د. حسين الاسدي
تواجه الحكومة العراقية الجديدة بعد حكومة رئيس مجلس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي تحديات كبيرة ومهمة تؤثر تداعياتها على عموم الوضع العراقي الداخلي، بل والمنطقة برمتها، وحيث ان هذه التحديات مختلفة يمكننا ان نعتمد مبدأ التقسيم الثلاثي (principle of triple division).
الاقتصاد والامن ومكافحة الفساد…
ان التحديات الثلاثة تتمظهر بأشكال اخرى يمكننا ان نحصرها في تسعة تحديات هي كالآتي:
1.الانتخابات المبكرة.
2.انصاف المتظاهرين.
3.الموازنة الاتحادية.
4.مكافحة الفساد.
5.اعادة هيبة الدولة.
6.اصلاح النظام الإداري.
7.اصلاح النظام الاقتصادي.
8.اصلاح السياسة الخارجية.
9.الاستغناء عن القوات العسكرية الأجنبية في العراق.
تحدي الاقتصاد: ان من التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة القادمة الاقتصاد الأحادي القطاع (mono-product economy) الذي يعتمد على النفط كمصدر وحيد لأعداد الموازنات على الرغم من كون العراق يمتلك ثروات هائلة في مجالات أخرى صناعية وزراعية وسياحية وغيرها تمكنه من التحول الى الاقتصاد المتنوع القطاعات (diversified economy) والنفط قد يهبط بشكل طبيعي وغير طبيعي حتى وصل الى اسوء أسعاره منذ عقود فكما هو معلوم ان النفط في نزول مستمر وان تصاعدت أسعاره وهو امر طبيعي بوجود الطاقة البديلة (Sustainable energy) التي ستحل محل الوقود الأحفوري (Fossil fuel) مثل البترول، والصخر الزيتي (Oil shale)، والغاز الطبيعي، وهي طاقة أقل ضرراً على البيئة، وأكثر ديمومةً، لاعتمادها بشكلٍ أساسي على الموارد الطبيعية المتجددة، وهذا نزول طبيعي كما ان جائحة كورونا (COVID-19) سبب هبوطاً لأسعار النفط بشكل غير محسوب ولا مدروس فهو من الأسباب غير الطبيعية لهبوط النفط وتأتي الازمة الاقتصادية مع فقدان صناديق الاستثمار السيادية (Sovereign wealth fund) وهو صندوق يخضع لنفس فكرة صندوق الاستثمار العادي ولكنه لا يدير أموال افراد ولا شركات ولا هيئات، إنما يدير أموال دول وحكومات.
هل معنى ذلك أن كل دولة تملك صندوقاً سيادياً؟
الجواب: نعم ينبغي على الدول ذات الاقتصاد الأحادي إن يكون لها الصندوق السيادي، لتأمّن لمواطنيها مستوى من العيش الكريم في حالات الازمات والهبوط الحاد المفاجئ للدخل الأحادي.
في ظل هذه الأوضاع الكارثية وفقدان السياسات المدروسة للمراحل المنصرمة من عمر الدولة العراقية لا شك ان الازمة ستلقي بظلالها الكثيفة على الفرد والمجتمع والدولة بأسرها.
هذا وإذا اخذنا بنظر الاعتبار البطالة المقنعة (Disguised Unemployment) التي وصلت الى مستويات لا نظير لها في جميع دول العالم فالنسبة المأوية لأعداد الموظفين الحكوميين في سائر دول العالم لا تتجاوز 1% من نسبة السكان الاّ اننا نجد ان العراق تتجاوز النسبة 9% وهو رقم كبير جداً وإذا ضممنا له الاعداد الغفيرة من المتقاعدين فلا شك ان النسبة تصل الى أكثر من 14% وهذه ارقام مرتفعة جداً مع الاخذ بنظر الاعتبار الاعداد الوهمية (فضائيين) من الموظفين والمتقاعدين فضلاً عن تعدد المرتّبات لدى شريحة لا يستهان بعددها ولأسباب مختلفة.
فاذا كنا نتحدث عن ازمة المعاشات فما بال التنمية المستدامة (Sustainable development) والاعمار والبناء فالعراق يحتاج الى كل المستلزمات الأساسية والبنى التحتية (Infrastructure) فالنقص الحاد في مجال الصحة والتعليم والطرق والجسور والكهرباء والاتصالات والمواصلات والماء والمجاري كل هذه وغيرها تمر بأوضاع صعبة للغاية تتطلب جهوداً استثنائية كي تصل الى الوضع الطبيعي لها.
