الإعلام والقانون وماهية العلاقة

الإعلام قوة لا يمكن الاستهانة بها او تبديدها ولكي نضاعف هذه القوة ونعطيها الزخم الكافي يجب ان نؤهل الصحفيين ونمكنهم في المجالات القانونية، وما يترتب على ذلك من التزام في الجوانب الأخلاقية، للإسهام في بناء مجتمعات قائمة على العدالة وسيادة القانون…

يحدث ان الكثير من الإعلاميين العاملين في الوسط، لا يعرفون مساحتهم القانونية، ولا يفقهون الحدود التي يفترض عدم تعديها، وبما إن العمل الإعلامي كان ولا يزال من الركائز الأساسية للتوعية المجتمعية في ماهية القوانين وكيفية التعامل معها من قبل المواطنين، فلا سبيل للصحفي سوى الاطلاع على المواد القانونية لتجنب بالوقوع في التخبط.

لقد فرضت التطورات الأخيرة في المجال الرقمي، واقعا جديدا على بيئة العمل الإعلامية، حتى باتت مواقع التواصل الاجتماعي احدى اهم الأدوات المؤثرة في الرأي العام والصانعة له، بالإضافة الى توجيه السلوكيات المجتمعية، وهو ما يعطي تلك المواقع قوة التأثير.

ومع ذلك، فإن هذه القوة تأتي مصحوبة بمسؤوليات قانونية وأخلاقية يجب على الإعلام الالتزام بها لضمان تحقيق دوره البنّاء بعيدا عن التخبط الذي يهدد المصداقية والقيم الأساسية للمجتمعات؛ ومن غير الصحيح ان تتداعى هذه الثقة، ذلك ان الإعلام يشكل نافذة رئيسية لتوعية الجمهور بالقوانين التي تنظم حياتهم اليومية، ومن خلاله يمكن تقليص الفجوة بين المواطن والمنظومة القانونية، ما يعزز احترام القانون والالتزام به طواعية.

هنالك الكثير من الأمثلة الي يمكن نسوقها هنا لتأكيد القصور في الجانب الإعلامي الذي احدى وظائفه التوعية، وعلى سبيل المثال، فقد أدى نقص الوعي بالجرائم الإلكترونية إلى وقوع العديد في مخالفة القانون، وهنا يتجلى دور الإعلام في توجيه حملات توعية مبسطة تعرف الجمهور بمخاطر هذه الجرائم وطرق الوقاية منها والعقوبات القانونية المترتبة عليها.

لكن بالطبع وكما في جميع المجالات هناك جملة من التحديات التي تواجه التوعية الإعلامية بالقانون على الرغم من أهمية هذا الدور.

ومن أبرز هذه التحديات تتجلى في الخلل الذي اشارنا اليه في بداية المقال وهو عدم تمكن العاملين في المجال الإعلامي من المعرفة في الشؤون القانونية، فإذا كان الذي يجب ان يفقه القوانين غير ذلك، فالنتيجة واضحة لا تحتاج الى تفسير وهي تناول القضايا القانونية بسطحية أو بطرق تفتقر إلى الدقة، ما يخلق تصورات خاطئة لدى الجمهور.

اما التحدي الآخر فهو استخدام بعض الوسائل الإعلامية كأدوات لتحقيق أهداف سياسية أو شخصية، مما يؤدي إلى تسييس القضايا القانونية وفقدان الثقة بالمحتوى الإعلامي، مع ضعف واضح في الالتزام بتشريعات وقوانين الإعلام إذ تتجه بعض المؤسسات الإعلامية التي تفتقر الى المهنية أو صفحات المؤثرين الرقميين إلى انتهاك الخصوصية، ونشر الأخبار الكاذبة، أو التحريض، ما يضر بالمجتمعات ككل.

وبالتأكيد فان الانتهاك المتكرر يشكل تخبطا في أداء وسائل الإعلام التقليدية الى جانب مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بدوره انعكس في أشكال عديدة منها الخروقات القانونية، ونشر الاخبار المزيفة، حيث أصبحت الأخبار المضللة ظاهرة متفشية، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يثير الفوضى ويضعف المصداقية الإعلامية.

ولا يتعلق الامر فيما يخص انتهاك القوانين او عدم احترامها على المواطنين، اذ يلجأ بعض الإعلاميين إلى خرق قوانين حماية الخصوصية في سبيل تحقيق السبق الصحفي أو جذب المتابعين، مع انتشار خطاب الكراهية والتحريض، بما يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويحصل ذلك في الكثير من المجتمعات.

وللحد من التخبط وتعزيز دور الإعلام كوسيلة للتثقيف القانوني، يجب تبني مجموعة من الإجراءات أبرزها تدريب الإعلاميين، واشراكهم ببرامج تدريبية لتزويدهم بالمعرفة القانونية اللازمة، يساعدهم ذلك على تناول القضايا بدقة ومهنية.

أضف الى ذلك من بين الحلول خلق نوع من الشراكة مع الخبراء القانونيين لإنتاج محتوى موثوق ومبسط، وتطوير التشريعات الإعلامية لتتماشى مع التحولات الرقمية وضمان تنظيم عمل المنصات الإعلامية الرقمية، مع التركيز على التوعية بأهمية المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للإعلاميين.

الإعلام قوة لا يمكن الاستهانة بها او تبديدها ولكي نضاعف هذه القوة ونعطيها الزخم الكافي يجب ان نؤهل الصحفيين ونمكنهم في المجالات القانونية، وما يترتب على ذلك من التزام في الجوانب الأخلاقية، للإسهام في بناء مجتمعات قائمة على العدالة وسيادة القانون، بعيداً عن الفوضى والتخبط الذي يهدد قيمها الأساسية.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M