فى ذكرى 11 سبتمبر.. الإرهاب يتمدد

د. وفاء صندي

 

عندما شنَّت امريكا حربها ضد الإرهاب فى 2001، كان عدد المقاتلين فى صفوف القاعدة لا يتجاوز المئات، بينما كانت فروعها معدودة جدا. واليوم هناك عشرات الآلاف من المقاتلين الإرهابيين ينشطون فى نحو 70 دولة فى العالم، مما يتجاوز أزيد من أربعة أضعاف معدلات عام 2001. وتفاقم الإرهاب خلال العقدين الأخيرين يعود بشكل كبير لإخفاق الاستراتيجية الامريكية فى القضاء عليه، هذا ان لم نقل انها أسهمت فى تأجيجه. وبعدما كنا نتحدث عن بضع خلايا تابعة للقاعدة، أصبحنا اليوم نتحدث عن تنظيمين أساسيين وجماعات منبثقة منهما او موالية لاحدهما.

النتائج العكسية للحرب الأمريكية على القاعدة تكاد تكون هى نفسها نتيجة الحرب التى شنها التحالف الدولى بقيادة امريكا على تنظيم داعش. صحيح لم يعد هذا الأخير يمتلك أرضا يمارس عليها نفوذه، لكنه لا يزال يمتلك فكرا أسس له، ومقاتلين مستعدين للدفاع عنه والدفاع عن دولتهم المزعومة إما بالتأقلم مع وضعها الحالى والقيام بعمليات لا مركزية، أو من خلال محاولة إعادة بناء التنظيم من جديد استعدادا لظهوره مجددا.

فى تكرار للتاريخ، خلال حرب قوات التحالف ضد القاعدة، وعلى الرغم من مقتل المئات من كوادره العسكرية، وخسارة التنظيم للمناطق التى كان يسيطر عليها أو يحتمى فيها، والقبض على العشرات من قياداته وإيداعهم المعتقلات، ومحاصرته ماليا وملاحقته عسكريا، ورغم مقتل زعيمه أسامة بن لادن نفسه، فإن كل ذلك لم يقض على القاعدة. على العكس، استطاع التنظيم التكيف مع أوضاعه الجديدة، واستمر فى العمل وممارسة العمليات الإرهابية فى أنحاء مختلفة من العالم بما فى ذلك امريكا. وبالمثل، على الرغم من الحرب التى شنتها أمريكا وحلفاؤها ضد داعش فى 2017، فإن النتائج تقول إنها لم تستطع القضاء عليه، وإن حربها ضده ربما جعلته يتوارى قليلا، لكن سرعان ما سيعود للواجهة؛ لأن ما أسس له هذا التنظيم من فكر، وما يستغله من أوضاع سياسية وأمنية فى المناطق التى يوجد بها، يجعل من الصعب القضاء عليه فى حملة عسكرية.

فشلت أمريكا فى القضاء على الأسباب الرئيسية للإرهاب، وفشلت فى إيجاد إستراتيجية شاملة لمنعه. هذا الفشل سيؤدى إلى ظهور موجات جديدة من المتطرفين فى العالم، وهم يتدربون أكثر فأكثر على استخدام التكنولوجيات الحديثة، ما يتيح لهم نسف المكاسب الميدانية التقليدية لخصومهم.وهذا الفشل يضع العالم امام مجموعة من التحديات، أخطرها إمكانية ظهور موجات جديدة من الإرهاب، اما بنفس المسميات القديمة، او أخرى جديدة، ما دامت الأسباب التى أدت إلى ظهوره لا تزال قائمة، وما دام الفكر الذى نجح فى توظيفه لا يزال موجودا.

ان التنظيمات الإرهابية تصبح قوية اكثر بعد سقوطها وإعلان نهايتها،حيث يأتى، بعد ذلك، من يعيد إحياءها إما من خلال الخلايا النائمة، التى تعيد تنظيم نفسها بسرية قبل أن تخرج وتنفذ عملياتها وتستكمل مشروعها فى العلن، أو من خلال المئات، إن لم نقل الآلاف، من المقاتلين والمتعاونين المستعدين لتقديم حياتهم فداء لعقيدة التنظيم. سوف يستغل هؤلاء حالة التوتر والحروب المندلعة فى عدد من الدول حول العالم لتحقيق أهدافهم، من أجل نشر أفكارهم وعقائدهم وبنيتهم الاجتماعية.

إن الهزيمة العسكرية للقاعدة فى أفغانستان، وهزيمة داعش فى العراق وسوريا لا تعنى نهاية الارهاب أو انتهاء خطره. لقد استطاع التنظيمان المتنافسان التمدد أيديولوجيا قبل أن يتمددا هيكليا فى ليبيا واليمن وأفغانستان وغرب إفريقيا وجنوب شرق آسيا وغيرها، واستطاعوا استقطاب جماعات متطرفة محلية، ومقاتلين جدد، وعملوا على تأسيس ولايات جديدة وخلايا نائمة تنتظر التعليمات للقيام بعمليات إرهابية، بالإضافة لاستمرار كل واحد منهم فى إلهام شبكة من الذئاب المنفردة القادرة على التقاط رسائل التنظيم وتعليماته للقيام بعمليات محددة. أما فكرة الخلافة التى روج لها تنظيم داعش، فسوف تستمر فى إلهام التنظيمات الإرهابية فى العالم، وستبقى مصدر إلهام لهجمات إرهابية متفرقة، حتى لو لم تكن هناك أى خلافة على الأرض.

أيديولوجية الارهاب لن تقضى عليها الماكينة العسكرية الامريكية وسوف تظل قائمة حتى بعد الهزيمة العسكرية. وصلاحيته الفكرية ستتمدد حتى وإن سقطت دولته المزعومة. هذا يستدعى البحث عن استراتيجيات جديدة للمواجهة تبدأ، أولا، بالبحث الجدى عن الأسباب والتصدى لها بمقاربة متعددة الابعاد، وليس فقط البعد الأمنى على اهميته.

نقلا عن جريدة الاهرام الخميس  15 سبتمبر 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/20894/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M