على الرغم من أن الإطاحة المتأخرة جدا ببشار الأسد كانت مناسبة للاحتفال بالنسبة لغالبية السوريين، فإن هناك مجموعات، وعلى رأسها الأكراد، تعيش مخاوف مشروعة بشأن ما يحمله المستقبل لها.
وبقاء الأسد في السلطة بعد حرب أهلية دامت عقدا من الزمن، مدعوما بشكل كبير من روسيا وإيران، لم يتح له سوى الحفاظ على السيطرة على أجزاء محدودة من الأراضي السورية.
عند الإطاحة الدراماتيكية بنظام الأسد، كانت سلطته تقتصر على ما يزيد قليلا على نصف الأراضي السورية قبل اندلاع الحرب. ورغم أن النظام استعاد السيطرة على معظم المدن الكبرى، فإن أجزاء كبيرة من البلاد ظلت تحت سيطرة جماعات الثوار، خاصة في الشمال.
تركزت جماعات المعارضة الإسلامية، مثل “هيئة تحرير الشام”، التي قادت الانتفاضة التي أطاحت بالأسد، في منطقة إدلب شمال غربي البلاد. وفي المقابل، تمكن الأكراد السوريون في شمال شرقي سوريا من تأسيس منطقة شبه مستقلة خاصة بهم.
لعب الأكراد دورا بارزا في الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة لتدمير ما يُعرف بـ”خلافة” تنظيم “داعش” في الرقة. وقد مُنحوا مكافأة على جهودهم بإنشاء منطقة ذات حكم ذاتي في شمال وشرق سوريا تُعرف باسم “روجافا”.
وعلى الرغم من أن هذه المنطقة تحظى بدعم يقدَّر بحوالي ألف جندي أميركي، يهدف وجودهم إلى منع عودة تنظيم “داعش” وتقديم الدعم للأكراد، فإن “روجافا” تواجه رفضا شديدا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لا يخفي تطلعاته لتفكيك هذه المنطقة.
وتعترض تركيا على منطقة “روجافا” لأسباب رئيسة، أبرزها اعتقاد أنقرة بأن المنطقة هي قاعدة لـ”حزب العمال الكردستاني”، التنظيم الكردي الانفصالي الذي يخوض حملة طويلة الأمد لإنشاء وطن كردي مستقل. ويُعتبر “حزب العمال الكردستاني” جماعة إرهابية في كثير من الدول، بما في ذلك تركيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد اُتهم مؤخرا بالتورط في هجوم استهدف مقر شركة صناعات جوية تركية في أنقرة خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفقا للتقارير، فقد عبر مقاتلو “الجيش الوطني السوري” نهر الفرات باتجاه كوباني تحت حماية الطائرات الحربية التركية
وفي المقابل، يؤكد المسؤولون الأكراد أن أردوغان يربط عمدا بين “حزب العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب” التي تُعد المجموعة الأبرز في “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة.
ويشكل استمرار دعم واشنطن لـ”قسد” التي تواصل لعب دور محوري في منع عودة “داعش”، مصدر توتر دائم بين الولايات المتحدة وتركيا. إذ يمارس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضغوطا متواصلة على الولايات المتحدة لإنهاء دعمها لهذه القوات.
وفي وقت سابق، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أثناء ولايته الأولى عن نيته سحب القوات الأميركية بعد هزيمة “داعش” في الرقة. إلا أنه أُقنع في النهاية بالتراجع عن قراره من قبل صناع السياسة الأميركيين.
ومع عودة ترمب المنتظرة إلى البيت الأبيض الشهر المقبل، يبقى احتمال أن يأمر بسحب القوات الأميركية المتبقية من شمال سوريا قائما، وهو ما قد يترك “قوات سوريا الديمقراطية” وحلفاءها الأكراد عرضة للهجوم التركي.
السبب الآخر الذي يدفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إنهاء الوضع المستقل للأكراد في شمال سوريا هو اعتقاده بأن وجود هذه المنطقة قد يُشجّع الأكراد داخل تركيا على المطالبة بترتيبات مشابهة داخل الأراضي التركية.
وتتزايد المخاوف الآن من أن أردوغان سيُكثف جهوده لتفكيك المنطقة الكردية المستقلة بعد الإطاحة بنظام الأسد. وتشير التقارير إلى أن الفصائل السورية المدعومة من تركيا، مثل عناصر “الجيش الوطني السوري”، قد شنت سلسلة من الهجمات ضد المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية التي يسيطر عليها الأكراد، خاصة حول كوباني.
ووفقا للتقارير، عبر مقاتلو “الجيش الوطني السوري” نهر الفرات باتجاه كوباني تحت حماية الطائرات الحربية التركية. وفي الوقت ذاته، أعلنت وكالة الاستخبارات العسكرية التركية أنها دمرت 12 شاحنة عسكرية ودبابتين، ومستودعات ذخيرة كانت قد وقعت في أيدي “وحدات حماية الشعب” بعد انسحاب الجيش السوري.
وردا على الإطاحة بنظام الأسد، صرّح أردوغان بأن بلاده لن تسمح أبدا بـ”تقسيم” سوريا مرة أخرى، وهو تصريح فُسر على أنه تهديد مباشر للمنطقة الكردية الانفصالية. وأضاف: “تركيا لا تطمع في الحصول على أراض أو المس بسيادة أي دولة أخرى”، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية التي تقوم بها بلاده تستهدف “حزب العمال الكردستاني” الذي يؤكد ارتباطه بـ”وحدات حماية الشعب”. وأوضح الرئيس التركي أن “الهدف الوحيد لعملياتنا عبر الحدود هو حماية وطننا ومواطنينا من الهجمات الإرهابية”.
وتثير التحركات العسكرية التي تقودها القوات المدعومة من تركيا ضد الأكراد المدعومين، بدورهم، من الولايات المتحدة احتمالات اندلاع صراع جديد في شمال سوريا في الوقت الذي يحتفل فيه معظم السوريين بالإطاحة بالدكتاتور المكروه في البلاد، وهو تطور تسعى الإدارة الجديدة لـ”هيئة تحرير الشام” إلى تجنبه بوضوح.