صناعة المحتوى في العراق.. جدلية المعايير الأخلاقية والوطنية

د. أسعد كاظم شبيب

 

تداخلت العديد من المفاهيم والقيم في العراق بعد التغيير من النظام الاستبدادي البائد الى التحول الديمقراطي واتاحة الحريات العامة ومن ضمنها حرية النشر والآراء، خصوصا مع تنامي استعمال أدوات تكنولوجية حديثة أصبحت بديلة عن الأدوات التقليدية التي الفها المجتمع ومن ذلك استعمال وسائط التواصل الاجتماعي، حيث أصبح بمقدور أي انسان ان يستخدم هذه الوسائط وسط تكرس حالات سلبية كثيرة خصوصا على مستوى الهرم السياسي، وهذه ما يسميه ابن خلدون بالانحطاط والخرافات.

يبدو ان ضرب القيم السياسية انعكس سلباً على القيم المجتمعية وسط غياب معايير واضحة لمنظومة القيم الأخلاقية والوطنية التي تحدد الشرائح السياسية والاجتماعية، فما يعده الناس فساد وهدر للمال العام والكسب غير المشروع لدى اقطاب مختلفة من الطبقة السياسية يشرعن من قبل اخرون بعده من المكاسب الشخصية بعناوين دينية او طائفية او سياسية، فيما يلجأ صناع المحتوى على المستوى الاجتماعي الى نشر التفاهات والقول السيئ وسط غياب المعايير مثلما اشرنا، واكيد ان مدلول المعايير نسبي، ويختلف من شخص الى اخر ومن منظومة الى ثانية، ولا نريد هنا ان نعطي حكماً يمجد او يدين هذه الظواهر فهي تختلف من شخص الى اخر ومن محتوى الى اخر، هذا اذا علمنا ان عالم تكنولوجيا المعلومات اصبح امر واقع في اطار ما يعرف بتجليات العولمة، وعصر السرعة، والفضاء المفتوح، وانما نريد ان تثير اكثر من علامة استفهام حول الهجمة الرسمية بمحاربة وتقزيم صناع المحتوى! الم تكن ظاهرة بروز الاعلام المترهل والمزيف والمؤدلج برزت بقوة بعد عام 2003 بعد الانتقال من التقييد الشديد الى الحريات المنفلتة؟ الم تساهم الطبقة السياسية في بروز الظواهر السلبية مثل شيوع التطرف والإرهاب وبروز تحديات امنية جديدة بعد هزيمة التنظيمات الإرهابية مثل داعش واخواتها مثل انتشار المخدرات، واستفحال حالات الطلاق، والاباحية الجنسية، وما الى ذلك، إضافة الى انتشار ما يعرف بصناعة المحتوى الهابط، الذي يلجأ اليه عدد من الشباب لأسباب في الغالب مادية يذهب ضحيتها الأطفال، والمراهقون، وحتى البالغون من النساء والرجال، التساؤلات الأخرى لماذا يشن الجانب الرسمي هذه الحملة الآن اما كان من الاجدى محاربة الظواهر السلبية وقبرها في بدايتها بعمل قانوني ومؤسساتي محكم مع روح الديمقراطية وسيادة القانون والحريات العامة؟. الا يريد الجانب الرسمي استغلال هذه الظواهر من اجل الكسب السياسية او التغطية على إخفاقات سياسية واقتصادية ومالية مثل ازمة ارتفاع الدولار امام العملة المحلية وعدم قدرة الحكومة السيطرة على هذا الموضوع رغم تجييش الخطابات السياسية في هذا الموضوع؟.

من هنا يرى مراقبون ان الموجه التي يشنها القضاء العراقي والأجهزة الأمنية على ما يطلق عليهم بصناع المحتوى أصبح هذا الموضوع الخبر الأول في العراق، الذي يعاني من الفساد المالي والإداري مثلما اشرنا، وانتشار خطاب الكراهية والصراعات السياسية بين مكونات المجتمع وداخل المكون الواحد، وسوء الخدمات حتى تربعت العاصمة بغداد على قمة القائمة كأسوأ مدينة للعيش، وفق المعايير العالمية لعدة سنوات، أضف إلى ذلك تعثر العملية السياسية، والخطر الذي يهدد الاقتصاد الريعي القائم على سعر برميل النفط، وغيرها من الكوارث التي يعيشها العراقي، كل تلك المحن نُحيت وأهملت، وانصب التركيز على حسابات في منصات التواصل تروج مواضيع تافهة، الجانب الاخر الملاحظ ان هناك شبه تصعيد اعلامي يفعله صناع المحتوى نفسهم بعد هذه الحملة في محاولة بيان اخطائهم وهذا من المسائل الغربية وهو ما يفسر ان هذا الإقرار بالخطأ هو صحيح وناجم عن غياب المعايير وفلسفة المحتوى المنشور والذي يشهد يوميا بعشرات الالاف من قبل المواطنين او ان هناك ضغوطات تمارس باتجاه هؤلاء لنشر مواقفهم وبيان ان الإجراءات الرسمية كانت على صواب وهو ما يمثل حافز شعبي لدى اقطاب الطبقة السياسية الحاكمة.

المسألة الأخيرة هو ان أي اصلاح مجتمعي يستهدف منظومات مختلفة ومن ضمنها الحريات العامة او الشخصية لابد ان يسبقه بناء منظومة سياسية قائمة على أسس من المعايير الأخلاقية والوطنية تنسجم والثقافات والهويات الفرعية.

 

.

رابط المصدر:

https://www.mcsr.net/news807

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M