تتعدد المنافع الاقتصادية والسياسية التي يجنيها الاقتصاد المصري نتيجة لاستضافة قمة المناخ بشرم الشيخ خلال الفترة من 6 – 18 نوفمبر 2022، يُنظر لاستضافة مصر لذلك الحدث العالمي على أنه شهادة دولية على حالة الثقة والاستقرار الأمني التي تشهدها مصر، وهو ما سيكون له مردود إيجابي على مستوى القطاع السياحي الذي استفاد من استضافة ما يقرب من 40 ألف زائر لمصر، لكن تلك المكاسب أيضا تتضمن اتفاقيات تجارية، وقرارات في مستوى سياسات المناخ والتي من شأنها أن تساهم في تعزيز نصيب أفريقيا من تعويضات المناخ، نلقي الضوء في التقرير التالي على المكاسب المتعددة التي حققتها مصر من استضافتها لذلك الحدث العالمي.
لا يخفي على أحد أن قضية المناخ هي أحد شواغل العالم في الوقت الحالي على مستوى الشعوب قبل واضعي السياسات، ومن ثم فإن استضافة مصر لتلك القمة العالمية بعد عام حافل بالعديد من التحضيرات للجلسات الخاصة بالقمة بمشاركة أطراف المصلحة يأتي تتويجا لجهود مصر في ملف المناخ كونها من بين الدول ال 29 الأولى التي وضعت استراتيجية عامة للمناخ تسمي الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، هذا فضلا عن إعداد رؤية لتحول الاقتصاد المصري نحو التنمية المستدامة في رؤية مصر 2030، والتي حددت العديد من المستهدفات التي تخص المناخ. والتي كللت بتوسع مصر في العديد من المشروعات التي تخدم أهداف المناخ مثل تبطين الترع التي تمتع تسرب المياه، والتحول نحو الطاقة المتجددة من خلال إنشاء محطة بنبان للطاقة الشمسية والتي تعد ثالث أكبر محطة عالميا حتى هذه المرحلة وفي طريقها أن تصبح الأولى عالميا بعد استكمال المراحل التالية، ومن ثم كان اختيار مصر لتمثل القارة الأفريقية في مؤتمر المناخ كإشادة لجهود مصر في ذلك الملف، وكمثل يحتذى به من جانب الدول الأفريقية في وضع الأهداف المناخية والسعي لتنفيذها.
أما على مستوى المكاسب التي حصدتها مصر من استضافة تلك الفاعلية نفسها فتتمثل بدايتها في تطوير البنية التحتية في مدينة شرم الشيخ لتتحول إلى مدينة مصرية خضراء تساهم في تعزيز مفهوم السياحة الخضراء وتعزز من مكاسب مصر المستقبلية في ذلك القطاع، لكن من زاوية أخرى فإن الفنادق التي يقيم بها ضيوف مصر في المؤتمر والذي يمتد لقرابة 15 يوما هي فنادق مصرية يعمل بها مصريون، ومن ثم فإن العدد الكبير لضيوف المؤتمر والذي يبلغ 40 ألف زائر تقريبا من نحو 197 دولة، تم تسكينه بعدد 161 فندقا تقريبا تم تجهيزهم لاستقبال ضيوف المؤتمر بإجمالي 51 ألف غرفة وحيث إن متوسط سعر حجز الغرفة بتلك الفنادق خلال فترة المؤتمر من خلال منصة “بوكنجو – موقع حجز فنادق دولي شهير” لمدة 12 يوما يبلغ 35000 جنيه على أقل تقدير فإن إجمالي ما تحققه الفنادق بشرم الشيخ عن فترة المؤتمر تبلغ 1.4 مليار جنيه أي ما يعادل 57.1 مليون دولار أمريكي، يتضاعف هذا الرقم في حال الأخذ في الاعتبار بعض الزائرين الراغبين في حجز وحدات فندقية والتي وصل سعرها إلى 61 ألف جنيه خلال فترة المؤتمر للفرد الواحد وهو ما يرفع الرقم إلى 2.44 مليار جنيه مصري أي حوالي 99.5 مليون دولار أمريكي، أي أن محافظة جنوب سيناء وبالتحديد منطقة شرم الشيخ استطاعت جذب عملات جانبية لمصر خلال فترة المؤتمر بمبلغ يتراوح بين 57.1-99.5 مليون دولار أمريكي (1.4 – 2.4 مليار جنيه). هذا فضلا عن أن الشركات المشاركة في المؤتمر والتي تقدم منتجاتها للضيوف والمحال التجارية العاملة بشرم الشيخ، والأنشطة السياحية المختلفة التي تقدم خدماتها لهؤلاء الضيوف تحقق مكاسب إضافية، ولا يمكن الوقوف بالتحديد على إيرادات تلك المحال التجارية بالتحديد في الوقت الحالي نظرا لتفاوت نسب الإنفاق بين السائحين وفقا لمستوى الدخل الذي يختلف وفقا لجنسياتهم، فعلى سبيل المثال ينفق السائح الألماني يوميا مبلغ أكبر من السائح الروسي. وعلية فإن فترة المؤتمر والتي تبلغ 12 يوما تمثل حالة انتعاش كبيرة لحركة السياحة بمحافظة جنوب سيناء خلال الربع الأخير من العام يمكن أن تعوض عوائده الانخفاض الذي شهده القطاع السياحي في الفترة بداية من الربع الثاني من هذا العام إبان الحرب الروسية الأوكرانية والتي أثرت على السياحة بشكل عام.
لكن التأثير يتجاوز فترة المؤتمر، حيث إن ضيوف مصر بمدينة شرم الشيخ وجدوا أن تلك المدينة الخضراء مدينة متميزة لقضاء العطلة السياحية في المستقبل أو يمكنهم الحديث عما شاهدوه في تلك المدينة مستقبلا وهو ما يمثل ترويج بشكل كبير للسياحة المصرية يتخطى قيمته العروض والحملات الترويجية التي قد تنظمها جهة مصرية في الخارج، حيث إن من سيروج لتلك السياحة هو الضيف نفسه، يعود الفضل لتلك الصورة الإيجابية إلى الجهود التي تم بذلها لتحويل تلك المدينة لتعبر عن باقي محافظات مصر، إذ إنها تحتوي على متحف يحتوي علي العديد من المقتنيات الأثرية الفرعونية وغيرها من الحضارات المختلفة والتي تدعم من احتمالية أن يزور هؤلاء الضيوف مدنا أخرى بمصر بخلاف شرم الشيخ لاستكشاف بعض من الحضارة المصرية سواء بالقاهرة أو بمحافظتي الأقصر وأسوان.
اتفاقيات تجارية
من جانب آخر فقد شهدت فعاليات المؤتمر عددا من مذكرات التفاهم لمشروعات سيتم عقدها بين الشركات المشاركة في مؤتمر المناخ وبين الحكومة المصرية، كان قطاع الطاقة من بين أكبر المستفيدين من تلك المذكرات وبدأ ذلك التعاون قبل بداية قمة المناخ بتوقيع شركة أكوا باور السعودية لمذكرة تفاهم مع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة المصرية والشركة المصرية لنقل الكهرباء لإنشاء مزرعة رياح عملاقة بقدرة 10 جيجا وات في مصر ذلك الاتفاق يضع مزرعتي “مصدر وأكواباور” في المرتبة الثانية من بين أكبر مزارع الرياح عالميا بعد المشروع الصيني الملقب “جانسو” والذي تبلغ طاقته 20 جيجاوات، من المخطط أن يتم إنشاء تلك المزرعة بتحالف بين شركات “مصدر وانفينتي وحسن علام” بتكلفة تقدر بحوالي 10 – 12 مليار دولار، وستبدأ التشغيل الفعلي بعد 5 سنوات تقريبا، عند اكتمالها ما يقرب من 48 ألفا جيجاوات ساعة من الطاقة النظيفة سنويا، وسيساهم ذلك المشروع في تجنب توليد انبعاثات بحوالي 23.8 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون وهو ما يعادل 9 % من إجمالي الانبعاثات التي تنتجها مصر.
لكن ذلك المشروع ليس الوحيد الذي تم توقيعه حيث وقعت كلا من الحكومتين السعودية والمصرية خلال فاعليات المؤتمر على مذكرة تفاهم للتعاون في عدد من المجالات منها إنتاج وتصدير الكهرباء من الطاقة المتجددة، ونقل الهيدروجين النظيف، والربط الكهربائي، فضلا عن تشجيع التحول الرقمي، والابتكار، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تنمية الشراكات النوعية بين البلدين، وتوطين المواد والمنتجات، والخدمات، وسلاسل الإمداد، وتقنياتها. كان لشركة سكاتك النرويجية نصيب هي الأخرى، حيث تسعى الشركة لإنشاء مشاريع جديدة لإنتاج طاقة الرياح في مصر بقدرة إجمالية تبلغ 5 جيجاوات، حيث وقعت تلك الشركة مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة مذكرة تفاهم لأعداد دراسة الجدوى الخاصة بالمشروع. من جانب آخر وقع جهاز الاستثمار العماني “الصندوق السيادي العماني” على صفقة تبلغ قيمتها 150 مليون دولار ستمكنها من الاستحواذ على حصة تبلغ 10 % من مزرعة الرياح التي تنفذها شركة أكوا باور السعودية وحسن علام القابضة في خليج السويس، وتقدر الطاقة التوليدية لتلك المحطة بحوالي 1.1 جيجاوات. كان لاتحاد المستثمرين المتمثل في شركة أوراسكوم للإنشاءات وشركة “كهربل” منطقة حرة (إنجي)، وشركة تويوتا تسوشو كوربريشن TTC، دور أيضا في توقيع مذكرة تفاهم مع الشركة المصرية لنقل الكهرباء وهيئة تنمية واستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة لتنفيذ مشروع إنتاج طاقة كهربائية من الرياح، وتهدف مذكرة التفاهم إلى تنفيذ مشروع محطة لإنتاج الكهرباء من الرياح، بقدرة 3 جيجاوات، على أن يتم بموجب هذا الاتفاق تأسيس شركة لهذا المشروع في مصر، بعد إجراء الدراسات اللازمة قبل البد في التنفيذ.
يضيف مجمل تلك المذكرات التي تم توقيعها في إنتاج الطاقة حوالي 25 جيجا وات وهو ما يقترب من نصف ما تنتجه مصر حاليا من الطاقة (تنتج مصر حاليا 59.5 جيجا وات)، ويصل لحوالي 7 أضعاف القدرات الإجمالية المنتجة من خلال مصادر الطاقة المتجددة والتي يبلغ إجماليها 3.4 جيجاوات في نهاية العام الماضي، وتوفر تلك المشروعات طاقة متجددة لمصر تعوضها عن الطاقة المتولدة من خلال حرق ما يعادل 5 مليارات دولار من الغاز الطبيعي سنويا، ومن ثم فإن تلك المشروعات تساهم في توفير مبلغ 5 مليارات دولار سنويا لمصر من خلال تصدير الغاز المستخدم في توليد تلك الطاقة، أو من خلال تصدير الكهرباء المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة من خلال خطوط الربط بين مصر وبين الدول الجوار، خاصة في ظل العجز الأوروبي في ملف الطاقة وبحثها عن مصادر بديلة لتوفير النقص الذي خلفه انخفاض إمدادات أو انقطاع إمدادات الغاز الروسي.
لكن وعلي الرغم من أن قطاع الطاقة حصل على نصيب الأسد كونه مصدر الإنتاج الأول للغازات الدفيئة، كان لقطاع الرعاية الصحية نصيب في تلك المذكرات التفاهمية، حيث وقعت شركة أسترازينيكا مصر للصناعات الدوائية مذكرة تفاهم مع الهيئة العامة للرعاية الصحية تحصل بموجبها مصر على دعم فني لتطبيق مفهوم المنشآت الصحية الخضراء، من خلال مساعدة مؤسسات الرعاية الصحية للتحول للعمل بالطاقة النظيفة أو من خلال استخدام عقاقير طبية أقل بصمة كربونية، يضاف إلى ما سبق ذكره العديد من المباحثات الثنائية التي تمت بين الرئيس السيسي وبين عدد من رؤساء دول العالم منها رئيس الوزراء البريطاني “ريشي سوناك” والتي كانت تخص العلاقات التجارية بين البلدين وسبل التعاون في مجال الهيدروجين الأخضر، وتعزيز دور شركات القطاع الخاص في الاستثمار في مصر.
تلك الاستثمارات السابق الإشارة إليها، هي جزء من مكاسب أكبر بكثير حصلت عليها الدولة المصرية من استضافتها لذلك الحدث التاريخي، من كونها أصبحت لاعبا مهما في سياسات المناخ العالمي باستضافتها لذلك المؤتمر، وقوة ناعمة قوية ومؤثرة بالمنطقة يمكنها التفاوض بشأن الدول الأفريقية الأخرى وتساهم في رسم سياسات التحول الأخضر لدول الجوار، وهو ما يأتي في إطار مبادرة رئيس الجمهورية “أتحضر للأخضر” وتساهم في تحقيق التنمية المستدامة لمصر من خلال توفير مزيد من التمويل والاستثمار في الصناعات منخفضة البصمة الكربونية وهو ما يصب في تحقيق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة والمحددة في رؤية مصر 2030 والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050.
.
رابط المصدر: