ولاية المال وولاية الفقيه

بهاء النجار

 

بقلم / بهاء النجار

ربما نظام ( ولاية الفقيه ) هو من أكثر الأنظمة السياسية المثيرة للجدل ، ربما لحداثته او لبعده الأيديولوجي والفكري ، فهذا النظام يجعل على قمة الهرم السياسي في الدولة هو الفقيه الذي يدعمه ويؤيده ويقيله ويحاسبه خبراء (فقهاء او من ينوب عنهم) منتخبون من قبل الشعب ، وبغض النظر عن مدى تطبيق هذا النظام بالفعل على أرض الواقع ولكن هذه هي النظرية المرسومة له .
فأي حركة او نشاط سياسي او تشريع قانوني في الدولة التي يحكمها نظام ولاية الفقيه يجب أن لا تتعدى او تتجاوز الخطوط العامة التي يراها الفقيه صحيحة من وجهة نظر شرعية ، وحتى لو كانت مخالفة للشرع فيمكن أن تمرر للحفاظ على منجز أكبر ، وهذا هو ما يحدده الفقيه نفسه من حيث المصلحة العامة .
فالحجاب مثلاً واجب شرعي على المرأة ، وإذا لم ترتدِ المرأة الحجاب تُحاسَب عليه قانوناً لأنه مخالف للشرع ، والقانون في نظام ولاية الفقيه هو تطبيق للشرع ، ولكن لظروف معينة قد يُرَفع الحساب والعقاب على المتهاونات بالحجاب خوفاً من إثارة الفوضى والاحتجاجات التي ستؤثر سلباً على النظام العام وقد يؤدي بإسقاط نظام ولاية الفقيه الذي لا يمكن التفريط به مقابل تهاون بالحجاب ، وهذا ما يقدّره الولي الفقيه بما أعطي من صلاحيات قانونية ودستورية وبإرادة غالبية الشعب .
إن أكثر الدول المعارضة لهذا النظام هي الدول الرأسمالية ، وعلى رأسها الدول الغربية وبالأخص الولايات المتحدة قائدة النظام الرأسمالي ، فالنظام الرأسمالي يرى أن أي حركة او نشاط سياسي او تشريع قانوني في الدولة التي يحكمها النظام الرأسمالي يجب أن لا يتعدى المصالح المالية للدولة ، فالنظام الديمقراطي الذي يحكم الدول الرأسمالية يجب أن يسير باتجاه ترسيخ تلك المصالح وأن لا يتقاطع معها حتى لو أراد الشعب عكس ذلك ، ولو من الناحية الافتراضية .
ومن يحدد المصالح المالية للدولة هم أصحاب رؤوس الأموال الذين تدير أموالهم الدولة ، وبالخصوص تجار السلاح والطاقة ، وقد زرع داعمو هذا النظام في نفوس الناس أهمية المال والعمل كي يقفوا بوجه كل شيء يقاطع التوجهات المالية للدولة ويدعمون كل توجه يسير لدعم تطور رؤوس الأموال ، وأي تحرك مهما كان شكله إذا أثّر سلباً على المصالح التجارية فسيبدأ ضخ الأموال ممن ستتضرر أموالهم لإيقاف ذلك التحرك .
إذا تقاطع المال مع الشرع في نظام ( ولاية الفقيه ) يُقدّم الشرع وفق رؤية الولي الفقيه ، أما إذا تقاطع المال مع الشرع في النظام الرأسمالي فيًقدَّم المال وفق رؤية أصحاب رؤوس الأموال ، فالنظام الرأسمالي لا يعارض التحركات والنشاطات الشرعية إذا لم تؤثر على المصالح التجارية للأصحاب رؤوس الأموال ، بل يتبناها أحياناً إذا تطلّب الأمر كإنشاء المصارف الإسلامية التي اقتنع بعض أصحاب رؤوس الأموال بمردوداتها المالية ، وكذلك نظام ( ولاية الفقيه ) فإنه لا يعارض أي نشاط او حركة مالية او تجارية إذا لم تخالف الشرع وفق رؤية الولي الفقيه ، بل يتبنى هذا النظام كثيراً من الأنشطة المالية ما دامت تصب في مصلحة الدولة .
وعليه نستنتج أن لكل نظام سواء كان وفق الفكر الرأسمالي او فكر ولاية الفقيه محددات وخطوط حمراء لا يحق لأحد تجاوزها ، وفي الوقت نفسه يمكن أن يستفيد كل نظام من بعض مختصات النظام الآخر إذا لم تؤثر على استراتيجيته ، فعندما يصف النظام الرأسمالي مثلاً نظام ولاية الفقيه بدكتاتورية الفقيه ففي المقابل فإن أصحاب رؤوس الأموال لهم دكتاتورية على النظام الراسمالي ،ويكفي أن يكون تمويل الحملات الانتخابية للرؤساء الأميركان دليلاً على دور المال في رسم سياسة الدولة الرأسمالية .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M