وتحدي الاقتصاد يعد الأهم والابرز في هذا المقطع الزمني من عمر العراق.
تحدي الامن: وأما تحدي الامن فالعراق محاط بعناصر ضاغطة تهدد امنه داخلية وخارجية، ترتبط بعوامل محلية وإقليمية دولية.
فالصراع الدولي والإقليمي يأخذ اشكالاً مختلفة تتجه بطرق متعددة نحو العراق لتجعل منه ساحة لتصفية الحسابات، فما زال المنحنى التصاعدي الخطير للتصعيد المستمر بين دول الإقليم والقوى الدولية يسحب العراق الى سياسة المحاور التي تتضح من حجم التدخلات في الشأن العراقي وانتهاك سيادته وبأعذار مختلفة، تارة بحجة الامن القومي لهذه الدولة وتلك وتارة بحجة الدفاع عن النفس وتطويق مواقع الخطر وبؤر الازمات، يجتمع مع هذا كله داخل عراقي ممزق سياسياً لا يجتمع على مفردات مشتركة تسمح بان يتحول هذا الطرف أو ذاك أو هذا المكون أو ذاك حاضنة للتوتر في عموم العراق، فالموقع الاستراتيجي الذي يمتلكه العراق والذي يفترض ان يحوله الى نقطة التقاء بين الأمم والشعوب والثقافات الجيوسياسية (Geopolitics) صار نقطة التقاء للصراعات المحتدمة، وكل طرف يحاول جر العراق الى دائرة التأثير والتأثير غير المتبادل (Exchange interaction) ، ونتيجة لعوامل زمنية منها الإرهاب نشأت قوى محلية خارجة عن سلطة الدولة والقانون تستفيد من اضطرابات المنطقة والداخل العراقي كي تعيش أطول فترة ممكنة فالاضطرابات الاجتماعية والتهديد المستمر كما انه يتطلب التصدي قاد الى ظهور كيانات قد تكون اقوى في بعض الأحيان من سلطة الدولة واكثر تغولاً على المواطن.
ان تحدي الامن لخلق توازن بين صد الإرهاب وحفظ سيادة البلد وبين الاعتماد على قوى اجتماعية تتغول أكبر من الدولة ومؤسساتها ومنع التدخلات الخارجية ورفض تحول العراق الى ساحة صراع على طريقة المحاور يبقى تحدياً جدياً فضلاً عن تحدي الجماعات المتطرفة التي تبرز بين الحين والآخر فمن القاعدة الى داعش (ISIS) وهكذا عصابات الجريمة المنظمة.
تحدي مكافحة الفساد: ان الفساد يبقى الآفة الكبيرة التي ابتلعت الدولة وكانت سبباً رئيساً في وصول العراق الى حافة الهاوية فالأرقام التي نطلع عليها، والمؤشرات التي يخضع لها العراق تجعل منه واحدة من اكثر الدول فساداً في العالم، فخلال أربعين عاماً من الثروات الطائلة لم يجنِ المواطن غير الخراب والدمار والموت وسوء الخدمات، ان سوء الإدارة والنفوس الضعيفة والمنظومات المتخلفة هي التي انتجت هذا الفساد المتغول فليس من مرفق من مرافق الدولة الا ودخله الفساد وضرب فيه اطنابه فموازنات انفجارية تكفي لبناء عراق مزدهر وآمن ومع هذا لا نجد شيئاً يذكر وكذلك اشخاص أصحاب دخل محدود وفجأة اصبحوا من ذوي الثراء الفاحش، الى أحزاب سياسية يوازي انفاقها دولاً لا يسألون من أين لك هذا؟ الى موانئ تعمل ليلاً ونهاراً وشركاتها خاسرة لا تدر على الدولة شيء وخطوط جوية تربح في كل مكان آمن الا في العراق وشركات الصناعة والتجارة خاسرة وتمول مرتبات موظفيها من الدولة، ومنافذ حدودية يفترض انها تضيف دخلا تعدد من خلاله القطاعات للموازنة العراقية…الخ فالأمثلة كثيرة وكبيرة يطول استعراضها.
اننا نعلم ان المشرع العراقي قد غطى الرقعة الحياتية التي يمكن ان تحافظ على المال العام، ولكن عدم الالتزام بها تارة النظم الإدارية تارة اخرى هي من اثّرت بشكل مباشر أو غير مباشر في خلق مناخات تعتاش عليها طفيليات الفساد وتنمو وتسيطر.
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز