كيف يمكن لواشنطن إنقاذ جهاز مكافحة الإرهاب العراقي

يُعتبر “جهاز مكافحة الإرهاب” القوة الشريكة الأكثر نجاحاً للولايات المتحدة في العراق، ولهذا السبب تحاول الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران اختراقه وإفساده.

إذا نفذت إدارة ترامب القادمة أحدث الخطط التي طرحتها “اللجنة العسكرية العليا الأمريكية – العراقية”، فستسحب واشنطن قواتها من بعض القواعد العراقية بحلول أيلول/سبتمبر 2025، ثم تتحول (العلاقات العسكرية) إلى شراكة أمنية ثنائية كاملة (أي دون غطاء التحالف) بحلول عام 2026. وسيفرض ذلك المزيد من الضغوط على قوات الأمن العراقية لمنع عودة ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”)، وخاصة على “جهاز مكافحة الإرهاب”، الذي يبلغ قوامه 14,000 عنصر ويُعد أفضل إنجاز في التاريخ المضطرب للولايات المتحدة من الجهود المكلفة وغير الناجحة في الغالب لتعزيز قدرات الشركاء في الجيش في مرحلة ما بعد صدام.

ولكن للأسف، أظهر “جهاز مكافحة الإرهاب” علامات على الخضوع لنفس الاختراقات التي تنفذها الميليشيات المدعومة من إيران، والتسييس، والفساد الذي أضعف قوات عراقية أخرى. ومع أن واشنطن تتمتع بنفوذ كبير في هذا الشأن بفضل تمويلها السخي وغيره من أشكال الدعم لـ “قوات مكافحة الإرهاب”، إلا أنه يجب عليها أن تتحرك بسرعة لوقف التدهور واستعادة تأثيرها على شريكها الأقرب في مكافحة الإرهاب في العراق. وتُعد الوقاية الخيار الوحيد المتاح أمام الولايات المتحدة لتجنب انهيار أمني جديد، خاصةً مع احتمال عدم استعداد واشنطن لإعادة نشر قواتها في العراق لتدخل آخر في حال فشل “جهاز مكافحة الإرهاب” وعودة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

قصة نجاح نادرة للولايات المتحدة في العراق

يُعرف “جهاز مكافحة الإرهاب” في العراق باسم “الفرقة الذهبية”، وأصبح نموذجاً للوطنية متعددة الأعراق والطوائف على مر السنين. وعندما انهارت ثلث قوات الجيش و”الشرطة الاتحادية” في حزيران/يونيو 2014، قاد “جهاز مكافحة الإرهاب” الهجمات المضادة في تكريت وبيجي والرمادي، وصولاً إلى الموصل في النهاية. وقد استمرت قوة الجهاز في القتال بسبب الصحة الأساسية لمفهومها وتجنيدها وقيادتها وتدريبها بتوجيه الولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص، كان حجمها الصغير يعني أن الاختيار والتدريب يمكن أن يطبقا معايير صارمة مماثلة لتلك المستخدمة في تجنيد “قوات العمليات الخاصة الأمريكية”. على سبيل المثال، خلال قبول دفعة أيار/مايو 2008 لـ “جهاز مكافحة الإرهاب”، تخرج 18% فقط من بين 2,200 متقدم.

كما أدى الحجم الصغير للقوة إلى حصولها على رواتب وظروف معيشية ومعدات أفضل بكثير من القوات الأخرى. ومع رواتب تقارب ضعف رواتب الجنود العاديين للجيش العراقي، ومعدات مطابقة تقريباً لتلك التي تملكها “القوات الخاصة الأمريكية”، تمكن “جهاز مكافحة الإرهاب” من تطوير روح معنوية عالية والاحتفاظ بأفضل الكفاءات، شملت العديد من أفضل الضباط في البلاد. وكونه فريداً من نوعه بين القوات العراقية، طور “جهاز مكافحة الإرهاب”، بدايات كادر قوي من ضباط الصف.

وفي ساحة المعركة، قام “جهاز مكافحة الإرهاب” بعمليات مكافحة الإرهاب “على نطاق صناعي” لمدة سبع سنوات تقريباً، بوتيرة مرهقة لا تضاهيها أي قوة عمليات خاصة أخرى في العالم. وبحلول الوقت الذي أكملت فيه الولايات المتحدة انسحابها في عام 2011، تطورت الوحدة إلى آلة دقيقة لمكافحة الإرهاب وعززت سمعتها كواحدة من أفضل الوحدات من نوعها في الشرق الأوسط. وأكدت لاحقاً هذه المكانة في الصراع ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وقبل الميزانية الأمريكية الأخيرة (انظر أدناه)، كان “جهاز مكافحة الإرهاب” يتلقى 22 مليون دولار سنوياً من واشنطن – وهو أكبر استثمار أمريكي للفرد في أي وكالة أمنية عراقية.

كيف تُدمِّر الميليشيات “جهاز مكافحة الإرهاب”

من المؤكد أن “جهاز مكافحة الإرهاب” شهد فترات مضطربة من قبل. فخلال فترة رئيس الوزراء نوري المالكي، على سبيل المثال، كان الجهاز فاسداً سياسياً إلى الحد الذي بدأ فيه العراقيون يطلقون عليها “اللواء القذر“. وفي ذلك الوقت، بدأ التدهور من القمة، وقد عادت هذه الظاهرة إلى البروز خلال الانزلاق الحالي الذي دام عاماً.

وفي تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2023، تم تطهير القيادة العليا التي قادت “جهاز مكافحة الإرهاب” ضد تنظيم “داعش” بالكامل تقريباً. فقد تم إبعاد القائد عبد الوهاب السعدي في تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام واستبداله بمحارب قديم آخر في “جهاز مكافحة الإرهاب” هو كريم التميمي. كما تم استبدال قائد العمليات ذي النجمتين في القوة وجميع قادة الألوية الثلاثة في “قوات العمليات الخاصة” العراقية.

وعلى الرغم من أن “جهاز مكافحة الإرهاب” لم يكن مثالياً أبداً، إلا أنه كان أقل فساداً بكثير من معظم قوات الأمن العراقية، ولكن يبدو أن ذلك يتغير بسرعة منذ التعديلات القيادية في العام الماضي. على سبيل المثال، تشير جهات اتصال مختلفة إلى أنه تم تحويل الذخيرة التي قدمتها الولايات المتحدة من موقع تدريب “المنطقة الرابعة” للوحدة إلى مواقع عسكرية أخرى مثل بسماية، حيث يتم بيعها أو إعطاؤها لوحدات الميليشيات التابعة لـ “قوات الحشد الشعبي” – وهي ممارسة تحظرها صراحة اتفاقيات المستخدم النهائي بين الولايات المتحدة والعراق. وتشمل عملية التحويل شحنة واحدة على الأقل وربما شحنتين كبيرتين، تحتويان على 150 ألف طلقة من عيار 5.56 ملم و12.7 ملم، كل شحنة منها بقيمة سوقية تُقدر بـ 75 ألف دولار. ومن المفترض أن يستخدم “جهاز مكافحة الإرهاب” هذه الذخيرة الممولة من دافعي الضرائب الأمريكيين لإجراء تدريبات بالذخيرة الحية على نطاق مماثل “للقوات الخاصة الأمريكية”. وبدلاً من ذلك، ساهم التحويل في تدهور تدريب “جهاز مكافحة الإرهاب” حتى مع استمرار واشنطن في دفع فاتورة الذخيرة ــ بما يصل إلى 2.59 مليون دولار في ميزانية العمليات الخارجية للعام المالي 2025.

وتشمل الأمثلة المزعجة الأخرى للفساد الواضح في “جهاز مكافحة الإرهاب” في عام 2024 ما يلي:

  • فرض رسوم احتيالية على الحكومة العراقية مقابل أعمال البناء في موقع التدريب “الأكاديمي الجديد” في الحبانية، التي نفذتها قوات هندسية من «كتيبة دعم لواء» “جهاز مكافحة الإرهاب” باستخدام معدات قدمتها الولايات المتحدة؛
  • إنشاء عمليات إقراض بفوائد مرتفعة تفرض على القوات 25% فائدة في مرافق دعم الحياة التي تقدمها الولايات المتحدة للواء؛
  • التستر على سرقة واسعة النطاق لمعدات الرؤية الليلية التي تقدمها الولايات المتحدة؛
  • ترقية ضابط مسؤول عن السماح بالفساد – العميد أركان جلال فاضل التكريتي – إلى الذراع التدريبية لمقر “جهاز مكافحة الإرهاب” بعد إبعاده عن قيادة أكاديمية التدريب في “المنطقة الرابعة” وسط تحقيقات.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن (الجماعات) المصنفة على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الإرهابية مثل الميليشيات المدعومة من إيران كـ “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” كانت تخترق “جهاز مكافحة الإرهاب”:

  • في العام الماضي، اعترضت واشنطن على تولي ضابط منصب رئيس الاستخبارات الجديد لـ “جهاز مكافحة الإرهاب” بسبب علاقاته العائلية الوثيقة مع مثل هذه الميليشيات. ولكن رداً على ذلك، تم تعيينه مديراً جديداً لمكافحة التجسس في “جهاز مكافحة الإرهاب” – وهو المنصب الذي تم إنشاؤه لغرض صريح يتمثل في إبعاد الجماعات المدعومة من إيران، وغيرها التي تشكل مخاطر أمنية، عن الخدمة.
  • منَحَ “جهاز مكافحة الإرهاب” شركة “مناهل الخليج” المملوكة لـ “كتائب حزب الله” 12 مليون دولار من ميزانيتها لعام 2023، مما يعني أن الحكومة الأمريكية موّلت عن غير قصد جماعة محددة من قبلها كإرهابية من خلال الدعم المالي العام لـ “جهاز مكافحة الإرهاب”.
  • في شباط/فبراير وآذار/مارس 2024، درَّب “جهاز مكافحة الإرهاب” مجموعة من النخبة من أفراد “قوات الحشد الشعبي” على حماية القوة وتكتيكات الوحدات الصغيرة التي تعلموها في الأصل من الجيش الأمريكي، مما قد يعرض للخطر فعالية وسلامة أي عمليات مستقبلية “للقوات الخاصة الأمريكية” ضد شبكة التهديد الإيرانية.
  • في حالة واحدة على الأقل في عام 2024، جمع “جهاز مكافحة الإرهاب” أدوات من موقع إطلاق طائرة مسيّرة تابعة لجماعة إرهابية ضد قاعدة أمريكية ثم اختفت هذه الأدوات قبل أن تتمكن السلطات الأمريكية من الحصول على بيانات بيومترية منها.

وعلى نحو مماثل، تتعرض عملية التجنيد لـ “جهاز مكافحة الإرهاب” – التي كانت ذات مرة نموذجاً للجدارة غير الطائفية – للخطر بسرعة (وهو الاتجاه الذي أشار إليه كاتب هذا المقال منذ كانون الأول/ديسمبر 2023). وكان من المفترض أن يتم اختيار أكثر من 3000 مجند جديد من قوات “جهاز مكافحة الإرهاب” في عام 2024 بالقرعة كالمعتاد؛ وعادة ما يتم اختيار المتقدمين المجهولين عبر الإنترنت عشوائياً ثم يُطلب منهم إحضار أرقام تذاكرهم الفريدة عند وصولهم للتدريب. ولكن هذا العام، كان عدد الوافدين الذين حصلوا على التذاكر 750 فقط، في حين تم اختيار 2250 منهم مسبقاً من قبل الميليشيات الشيعية، والجماعات الإرهابية، والفصائل المرتبطة بها. وقد تم سابقاً تقديم هذه الأسماء البالغ عددها 2250 اسماً إلى عبد الكريم السوداني، سكرتير مكتب رئيس الوزراء، الذي سلمها إلى قائد “جهاز مكافحة الإرهاب” كريم التميمي. ويبدو أن قائمة السوداني تضمنت نحو 2000 مكان ترشّح لتجنيد أفراد من ثلاث جماعات مصنفة من قِبَل الولايات المتحدة على أنها جماعات إرهابية: “عصائب أهل الحق” (1000 مكان ترشّح)، و”كتائب حزب الله” (500)، و”كتائب سيد الشهداء” (500). أما الباقي فقد تم تقسيمها بين جماعات موالية لإيران مثل “منظمة بدر” و”المجلس الأعلى الإسلامي العراقي” (180)، إلى جانب جهات أخرى مرتبطة بمجموعة المظلة “الإطار التنسيقي” (70 مكان ترشّح، تم بيع العديد منها كجزء من عملية فساد). وما لم يتم إصلاح هذه العملية المنسحقة لليانصيب، فسوف يتلقى أعضاء الجماعات الإرهابية تدريباً ممولاً من قبل الولايات المتحدة ومقدماً من قبلها في التكتيكات الحساسة “للقوات الخاصة”.

وقف التدهور

إن “جهاز مكافحة الإرهاب” هو أحد أكثر الجهود فعالية من حيث التكلفة التي دعمتها الولايات المتحدة في العراق. ففي الفترة ما بين عامي 2003 و 2011، تلقى الجهاز نحو 450 مليون دولار ــ أقل من 2% من إجمالي 24.2 مليار دولار التي تم إنفاقها على دعم قوات الأمن بشكل عام، وهو الجزء الوحيد من هذا الجهد الذي نجح حقاً. ولا تزال الوحدة تستحق الإنقاذ اليوم على الرغم من تدهورها، ولكن يتعين على واشنطن أن تتحرك بسرعة وقوة. ورغم أن الضغط على العراق بشأن هذه القضايا ينطوي على خطر قطع وصول الولايات المتحدة إلى “جهاز مكافحة الإرهاب”، فإن مثل هذا الوصول يصبح بلا شك أقل جدوى وأكثر إضراراً ــ بل وحتى غير قانوني ــ يوماً بعد يوم. ولذلك يتعين على المسؤولين الأمريكيين أن يتخذوا الخطوات التالية:

  • تذكير العراق بأن الولايات المتحدة تموّل “جهاز مكافحة الإرهاب”. على الرغم من أن التمويل الأمريكي للجهاز سوف يخفَّض بشكل كبير في ميزانية السنة المالية 2025 (من 22 مليون دولار إلى 9.3 مليون دولار)، إلّا أنه لا يزال أكبر مصدر خارجي للنقد بالنسبة للجهاز حتى الآن. إن تمويل “جهاز مكافحة الإرهاب” يشمل 2.59 مليون دولار للذخيرة و2.24 مليون دولار لتجديد المرافق ــ وكلاهما مذكور أعلاه باعتبارهما من السبل المعروفة لتحويل الانتباه إلى الجماعات الإرهابية. وإذا لم يعكس “جهاز مكافحة الإرهاب” اختراقه الأخير من قبل الميليشيات، فينبغي وقف هذا التمويل بالكامل. ولكن إذا أثبت الجهاز استعداده لإجراء التغييرات المطلوبة، فيتعين على واشنطن أن تفكر في إعادة تمويلها إلى المستويات السابقة (أي 22-25 مليون دولار).
  • ضرورة قيام قيادة جديدة لـ “جهاز مكافحة الإرهاب”. من أجل استعادة ثقة الولايات المتحدة، يتعين على بغداد أن تغير قيادة الجهاز بدءاً من القمة، وربما العودة إلى الكوادر المتقاعدة لقيادة “جهاز مكافحة الإرهاب” لتوفير تغطية مؤقتة. ثم يتعين على القيادة الجديدة إصلاح روح إدارة الجهاز وتجنيده، فضلاً عن تحسين فعاليته العملياتية في الميدان، والتي تتراجع بسبب إخفاقات التدريب ومشاكل أخرى. ويتعين على المسؤولين الأمريكيين أن يحذروا صراحة من أن تمويل “جهاز مكافحة الإرهاب” معرض للخطر ما لم يتم إدخال تغييرات على القيادة والإجراءات.
  • توسيع نطاق فحص الرتب العليا لـ “جهاز مكافحة الإرهاب”. إن قادة ألوية وكتائب “قوات العمليات الخاصة” العراقية وقادة “جهاز مكافحة الإرهاب” من المستوى الأعلى يخضعون بالفعل للتدقيق الأمريكي بموجب “قانون ليهي”، ولكن هذه العملية يجب أن تمتد إلى خدمتهم خارج “جهاز مكافحة الإرهاب”. على سبيل المثال، ربما كان التميمي متورطاً في قمع الاحتجاجات المدنية بعنف في عام 2019 عندما كان يرأس “فرقة القوات الخاصة في المنطقة الدولية” في العراق؛ ولم يتم التحقيق في هذه الأنشطة بشكل كامل، لكنها قد توفر سبباً لإقالته من منصب قائد “جهاز مكافحة الإرهاب”. يجب أيضاً إجراء مراجعة كاملة لمكافحة التجسس من قبل الولايات المتحدة لكبار الشخصيات في “جهاز مكافحة الإرهاب”.
  • تدقيق الاستخدام النهائي للأدوات والأموال الأمريكية. قامت الحكومة الأمريكية بتدقيق “جهاز مكافحة الإرهاب” علناً في الماضي وينبغي لها إجراء تحقيق جديد مفصل في المستقبل القريب، مع التركيز على التقارير التي تفيد بتحويل الأموال الأمريكية إلى جماعات إرهابية، وميليشيات أخرى، وشبكات إجرامية. وبموجب “قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024″، أصدر الكونغرس تفويضاً إلى وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين ومدير الاستخبارات الوطنية بتقديم تقرير يؤكد عدم تلقي أي وحدات من “قوات الحشد الشعبي” تمويلاً أمريكياً؛ وينبغي تنفيذ هذا الشرط في ميزانيات الدفاع المستقبلية أيضاً.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M