ظهور تغيير في الدخل لبعض الأشخاص، كان سببا في تنامي أنواع من الجرائم، ومنها الجرائم التي تتعلق بالمال العام، وكذلك نوع من الجرائم تم تسميتها (جرائم الغرور)، وهو توصيف دقيق، لان عندما يغتر المجرم ذوي الدخل العالي بنفسه ومكانته الاقتصادية فيسمح لنفسه استباحة المال العام والحرمات، ومن اهم اثار…
تشير احدى الدراسات التي بحث فيها اساتذة القانون المشكلات الاجتماعية واثرها في تنامي الجريمة والتي كتبتها الدكتورة الفاضلة واثبة السعدي أستاذة القانون الجنائي في جامعة بغداد والموسومة (التغيير الاجتماعي في العراق وعلاقته بالجريمة) المنشور في مجلة القضاء، التي تصدر عن نقابة المحامين العدد (1و2) السنة الرابعة والثلاثون عام 1979 ـ ص 37).
حيث تشير الى تأثير ارتفاع الدخول على حجم الاجرام لدى الفئات ذات الدخول العالية، وتقول فيها ان ظهور تغيير في الدخل لبعض الأشخاص، كان سببا في تنامي أنواع من الجرائم، ومنها الجرائم التي تتعلق بالمال العام، وكذلك نوع من الجرائم تم تسميتها (جرائم الغرور)، وهو توصيف دقيق، لان عندما يغتر المجرم ذوي الدخل العالي بنفسه ومكانته الاقتصادية فيسمح لنفسه استباحة المال العام والحرمات، ومن اهم اثار تنامي هذا النوع من الجريمة هو امتصاص جزء كبير من الفائض الاقتصادي الوطني، الذي ادى بدوره الى تراكم هذا الفائض بيد طبقة معينة اغلبها امتهن العمل السياسي او تقلد المناصب المهمة في الدولة العراقية، وفي هذه الجزئية كانت الدولة العراقية قد التفتت الى مكانة أصحاب المناصب العليا واثرهم في ظهور تلك الظاهرة الاجرامية من خلال استغلال مناصبهم.
مما دعا الى اصدار تشريعين لمعالجة جزء من سلوك هؤلاء المتنفذين وأصحاب المناصب العليا وتجريم بعض ممارساتهم وفرض العقوبة التي تصل الى الحبس لمدة خمس سنوات، وذلك عن دورهم في امتصاص الفائض الاقتصادي بعد تركهم لوظائفهم سواء بالعزل او الاستقالة او الإقالة او الإحالة الى التقاعد، حيث منع هؤلاء من ممارسة أي عمل في أي شركة من شركات القطاع الخاص المحلية والأجنبية وباي عنوان كان او لدى أفراد القطاع الخاص ولا يجوز له كذلك أن يكون رب عمل أو مؤسسا أو مشاركا في شركات أو مكاتب تجارية أو مهنية أو استشارية أو مقاولاً ما لم يحصل على إذن سابق من اعلى جهة تنفيذية في الدولة العراقية في حينه وعلى وفق احام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 1215 لسنة 1977 وكذلك القرار الاخر المكمل له رقم 35 لسنة 1978، ومنحت وزارة التخطيط صلاحية اصدار التعليمات والمتابعة لتنفيذ تلك التشريعات.
وعند العودة الى قاعدة التشريعات والتنظيمات ومراجعة اعداد الوقائع العراقية لم يتسنى لنا الحصول على أي تشريع قد عطل او الغى القرارين أعلاه، وهذا يعني انهما ما زالا نافذين، وحيث ان الفساد المالي والإداري، اصبح ظاهرة معظم الفاعلين فيها ممن هم من أصحاب المناصب العليا او من المقربين منهم لان اغلب الأموال تذهب من جراء المحاباة والتوسط غير المشروع وغير ذلك، وتعج المحاكم بمثل تلك الدعاوى، وان كان البعض يتحصن خلف التشريعات التي تمنع محاسبته بسبب منصبه في مفاصل الدولة العليا، وانه اصبح من كبار أصحاب المليارات، والذين اصبحوا طبقة يناصر بعضهم بعض عبر التخادم بتوظيف المؤسسات التي يتولون ادارتها الى صالح بعضهم البعض.
لذلك أرى من الضروري التحقق من نفاذية تلك التشريعات وتفعيلها لعلها تنفع في التصدي، وان كان يسيرا، الى مظاهر الفساد المنتشرة، مع الأسف الشديد كان للتشريع دور كبير في افلات المدانين بسرقة المال العام من العقوبة، واسهم في سعة افق الافلات هو التطبيق لتلك التشريعات والتوسع في مفاهيمها لمد نطاقها الى ابعد مما كان المشرع يسعى اليه، ومع ذلك فان السبب في رداءة الصياغة التشريعية، هم من منح الفرصة للمطبق والمنفذ الى التوسع. وارفق طيا نص القرارين، لعل هناك من يسمع وينظر ويعالج.