نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، في عدده رقم 1460، بتاريخ 26 إبريل 2021، تقدير موقف أعده تومر فادلون، الباحث المشارك بالمعهد؛ وأوفير وينتر، الباحث المشارك بالمعهد أيضاً؛ وشموئيل إيفين، كبير الباحثين بمعهد دراسات الأمن القومي، والذي جاء تحت عنوان “نظرة على: إغلاق قناة السويس – الدروس والتحديات”، وذلك على النحو التالي:
كشفت أزمة سفينة إيفر جيفن العملاقة التي أوقفت الحركة في أحد الشرايين الرئيسية للتجارة العالمية ضعف سلاسل التوريد العالمية والقناة المصرية، مما دفع إلى مناقشة البدائل المتاحة في العالم بشكل عام وفي إسرائيل بشكل خاص. إلا أن أي بديل إسرائيلي عن نقل البضائع عبر البحر الأحمر إلى أعالي البحار يجب أن يراعي المصلحة المصرية حتى لا ينال من العلاقات الطيبة بين تل أبيب والقاهرة.
في نهاية مارس 2021، تم حظر حركة السفن في قناة السويس في كلا الاتجاهين بعد أن أدى جنوح سفينة إيفر جيفن إلى انسداد مجرى القناة. وقد كشف هذا الحادث عن ضعف نظام التجارة العالمي وأبرز للسطح التحديات متوسطة وطويلة الأجل التي تواجه النقل البحري الدولي بشكل عام، ومصر بشكل خاص. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن أزمة غلق قناة السويس تبرز أهمية إمكانية توفير جسر بري يمتد من إيلات إلى البحر المتوسط. وتقوم وكالة حماية البيئة بتنفيذ هذه الفكرة، وإن كان على نطاق محدود للغاية، لسنوات عديدة في مجال الطاقة، حيث هناك مبادرة لنقل النفط ونواتج التقطير من الإمارات العربية المتحدة إلى أوروبا عبر هذا الخط. وهذا لا يشكل فقط مصدراً مالياً مهماً، ولكنه يُعتبر أيضاً رمزاً وطنياً. وعلى تل أبيب أن تقود المخططات التي يتم طرحها بالتنسيق والشفافية مع القاهرة وتتصرف – إن أمكن – بناء على ذلك حتى لا تأتي هذه المخططات على حساب مصر. والقارات في جنوب البلاد والعمل على منعها.
في مارس الماضي، ولأول مرة منذ إعادة افتتاحها في عام 1975، أوقفت سفينة الشحن الضخمة “إيفر جيفن” حركة المرور في قناة السويس، تاركة وراءها شحنات بمئات المليارات من الدولارات. وقد تم تنفيذ عملية إنقاذ استمرت ستة أيام في مصر على غرار “حرب الأيام الستة” وتحطيم خط بارليف. السفينة التي قطعت طريق مينتيان في الصين إلى ميناء روتردام، هي واحدة من أطول السفن في العالم (400 متر) وواحدة من أثقلها (224 ألف طن). وتبلغ سعة السفينة عشرين ألف حاوية، وأثناء عبورها القناة كانت إيفر جيفن شبه ممتلئة. وقد أدى هذا الانسداد إلى اضطرابات مؤقتة في سلاسل التوريد العالمية.
تُعَدُّ قناة السويس شرياناً رئيسياً في التجارة العالمية، حيث تمر عبرها كل عام بضائع تشكل أكثر من 12 % من التجارة العالمية. ويتيح موقعها الاستراتيجي الاتصال السريع بين أسواق الشرق وأسواق أوروبا. وعلى سبيل المثال، فإنه يجب على سفينة تتجه في طريقها من تايوان إلى هولندا بسرعة 30 كم / ساعة عبر الطريق البديل حول رأس الرجاء الصالح أن تسافر 13.5 ألف ميل بحري، في غضون 34 يوماً حتى ترسو في ميناء روتردام، مقارنة بـ 10,000 ميل بحري و25.5 يوماً عبر قناة السويس. وبحسب مجلة “لويدز ليست إنتيليجنس”، قدرت تكلفة انسداد القناة على الاقتصاد العالمي بحوالي 9.6 مليار دولار في اليوم، بالنظر إلى أن الممر الملاحي للقناة يتسع لسفينتين في آن واحد.
النقل البحري العالمي
وفقاً لبيانات منظمة التجارة العالمية (WTO) المنشورة في نهاية مارس 2021، تقلصت التجارة العالمية (عن طريق البحر والبر والجو) بسبب أزمة كورونا بنسبة 5.3 % فقط مقارنة بالمخاوف المبكرة من وصول هذه النسبة إلى الضِعف. وبالمقارنة، ففي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، تقلصت التجارة العالمية بنسبة 12.2 في المائة في عام 2009. وتتوقع منظمة التجارة العالمية زيادة بنسبة 8 % في التجارة العالمية. ويُعد النقل البحري هو الوسيلة الرئيسية لنقل البضائع وهو مسؤول عن حوالي ثمانين بالمائة من تجارة السلع في العالم. وازدادت أهمية النقل البحري بشكل أكبر في أعقاب أزمة كورونا التي أدت إلى انخفاض كبير في الرحلات الجوية الدولية ونتيجة لذلك تراجعت معدلات النقل الجوي. وأدى الطلب على الحاويات وارتفاع أسعار المواد الخام وارتفاع قيمة اليوان مقابل الدولار إلى ارتفاع كبير في أسعار الحاويات وارتفاع أسعار النقل البحري. وتسبب انسداد قناة السويس في تفاقم الوضع بشكل مؤقت.
ويعتبر النقل السريع للبضائع حول العالم إحدى ثمار العولمة التي يتمتع بها المستهلكون والشركات حول العالم. كما أدت الزيادة الحادة في التجارة الدولية في أعقاب العولمة إلى حدوث تغييرات في النقل البحري. وبحسب شركة التأمين العملاقة أليانز جلوبال، فقد نمت سعة الحاويات مئات في المائة في السنوات الأخيرة وتضاعفت في العقد الماضي.
وأثر هذا الاتجاه أيضاً على حركة المرور في قناة السويس. حيث اعتباراً من عام 2019، مرت 51.7 سفينة في المتوسط عبر القناة بشكل يومي، تحمل شحنات يبلغ متوسط وزنها 3.3 مليون طن يومياً. وبينما كانت السعة القصوى للسفن قبل عِقد من الزمن عشرة آلاف حاوية، فهي تبلغ اليوم عشرين ألف حاوية. وقد كانت هناك في السنوات الأخيرة تحذيرات متزايدة من الانسداد على غرار ما حدث في قناة السويس، بسبب حجم السفن الحديثة.
حادثة القناة تستدعي لفت انتباه العالم إلى ثلاث قضايا هي:
1- التهديدات الإرهابية: حيث سلط انغلاق القناة الضوء على ضعف نظام التجارة العالمي؛ وقد يمكّن الاعتماد الحالي على طرق التجارة الرئيسية التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك فرع تنظيم الدولة الذي ينشط في شمال سيناء، من استغلال هذا الضعف لإلحاق الضرر بالطرق التجارية الرئيسية، والتي يمر الكثير منها عبر مناطق استراتيجية حساسة بما في ذلك مضيق هرمز والبوسفور.
