، رئيس “القيادة المركزية للعمليات الخاصة”، على رأس الجهود الأمريكية لتنفيذ وقف إطلاق النار، حيث سيشارك في رئاسة الجانب الأمريكي مع عاموس هوكستين خلال فترة الانتقال التي تستمر ستين يوماً، لضمان تعامل آلية التحكيم مع الانتهاكات بشكل فعال. وسوف تركز الولايات المتحدة على الانتهاكات مثل نشر منصات إطلاق الصواريخ جنوب نهر الليطاني، وحفر الأنفاق، وتصنيع الأسلحة. ومن المقرر أن تتم التحقيقات في الانتهاكات خلال 24 إلى 28 ساعة من تقديم الشكوى. ومع ذلك، قد يرغب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الذهاب أبعد من ذلك. فإذا تعذر على معظم سكان شمال إسرائيل العودة إلى منازلهم، فمن المؤكد أنه سيرى ذلك باعتباره الحكم النهائي على وقف إطلاق النار، وقد يبدأ بالضغط من أجل توسيع نطاق الردود العسكرية بصورة كبيرة على انتهاكات “حزب الله”.

إن التعاون الثنائي قد يتخذ أشكالاً مختلفة، ولكن النهج المشترك ضروري لتنفيذ الاتفاق بفعالية. وكما ذُكر أعلاه، فإن التوصل إلى تعريف متفق عليه لـ “انتهاك وقف إطلاق النار” يُعد أمراً حاسماً. وهذا من شأنه أن يتيح التعاون الوثيق بين “قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي”، وفريق جيفرز في بيروت، و”القيادة المركزية الأمريكية” في تحديد التهديدات وتبادل المعلومات الاستخباراتية التي تتجاوز جنوب لبنان، نظراً لرغبة “حزب الله” في إعادة بناء نفسه من خلال نقل الأسلحة الإيرانية عبر سوريا وغيرها من الأنشطة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون التعاون الأمريكي-الإسرائيلي في الرسائل العامة أمراً بالغ الأهمية في ظل محاولات وسائل الإعلام الإيرانية و”حزب الله” التقليل من شأن الانتهاكات المحتملة للحزب. لقد أظهرت واشنطن أهمية تبادل المعلومات الاستخباراتية غير السرية للمساعدة في تشكيل الروايات العامة بعد اتهام إسرائيل خطأً بقصف مستشفى في غزة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر مباشرة. يجب النظر في هذا النموذج إذا ظهرت مواقف مماثلة في لبنان. وأخيراً، إذا عرضت الدول الأوروبية ودول الخليج دعماً جديداً للجيش اللبناني في مؤتمر المانحين القادم، فينبغي على الولايات المتحدة تشجيع هذه الدول على ربط هذه المساعدة بامتثال الجيش اللبناني لشروط وقف إطلاق النار، وهو أمر من المرجح أن يطلبه الكونغرس الأمريكي.

الخاتمة

قد يجادل البعض بأن التنسيق الوثيق بشأن هذه القضايا ليس أمراً حاسماً في الوقت الحالي، مدّعين أن الأمر سيستغرق سنوات إلى أن يتمكن “حزب الله” من إعادة بناء قدراته. وقد يشير آخرون إلى فترة الانتقال التي تستمر ستين يوماً، والتي تتزامن مع بداية إدارة ترامب، كفرصة لمراجعة السياسة وإجراء تعديلات محتملة.

ومع ذلك، فإن مصداقية الولايات المتحدة مهمة بحد ذاتها، وسيكون الحفاظ عليها صعباً إذا انهار اتفاق وقف إطلاق النار. ولضمان نجاح الاتفاق، يجب أن يكون لدى الولايات المتحدة وإسرائيل فهم مشترك لشروط وقف إطلاق النار وكيفية التصرف في حالة انتهاكه. وهذا أمر أساسي لتعزيز مصداقية آلية التنفيذ وضمان أن جميع الأطراف قد تعلمت من إخفاقات “القرار 1701”.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M