تأملات قرآنية من الآية الثانية عشرة من سورة سبأ

بهاء النجار

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)

التأمل الأول :
يمكننا أن نستفيد من قصة النبي سليمان عليه السلام لنتعرف على بعض معالم دولة مهدي هذه الأمة سلام الله عليه ، ولو من باب الاحتمالات والسيناريوهات ، لأن البعض قد ينبهر بالتطور الذي يشهد عالمنا اليوم فيستبعد – على الأقل عقلياً – وجود قوة يمكن أن تقلب الطاولة على المتسلطين عن العالم وتحوّل كفة الانتصار الى الإسلام الحقيقي .
فما تمتع به سليمان عليه السلام من تسخير الريح والجن وغير ذلك يمكن أن يتمتع به المهدي المنتظر عليه السلام ، بل هو أحق بهذه الميزات لأن مسؤوليته أهم وأعم ، لأن إظهار الإسلام على الدين كله سيكون على يديه ولو كره المشركون .

التأمل الثاني :
إن الجنّ في عقيدة المسلمين مخلوقات موجودة فيها الصالح الطالح والمؤمن والكافر ، وقد استفاد من قدراتها سليمان عليه السلام الذي سيطر بها وبغيرها على العالم ، وبالتالي يمكن أن يطرح أحدنا سؤالاً : لماذا لا نرى ولا نسمع عن مساعٍ جدية من قبل المسلمين لاستثمار القدرات الخارقة للجن ؟ وإن وجدت فهي تحركات فردية غير مدروسة ويبتغي الكثير ممن يتحرك بهذا الاتجاه الى الكسب الشخصي وربما الى كسب غير مشروع .
إن التضييق الذي يعيشه المسلمون في الوقت الحالي بسبب الغزو الثقافي والذي أدى الى تنازل الكثيرين عن مبادئ دينهم بل وانقلبوا الى أعداء لدينهم يضع – هذا التضييق – مسؤولية التفكير بإمكانية الاستفادة من قدرات الجن ولكن برعاية دينية وعلمية من علماء دين لمنع الانحراف عن الهدف المطلوب .

التأمل الثالث :
إن الدولة التي يحكمها ولي الله – نبيٌ أو وصيُ نبي – ستشهد تطوراً يختلف عن التطور التكنلوجي الذي نعيشه اليوم ، فالوسائل المستخدمة في إدارة الدولة لا يمكن لعلماء اليوم والمستقبل الوصول إليها إلا بإذن الله تعالى كاستخدام الريح والجن وما شابه .
كما أن هذه الدولة ستسودها العدالة ، فمن يطيع أمر الله سبحانه بطاعته لأمر وليه سيأكل من فوق أيديه ومن تحت أرجله ، أما من يزغ عن أمره فسيذوق عذاباً سعيراً ، فلا يتصور أحدٌ أن الدولة الإلهية ستكون بلا عقوبات ، والحريات مباحة حتى لو انتهكت الحدود الشرعية .

التأمل الرابع :
قد يتصور البعض أن العذاب السعير لا يناسب سمو الدولة الإلهية التي يقودها وليٌ من أولياء الله كالنبي سليمان عليه السلام أو غيره كالإمام المهدي عليه السلام ، باعتبار أن مثل هذه الدولة وما تحمله من إسم تسعى لتربية الناس وليس العذاب ، فضلاً عن أن يكون سعيراً .
ولِفكِّ هذا الإشكال نقول : إن الأجواء التي تتمتع بها الدولة الإلهية والتي يعيشها أفرادها تكون بمستوى راقٍ وسامٍ بحيث تكون أدنى عقوبة تجاه أي فرد منهم بسبب زيغه عن جادة الشريعة وقانون الدولة السماوي حتى لو كانت توبيخاً كلامياً فيُعد عذاباً سعيراً ، وهذه هي الكرامة بعينها ، إذ يشعر الفرد بالمهانة لأقل خطأ كأنه عذاب سعير .

التأمل الخامس :
إن الإنسان المؤمن وإن كان عليه أن يتمتع بالرأفة والرحمة واللين أسوة بأولياء الله من الأنبياء والأوصياء ، ولكن هذا لا يعني أن يهجر القساوة مع القساة ، فالرأفة والرحمة واللين تكون مع المساكين والضعفاء والمظلومين والمستضعفين وليس مع الظالمين والمتكبرين والفاسقين الذين يزيغون عن أمر الله تعالى .
فالشريعة السماوية تريد من المؤمنين بها أن يكونوا متزنين معتدلين في تصرفاتهم ، فمثلاً توصينا ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) رغم أن الاعتداء ليس من صفات المؤمنين إن كان ابتداءاً ، أو أنها توصي باجتناب التكبر ولكنها توصيه بالتكبر على من تكبّر وتعتبره تواضعاً .

التأمل السادس :
إن أولياء الله ( أنبياء وأوصياء وحتى ممن بلغ مرتبة عالية من الفقهاء ) يتخلقون بأخلاق الله تعالى على المستوى الفردي وعلى مستوى التعامل مع المجتمع ، فالله سبحانه أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، ولكنه أشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة ، لذا فإن هؤلاء الأولياء تكون تصرفاتهم متغيرة وفق الحالة ، فليس من الصحيح أن يكونوا رحيمين مع من يزغ عن أمر الله تعالى ، وإن كانوا مبسوطي اليد فإنهم يذيقون هؤلاء الفاسقين عذاباً سعيراً يناسب زيغهم من دون تجاوز العدالة المأمورون بها .

التأمل السابع :
مما يميز الدولة التي يرعاها ويقودها ولي من أولياء الله عن غيره أو التي تقوم على أساس دين الله دون غيره من الأسس ( العلمانية وما شابه ) أن العقوبات فيها تكون لمن زاغ عن أمر الله تعالى لا لمن زاغ عن أهواء السلطان أو حزبه أو المؤسسات التي تدعي المدنية ، والمدنية منها براء ، أو لأهواء مجموعة من الشاذين الذين تدعمهم وسائل إعلام متنفذة وغير ذلك .
وما يحدد هذا الزيغ عن أمر الله سبحانه هو الولي نفسه ، باعتباره حلقة الوصل بين الله جلا جلاله ومخلوقاته ، وكلما كانت عقوبات الدولة موجهة لمن زاغ عن الأمر الإلهي (كما لو كانت بقيادة فقيه رباني) كانت هذه الدولة أقرب الى دولة العدل الإلهي .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/70920/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M