صفقة القرن “الإرهاصات والمتغيرات”

اعداد : عبد الله مصباح محمد أبو داير – باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بجامعة ابن زهر-المملكة المغربية.

 

ملخص :

لقد أثبتت ما يسمى بصفقة القرن وبدون أن تردد أن إدارة ترامب تجاوزت كل القرارات الدولية التي تقضي بأن القدس تحت الإدارة الدولية ولا يجوز تغيير واقعها إلا بقرار دولي من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة وأن السلطة الفلسطينية لم توافق عليها، فكيف نتحدث عن صفقة يوافق عليها من أعدها؟، كما أن نقل السفارة الأمريكية في القدس ودمج القنصلية الأمريكية العامة في القدس في السفارة، وعدم الاعتراف بالدولتين، وعدم الاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم هو تجاوز آخر لقرارات الشرعية الدولية. بالرغم من عدم شرعية إقامة علاقات مع إسرائيل بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بشكل علني أو سري من بعض الدول العربية والإسلامية إلا أن البعض يرى استخدام ذلك لدعم الحقوق الفلسطينية بدلاً من تفرد الولايات المتحدة في آليات وشكل حل الصراع العربي الإسرائيلي.

من الواضح أن السياسة الأمريكية في عهد جو بايدن قد تغيرت إلى حد ما للأفضل ولو شكلاً من خلال وعود الإدارة الأمريكية بإعادة فتح القنصلية العامة في القدس، ودعم حل الدولتين، ونيتها إعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ولكن لا يجب أن نكون متفائلين، فالسفارة الأمريكية ما زالت قائمة، صفقة القرن لم يتم التنديد بها، لم تعترف أمريكا بعد بالدولة الفلسطينية بالرغم من فتح سفارة لدولة فلسطين في واشنطن.

لا يمكن تحقيق أي من الحلول إلا البدء الفوري بإنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي والتمكن من إجراء الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني التي تمثل كل الشعب الفلسطيني، حتى يتم مواجهة إجراءات إسرائيل في منظمات المجتمع الدولي ونزع الحقوق الفلسطينية.

Abstract

The so-called deal of the century has proven, without hesitation, that the Trump administration has bypassed all international resolutions that stipulate that Jerusalem is under international administration and its reality may not be changed except by an international resolution of the Security Council and the General Assembly of the United Nations, especially since the Palestinian Authority did not agree to it, so how can we talk about a deal that agrees Who prepared it for her? Also, moving the US embassy in Jerusalem and merging the US Consulate General in Jerusalem with the embassy, not recognizing the two states, and not recognizing the right of return of Palestinian refugees to their homeland is another violation of the resolutions of international legitimacy. Despite the illegality of establishing relations with Israel directly or indirectly, or openly or secretly from some Arab and Islamic countries, some see the use of this to support Palestinian rights instead of the United States being unique in the mechanisms and form of resolving the Arab-Israeli conflict.

It is clear that US policy under Joe Biden has changed somewhat for the better, albeit in form, through the US administration’s promises to reopen the Consulate General in Jerusalem, its support for the two-state solution, and its intention to reopen the Palestine Liberation Organization’s office in Washington, but we should not be optimistic, The American embassy is still there, the deal of the century has not been denounced, and America has not yet recognized the Palestinian state, despite the opening of an embassy for the State of Palestine in Washington.

None of the solutions can be achieved except for the immediate start of ending the internal Palestinian division and being able to hold the Palestinian presidential, legislative, and national council elections that represent all the Palestinian people, so that Israel’s measures are confronted in the organizations of the international community and the Palestinian rights are taken away.

المقدمة:

يشهد العالم علاقات دولية متخبطة وتثير القلق، فالسياسات الأمريكية المتأرجحة تلعب دورا بارزا في الساحة الدولية، كونها الدولة العظمى التي تسيطر على النظام العالمي الأحادي القطبي، فأحيانا نجد أمريكا تحسن علاقاتها مع تركيا وأحيانا نجد العكس، وكذلك تهدد إيران وتقيم التهدئة معها في آن واحد، بسبب سياسة كل رئيس جديد للبيت الأبيض. كما نجد إسرائيل لاعب رئيسي في المنطقة وتستفيد من كل ما يجري، وتستخدم عنصر الوقت في الترويج لسياستها التي تسعى لأن تكون دولة طبيعية في النظام الإقليمي، لكسر الحواجز الموجودة بينها وبين عدة دول أفريقية وعربية. يتميز الشرق الأوسط بأنه منطقة صراعات دائمة دولية أو إقليمية، فلا توجد دولة واحدة في هذه المنطقة إلا وقد شهدت صراعات داخلية وخارجية، ولقد أسهم خلق “دولة إسرائيل” في تغذية الصراعات، فقد أصبح الصراع العربي الإسرائيلي في كثير من دول من هذه المنطقة قاسما مشتركا، فالقوى الدولية في الشرق الأوسط ليست عربية “تركيا وإيران وإسرائيل”، مما خلقت تحالفات وتراكمات دفع ثمنها شعوب المنطقة.

إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في نسج علاقاتها في المنطقة بدون حليف قوي واستراتيجي يدعمها ويحميها، باعتبارها عنصرا غريبا ومرفوض شعبيا، ولا يمكنها مهما بلغت من قوة أن تحقق أهدافها وطموحها، لذلك كانت أمريكا الظهر والسند الحامي والمغذي لها، ومع قدوم دونالد ترامب ليتولى الرئاسة الأمريكية، عرف بسياسته الإيجابية والإرضائية للاحتلال، لذلك قام بإعداد صفقة قرن بمساعدة صهره كوشنير، لتغيير ملامح الخريطة الجغرافية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط وبالأخص في أراضي السلطة الفلسطينية. وبما أن موضوع البحث حول صفقة القرن، لابد من التطرق إلى إشكالية الموضوع، وهي: إلى أي حد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية في التأثير على القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن؟

نظرا لأهمية البحث، فإنه يسعى لتحقيق عدة أهداف:

  • أولا- توضيح السياسات الأمريكية والإسرائيلية في عهد ترامب تجاه القضية الفلسطينية.
  • ثانيا- إبراز بنود صفقة القرن وتأثيرها على المنطقة.
  • ثالثا- إبراز الموقف الفلسطيني الشعبي والرسمي تجاه الصفقة.
  • رابعا- دور الرئيس الأمريكي الجديد بايدن تجاه الصفقة والقضية الفلسطينية.

