الانتخابات الأمريكية 2024: وجهات نظر من الشرق الأوسط

في لقاء جمع نخبة من الصحفيين البارزين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، تمت مناقشة وجهات النظر الإقليمية حول السياسات المتوقعة لإدارة ترامب المقبلة في التعامل مع قضايا الحرب والسلام الملحة.

في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي استضافٍ ديفيد هوروفيتس، وبارشن ينانش، ونديم قطيش، وأدار المنتدى روبرت ساتلوف. هوروفيتس هو مؤسس ورئيس تحرير صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” ورئيس التحرير الأسبق لصحيفة “جيروزاليم بوست و”جيروزاليم ريبورت”. ينانش هي محررة في الموقع الإخباري التركي ” T24″، شغلت سابقًا مناصب تحريرية رفيعة في صحيفة “حريت ديلي نيوز” وقناة سي إن إن تورك”. قطيش هو المدير العام لقناة “سكاي نيوز عربية” ومقدم برنامج “الليلة مع نديم”. يشغل ساتلوف منصب المدير التنفيذي لـ”سيغال” في معهد واشنطن وكرسي “هاورد ب. بيركوفيتز” حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في المعهد.
روبرت ساتلوف
كانت انتخابات الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر لحظة حاسمة في السياسة الأمريكية. فقد توقع الكثيرون سباقًا متقاربًا ستظل نتيجته غير مؤكدة لعدة أيام، لكن فوز دونالد ترامب جاء واضحًا وحاسمًا، مما يجعله ثاني رئيس في التاريخ يتولى المنصب لفترتين غير متتاليتين. كيف سيتفاعل القادة السياسيون في الشرق الأوسط وشعوبهم مع هذه النتائج؟
ديفيد هوروفيتس
السياق أمر ضروري: عند مناقشة انتخاب ترامب وتشكيل إدارة أمريكية جديدة، من المهم أن نتذكر أن إسرائيل تواجه يوميًا هجمات مستمرة على جبهات متعددة بالصواريخ والطائرات بدون طيار، وغالبًا ما يتم استهدافها من قبل دول وجماعات لا تشترك معها في حدود أو نزاعات إقليمية. وفي ظل هذا الواقع، يشعر كثير من الإسرائيليين، بمختلف توجهاتهم السياسية، بأن المجتمع الدولي قد أخفق في تقدير معاناتهم وقام بقلب الحقائق بتصوير الضحية كمعتدٍى. لذاك، فمن المستحيل فهم الوضع السياسي داخل إسرائيل دون أخذ هذا التصور في الاعتبار.

وفي سياق انتخاب ترامب وتشكيل إدارة أمريكية جديدة، تبرز حقيقة أن قلة من السياسيين يحظون بشعبية توازي شعبية ترامب في إسرائيل – وهو ما يعكس الفجوة المتزايدة بين إسرائيل والجالية اليهودية الأمريكية، التي منحت أغلبية أصواتها للمرشح الديمقراطي، رغم تراجع هذه النسبة عما كانت عليه في السابق. ويعود هذا التأييد الإسرائيلي لترامب إلى سياساته الداعمة خلال ولايته الأولى، بما فيها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، والتوسط في اتفاقات ‘إبراهام”- وهي خطوات لاقت ترحيباً واسعاً في الرأي العام الإسرائيلي.
وبالمثل، يشعر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالسرور بفوز ترامب ويعتبره حليفًا طبيعيًا له؛ كما رحب التيار الرئيسي في المعارضة الإسرائيلية بفوزه أيضًا. ورغم المشاعر الإيجابية التي يكنها معظم الإسرائيليين للرئيس بايدن، إلا أن موقفهم يختلف تجاه نائبته هاريس، التي اعتبروها – عن صواب أو خطأ – مستسلمة للضغوط المعادية لإسرائيل التي يمارسها الجناح التقدمي في حزبها.
واستشرافًا للمستقبل، يطرح المحللون تساؤلات حول احتمالية استغلال نتنياهو لوجود إدارة أمريكية أكثر تعاطفاً للمضي قدمًا في توسيع المستوطنات بالضفة الغربية، وربما التحرك نحو ضم أراضٍ جديدة. ومن المؤكد أنه سيشعر بأنه أقل تقييدًا بشأن السياسات التي يفضلها أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه. في المقابل، واستنادًا إلى سجل ترامب في التوسط لاتفاقات “إبراهام”، يتطلع البعض إلى إمكانية قيام الإدارة الجديدة بتسهيل اتفاقات تطبيع إضافية، لا سيما مع المملكة العربية السعودية. الوقت وحده كفيل بإظهار مدى التوتر بين هذين الهدفين المتمثلين في توسيع المستوطنات وتوسيع نطاق التطبيع.
أما على صعيد السياسة الإقليمية، فقد أعرب ترامب عن رغبته في أن “تُنهي إسرائيل المهمة” في غزة ولبنان، مما يفتح المجال لإمكانية التوصل إلى اتفاقات دبلوماسية على الجبهتين. ورغم الاعتقاد السائد بأن ترامب لن يمارس أي ضغط على إسرائيل بخصوص عملية السلام مع الفلسطينيين، إلا أنه يجدر التذكير بلقائه السابق مع الرئيس محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، وإشادته به كصانع سلام محتمل. وفيما يخص الملف الإيراني، يسود اعتقاد في إسرائيل بأن ترامب سيتبنى نهجاً أكثر حزماً من إدارة بايدن، وذلك رغم استبعاد مستشاريه لخيار تغيير النظام وتأكيدهم على تجنب الحرب في الشرق الأوسط.
بارشن ينانش 
تباينت ردود الفعل في تركيا على فوز ترامب، مما يعكس حالة الاستقطاب بين مؤيدي الرئيس رجب طيب أردوغان ومعارضيه. وتشير المؤشرات إلى أن عودة ترامب قد تعزز مسار التراجع الديمقراطي وتساهم في ترسيخ الحكم الاستبدادي في تركيا. فحين يتولى قوة عظمى كالولايات المتحدة رئيس يُنظر إليه على نطاق واسع بعدم اكتراثه بسيادة القانون، فإن قادة العالم الآخرين قد يحذون حذوه. لدى أردوغان خبرة في العمل مع ترامب منذ فترة ولايته الأولى، ومن المفترض أن يستثمرها للتوصل إلى تفاهم استراتيجي خلال ولايته الثانية.
وتتصدر قائمة اهتمامات أنقرة مراقبة مدى وفاء ترامب بتعهده بإنهاء الحرب في أوكرانيا وغزة، إلى جانب متابعة نهجه في التعامل مع الملفين الإيراني والإسرائيلي. فمن جهة، قد يكون إضعاف وكلاء إيران أمرًا مفيدًا لتركيا من الناحية الاستراتيجية، ومن جهة أخرى، سيكون التصعيد نحو حرب شاملة بين إيران وإسرائيل مدمرًا للمصالح التركية. وتعتقد أنقرة أيضًا أن أي تراجع في نفوذ إيران من شأنه أن يعزز التطلعات السياسية الكردية في المنطقة.

وفي ضوء ذلك، يُتوقع أن يبادر أردوغان في الأيام الأولى للإدارة الجديدة بتجديد عرضه لتولي مسؤولية الأمن في سوريا، مما سيتيح للولايات المتحدة فرصة سحب قواتها. ويستند هذا الموقف إلى اعتقاد أردوغان بأن القوات الأمريكية في سوريا توفر غطاءً للقوات الكردية المرتبطة بحزب ‘العمال الكردستاني’ الذي تصنفه تركيا كمنظمة إرهابية.
وعلى نطاق أوسع، شعرت تركيا بالتهميش منذ تولي إدارة بايدن، حيث كانت زيارات وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، إلى أنقرة قليلة جداً واقتصرت فقط على مناقشة الفيتو التركي بشأن عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي. وفي حال نجح ترامب في تعزيز قنوات الحوار مع تركيا، فقد يبدي أردوغان استعداداً لتخفيف خطابه المناهض لإسرائيل.
نديم قطيش
رحبت دول “مجلس التعاون الخليجي” بفوز ترامب، ويرجع ذلك إلى نهجه في السياسة الخارجية القائم على المصالح المتبادلة، مقارنةً بما يعتبرونه النهج المثالي للرئيس بايدن. ومن ثم، تبحث “دول مجلس التعاون الخليجي” عن قائد أمريكي يفهم التحديات الفريدة التي تواجه المنطقة، لا سيما أنها ترى أن هذا الوعي كان غائباً في ظل إدارة بايدن.
تسعى “دول مجلس التعاون الخليجي” أيضا إلى موازنة علاقاتها مع منافسي الولايات المتحدة، كمحاولة لتجنب الاعتماد الكامل على واشنطن في التعاون الاستراتيجي. فعلى سبيل المثال، تحافظ المملكة العربية السعودية على علاقات أمنية مع واشنطن، بينما تقيم في الوقت نفسه علاقات اقتصادية مع الصين والهند وروسيا. وفي الواقع، أصبحت موسكو تتمتع بنفوذ كبير في دول إقليمية مثل ليبيا وسوريا والسودان.
وفيما يتعلق بإيران، تريد “دول مجلس التعاون الخليجي” من واشنطن أن تتبنى موقفًا حازمًا ضد النظام الإيراني الذي يثير الاضطرابات في المنطقة مع رغبتها في تجنب المواجهة المباشرة. ويبدو جلياً أن ترامب لا يريد الحرب مع إيران، وأن طهران لا تريد الحرب مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن التوترات والصراعات الإقليمية ستستمر، إلا أن هناك إمكانية أكبر للتهدئة في ظل إدارة ترامب الثانية. ومن المرجح أن يشكل ضعف النظام الإيراني حافزًا لترامب الذي قد ينتهز الفرصة للتوسط في إجراء مفاوضات تسمح له بوضع اسمه على اتفاق دبلوماسي كبير.

أخيراً، يدرك الكثير من العرب أن إسرائيل لا يمكنها السعي إلى السلام ما لم تشعر بالأمن، غير أن السياسة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية في غزة ولبنان، تتجاوز تكاليفها المدنية حدود استهداف حماس وحزب الله. الأمر الذي يجعل السعي إلى تحقيق السلام في نهاية المطاف أكثر صعوبة بكثير. ومن المثير للدهشة أن اتفاقات “إبراهام” للتطبيع نجحت في البقاء رغم الحرب التي دامت عاماً كاملاً، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى القيادة الملتزمة لدولة الإمارات العربية المتحدة. غير أنه لا ينبغي لأحد أن يتوهم بأن المملكة العربية السعودية أو غيرها من الدول يمكن أن تتوصل إلى سلام مع إسرائيل في ظل الظروف الحالية، وذلك بالنظر إلى مدى حساسية القضية الفلسطينية بالنسبة لشعوبها
•    أعد هذا الملخص مانويل دي لا بويرتا. أصبحت سلسلة “منتدى السياسات” ممكنة بفضل كرم “عائلة فلورنس وروبرت كوفمان”.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M