2- طرق التجارة البديلة: أظهر حادث انسداد قناة السويس أنه من الأفضل لشبكات التجارة الإقليمية والعالمية ألا تعتمد على طريق تجاري رئيسي واحد. فعلى الرغم من أن قناة السويس تقصر بشكل كبير من وقت النقل من الشرق إلى الغرب، فقد أظهر الانسداد الذي حدث للقناة أن الاعتماد على طريق واحد خطيراً جداً ويتطلب بدائل لنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا. وقد تدعم الأزمة اعتبارات تطوير طريق القطب الشمالي، الذي تستخدمه روسيا حالياً بشكل أساسي، ويمكن أن تقصر وقت الرحلة من الصين إلى هولندا إلى 15 يوماً فقط. وترجع صعوبة تطوير هذا المسار إلى حقيقة أنه يتطلب ذوبان الأنهار الجليدية وقد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالنظام البيئي، لكن حادثة إغلاق القناة يعزز الاعتبارات المترتبة على ذلك، حيث سيؤدي الاحتباس الحراري إلى ذوبان الأنهار الجليدية وفتح هذا المسار على أي حال.
3- زيادة القدرة على الإنتاج الذاتي: حيث أثرت أزمة كورونا في البداية على الإنتاج في شرق آسيا، وبالتالي على سلاسل التوريد العالمية، مما تسبب في نقص بعض المنتجات. واستدعت هذه الظاهرة فكرة الحفاظ على قدرة أكبر من الاعتماد الذاتي. وقد يؤدي إغلاق طرق التجارة في السويس إلى تعزيز هذا الاتجاه في التفكير إلى حد ما.
دروس مصرية
وفي مصر، تنفست الحكومة الصعداء بعد تعويم السفينة إيفر جيفن، والتي قُدِّمت إعلامياً على أنها إنجاز وطني سجلته الأيادي المصرية، وأعزت الفضل إلى المهندسين المصريين المحليين الذين ’استعانوا بشركة إنقاذ هولندية‘. وتمثل رسوم العبور في قناة السويس مصدراً رئيسياً للعملة الأجنبية في مصر، حيث تثري كل عام خزائن الدولة بأرباح مباشرة تقترب من ست مليارات دولار، أي حوالي 2 % من الناتج القومي. ويتسبب كل يوم تتعطل فيه القناة في أضرار مباشرة لمصر تقدر بنحو 13 مليون دولار، لكن احتمالية تشويه صورة القناة وإدارتها كانت أكبر. وعقب تعويم السفينة، قامت هيئة قناة السويس بمصادرتها من أصحابها، وطالبت بتعويض قدره 900 مليون دولار عن عملية الإنقاذ، وتكاليف التوقف عن العمل، وخسارة الإيرادات نتيجة انسداد القناة.
وقال الجنرال عبد الفتاح السيسي لرجال الإنقاذ خلال الأزمة إن سمعة مصر معلّقة في أعناقهم. وبعد إنقاذ السفينة وتعويمها، تعهّد بإجراء تحقيق مهني في ملابسات الحادث، واتخاذ خطوات لضمان استمرار مصر في أداء دورها كشريان بحري عالمي. وبخصوص إمكانية إجبار مصر على الدخول في تنافس مع طرق تجارية بديلة في المستقبل، أشار السيسي إلى أنه بإمكان أي دولة أن تتصرف وفقاً لمصالحها وكذلك مصر.
في واقع الحال، فإنه إلى جانب خطط توسيع الجزء الجنوبي من مسار قناة السويس، تقوم مصر بإنشاء طرق تجارية بديلة خاصة بها على الأرض. ففي أوائل عام 2021 أعلنت الحكومة المصرية عن خطة بقيمة 3 مليارات دولار لبناء قطار فائق السرعة لنقل البضائع والركاب داخلياً، والذي من المتوقع أن يربط مينائي عين السخنة بالبحر الأحمر والعلمين في البحر الأبيض المتوسط في غضون عامين وذلك مروراً بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث يبلغ وقت السفر المتوقع ثلاث ساعات. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن السيسي عن قرب تطوير وافتتاح موانئ بحرية إضافية في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
يؤكد المتحدثون المصريون أنه لا يوجد طريق تجاري بديل قادر على منافسة الموقع الجغرافي لقناة السويس، التي تتمتع بمزايا فريدة من بينها: قلة الحوادث مقارنة بالطرق التجارية العالمية الأخرى؛ انخفاض التكاليف مقارنة بطرق التجارة البرية التي تتطلب تحميل وتفريغ البضائع؛ مع وجود خيارات مستقبلية لتوسيع وتعميق مسار القناة إذا لزم الأمر؛ مع إمدادها بأنظمة تحكم متقدمة.