سنقوم بمعالجة البحث من حلال الاعتماد على منهج تحليل المضمون من خلال تحليل مضامين الصفقة والعمل على تفسيرها وكذلك منهج تحليل الخطاب من خلال تفسير وتحليل مواقف الشخصيات السياسية تجاه الصفقة، والمنهج الوصفي من خلال إبراز وتوصيف السياسة الأمريكية والمواقف تجاه الصفقة. لذلك سنتطرق في هذا البحث إلى التقسيم التالي، دور صفقة القرن تجاه القضية الفلسطينية والمواقف الهامة حولها في المبحث الأول، الموقف الفلسطيني والمتغيرات الأمريكية الجديدة تجاه صفقة القرن في المبحث الثاني.

المبحث الأول: دور صفقة القرن تجاه القضية الفلسطينية.

كان لهذه الصفقة دورا فعالا في التأثير على الساحة الدولية والفلسطينية بالأخص، فلقد لعبت الصفقة في تأجيج الرأي الدولي الإقليمي والشعبي، نظرا لكونها تهدف إلى تغيير ملامح القضية الفلسطينية والمساس بتوابثها، مما أحدث ذلك ضجة كبيرة، فالصفقة تستهدف منطقة تعتبر حساسة وحيوية جدا بالنسبة لكل العرب والمسلمين. لذلك سنتطرق في هذا المبحث إلى ملامح الصفقة والمواقف الدولية اتجاهها.

المطلب الأول: ماهية صفقة القرن الأمريكية.

بات مصطلح صفقة القرن الأكثر انتشارا، لوصف الجهود الأمريكية في التوصل اتفاق سلام كما تزعم خلال الأعوام السابقة، انتشر مصطلح الصفقة في وسائل الإعلام الدولية والمحلية، وعلى لسان بعض القيادات السياسية الفلسطينية والأمريكية. حيث تروج أمريكا للصفقة باعتبارها الطرف الوحيد المتحكم بها، التي بدأت بتناولها بشكل معلن بعد تولي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض الأمريكي عام 2016م، إلا لغاية نهاية عام 2018م لم يطرح أي تصور حول الصفقة في وسائل الإعلام.

بعد تولي ترامب مقاليد الرئاسة الأمريكية، أعلن عن نيته للتوصل إلى صفقة نهائية للصراع في الشرق الأوسط، خاصة الصراع العربي الإسرائيلي، فلقد قام بتكليف جاريد كوشنر للقيام بهذه المهمة، وفي إبريل من عام 2017م التقى ترامب بالرئيس المصري السيسي، وقد دعم السيسي جهود الإدارة الأمريكية في حل الصراع العربي الإسرائيلي، كما أطلق على الصفقة عدة مسميات مثل: “صفقة الحل النهائي” و”صفقة ترامب” و”صفقة الصفقات” و”صفقة القرن أو مؤامرة القرن”، كما حددت أمريكا عدة مواعيد للإعلان عن الصفقة، لكنها لم تطرحها رسميا إلا بنهاية شهر أكتوبر 2018م.[1] إن أهمية الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة قد تراجعت بسبب وجود بدائل للنفط كالبترول الصخري، وتراجع الاعتماد الغربي على المنطقة التي اعتاد على خيراتها، وإن تزايد إحساس إسرائيل بالأمن مؤخرا يجعلها أمام حلفاؤها كأمريكا في منأى عن مخاطر الحرب، كما أن إدارة ترامب تفكر بعقلية اقتصادية تقوم على منطق الربح والخسارة، لذلك لم تعد أمريكا ترغب في نشر قواتها في العديد من الدول، نظرا لتكاليفها الباهظة للغاية، ولكن الأمر الذي لا جدال فيه، هو أن الإدارة الأمريكية سوف تحصد الأموال الطائلة من أرصدة البترول العربي، وهذا ما نجح به ترامب.[2]

تتناقض صفقة القرن مع قرارات مجلس “242و338و193″، التي تنص على انسحاب إسرائيل من أراضي السلطة الفلسطينية المحتلة عام 1967م كوسيلة لتعزيز السلام بين الجابين، ويشكل رفض إسرائيل الانسحاب من هذه الأراضي تمرد وإهمال للقرارات الدولية، كم أنه يحرم اللاجئين الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم.

تقترح صفقة القرن خطة تعطي جزءا صغيرا من الضفة الغربية للفلسطينيين، وتضع إستراتيجية لنقل ملكية مدينة القدس إلى إسرائيل، مع وعد بإنشاء عاصمة فلسطينية جديدة في الأرض المتبقية، وإن الجزء الغير اعتيادي في الصفقة هي الطريقة التي تحاول دفن قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث تعتبر الصفقة غير قانونية،[3] إذا ما نظرنا إلى قرارات مجلس الأمن في الفقرة أعلاه.

بدون الولوج لتعقيدات تفاصيل الصفقة، فإنه يوجد خطوات تمهيدية للصفقة وهي:[4]

  • – نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس، واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال.
  • – تقليص الدعم المالي للأونروا والضغط لإلغائها.
  • – إسقاط صفة لاجئ عن ملايين الفلسطينيين واعتبار صفة اللاجئ لا تورث.
  • – دفع العديد من المليارات من الدول الخليجية لأمريكا.
  • – وقف المساعدات المالية عن الأردن ولبنان.
  • – البدء بخطوات تطبيعية مع إسرائيل.

كما للصفقة عدة مراحل ليتم تنفيذها على أرض الواقع وهي:

-القيام بتنفيذ حصار شديد على غزة لتقزيم دور حركة حماس، لتجعلها تقبل بأي اتفاق يطرح عليها. وإنشاء كيان سياسي في غزة عبارة عن دولة ذات حدود مؤقتة تحت الإدارة الفلسطينية، ثم عبر الانتخابات التي ستجري بعد ستة أشهر. وتقديم تسهيلات اقتصادية وفتح المعابر وزيادة تزويد إمدادات الطاقة.

-ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، واستبعاد القدس من أي ملف تسوية واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل، وخلق قرى جديدة من أحياء القدس كسلوان والعيسوية وأبو ديس تكون عاصمة للدولة الفلسطينية الجديدة.

-استثمار الأموال في شبه جزيرة سيناء من خلال إنشاء منطقة تجارية حرة مع خمس مشاريع صناعية، كما سيتم تشغيل ثلتي أهل غزة فيها والثلث الأخير من أهالي سيناء، وإنشاء ميناء مصري غزي تحت إشراف الأمني المصري، وإنشاء مطار سيتولى المصريين إدارته.

-إنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين تماما، وورفض توريث صفة اللاجئ وتذويب هويتهم. وإنشاء كونفدرالية بين الدولة الفلسطينية المؤقتة والأردن، تكون هي المركز لعودة من يرغب من اللاجئين. وضم أجزاء من أراضي شمال سيناء لقطاع غزة لتوسيع طاقة استيعاب القطاع للمواطنين، لكن تبقى السيطرة الأمنية بالدولة الفلسطينية الجديدة بيد إسرائيل.

-مساهمة الدول الخليجية في دفع تكاليف تنفيذ الصفقة وفرضها على الأطراف الأخرى المعنية.

-توفير بيئة جيدة لتحقيق تطبيع عربي إسرائيلي كامل وشراكة إستراتيجية في المنطقة.[5]

لا تعترف إسرائيل باللاجئين الفلسطينيين، وتقول إن اللاجئين هم الذين ولدوا قبل عام 1948م، وتقدر أعدادهم بخمسين ألف لاجئ فقط، وهو الرقم المذكور والمعترف به من قبل الصفقة، واعتدت إسرائيل في عدم اعترافها على عدة مبررات وهي، أن الفلسطينيون هربوا من ديارهم بإرادتهم وبطلب من الأحزاب الفلسطينية التي تحارب بإرادتهم، وقيادة الجيوش العربية من الفلسطينيين مغادرة أراضيهم خلال 1948م، لغرض القضاء على اليهود واستعمال أراضيهم كمراكز قتالية.[6]

إن إسرائيل قد نجحت بالفعل في استمالة أمريكا لتلبية رغباتها الكامنة منذ عقود زمنية قديمة، فقد حققت ذلك فعلا من خلال حيازة اعتراف رسمي من أمريكا بشأن اعتبار مدينة القدس عاصمة لها، وطمس حق اللاجئين في العودة إلى أراضيها واختزاله بالتعويض والتوطين فقط، واستحوذت على أراضي الضفة الغربية، وحصلت قبل فترة زمنية قصيرة على اعترافا رسميا أمريكيا، بشأن هضبة الجولان حيث اعتبرته منطقة إسرائيلية. لقد ضربت إسرائيل وأمريكا بعرض الحائط كل القرارات الدولية ذات الشأن وكأن القانون الدولي لعبة تتحكم بها أمريكا، وبما أن هذه القرارات خارجة عن القانون الدولي والإرادة الفلسطينية الرسمية والشعبية، فهي صفقة فاشلة لن تحقق أهدافها المرجوة على الإطلاق.

نلاحظ غياب الإرادة الفلسطينية الرسمية عن الصفقة، وهذا يفسر بسبب عدم توفر الصفقة على بنود تحقق المصالح والثوابت الفلسطينية، حيث غيبت الصفقة حق اللاجئين بالعودة لوطنهم تنفيذا لقرار الجمعية العامة 194، كما اعتبرت أن اللاجئين عددهم 50 ألفا، وهذا غير معقول لأنه اللاجئين هؤلاء قد توفتهم المنية نظرا لطول الفترة الزمنية منذ عام 1948م لغاية الآن، كما لا يحق لأحد حرمان عائلات اللاجئين ونسلهم من صفتهم لغاية عودتهم لديارهم، وهذا يشرح لنا مخالفة أمريكا وإسرائيل لقرارات الشرعية الدولية، وأن نقل سفارة الأمريكية إلى القدس الخاضعة للوصاية الدولية، مخالفة جديدة للقانون الدولي، بسبب اعتبار القدس الشرقية أراضي فلسطينية محتلة، وهذا لا يخول إسرائيل الحق في فرض سيادتها على القدس أو تقبل أي دولة بنقل سفارتها لهذه المنطقة المحتلة.

المطلب الثاني: الموقف الفلسطيني والدولي تجاه الصفقة.

لقت الصفقة ردود فعل عارمة على الصعيد الدولي والفلسطيني والرأي الدولي، فهي صفقة تهدف لمنح من لا يملك ما لا يستحق، وهذا يعتبر إخلال بالشرعية الدولية ويساهم في تهديد الأمن والسلم الدوليين ويؤخر عملية السلام الدولية.

أولا: الموقف الفلسطيني.

حالة الانقسام الذي يشهدها النظام السياسي الفلسطيني في غاية التعقيد والخطورة، فهناك طرفين يتحكمان في المشهد والنظام السياسي الفلسطيني، حيث تسيطر حركة فتح الذي يقودها الرئيس محمود عباس على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ومنطقة الضفة الغربية، أما قطاع غزة فتسيطر عليه حركة حماس، مع العلم أن النظام الرئاسي والبرلماني لقد فقدا شرعيتهما، نظرا لتجاوز كلا الطرفين لفترتهما الزمنية في الحكم.

إن الموقف الرسمي الفلسطيني المتمثل بمنظمة التحرير والسلطة تجاه الصفقة، يمكن تلخيصه بتصريحات الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بأن “الصفقة تهدف إلى ضرب المشروع الوطني الفلسطيني من خلال تحويل القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية إنسانية اقتصادية، نتيجة تعاطي بعض الأطراف المشبوهة مع الأطراف الأمريكية التي اعتقدت أنها تستطيع إزاحة قضية القدس واللاجئين، ويفتح لها الطريق أمام عقد صفقة القرن المرفوضة فلسطينيا وعربيا ودوليا”، كما أعلن الرئيس الفلسطيني عباس عن قطع العلاقات مع إدارة ترامب، منذ إعلانها القدس هي عاصمة لدولة الاحتلال.[7]

إن الموقف الرسمي لحركة حماس كان رافضا للصفقة، حيث رفضت الحركة التعاطي مع أمريكا في تحركاتها لتعزيز السلام كما تدعي بين غزة وإسرائيل، رغم موافقة أمريكا على العمل مع حماس إذا ما نبذت الإرهاب، واعتبرت غرينبلات وكوشنير ناطقان باسم الاحتلال الإسرائيلي.[8]

الموقف الفلسطيني الرسمي واضحا بالنسبة للفاعلين السياسيين الرئيسيين على الساحة الفلسطينية، فحركة فتح اعتبرت هذه الصفقة لها صيغة اقتصادية، أي أنها صفقة لا تحقق الحقوق الشرعية السياسية للشعب الفلسطيني، في تأسيس دولته على حدود 1967م وعودة اللاجئين، واختزال الصفقة على تأسيس دولية تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية وإنشاء عدة مشاريع تجارية واقتصادية لتحسين أحوال بعض الفلسطينيين المتواجدين في الضفة وغزة فقط، لذلك نستنتج أن هذه الصفقة هدامة لحلم الدولة الفلسطينية المستقبلية، نظرا لاعتبار حركة فتح المتحكمة بالشأن السياسي الخارجي الفلسطيني. أما حركة حماس فيتضح دورها متخوفا للغاية بالرغم من تشوقها للتعامل مع أمريكا، نظرا لانعزالها عن دول العالم منذ فترة لا بأس بها، وأمريكا تعتبر مفتاح الفرج بالنسبة لها إذا ما وافقت على الصفقة، نظرا لثقل الوزن الأمريكي على الساحة العالمية، ولكن ربط التعامل الحركة مع أمريكا بنبذها للمقاومة تجاه الاحتلال،  فنعتقد أنه السبب الرئيسي لتراجعها عن الصفقة، نظرا لاعتبارها حركة مقاومة يمينية انتخبت وحصدت أصوات الانتخابات بناء على هذا الأمر، فخروجها عن هذه القاعدة سيفقدها شرعيتها ومصدقيتها أمام الفلسطينيين، وهذا ما تتخوف منه الحركة.

ثانيا: الموقف الإسرائيلي.

الموقف الإسرائيلي مغاير للموقف الفلسطيني، فالنظام السياسي الإسرائيلي مستقر إلى حد كبير، وكما تحظى بدعم غير محدود من أمريكا، بالشكل الذي يعتقد أن الصفقة من إنتاج وإخراج وتخطيط إسرائيلي على أن يقتصر التنفيذ على أمريكا، ولكن هذا لا يعني أن هناك إجماع إسرائيلي على الصفقة، فالحكومة الإسرائيلية ذات نظام يميني متطرف ترفض بأي شكل من الأشكال، وجود أي دولة فلسطينية عند العديد من النخب والقيادات الإسرائيلية اليمينية، حيث طلبت الحكومة الأمريكية من إسرائيل قبول ضم 10% من الضفة الغربية لدولة الاحتلال، ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو أصر على ضم 15% من مساحة الضفة الغربية.[9]

القيادات الإسرائيلية تحاول على قدر استطاعتها على كسب المزيد من الأراضي الفلسطينية وابتلاعها على غير وجه حق وبدون موافقة فلسطينية مسبقة، لذلك حبكت برفقة أمريكا هذه الصفقة لتحقق غايتها الكامنة، نظرا لعدم إمكانية وجود توافق فلسطيني عليها، فارتأت إسرائيل الاستعانة بأمريكا، نظرا للتوافق الفكري الكبير بين أمريكا والاحتلال، لنسج هذه الصفقة، وتحقيق مكاسب إسرائيلية جديدة عجزت الحروب والقوة الإسرائيلية على تحقيقيها.

ثالثا: موقف الأمم المتحدة.

ترتكز الأمم المتحدة على قرارات الشرعية الدولية، والذي يستند على حل الدولتين على حدود حزيران 1967م، لذلك اعتبرت الأمم المتحدة القدس الشرقية أراضي فلسطينية محتلة، كما أن قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947م، والذي ينص على “تدويل بمدينة القدس بالكامل ككيان مستقل”، وإن الأمم المتحدة لا تعترف باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وهذا انعكس في قرار الجمعية العامة رقم 30/63 عام 2009م، والذي ينص على أن “أي خطوات اتخذتها سلطة الاحتلال الإسرائيلي لفرض قيودها أو قوانينها أو ولايتها القضائية على مدينة القدس، تعتبر غير قانونية ولا صحة أو قيمة لها”. وفي 21/12/2017م، عقدت الجمعية العامة جلسة طارئة لها، بخصوص إعلان أمريكا اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل واعتبرته باطل ولاغي.[10]

نعتقد أن الموقف الأممي واضح للغاية، فهي لا تعترف بأي إجراءات أحادية الجانب تتخذها إسرائيل وأمريكا بمعزل عن الموافقة الفلسطينية أو الشرعية الدولية، نظرا لوجود قرارات دولية تعتبر كمستند لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكما أن الفلسطينيين غائبون عن الصفقة، وهذا غير قانوني، لأن أغلب بنود الصفقة تتعلق بهم، لذلك كان لابد من توافق الإرادة الفلسطينية معها لإضفاء الشرعية عليها، وهذا لم يتحقق، لذلك تعتبر صفقة أحادية الإرادة وباطلة.

إن الوضع العربي المتأزم من الحروب والجماعات المتطرفة، خلق بيئة لأمريكا والاحتلال لتخلق صفقة تحقق الربح لإسرائيل، وإن الصفقة تكون بين طرفين يحقق كل منهما غايته ويتنازل كل منهما لكي تنجح الصفقة، ولكن هنا الوضع مختلف تماما، فالذي أعد الصفقة والذي خطط لها وساعد في طرحها لم يحصل على موافقة الطرف الفلسطيني على الإطلاق، لذلك خلقت هذه الصفقة لتكون ميتة بالأساس، فالصفقة قوبلت بالرفض لانتهاكها الشرعية الدولية والثوابت الفلسطينية، فلا وجود لحق للاجئين في العودة، ولا عاصمة في القدس للفلسطينيين، ولا جيش يحمي الدولة الفلسطينية، ولا إزالة لمعظم المستوطنات في الضفة الغربية. لذلك هي صفقة لصالح طرف ونكسة بالنسبة للطرف الأخر، ويتضح هنا الانحياز الواضح لأمريكا لصالح إسرائيل. ولكن باعتقادي هذه الصفقة وما تبعها مع علاقات للتطبيع وغيرها لا أهمية قانونية أو واقعية تذكر، لأن الصفقة غير قانونية ولا تملك أمريكا أو إسرائيل سلطة دولية أو إجبارية على الطرف الفلسطيني، فليس لديه ما يخسره في الواقع أكثر من ذلك.

المبحث الثاني: المتغيرات الجديدة تجاه الصفقة.

إن أغلب الدول قد أجمعت على عدم شرعية الصفقة، نظرا لافتقارها للموافقة الأممية والفلسطينية لكي ترى النور. لكن لقد سارت بعض الدول تجاه إنشاء علاقات رسمية بينها وبين الاحتلال، مما أدى لإنشاء علاقات دبلوماسية بينهما. كما أن نجاح بايدن أمام ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، أدى إلى تغيير الموقف الأمريكي تجاه الصفقة.

المطلب الأول: إنشاء علاقات مع الاحتلال.

بعد أن قامت مصر بتطبيع علاقاتها مع الاحتلال، وكانت تستثمر العلاقات معها بدون التورط معه، بل حافظت على صورة الاحتلال كعدو للقومية العربية، لهذا أرادت بعض الدول تجاوز السياسة المصرية تجاه الاحتلال، وتشرع في عقد اتفاقات معه. وخلال العام الجاري وقعت ثلاث دول (الإمارات والبحرين والسودان) اتفاقيات سلام مع الاحتلال، وهذا ما رحبت به الإدارة الأمريكية الحالية، وقال أنها ستدعو المزيد من دول المنطقة لاتخاذ خطوات مماثلة، لكن بادين قد عارض السياسة الترامبية في التعامل مع هذا الشأن.[11]لهذا سنتطرق هنا لهذه الدول الثلاث، نظرا لعدم سعة البحث وأن هذه الدول قامت بالتطبيع أثناء حكم ترامب.

مملكة البحرين تعتبر أكثر الدول مؤهلة لإنشاء علاقات مع الاحتلال، كان بداية الأمر منذ عام 2000م عندما التقى سلمان آل خليفة بشمعون بيريس في منتدى دافوس الاقتصادي، كما رفعت البحرين الحظر على البضائع 2005م، وأغلقت مكتب المقاطعة الإسرائيلية 2006م، وزيارة وفد بحريني كبير رسمي للاحتلال 2017م، كما صرح وزير الخارجية البحريني أن التهديد الإيراني أخطر وأهم من القضية الفلسطينية، وأمرت وزارة الشؤون الإسلامية البحرينية بوقف الخطب الدينية المناهضة للاحتلال في المساجد.[12] لذلك اعتبرت البحرين البلد الخليجي الثاني بعد الإمارات الذي قام بإنشاء علاقات مع الاحتلال في 11 سبتمبر 2020م، وكذلك كانت البلد المعني لاستضافة مؤتمر المنامة الاقتصادي، الذي يعتبر الإرهاص الأول لدخول صفقة القرن حيز النفاذ.

كما قامت الإمارات بإنشاء علاقات مع الاحتلال في 13 أغسطس 2020م، واعترفت بتأسيس علاقات اقتصادية ودبلوماسية، وفي السنوات الأخيرة اشتركت البلدين بتعاون غير رسمي واسع، بسبب معارضتهما للبرنامج النووي الإيراني. في 2015م فتح الاحتلال بعثة دبلوماسية رسمية في أبو ظبي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة. وفي سياق الاتفاق عبر ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد والاحتلال وبمباركة أمريكية إلى بدء تدفق العلاقات بين الطرفين، وسمحت الإمارات بالاتصال الهاتفي المباشر مع الاحتلال، في 31 أغسطس2020م أطلقت أول رحلة جوية تجارية من الاحتلال إلى الإمارات عبر شركة طيران إل عال الإسرائيلية، وفي 14 فبراير2021م عين محمد آل خاجة سفيرا رسميا للإمارات في دولة الاحتلال.[13]

أما بالنسبة للسودان، فقد التقى رئيس مجلس السيادة السوداني ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو في أوغندا في فبراير 2020م، في سبيل ذلك أقرت الحكومة الانتقالية السودانية قانونا لإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل الصادر عام 1958م، الذي يحظر على السودانيين أي تعامل تجاري مع الإسرائيليين. نتيجة لذلك أصبحت السودان مؤهلة لتأسيس علاقات مع الاحتلال، وفي23 أكتوبر2020م وقعت السودان على اتفاق لتأسيس علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.[14]

إن تأسيس العلاقات بين الدول العربية السابقة والاحتلال، كان نتاج تدخلات أمريكية في هذا الشأن، وخاصة في سياق صفقة القرن، حيث تم إنشاء العلاقات بوساطة أمريكية، لذلك يتضح لنا أن هذا الأمر جزءا من الصفقة، فلكل دولة غاية من وراء تأسيس علاقتها مع الطرف الأخر، كما أن أمريكا باعتبارها الدولة العظمى لا يقدر أحد أن يرفض لها أمر، فأعتقد أن هذه الدول قد قامت بتلبية الهدف الأمريكي إرضاء لها، ولعدم مقدرتها في ظل الترهل العربي على أن تتخذ قرار عكس قرارها الحالي، فهم دول نامية لا تستطيع مواجهة ومجابهة السياسة الترامبية. كما أن البحرين والإمارات تتخوفان إلى حد كبير من الدولة الإيرانية المجاورة لهما، نظرا لامتلاكها القدرة النووية واختلاف الرؤى والمصالح بينهم، فأصبحت إيران تشكل تهديدا لأمنهما القومي ولإسرائيل أيضا، لذلك اجتمعت البحرين والإمارات وإسرائيل على اعتبار إيران دولة خطرة عليهم، لذلك سعوا على تطبيع العلاقات مع بعضهم لمجابهة هذا الخطر، وهذا ما استغلته جيدا إسرائيل في حقيقة الأمر وكذلك أمريكا لكي تضغط عليهما لتحقيق التعاون على أغلب المجالات بينهم. أما السودان ونظرا على وضعها على لائحة العقوبات الأمريكية، ووجود مجلس عسكري لغاية الآن متحكم بزمام السلطة فيها، كان لابد على السودان أن تحاول على فك الحصار الموجه نحوها وتحسين صورة مجلسها العسكري، وهذا لا يمكن تحقيقه بشكل فعال بدون حل مشكلتها مع أمريكا، ونظرا لاشتراط أمريكا عليها بتطبيع علاقتها مع الاحتلال لترضى عليها، قامت السودان بتأسيس علاقات مع الاحتلال لتحقيق ما سبق ذكره.

المطلب الثاني: سياسة الرئيس الأمريكي بايدن تجاه الصفقة.

بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اختلفت الرؤية تجاه الصفقة. حيث صرح القائم بأعمال المبعوث الأمريكي لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز، “أن أمريكا ستستأنف مساعدات تعليق المساعدات التي علقها ترامب، معتبرا أن حل الدولتين هي أفضل طريقة لتأمين مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية، كما يفترض تشاور الطرفين في فرض السلام، وأن نجاحها يتم من خلال موافقتهما”.[15] وقامت أمريكا بإقفال قنصليتها العامة في القدس للسكان الفلسطينيين، بعد نقل سفارتها من تل أبيب ونقلها إلى القدس، حيث تم دمج القنصلية في السفارة في مارس 2019م، واعتماد الفلسطينيين في وحدة شؤون الفلسطينيين داخل السفارة. ولكن في مايو 2021م، أعيد افتتاح القنصلية في القدس الشرقية، وقال جيسون غرينبلات مساعد الرئيس الأمريكي “أن أمريكا أعادت فتح مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية”.[16]

ثمة العديد من العوامل التي أثرت على موقف إدارة بايدن تجاه الصفقة،[17] وهي:

-أدرك الديمقراطيون ضرورة تخطي أزمة العلاقة بينها وبين السلطة الفلسطينية والعودة إلى المسار الديمقراطي.

-العلاقة الغير الودية بين حكومة اليمين الإسرائيلي وإدارة بايدن حيث كان نائبا لأوباما، وتأثير الكتلة التصويتية الإسلامية في الانتخابات الأمريكية لصالح بايدن. وتمسك بايدن بالاتفاق النووي الإيراني يثير اليمين الإسرائيلي.

-انشغال بايدن بمعالجة التحديات الداخلية الأمريكية، نتيجة الانقسامات التي قام بها ترامب، خاصة خلال أزمة وباء كوفيد19. وتوجس أمريكا من محاولات تنامي الدور الروسي في الملف الفلسطيني، في ظل توتر العلاقات الفلسطينية الأمريكية.

هنالك مبدأين يجب على إدارة بايدن الاعتماد عليها تجاه القضية الفلسطينية،[18] وهي:

أولا: الاعتراف بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي تستند على قرارات الأمم المتحدة كمرجعية في حل الصراع بينهما، وأن تسعى الإدارة الأمريكية إلى ضمان الحرية والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين معا، سواء في الإجراءات التي تتخذها أمريكا حاليا أو مستقبلا.

ثانيا: أن تلتزم أمريكا بحل الدولتين على حدود 1967م، الذي يمكن التوصل إليه من خلال المفاوضات، لأنه هذا النهج الوحيد الذي التزم به الطرفين رسميا وعليه الإجماع الدولي.

أدركت إدارة بايدن أن الصفقة قد لقت غضبا شعبيا كبيرا، ولذلك قد تخوفت من ضغط هذه الشعوب على حكوماتها مما قد يغير الواقع السياسي فيها، لذلك تراجعت أمريكا عن الصفقة والتزمت بقرارات الشرعية الدولية  لحل هذا الصراع، كما استرجعت علاقتها مع السلطة الفلسطينية باعتبارها الفاعل الرئيسي المعني لنجاح أو فشل الصفقة، كما أن الجالية العربية والإسلامية لها تأثيرا جيدا سواء من الناحية التصويتية في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية الأمريكية، لذلك لم تحبذ إدارة بايدن خسارة هذه الأصوات التي كان لها دورا هاما في نجاحه أيضا، خاصة لتوليه الرئاسة لولاية ثانية، فكل هذه العوامل اجتمعت لصالح القضية الفلسطينية، لأن الصفقة ليس لها بالأساس أي قيمة أو مرجع قانوني لتتمكن إدارة بايدن التمسك به. كما أن إدارة بايدن أيقنت أن أي خروج عن إطار حل الدولتين المتوافق عليه بين الطرفين وأمميا يعتبر تضييع للوقت وخسارة مالية لا فائدة مرجوة منها.

من المستبعد أن تقوم إدارة بايدن بتغييرات كبيرة تجاه القضية الفلسطينية، فجدول أعمال بايدن ممتلئ سواء على الصعيد الدولي تجاه روسيا والصين أو على مستوى الكونغرس، وأيضا بابدن لغاية الآن لم يصدر قرارا بنقل سفارته من القدس إلى تل أبيب، كما رفض بايدن قرار محكمة الجنايات الدولية والمتعلقة باختصاصها الإقليمي على الوضع الفلسطيني، واعتبر الفلسطينيين غير مؤهلين للحصول على دولة ذات سيادة أو العضوية كدولة أو المشاركة بالمنظمات، وأن التغيير الحقيقي في تخفيض مستوى التفاؤل الفلسطيني تجاه بايدن، وأنهم فقط من لديه القدرة على رؤيتهم ومشروعهم التحرري ضد إسرائيل.

لذلك نستخرج من البحث عدة توصيات لنجاح أي جهود أمريكية في المستقبل تجاه القضية:

أولا- اتخاذ إجراءات جديدة تجاه الفلسطينيين، من خلال تجديد العلاقات مع الحكومة الفلسطينية، وإظهار أمريكا التزامها بمبدأ الحياد والاستقلالية في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واعتماد سياسة التواصل الدبلوماسي مع الفلسطينيين كجزء من السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967م، وفتح سفارة لدولة فلسطين في العاصمة الأمريكية، وأن ترتقي القنصلية العامة الأمريكية في القدس إلى سفارة أمريكية للفلسطينيين.

ثانيا: كما يجيب إعادة تشغيل برامج المساعدة الاقتصادية للشعب الفلسطيني، ودعم وكالة الأونروا لتتبيث حق اللاجئين بالعودة.

ثالثا: على السلطة الفلسطينية وحركة حماس إنهاء الانقسام السياسي الداخلي بينهما، وإجراءات انتخابات تشريعية ومحلية ورئاسية بشكل عاجل، لضمان شرعيتهما وإبراز الصوت الفلسطيني الحر.

الخاتمة:

في الواقع، لم تستطع الإدارة الأمريكية على تحقيق تغيير ملموس على الساحة الفلسطينية أو الأممية، فالإجراءات التي اتخذتها كنقل السفارة إلى القدس أو الاعتراف بالعديد من المستوطنات كجزء من إسرائيل، أو طموحها بتأسيس دولة فلسطينية من خلال أخذ العديد أراضي سيناء وضمها لهذه الدولة وغيرها من القرارات أو الآمال التي ذهبت سدى، فلسطينيا لقد كان الشعب الفلسطيني واعي للغاية فقد أظهر بكل مكوناته السياسية وحدة حقيقة ورفض صارم للصفقة، ورسميا فإن السلطة الفلسطينية عبرت عن تأييدها لموقف شعبها وتمسكها بحل الدولتين على حدود حزيران 1967م، لذلك التشابه الكبير بين الموقف الرسمي والشعبي كان له تأثير في عدم حصول أي تغيير على أرض الواقع. أما على المستوى الأممي قد شابه الموقف الفلسطيني في رفضه وموقفه، فالأمم المتحدة لا يمكن أن توافق على الصراع بدون التوافق مع الطرف الفلسطيني والاستناد إلى قرارتها وفق الإجماع الدولي، ونتيجة لذلك اتجهت إدارة بايدن على تصحيح مسار ترامب من خلال الرجوع إلى تطبيق حل الدولتين لإنهاء الصراع بين الطرفين. ولكن بالرغم من ذلك كان للصفقة دورا سلبيا تجاه الفلسطينيين من بعض الدول التي أسست علاقات مع الاحتلال أو كانت ترغب بذلك، فقد أصدرت عدة إجراءات تقييدية تجاههم كعدم الاعتراف بجواز السفر الفلسطيني المصفر أو فرض رسوم باهظة لسند الإقامة وغيرها من الإجراءات. إن الصفقة كانت من رئيس أمريكي يمتلك عقلية تجارية ألهمه هذا الحس أنه يستطيع حل المشاكل السياسية الدولية المعقدة بنفس نهجه في حل مشاكله التجارية التي واجهته.

المراجع:

1- عمر أبو عرقوب، صفقة القرن من منظور الإعلام وهندسة الجمهور تحليل نقدي للخطاب الرسمي الأمريكي “رؤية تركية”، بحث نشرته الجامعة العربية الأمريكية، شتاء 2018م.

2- إبراهيم حمامي، صفقة القرن الحلم القديم الجديد، لندن-بريطانيا، أغسطس 2018م، ص24.

3- مصطفى الفقي، المتغيرات الدولية والتحولات الإقليمية، موقع independentarabia الإلكتروني، 11/11/2019م. https://www.independentarabia.com/node/70586/

4- مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، صفقة القرن في القانون الدولي، 15/12/2018م.

https://rawabetcenter.com/archives/79605

5- RTالعربية، أهم بنود صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب، 29/01/2020م. https://arabic.rt.com/middle_east/1080822

6- موقع ساسه بوست الإلكتروني، من هو اللاجئ الفلسطيني الذي تحاربه صفقة القرن؟، 31/يناير2020م.

https://www.sasapost.com/who-is-the-palestinian-refugee/

7- موقع القناة التاسعة الإسرائيلية، عباس يريد تغيير الحكومة لمنع إقامة حكم ذاتي في غزة، 2/7/2018م.

https://archive.9tv.co.il/news/2018/07/02/259375.html

8- Jewish New Syndicate, Hamas refuses to work with Greenblatt, Kushner, calling them ‘spokesmen for the Israeli occupation, 20/july 2018.

https://www.jns.org/hamas-refuses-to-work-greenblatt-kushner-calling-them-spokesmen-for-the-israeli-occupation/

9- محمد أبو سعدة، صفقة القرن: دراسة تحليلية في المضامين والمواقف العربية، مجلة المعهد المصري، المجلد03-العدد11، 11/07/2018م.

10- موقع معرفة الإلكتروني، وضع القدس، تاريخ الإطلاع 13/11/2022م-الساعة 02:55. https://www.marefa.org/

11- موقع مصراوي الإلكتروني، صفقة القرن والسلام مع إسرائيل-هل يسير بايدن على درب ترامب؟، 29/11/2020م الساعة04:26. https://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/details/2020/11/29/1921412/

12- وليد القططي، مؤتمر المنامة الاقتصادي: لماذا البحرين؟، موقع دنيا الوطن الإلكتروني، 22/05/2019م.

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2019/05/22/492924.html

13- إسماعيل محمد علي، السودان يلغي قانون مقاطعة إسرائيل لاستكمال اتفاق السلام، 7أبريل2021م-الساعة 12:33.

https://www.independentarabia.com/node/210021/

15- وكالة معا الإخبارية، إدارة بايدن توضح سياستها اتجاه القضية الفلسطينية، 26/01/2021م-الساعة 01:00.

https://www.maannews.net/news/2030974.html

16- موقع إضاءات، تقدير إستراتيجي: جو بايدن والقضية الفلسطينية، 01/12/2020م.

https://www.ida2at.com/strategic-assessment-joe-biden-palestinian-cause

18- عادل رفيق، إستراتيجية إدارة بايدن تجاه القضية الفلسطينية، المعهد المصري للدراسات، 29/ 01/2021م.

[1]– عمر أبو عرقوب، صفقة القرن من منظور الإعلام وهندسة الجمهور تحليل نقدي للخطاب الرسمي الأمريكي “رؤية تركية”، بحث نشرته الجامعة العربية الأمريكية، شتاء 2018م، ص55.

[2]– مصطفى الفقي، المتغيرات الدولية والتحولات الإقليمية، موقع independentarabia الإلكتروني، الاثنين 11/11/2019م الساعة 10:05. https://www.independentarabia.com/node/70586/

[3]– مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية، صفقة القرن في القانون الدولي، 15/12/2018م.

https://rawabetcenter.com/archives/79605

[4]– إبراهيم حمامي، صفقة القرن الحلم القديم الجديد، لندن-بريطانيا، أغسطس 2018م، ص24.

[5]– RTالعربية، أهم بنود صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب، 29/01/2020م. https://arabic.rt.com/middle_east/1080822 ، وانظر ل: إبراهيم حمامي، مرجع سابق، ص28.

[6]– موقع ساسه بوست الإلكتروني، من هو اللاجئ الفلسطيني الذي تحاربه صفقة القرن؟، 31/يناير2020م.

https://www.sasapost.com/who-is-the-palestinian-refugee/

[7]– موقع القناة التاسعة الإسرائيلية، عباس يريد تغيير الحكومة لمنع إقامة حكم ذاتي في غزة، 2/7/2018م.

https://archive.9tv.co.il/news/2018/07/02/259375.html

[8]– Jewish New Syndicate, Hamas refuses to work with Greenblatt, Kushner, calling them ‘spokesmen for the Israeli occupation, 20/july 2018.

https://www.jns.org/hamas-refuses-to-work-greenblatt-kushner-calling-them-spokesmen-for-the-israeli-occupation/

[9]– محمد أبو سعدة، صفقة القرن: دراسة تحليلية في المضامين والمواقف العربية، مجلة المعهد المصري، المجلد03-العدد11، 11/07/2018م، ص125.

[10]– موقع معرفة الإلكتروني، وضع القدس، تاريخ الإطلاع 13/11/2022م-الساعة 02:55. https://www.marefa.org/

[11]– موقع مصراوي الإلكتروني، صفقة القرن والسلام مع إسرائيل-هل يسير بايدن على درب ترامب؟، 29/11/2020م الساعة04:26. https://www.masrawy.com/news/news_publicaffairs/details/2020/11/29/1921412/

[12]– وليد القططي،  مؤتمر المنامة الاقتصادي: لماذا البحرين؟، موقع دنيا الوطن الإلكتروني، 22/05/2019م.

https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2019/05/22/492924.html

[13]– الموسوعة الحرة ويكيبيديا، العلاقات الإسرائيلية الإماراتية، 02يونيو 2021م-الساعة 15:33. https://ar.wikipedia.org/wiki/

[14]– إسماعيل محمد علي، السودان يلغي قانون مقاطعة إسرائيل لاستكمال اتفاق السلام، 7أبريل2021م-الساعة 12:33.

https://www.independentarabia.com/node/210021/

[15]– وكالة معا الإخبارية، إدارة بايدن توضح سياستها اتجاه القضية الفلسطينية، 26/01/2021م-الساعة 01:00.

https://www.maannews.net/news/2030974.html

[16]– شبكة القدس الإخبارية، غرينبلات “إعادة فتح مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن حال العودة للمفاوضات”، تاريخ الإطلاع 16/11/2021م-الساعة 01:30. https://alqudsn.com/30544

[17]– موقع إضاءات، تقدير إستراتيجي: جو بايدن والقضية الفلسطينية، 01/12/2020م.

https://www.ida2at.com/strategic-assessment-joe-biden-palestinian-cause

[18]– عادل رفيق، إستراتيجية إدارة بايدن تجاه القضية الفلسطينية، المعهد المصري للدراسات، 29/ 01/2021م، ص20.

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=88348

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M