كيف يمكن إنهاء الحرب في غزة: دروس من لبنان

يُظهِر اتفاق لبنان كيف يمكن لواشنطن وإسرائيل استخدام نفوذهما المكتسب حديثاً لحل الأزمة الفلسطينية.

يشكل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، الذي توسط فيه المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي جو بايدن، عاموس هوكشتاين، إنجازاً مهماً. فهو يعكس الدروس التي تعلمناها نحن الاثنان طوال حياتنا في مجال الدبلوماسية وفن إدارة الدولة – ويمكن تطبيق هذه الدروس على غزة والشرق الأوسط الأوسع نطاقاً من قبل إدارة بايدن في أيامها الأخيرة، ومن قبل إدارة ترامب القادمة.

الدرس الأول هو الأهمية البالغة لدعم الدبلوماسية بقوة عسكرية حاسمة واستخبارات دقيقة من أجل تحقيق هدف سياسي قابل للتحقيق. وكما تعلَّمتْ الولايات المتحدة بصعوبة خلال حرب العراق وفي أفغانستان، فإن استخدام القوة العسكرية دون ارتباطها بهدف سياسي قابل للتحقيق محكوم عليه بالفشل. إن القوة هي أداة وليست غاية في حد ذاتها.

لقد مهّد استخدام إسرائيل للقوة الطريق للدبلوماسية من خلال إضعاف “حزب الله” بشكل كبير. فبعد قبول فرض “حزب الله” لحرب محدودة على مدى عام تقريباً، تحركت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي و”الموساد” بشكل حاسم لقطع رأس قيادة الحزب، وتعطيل قيادته وسيطرته واتصالاته، وتدمير 80% من قوته الصاروخية، وتفكيك مخزون أسلحته وبنيته التحتية – فوق الأرض وتحتها – التي أقامها على طول حدود إسرائيل. كما ردت إسرائيل على الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، حيث دمرت الدفاعات الجوية والصاروخية الاستراتيجية لإيران و90% من قدراتها الإنتاجية للصواريخ الباليستية. وبذلك، ذكرتنا إسرائيل مجدداً بحكمة هنري كيسنجر القائل بأنك لا تستطيع أن تحقق على طاولة المفاوضات إلا ما فزت في ساحة المعركة.

ومن الدروس ذات الصلة بالحكمة السياسية الجيدة هي إدراك الفرص والتحرك بسرعة للاستفادة منها. فالتوقيت مهم، وقد أدركت إدارة بايدن أن الإنجازات العسكرية الإسرائيلية خلقت فرصة للتوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” من خلال العمل عبر الحكومة اللبنانية. كما اعتقدت الإدارة الأمريكية أن إيران تدرك أن ضعف “حزب الله” جعله عرضة لخصومه في لبنان، وأن إيران، التي لا تريد خسارة الجوهرة في “محور مقاومتها”، سترغب في إنهاء الحرب.

ويتطلب العمل الدبلوماسي أيضاً توقيتاً جيداً. فلم يكن الصراع ناضجاً للتسوية إلا بعد أن أضعفت هجمات إسرائيل “حزب الله” وإيران بدرجة كافية. وعندها فقط أصبح “حزب الله” مستعداً للتخلي عن إصراره على أن إنهاء هجماته الصاروخية والطائرات المسيرة ضد إسرائيل يتطلب أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار في غزة.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت المفاوضات لأن إسرائيل كانت لديها أهداف سياسية واضحة ومحدودة وقابلة للتحقيق. لقد أدرك الإسرائيليون أنهم لا يستطيعون القضاء على “حزب الله”. وبدلاً من ذلك، كانوا يهدفون إلى ضمان عدم تمكن “حزب الله” من الاحتفاظ بقوات جنوب نهر الليطاني، وعدم تمكنه من إعادة تسليح نفسه بسهولة هناك. وقد تم تفويض كلا الخطوتين بموجب “قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701” في عام 2006، ولكن شروطه لم تُنفذ مطلقاً، وانتهك “حزب الله” القرار منذ اليوم الأول. واستخدم هوكشتاين الإنجازات العسكرية الإسرائيلية ورغبة الحكومة اللبنانية في إعادة إرساء سيادتها على أراضيها لتطوير نهج أكثر جدية في التنفيذ: سيتم نشر ما يصل إلى 10,000 جندي لبناني على الحدود، بينما ستساعد الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى في تحسين قدرات الجيش اللبناني. وستوفر الولايات المتحدة أيضاً معلومات استخباراتية لمراقبة تنفيذ الاتفاق، وستترأس اللجنة التي سيتم من خلالها معالجة أي انتهاك على الفور. كما أفادت بعض التقارير أن إسرائيل حصلت على ضمانات من الولايات المتحدة بأنه إذا لم يتم عكس الانتهاكات، فإنها تستطيع التحرك عسكرياً.

وفي غزة، نجحت إسرائيل أيضاً في تدمير التهديد العسكري الذي شكله خصمها. فقبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان لدى “حماس” خمس ألوية تضم 24 كتيبة، وقد اختفت هذه الألوية الآن، إلى جانب معظم مخازن أسلحتها، ومختبراتها، ومنشآت إنتاجها. كما تم تفجير أكثر من 60% من أنفاقها، بما في ذلك أنفاق بعمق يعادل مبنى مكون من 25 طابقاً. ومع ذلك، وعلى عكس النزاع مع “حزب الله”، حيث حددت إسرائيل أهدافاً أكثر تواضعاً، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مراراً وتكراراً بـ”انتصار كامل” على “حماس”. وكما لم تتمكن إسرائيل من القضاء على “حزب الله” – ولم تتمكن الولايات المتحدة من القضاء على “طالبان” في أفغانستان – يمكن لإسرائيل هزيمة “حماس” لكنها لن تستطيع القضاء عليها بالكامل، وفقاً لاعتراف قادة الجيش الإسرائيلي. لقد كانت أيديولوجية “حماس” مدمرة للغاية للشعب الفلسطيني، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الفلسطينيين يدركون ذلك. والآن، يجب على إسرائيل تحويل إنجازاتها العسكرية ضد “حماس” في غزة إلى نتيجة سياسية مستدامة. لكن إسرائيل كررت الخطأ الذي ارتكبته إدارة جورج دبليو بوش في العراق وأفغانستان، حيث فشلت في ربط العمل العسكري بأهداف سياسية قابلة للتحقيق منذ البداية.

وفي غزة، يتعين على إسرائيل أن تتجنب خلق فراغ قد يؤدي إلى عودة “حماس”، أو البقاء إلى أجل غير مسمى، والذي من شأنه أن يضمن اندلاع تمرد. ولم تتبع إسرائيل النموذج الناجح الذي استخدمه الجنرال ديفيد بترايوس في العراق، حيث قام بتطهير منطقة من الإرهابيين ثم تثبيت السيطرة عليها، في حين عمل على بناء حياة أفضل للمدنيين. وكان من شأن تطبيق هذا النموذج في غزة أن يوفر للفلسطينيين الأمن من “حماس” والثقة بعدم عودتها. ولكن بدلاً من ذلك، لا تزال قوات الجيش الإسرائيلي تقاتل في شمال غزة، على الرغم من تطهير المنطقة عدة مرات.

إن البديل الأكثر قابلية للتطبيق هو إدارة مؤقتة مختلطة. والإمارات العربية المتحدة مستعدة لأن تكون جزءاً من قوة تثبيت الاستقرار في غزة، وقد تشارك مصر والمغرب والأردن والبحرين أيضاً – ليس لإنقاذ إسرائيل، بل لضمان انسحابها وإنهاء معاناة الفلسطينيين. وسوف تنضم هذه الدول إلى بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية، لإدارة غزة. إن إعادة بناء غزة سوف تكون مهمة هائلة بحد ذاتها، ولكنها ستتطلب أيضاً استعادة القانون والنظام، ومنع التهريب، ونزع السلاح الدائم في المنطقة.

ويتلخص هدف مثل هذه الإدارة في نقل السيطرة على غزة إلى السلطة الفلسطينية خلال 18 إلى 24 شهراً. والواقع أن السلطة الفلسطينية اليوم ضعيفة، وغير قادرة على أداء وظائفها، وفاسدة، ولكن من الممكن إصلاحها، كما حدث خلال فترة سلام فياض كرئيس للوزراء بين عامي 2007 و 2012. وبمجرد إصلاحها، سوف تتمكن من تحمل المسؤولية عن غزة. ولكن لا يمكن تحقيق أي من ذلك إلا إذا انتهت الحرب، بشرط إطلاق سراح جميع الرهائن، وترافق ذلك مع انسحاب القوات الإسرائيلية ــ وهو ما يستطيع نتنياهو أن يدّعي بحق أن الانسحاب الإسرائيلي جاء نتيجة للإنجازات العسكرية الإسرائيلية، كما حدث في لبنان.

وفي غزة، كما في لبنان، حققت إسرائيل انتصاراً عسكرياً، وبالتالي يجب أن تركز الآن على تحقيق نتيجة دبلوماسية. بإمكان إدارة بايدن أن تستخدم مجدداً النفوذ الذي تحقق بفضل الإنجازات العسكرية الإسرائيلية لدفع عملية سياسية يمكن من خلالها للدول العربية وغيرها أن تأتي إلى غزة، وهو ما يسعى إليه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

تُظهر تجربتنا أن العلاقات الشخصية تلعب دوراً حاسماً في نجاح الدبلوماسية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. ويتمتع الرئيس المنتخب دونالد ترامب بمصداقية كبيرة لدى الحكومة الإسرائيلية، ودول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. لقد أوضح رغبته في إنهاء الحرب في غزة، مما أسهم بلا شك في قبول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في لبنان، وزاد من حاجة رئيس الوزراء إلى إيجاد مخرج مقبول من غزة. إن إقامة إدارة دولية وإقليمية في غزة، وتنفيذ انسحاب تدريجي لجيش الدفاع الإسرائيلي، سيستغرق بعض الوقت – ويجب أن يتم بالتنسيق مع إدارة ترامب القادمة. وسيكون من الخطأ أن تنتظر إسرائيل الإدارة الأمريكية الجديدة، حيث سيستغرق الأمر وقتاً لترامب لتعيين المسؤولين القادرين على مواصلة الجهود التي تبذلها إدارة بايدن حالياً.

لقد أدى التطبيق الذكي لفن إدارة الدولة إلى تحقيق وقف إطلاق النار في لبنان، وخلق الآن فرصة لإنهاء الحرب في غزة. كما سيشكل السلام في غزة فرصة لترامب لتوسيع “اتفاقيات إبراهيم” لتشمل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو ما أعلنه كأولوية. إن السعوديين يريدون مساراً موثوقاً به يقود إلى إقامة دولة فلسطينية كشرط مسبق لأي اتفاق، في حين أن الجمهور الإسرائيلي والحكومة الحالية غير مستعدين لقبول ذلك. وسيحتاج ترامب إلى التحرك بسرعة لاستغلال رأس ماله السياسي مع السعوديين والإسرائيليين إذا كان يأمل في إنجاز اتفاق. ولكن إذا تمكن من تحقيق اختراق سعودي-إسرائيلي، فمن شأن ذلك أن يكون له تأثير كبير على الشرق الأوسط، مما يخلق تحالفاً لمواجهة التهديدات الإيرانية ويعزز الاستقرار والتقدم في المنطقة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M