ماذا يعني ذلك لإسرائيل؟
تبرز أزمة إغلاق قناة السويس إمكانية قيام إسرائيل بتوفير جسر بري من إيلات إلى البحر الأبيض المتوسط. وتقوم وكالة حماية البيئة بتنفيذ هذه الفكرة على مدى سنوات عديدة، خصوصاً في مجال الطاقة، وإن كان ذلك يتم على نطاق محدود للغاية.
وبالإضافة إلى قدرة إسرائيل على توفير البنية التحتية للتجارة العالمية من خلال نقل البضائع بين ميناء إيلات وموانئها في البحر الأبيض المتوسط، يتطلب تحقيق الفكرة تسريع مشروع إنشاء خط سكة حديد إلى إيلات وزيادة طاقات الموانئ في إسرائيل. في يناير 2012، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إن هذا الخط لن يستخدم فقط لنقل الركاب (داخل إسرائيل) ولكنه سيستخدم أيضاً لنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا. وعلى الرغم من أن نقل البضائع عبر إسرائيل لن يؤدي إلى وقف حركة المرور في قناة السويس، في ظل تزايد حجم التجارة بشكل مطرد ما سيسمح للقناة بأداء دورها في نقل البضائع بشكل مستمر، فإن النقل عبر إسرائيل سيتطلب أعمال التفريغ والتحميل. على الرغم من أن الاختبارات التي أجريت على المشروع شككت في الجدوى الاقتصادية لخط السكة الحديد الذي سيمتد إلى إيلات، وأن المشروع ينطوي على مخاطر بيئية، إلا أن إسرائيل تعتبره أحد الأصول الاستراتيجية التي ستربط المدينة والمستوطنات الجنوبية على طول خط السكة الحديد بوسط البلاد، والسماح لها بتقديم النقل العابر للقارات، حتى لو كان على نطاق محدود. وتجدر الإشارة إلى أنه من أجل تحويل خط سكة حديد إيلات إلى جسر بري هام لنقل البضائع، فإن توسيع ميناء إيلات سيكون مطلوباً القيام به بطريقة لا تلحق ضرراً شديداً بالنظام الإيكولوجي البحري للخليج.
وفي أي مشروع مستقبلي، يجب على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان مخاوف مصر، حيث إن قناة السويس ليست مصدراً مالياً مهماً فحسب، بل هي تُعتبر أيضاً رمزاً وطنياً. وليس من المفترض أن تؤثر الخطط الإسرائيلية الحالية بشكل كبير، إن وجدت، على حجم حركة المرور على قناة السويس، لكن قضية الطرق البديلة تثير مخاوف في مصر وتغذي المؤامرات حول إسرائيل. لذلك يجب أن تقود تل أبيب هذه المخططات التي يتم رسمها في ظل التنسيق والشفافية مع القاهرة والحرص – إن أمكن – على ألا تأتي على حساب مصر.
وبالإضافة إلى ذلك، فإلى جانب القضية المصرية، فإن هذه المشاريع لديها إمكانات عالية للتسبب في أضرار بيئية لا رجعة فيها في المحميات الطبيعية البرية والبحرية في جنوب البلاد. وقد يؤدي الضرر المتعمد أو الخلل الذي قد يحدث في إحدى ناقلات النفط في خليج إيلات / العقبة إلى إحداث فوضى في الشعاب المرجانية الفريدة وإلحاق أضرار جسيمة بالسياحة في كل من إيلات وسيناء. لذلك، يوصَى بأن تدرس إسرائيل مبادرة وكالة حماية البيئة وكذلك المشاريع الأخرى من حيث مجموعة المنافع والمخاطر الاستراتيجية والاقتصادية والإقليمية والبيئية.
رابط المصدر: